أحفاد الفراعنة في بحثٍ مستمر عن كنوز الآبار
تطوير تقنيات جديدة للإفادة الاجتماعية والاقتصادية في مصر من موارد المياه الجوفية:
النيل والتاريخ والجمال صنعوا حضارة مصرية ساحرة مبهرة للعالم، وعلى الرغم من اعتقاد العالم أنها المرة الأخيرة التى سيقفون فيها عاجزين عن التعبير أمام انبهارهم بكنوز مصر، تُعاوِد مصر إبهارهم من جديد ، ليس فقط بالآثار وفنون العمارة و غيرها، بل أيضًا بثروات أرضها، وكيف أن الأفكار المصرية تحاول جاهدة في زيادة قيمة للكنز فوق قيمته؟
كانت الحياة قائمة على النيل منذ زمن أجدادنا الفراعنة، وبجانب النيل كانوا يسعون في شتى الطرق لحمايتهم من مخاطر العطش والصحراء، وذلك بوجود آبار مياه جوفية صالحة للشرب والزراعة والحياة بشكل كامل.
و مع مرور الوقت والعوامل التى حاولت إبهات لمعان كنز الآبار، عاود أحفاد الفراعنة التفكير في كيفية إزالة الغبار من فوق كنوز صحرائهم “الآبار والعيون”،
وهذه كانت فكرة المشروع البحثي التطبيقى الصناعي، الذى قام به فريق بحثي من كلا البلدين: مصر وإنجلترا، لتحلية ومعالجة المياه الجوفية، ووضع رؤية جديدة في تصميمات وحدات تحلية المياه عن طريق استغلال أحدث أساليب التكنولوجيا.
و كانت فكرة الدكتور/ حسام الناظر- أستاذ علوم الطاقة ومعالجة وتحلية المياه بالمركز القومى للبحوث – هو وفريقه البحثي، بنقل التكنولوجيا الإنجليزية الرائدة والمختصة في مجال تحلية ومعالجة المياه، بحيث تُنفَذ بخامات وصناعة مصرية، من خلال تصميم وإنشاء محطات لتحلية المياه بتكنولوجيا جديدة تسمى “تكنولوجيا الحفز الضوئي والتناضح العكسي”.
وحدة تحلية المياه لا بد من أن تمر بمرحلتين أساسيتين:
في المرحلة الأولى: وهى مرحلة المعالجة المبدئية، حيث يُستخدَم بها مرشحات يتم من خلالها إزالة الشوائب العالقة، ويتم أيضًا استخدام التحفيزالضوئي، الذي يعمل على إزالة الملوثات العضوية الذائبة عالية السُمّيَّة الموجودة بشكل متزايد في المياه الجوفية.
أما في المرحلة الثانية: وهى نظام التحلية الذي يتم من خلاله استخراج المياه النظيفة من المياه الجوفية.
مما يضمن فصل المياه الحلوة، أو ما يُقصَد بها المياه الصالحة للاستخدام بشكل أساسي في الزراعة وأي استخدامات أخرى.
تكمُن ميزة المشروع عن سابقيه فى التفكير الإستراتيجي، والتركيز الدائم على النقطة الاقتصادية، حيث إن المحطات سوف تساعد في توفير الطاقة لأكثر من 50%، وخفض سعر المتر المكعب إلى ثمانٍ جنيهات فقط..
القائمون على المشروع، من باحثين ومهندسين وعمال وفنيين، بدأوا خُطاهم مصحوبة بإشراف دائم من الفريق الإنجليزي، مع مساندة قوية من شريك تسويقي قوي “شركة جيسيكو”، وكانت الخطوة الأولى، هى تنفيذ أول وحدة تجريبية تسويقية على أرض الواقع قادرة على تغذية ومد مدينة كاملة، وقد انتهوا بالفعل من أكثر من 90% منها، بالرغم من أنه كان من المفترض أو المتفق عليه أنه سوف يتم الانتهاء في خلال عامين، ولكن همة وشغف المصري دفعته إلى الانتهاء من التنفيذ في خلال عام وأقل.
هناك قاعدة كانت سائدة لفترة طويلة، أن في مصر فجوة كبيرة بين مجال البحث العلمى والتطبيق الصناعي، وهذا يؤثر بنسبة كبيرة على الاستفادة من الأبحاث العلمية وعدم استغلال نتائجها.
لكننا اليوم نجد أنه أُثبِتَ العكس، حيث تم الإيمان بفكرة المشروع وتنفيذها على أرض الواقع في أسرع وقت، مما يثبت أن جميع جهات الدولة والصناعة في نفس اتجاه الباحثين، كلاهما أمام هدف واحد، وهو الإفادة العامة.
التكنولوجيا دائمًا في مساعدة صاحبها، ولكن في حالة استغلالها بشكل صحيح. هناك أماكن كثيرة حَوْلنا بدأت في الاعتماد بشكل ملحوظ على المياه الجوفية، وخاصة مع تزايد السكان في جميع أنحاء العالم، وعدم كفاية المصادر السطحية لتغطية الاحتياجات المائية، وهنا في مصر بدأت مواجهة ما يُسمَّى بالفقر المائي العائق، الذي يقابل الدولة ويوقف مسيرتها في الاستثمار بالتوسُّعات العمرانية.
ولكن بوجود هذا المشروع البحثي الذي يستهدف المناطق السكنية الجديدة، التى تواجهها عقبات في توصيل مياه النيل إليها، أصبح بمقدور الدولة تكملة الطريق لإنشاء مناطق سكنية معتمدة في تنفيذها على المياه الجوفية.