آليات حس اللمس والحرارة تخطف جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا لعام 2021

بعد عام ونصف من بداية الجائحة المدمرة وبعد الجهود الشاقة التي بذلت لتطوير العديد من اللقاحات الفعالة للغاية، كانت جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا لهذا العام مفاجأة. فقد منحت لاكتشافات متعلقة بطريقة استشعار الجسم البشري للحرارة واللمس.

أعطيت الجائزة بالتشارك للأمريكي (ديفيد جوليوس)من جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، والأمريكي من أصل لبناني (أرديم باتابوتيان) من معهد سكريبس للأبحاث في لاهويا. لاكتشافهما الأسس الجزيئية للطريقة التي تحوُّل بها الأعصاب المنبهات؛ كحرق الفلفل الحار، أو الضغط اللطيف عند العناق، إلى إشارات كهربائية يمكن للدماغ أن يفهمها ويفسرها.

تعتبر قدرة البشر على الإحساس بالحرارة، والبرودة، والضغط والوضعية أمرًا حيويًا لإدراك محيطنا والتفاعل معه. حيث تُرسِل مستقبلات الحسّ المكتشفة إنذاراتٍ للجهاز العصبي عند تعرضها لحرارة مرتفعة جدًا أو لبرودة شديدة. كما أن فهم كيفية عمل هذه المستقبلات أمر بالغ الأهمية لعلاج حالات الألم المزمن وعدة حالات أخرى.

قال عضو لجنة نوبل (باتريك إرنفورز) في المؤتمر الصحفي الذي أعلنت فيه الجائزة يوم الإثنين في السويد، أن عمل (ديفيد جوليوس) و(أرديم باتابوتيان) قد “كشف النقاب عن أحد أسرار الطبيعة”. فقد أمضى العلماء سنوات في البحث عن مستقبلات حس اللمس والحرارة قبل أن يبدأ جوليوس وباتابوتيان عملهما. في هذا الصدد يقول (والتر كوروشيتز) مدير المعهد الوطني الأميركي للأمراض العصبية والسكتة الدماغية في بيثيسدا، ماريلاند:

“الجميع كان يعلم بوجود هذه المستقبلات، لكن لم يتمكن أحد من العثور عليها. ثم خرج إلينا الفائزان بطرق ذكية لسبر تلك البروتينات المستعصية.”

والتر كوروشيتز

عمل جوليوس وزملاؤه من جامعة سان فرانسيسكو على إيجاد مستقبل بروتيني للكابسيسين؛ وهو مكوّن موجود في الفلفل الحار قادرٌ على إحداث إحساس حارق. كانت أكبر عقبة في طريقهم هي كيفية البحث في مكتبة تضم الملايين من شدف الحمض النووي بما تشفره من بروتينات مختلفة في الخلايا العصبية الحسية؛ للعثور على البروتين الذي يتفاعل مع الكابسيسين. تجاوز جوليوس هذه المشكلة بإدخال الجينات إلى خلايا لا تستجيب عادةً للكابسيسين، حتى استطاع في النهاية تحديد الجين الذي يجعل تلك الخلايا قادرة على الاستجابة له. يشفر الجين المكتشف بروتينًا جديدًا يدعى TRPV1.

 يمثل هذا البروتين قناةً للأيونات موجودة في أغشية الخلايا. تفتح هذه القناة استجابةً للحرارة فتسمح بعبور الجزيئات والذرات المشحونة من وإلى داخل الخلية. عندما  يصادف TRPV1 الكابسيسين، تفتح القناة فتعبر شوارد الكالسيوم إلى داخل الخلية. يطلق تدفق الكالسيوم هذا إشارات كهربائية تصل إلى الدماغ لتحذره من وجود مادة حارة.

وقد حدد جوليوس باستخدامه مركب المينتول البارد بروتينًا آخر مسؤول عن الإحساس بالبرودة ويدعى TRPM8. في ذات الوقت تمكن (باتابوتيان) من اكتشاف هذا المستقبل بمفرده وبصورة مستقلة عن (جوليوس).

إضافةً إلى ذلك، حدد باتابوتيان وزملاؤه جينات البروتينات التي تتحسس اللمس، والمعروفة باسم Piezo1 وPiezo2. وأثبت أن هذين البروتينين عبارة عن قنوات للأيونات تنشط بفعل الضغط. ووجد أيضًا أن للبروتين Piezo2 أهمية في استشعار مواقع الأطراف الأربعة في الفضاء، وهي قدرة تعرف باسم”الحس العميق”. كما أنه يساعد الأعصاب في الرئتين على منع الأعضاء من الانتفاخ الزائد. وله أثر في وظائف المثانة والأمعاء أيضًا. أما البروتين Piezo1 فله دور آخر في تنظيم مستويات الحديد في الدم.

(إيرهو كاو)، الأستاذ المساعد في الكيمياء الحيوية بجامعة أوتا، والذي عمل سابقًا باحثًا ما بعد الدكتوراه في مخبر ديفيد جوليوس، يقول أنه ليس متفاجئًا من حصول باحث جامعة سان فرانسيسكو على جائزة نوبل لعمله. ويضيف بقوله أن الإحساس بالحرارة أمر جوهري للغاية. إذا لم تستطع استشعار الحرارة، فقد تشرب قهوة ساخنة جدًا دون أن تلاحظ ذلك. إن الاستجابة للألم تهدف لحمايتك بصورة أساسية، لكن إذا فشلت هذه الاستجابة، فقد تتسبب بحدوث ألم مزمن.

ويمكن أيضا الاستفادة من حقيقة أن التعرض المتكرر للكابسيسين يجعل الخلايا العصبية أقل حساسية، فإذا وضعنا لاصقًا قويًا مع كثير من الكابسيسين بموجب وصفة طبية، سنقضي على الاستجابة بالألم.

هذه العلاقة بين المستقبلات المكتشفة وحس الألم جعلت شركات الأدوية تكافح لأجل تطوير معالجات حديثة باستخدامها. حيث يمكن أن تؤمن العلاجات القائمة على هذه العلاقة بديلًا أفضل عن مسكنات الألم المسببة للإدمان كالأفيونات.

لكن لا بد من وجود بعض التحديات الكبرى هنا. أحد هذه التحديات هي أن الإحساس بالألم قد يكون ضروريًا في بعض حالاته. بغرض تنبيه الدماغ لوجود المنبه الألمي. فقد يخاطر الناس بأخذ حمامٍ ساخن أو قد يحرقون أياديهم على الموقد. والتحدي المهم الآخر، هو أن نفس القنوات التي تتواسط الإحساس بالحرارة، تساهم في التحكم بدرجة حرارة الجسم. فعند معاكسة وظيفتها بالأدوية ستسبب حمى خفيفة. إن القنوات الأيونية التي اكتشفها جوليوس وباتابوتيان لها أدوار شتى وتتوسط عمليات عديدة، هذا ما يجعلها هدفًا صعبًا ومستعصيًا بعض الشيء على الأدوية والعقاقير. لكن هذا من غير أدنى شك لا يقلل من أهمية عمل العالمين. العمل الذي فتح آفاقًا واسعة أمام علم الأعصاب.