جسم الإنسان في الفضاء
ما هي التغييرات التي تطرأ على الإنسان في الفضاء ؟
يحاول فريق برنامج الأبحاث البشرية التابع لوكالة ناسا الإجابة عن هذا السؤال منذ أكثر من عقد مضى. فالفضاء مكان شديد الخطورة ولا يرحب بوجود البشر فيه. حيث يُعزَلُ روّاد الفضاء عن أصدقائهم وعائلاتهم ويتعرضون لإشعاعات ترفع من احتمالية الإصابة بمرض السرطان ويُجبَرون على الالتزام بحمية غذائية تتكون بشكل كبير من الأطعمة المجمدة والمجففة. كما ويمارسون التمارين الرياضية بشكل يوميّ حتى لا تضمر عظامهم وعضلاتهم من قلة الحركة. إضافةً إلى ذلك، يتم ابتكار جدول عملٍ مدروس وذو وتيرة عمل عالية ليلتزموا به أثناء تواجدهم في الفضاء مع ثلاثة زملاء تم اختيارهم بشكل عشوائي.
لكن ما الذي يحدث للجسم البشري في الفضاء وما هي المخاطر المترتبة على ذلك؟ وهل تتساوى نسبة الخطر التي يتعرض لها رواد الفضاء عند قضائهم ست أشهر في محطة فضائية مع نسبة الخطر التي يتعرضون لها عند قضاء ثلاث سنوات في بعثة إلى كوكب المريخ؟ في واقع الأمر هناك العديد من المخاطر التي يدرسها فريق بحث وكالة ناسا فيما يتعلق بالبعثات إلى كوكب المريخ، حيث قاموا بتقسيم هذه المخاطر إلى خمس مجموعات اعتمادًا على نسبة الضغط والإجهاد التي يخضع لها المسافر عبر الفضاء.
تنحصر هذه المخاطر ضمن المجموعات التالية:
- حقول الجاذبية
- العزلة
- البيئة المعزولة و العدائية
- الإشعاعات الفضائية
- البعد عن كوكب الأرض
كان Scott Kelly أول مواطن أمريكي يقضي ما يقارب سنة كاملة في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية؛ الأمر الذي يعد سابقة نظرًا لأنه يشكل ضِعفَ المدة الاعتيادية. ونظرًا لأن العلم يستغرق وقتًا ليثمر عن نتائج ملموسة، يقوم الباحثون حاليًا بتحليل نتائج البعثة لمعرفة مدى تأثر جسم الانسان بعد قضاء سنة في الفضاء. فقضاء سنة واحدة في الفضاء يعد نقطة الانطلاق لقضاء ثلاث سنوات في المريخ، حيث ستساعد بياناتُ رحلة Scott في تحديد مدى ملائمة الحلول التي يعملون على تطويرها للرحلات الفضائية المستقبلية التي تتسم بكونها طويلة ومُضنية. ولكن احذر فقد تكون المعلومات التي ستقرأها مروّعة. إلا أنّ الخبر الجيد هو أنّ وكالة ناسا لا تزال تعمل على حلّ هذه المشاكل بالتعاون مع أنبغ العقول في هذا المجال. لذلك كن مطمئنًا، فنحن سنكون على أتم الاستعداد عندما تخطو بجسارة نحو كوكب المريخ.
1. حقول الجاذبية
هنالك ثلاث حقول جاذبية ستشعر بوجودها في بعثة إلى كوكب المريخ؛ ففي رحلة بين الكواكب لمدة ست أشهر سينعدم وزنك. وعند وصولك إلى سطح المريخ سوف تشهد العيش والعمل بجاذبية تقارب ثلث الجاذبية الأرضية، أما عند رجوعك إلى كوكب الأرض سوف تضطر إلى التكيف ثانية مع الجاذبية الأرضية التي نعتبرها أمرًا مسلّمًا به. فالانتقال من حقل جاذبية إلى آخر يعد أشدّ صعوبة مما يبدو عليه الأمر؛ حيث يؤثر على:
- التوجه المكاني
- مهارات التنسيق بين العين واليد
- التوازن
- القدرة على الحركة والتنقل
- دوار الحركة
كما وأنّ هبوط مركبة فضائية على كوكب المريخ يعدُّ من أشد المواقف خطورة، حيث وجدت وكالة ناسا أنّ افتقار جسدك للجاذبية يؤدي إلى انخفاض نسبة المعادن في عظامك؛ بحيث تفقد العظام كثافتها بنسبة 1% في الشهر مقارنة بمعدل فقدان كثافة العظام الطبيعي لكبار السن في كوكب الأرض الذي يتراوح ما بين 1 إلى 1.5 بالمئة في السنة. وحتى بعد الرجوع إلى كوكب الأرض، قد تواجه احتمالية عدم استعادة عظامك لكثافتها الطبيعية -حتى بعد الخضوع لإعادة التأهيل البدني- مما يعني أنك ستكون معرضًا بشكل أكبر من غيرك للكسور الناتجة عن هشاشة العظام عندما يتقدم بك العمر.
كما وأنّ عواقب عدم ممارسة التمارين الرياضية والالتزام بحمية مناسبة تتسع لتشمل فقدان كل من القوة العضلية وقدرة التحمل العضلية وعدم تكيف القلب والأوعية الدموية نتيجة خمولها أثناء الرحلة إلى المريخ وذلك لأن الدماء تطفو بسهولة في الفضاء. كما ويتحول مسار السوائل في جسدك صاعدًا باتجاه رأسك، مما يولّد الضغط على عينيك مسبّبًا مشاكل في الرؤية. ومن المحتمل أن ينتج جسدك حصى الكلى وذلك بسبب افتقار جسدك للماء وزيادة إفراز عظامك للكالسيوم، ومن المثير للاهتمام أن تأثير الأدوية على جسدك يختلف في الفضاء عنه في كوكب الأرض. كما وأن تناول قدر كافٍ من الطعام يعد من أشد الأمور أهمية وذلك لأن فقر التغذية يؤدي إلى المخاطرة بالصحة العامة لجسدك؛ حيث تتطلب كل خلية من خلايا جسدك وكل نظام يعمل على المحافظة على صحتك تناول قدر كافٍ من العناصر المغذية.
الحل:
تم استحداث طرق للحماية من التغييرات الجسدية التي يشهدها الجسم عند الذهاب إلى كوكب المريخ من خلال تحليل الكيفية التي يتغير فيها جسم الانسان عندما يكون في محيط ينعدم فيه وزنه وحين يعود إلى محيط الجاذبية الأرضية. حيث يتم وضع اختبارات الوظائف العملية موضع التنفيذ للمساعدة في رصد تأثير الفضاء على توازنك الجسدي وأدائك، وبالتالي الحد من تأثيره ما أمكن. كما ويتم تنفيذ اختبارات المهارات الحركية الدقيقة لرصد أية تغييرات في قدرتك على التفاعل مع الأجهزة الحاسوبية.
إضافةً إلى ذلك، يخضع انسياب السوائل في جسدك للمراقبة عن كثب وذلك لتقييم ارتباطه بأي تغيرات في حاسة البصر لديك. كما وأن الأصفاد الضاغطة التي يتم ارتداؤها على الفخذين ستحافظ على تواجد الدم في أطراف جسدك السفلى لمقاومة أي تغييرات في حاسة البصر لديك. أما بالنسبة لآلام ظهرك فسيتم مراقبتها من خلال إخضاع عمودك الفقري للموجات فوق الصوتية. كما وستقوم بإجراء تقييم ذاتي دوريّ للياقتك البدنية وذلك لمساعدة الباحثين في فهم التدني في وظائف القلب والأوعية الدموية الذي يطرأ خلال الرحلات الفضائية.
إنّ بعض العقاقير -مثل سيترات البوتاسيوم (K-Cit)- قد تساعد في مكافحة التغيرات الوظيفية التي ترفع من احتمالية تشكّل حصى الكلى. كما وأن عقاقير البيسفوسفونات قد تكون فعّالة في الحد من انخفاض كثافة العظام. إضافةً إلى ذلك، طوّرت وكالة ناسا طريقة عملية لجمع وقياس كمية البول التي يصدرها جسدك في الفضاء، الأمر الذي يعد حجر أساس للبحوث البشرية نظرًا لأنه يزود الباحثين بمعلومات قيّمة عن صحتك. كما وستتلقى تغذية مناسبة بما يتضمن مكملات فيتامين(د) نظراً لأنك لاتستطيع المشي خارج مركبتك الفضائية تحت أشعة الشمس. وتبيّن أن التمارين الرياضية المنتظمة تساعد في المحافظة على صحة قلبك وقوة عظامك وعضلاتك وتيقّظ دماغك والإبقاء على نظرة إيجابية لواقعك وتوازنك ومهارات التنسيق بين العين واليد.
2. العزلة
وجدت وكالة ناسا أنَّه لمن الحتمي أن يعاني الأفراد من مشاكل سلوكية نتيجة تواجدهم في مساحة صغيرة ومزدحمة لفترة طويلة بغضّ النظر عن مقدار التدريب الذي تلقوه. حيث يتم اختيار طاقم البعثة التي ستسافر خارج محطة الفضاء بعناية قصوى ويخضع أفرادها للتدريب ويتلقون الدعم وذلك للتأكد من قدرتهم على العمل بفعالية كفريق واحد لمدة ستة أشهر. ويخضع أفراد طاقم بعثة كوكب المريخ إلى رقابة وإعداد بدرجة أكبر وذلك لأنهم سيسافرون لوقت أطول ولمسافة أبعد مقارنة بمن سبقهم من روّاد الفضاء، مما يعني أنهم سيشعرون بالعزلة بدرجة تفوق تصوراتنا.
تتنوع المشاكل السلوكية التي قد تصادفها أثناء رحلتك لتشمل هبوط في الحالة العامة للمزاج أو هبوط في المعنويات أو انخفاض الإدراك أو قلة التواصل بين الأفراد. كما وقد تعاني من اضطرابات النوم نتيجة اضطراب ساعتك البيولوجية بسبب:
- اختلاف التوقيت في كوكب المريخ؛ حيث يزداد طول اليوم في المريخ بنسبة 38 دقيقة مقارنة باليوم الأرضي.
- البيئة المحدودة والصاخبة
- الإجهاد الناجم عن العزلة المطوّلة
كما وقد تعاني من الاكتئاب أو الاجهاد الناجم عن عبء العمل الثقيل الملقى على عاتقك وجدول العمل الذي يتغير باستمرار. إنّ رتابة وتيرة العيش في المريخ قد تؤدي إلى شعورك بالملل، كما وقد يتأثر أداؤك ونجاح البعثة بسبب سوء التفاهم أو إعاقة عملية التواصل بين أفراد فريقك. إضافةً إلى ما سبق، قد يساهم الافتقار إلى الطعام الطازج وسوء التغذية في تدهور وظائف أعضاء الجسم وتدهور القدرة على الإدراك. كما وقد يقتضي الأمر من طاقم العمل أن يصدروا القرارتِ بشكل ذاتي ومستقلّ نظرًا لتأخر الاتصال ما بين المركبة الفضائية وكوكب الأرض. ومن ثم ستواجه احتمالية التعرض لتأثير الربع الثالث (third-quarter effect) والذي يشير إلى انخفاض المعنويات والتحفيز خلال ثلاثة أرباع طريق الرحلة إلى المريخ بغض النظر عن المدة الزمنية للبعثة. فكلما ازدادت عزلة البشر ازدادت احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية والمعاناة من المشاكل السلوكية والإدراكية.
الحل:
قضت وكالة ناسا سنوات طوال وهي تجري أبحاثًا على أشخاص يعيشون في بيئات معزولة لسنوات، وأدت أبحاثهم إلى تطوير استراتيجيات وتقنيات تتصدى لمشاكل محتملة الحدوث. حيث أنهم يستخدمون حاليًا أجهزة ذكية –كتقنية رصد دورة الحركة والخمول (actigraphy)- التي تساعد في تقييم وتحسين مرحلتي النوم والتيقظ لديك من خلال تسجيل مقدار حركتك وكمية الضوء المحيطي. كما ستُستَخدمُ تقنية إضاءة حديثة – حيث حفز تطويرُ تقنية الصمام الثنائي الباعث للضوء (LED) تطويرَ هذه التقنية- في محطات الفضاء لمساعدتك على تنسيق إيقاع ساعتك البيولوجية؛ الأمر الذي من شأنه تحسين نومك وتيقّظك وأدائك بشكل عام. حيث تستطيع أن تقيّم تأثير الإجهاد على أدائك باستخدام اختبار ذاتي يستغرق خمس دقائق فحسب.
كما وتعتبر المذكّرات مكانًا آمنًا للتخفيف من إحباطك وتعدُّ أداة تساعد الباحثين على دراسة المشاكل السلوكية والأفكار الأخرى التي تجول في عقول أفراد الطاقم الذين يعيشون ويعملون في عزلة تامّة. حيث تساعدنا هذه الاستراتيجيات والتقنيات في تجهيز بعثات استكشافية تسبر غور أماكن أبعد ولمدة أطول.
3. البيئة المعزولة و العدائية
وجدت وكالة ناسا أنّ النظام البيئي داخل السفينة الفضائية يلعب دورًا رئيسًا في الحياة اليومية لرائد الفضاء، حيث تمتلك الميكروبات القدرةَ على تغيير خصائصها عند وصولها الفضاء. أما بالنسبة للكائنات المجهرية التي اتخذت من جسدك موطنًا طبيعيًا لها فإنها تنتقل من شخص لآخر بسهولة أكبر في البيئات المغلقة مثل محطة الفضاء. كما وترتفع مستويات هرمون التوتر في جسدك مما يؤدي إلى تنبّه جهازك المناعي، الأمر الذي بدوره يؤدي إلى زيادة قابلية التعرض للحساسية والأمراض. إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون كل إنش من جسدك وكل تفصيل من تفاصيل حياتك مدروسًا ومصممًا بدقة عالية، فكما لا ترغب أن يكون منزلك شديد البرودة أو شديد الحرارة أو ضيقًا ومكدسًا أو شديد الصخب أو حالك الظلام، لن ترغب بالعمل في محيط يتصف بما سبق في عزلة الفضاء.
الحل:
تستخدم وكالة ناسا تقنيةً لمراقبة نوعية الهواء في محطة الفضاء للتأكد من أنّهُ غير ملوّث بغازات ضارّة كغاز الفورمالدهيد أو الأمونيا أو أول أوكسيد الكربون وبالتالي يكون آمنًا ليتنفسه روّاد الفضاء. كما ويتم تحليل عينات البول وعينات الدم للتأكد من أنّ الضغط الناتج عن رحلة الفضاء لم يؤدي إعادة تنشيط بعض الأمراض المعدية الخاملة كفيروس ابشتاين بار (Epstein-Barr virus). كما وسيتم تقييم خطر الميكروبات التي قد تنشر الأمراض بين أفراد الطاقم من خلال استخدام التقنيات الجزيئية المتقدمة.
إضافة إلى ذلك، يتم مسح أجزاء مختلفة من جسدك ومن المحطة الفضائية ليتم تحليلها مخبريًا بحثًا عن أيّ مجموعات ميكروبية تعشعش في محيط العمل. ويتم تطبيق تقنيات رصد فعّالة للتعرف على الطريقة التي يتغير فيها نظام المناعة في الفضاء وذلك بتحليل عينات الدم واللعاب والبول. أما بالنسبة لمكان إقامتك وبيئة عملك، يتم تخطيط التصميم بدقة عالية بحيث يوازن ما بين الراحة والفعالية، وتكون الإضاءة شبيهة بتلك التي اعتدت عليها في كوكب الأرض وذلك بفضل نظام إضاءة LED الحديث.
4. الإشعاعات الفضائية
تعد الإشعاعات الفضائية أخطر جوانب السفر إلى المريخ؛ لذلك يتم تعريض روّاد الفضاء -أثناء تواجدهم في المحطة الفضائية- للإشعاعات بمقدار مضاعف عشر مرات مما نتعرض له طبيعيًا على كوكب الأرض. ويعود سبب عدم تأثرنا بهذه الإشعاعات الكونية الضارة أثناء تواجدنا في كوكب الأرض إلى المجال المغناطيسي والغلاف الجوي الذين يحيطان به. فعند تخطي الدروع الواقية لكوكب الأرض، يتعرض رواد الفضاء إلى الإشعاعات الفضائية مما يرفع من خطر إصابتهم بالسرطان. كما وقد تُلحِق هذه الإشعاعاتُ الضرر بجهازك العصبيّ المركزيّ (الأمر الذي تصاحبه آثار حادة فورية وعواقب مستقبلية كذلك) حيث يتجلى هذا الضرر في:
- انحراف في الوظائف الإدراكية
- انخفاض في الوظائف الحركية
- تغييرات سلوكية
وقد تسبب الإشعاعات الفضائية الشعور بالغثيان الإشعاعيّ الذي يؤدي إلى التقيؤ وفقدان الشهية والشعور بالإجهاد والغثيان بشكل عام. كما وقد يصاب رواد الفضاء بأمراض تنكّسيّة مثل إعتام عدسة العين أو الأمراض القلبية أو أمراض الدورة الدموية. أما بالنسبة للأطعمة والأدوية، فيجب أن تُحفَظَ في مكان آمن بحيث تحتفظ الأطعمة بقيمتها الغذائية وتحافظ الأدوية على قيمتها الدوائية حتى عندما تحاط بسيل من الإشعاعات الفضائية. لذلك يجب أن تكون أي مركبة موجّهة إلى كوكب المريخ والمساكن المُعدّة للاستخدام على سطحه محمية بدرجة قصوى، إلّا أن بعض أنواع الإشعاعات الفضائية تخترق طرق الحماية بغض النظر عن درجة حجبها عنها.
الحل:
تقع المحطة الفضائية ضمن المجال المغناطيسي الذي يحمي كوكب الأرض من الأشعة الضارة، لذا على الرغم من أن روّاد الفضاء لدينا يتعرضون للإشعاعات بشكل مضاعف عشر مرات عن المعدل الطبيعي إلا أن درجة تعرضهم لهذه الإشعاعات أقل بكثير من الدرجة التي سيتعرضون لها في كوكب المريخ. كما وأن هذه الإشعاعات ذاتُ نوع مختلف تمامًا عن تلك المتواجدة على كوكب المريخ. لذلك ولِضمان سلامتك، يتم وضع إجراءات الوقاية والرقابة والإجراءات التنفيذية موضع التنفيذ بحيث تسيطر على مخاطر الإشعاعات ضمن الحد المعقول.
لمعرفة حقيقة ما يحدث خارج نطاق المدار الأرضي المنخفض (low Earth orbit)، استخدمت وكالة ناسا تجهيزات الأبحاث الأرضية لدراسة الكيفية التي يؤثر فيها الإشعاع على الأنظمة البيولوجية وبالتالي حماية هذه الأنظمة. كما ويقوم فريق ناسا بتطوير طرق ابتكارية لقياس ومراقبة الكيفية التي يؤثر فيها الإشعاع عليك أثناء تواجدك في الفضاء، وبالتالي تحديد الإجراءات البيولوجية المضادة لهذه الإشعاعات. ويتم حاليًا دراسة وسائل لتحسين أساليب الوقاية من الإشعاع المخصصة لحمايتنا أثناء رحلتنا إلى كوكب المريخ.
5. البعد عن كوكب الأرض
إنّ التخطيط والاكتفاء الذاتي عاملان رئيسيان لنجاح رحتلك بعيدًا عن كوكب الأرض، حيث يبعد كوكب المريخ 140 مليون كيلومتر عن كوكب الأرض مقارنة بالقمر الذي يبعد 0.239 مليون كيلومتر. لذلك قد تطرأ بعض حالات تأخر في التواصل ما بين مركبتك وكوكب الأرض لمدة تزيد عن عشرين دقيقة، كما وقد تتعطل معداتك مما يضطرك إلى إكمال المهمة وحدك. كما وعليك أن تأخذ بالحسبان نوعية الطعام والأدوية التي ستأخذها معك في رحلة قد تستمر لثلاث سنوات دون إمكانية التسوق في المتاجر والصيدليات.
الحل:
تستخدم وكالة ناسا المحطة الفضائية (التي تقع ضمن المجال المغناطيسي للأرض) لاستكشاف طبيعة الحالات الطبية التي تطرأ في الفضاء خلال مدة ست اشهر وللتعرف على نوعية المهارات والإجراءات والمعدات والأدوية اللازمة أثناء الرحلة الفضائية؛ لذلك ستتكون لديك فكرة متكاملة عن نوعية الأطعمة والأدوية التي يجب أن تصطحبها إلى المريخ. وللحصول على محلول ملحيّ طبيعيّ بهدف استخدامه لغايات طبيّة، يمكنك إعداد محلول وريدي من حجرة الماء النقي في المحطة الفضائية. كما وستتلقى -وأفراد طاقمك- تدريبًا يمكّنكم من إجراء فحص الموجات فوق الصوتية بهدف مراقبة صحة العظام وأعضاء الجسد الأخرى.
وتقوم وكالة ناسا بدراسة وتطوير استراتيجيات تركيب الطعام ومعالجته وتعبئته وأنظمة حفظه لضمان احتوائه على المُغذّيات اللازمة وللتأكد من بقائه في حالة ملائمة. كما وتمّ تطوير أدوية مقاومة لتأثير الفضاء واستحداث طرق تعبئة وتغليف تحافظ على سلامة الأدوية خلال المهمة الطويلة في كوكب المريخ.
تتخذ وكالة ناسا الإجراءات اللازمة لمجابهة المخاطر السابقة وللحد من الآثار السلبية للفضاء على جسم الإنسان. كما وستوفر نتائج رحلة Scott Kelly نظرة أكثر تعمقًا فيما يتعلق بالتغييرات التي تطرأ على الجسم البشري في الفضاء ومن ثمَّ بناء حجر الأساس لإرسال رحلات فضائية لمدة أطول. فقبل إرسال البشر في رحلة مريخية، نحرص على أن نكون قد تغلبنا على المجهول لضمان عودة آمنة لكوكب الأرض ضمن الجاذبية التي اعتدنا عليها وأحببنا وجودها على كوكبنا.