تأثير الهالة: كيف نرسم تصوراتنا عن الآخرين؟
ما هو تأثير الهالة؟
تأثير الهالة يعبر عن الميل للسماح لصفة ما أو انطباع معين عن شخص أو شركة أو حتى منتَج للتأثير إيجابًا على حكمنا على الصفات الأخرى لهذا الشخص أو الشيء.
ويعتبر تأثير الهالة من الانحيازات المنطقية ذلك لأنه يحتوي على تطبيق لحكم عام لا أساس له مرتبطٍ بسِمَةٍ معينة(Bethel, 2010; Ries, 2006).
على سبيل المثال، إذا كانت نظرتنا لشخص ما على أنه ودود ورقيق، فإننا سنعزي له عددًا من الصفات المشابهة دون أدنى معرفة بمدى صحتها، كأن نصفه بالكرم مثلًا.
تعود جذور كلمة “Halo” إلى مفهوم ديني. فهي ترمز إلى هالة النور التي تحيط برؤوس القديسين بإشارة إلى تمجيدهم أو تمجيد ورعهم. إن عددًا لا يحصى من لوحات العصور الوسطى وعصر النهضة صوّر نساءً ورجالًا مرموقين وقد أحاطت هالة من نور سماوي برؤوسهم.
كان لتلك اللوحات تأثير أيضًا، حيث أنها قادت المشاهدين إلى صوغ أحكام ملائمة عن الأشخاص الموجودين فيها. ووفقًا للمصطلح السيكولوجي ل”تأثير الهالة”، فإن وصف شخص معين بامتيازٍ واحدٍ من شأنه أن يقود إلى رسم استنتاج عام عن ذلك الشخص(Ellis, 2018).
إنّ صفة إيجابية واحدة عن الشخص من شأنها أن تنتج ميلًا تجاه كل ما يتعلق بهذا الشخص، في حين أنّ صفة سلبية واحدة من شأنها أن تؤدي إلى انطباع سلبي شامل تجاهه.
بينما يُسمى التأثير المرتبط بالاتجاه الإيجابي بتأثير الهالة، فإن التأثير المرتبط بالاتجاه السلبي، والذي سنناقشه لاحقًا، يُسمى بتأثير القَرن.
بعض الأمثلة حول تأثير الهالة:
في الصفوف المدرسية:
كشفت دراسة أجراها روزينثال وجاكوبسن عام 1986 أنّ المعلمين عادةً يبنون توقعاتهم عن الطلاب لا على أساس السجلات المدرسية فحسب، بل بناءً على المظهر الخارجي للطالب.
خلال التجربة تم تزويد المعلمين بمعلومات موضوعية مثل إمكانيات الطالب الأكاديمية بالإضافة إلى صورة جاذبة أو غير جاذبة لبنتٍ أو صبي. أشارت الدراسة إلى أن توقعات المعلمين فيما يتعلق بالمستقبل الأكاديمي للطالب كانت مرتبطة بشكل ملحوظ بمدى جاذبية الطالب.
في دراسة أخرى حديثة، تمت مقارنة تأثير جاذبية الطلاب على وضع الدرجات في صفوف جامعية حيث يمكن أن يراقب أو لا يراقب المحاضرون مظهر الطلاب(Hernandez-Julian & Peters, 2017).
أشارت النتائج أنه من الممكن أن يؤثر المظهر على وضع الدرجات في الصفوف التقليدية، فالطلاب الذين يتمتعون بجاذبية أعلى من الطبيعي حصلوا على درجات أقل في الصفوف الأون لاين/ عن بعد، حيث لا يمكن للمحاضرين مراقبة مظهر الطلاب.
في أماكن العمل:
في دراسة أجراها باريت (2015) اختبرت الدراسة أثر الجمال على الكسب المادي، وذلك بناءً على بيانات “البقشيش” أو الإكرامية في مطاعم فيرجينيا. اكتشف باريت أن العاملات الأكثر جمالًا يحصلن على بقشيش أكثر بما يقارب 1261$ سنويًّا، مما تحصل عليه نظيراتهن.
يكمن التفسير الأساسي في أن الإناث من الزبائن يعطين البقشيش للعاملات اللواتي يتمتعن بمظهر جميل، أكثر مما يفعلن عندما يتعلق الأمر بالعاملات الأقل جاذبية. إن التمييز المرتبط بذوق العميل في هذه الحالة له أهمية أكبر بالنسبة للإناث مما هو عليه بالنسبة للذكور.
علاوة على ذلك فإن استقصاءً يتعلق بالتحصيل الدراسي وتقييم الذات (باعتبارهما الوسائل والآليات لخلق أثر الجاذبية والذكاء) بالنسبة للجهد والمردود المالي، فيبدو أن نتيجة الاستقصاء تشير إلى أن الجاذبية تؤثر على المردود بصورة مباشرة وغير مباشرة. (Judge, Hurst & Simon, 2009)
الأكاديميون والذكاء:
وفي دراسة أجرتها لاندي وسِجال (1974) تم إثبات ما لِ “تأثير الهالة” من أثر على أحكام الذكور عندما يتعلق الأمر بالكفاءة الأكاديمية للإناث.
في التجربة طُلب من 60 طالب جامعي تقييم مقال يُفترض أنه مكتوب من قبل طالبة في السنة الأولى.
كان على الطلاب الذكور أن يقيّموا جودة النص ومهارة الكاتب وفق عدد من المعايير. تضمنت المقالات نماذج مكتوبة بصيغة ركيكة وأخرى مكتوبة بإتقان. تم إعطاء عشرين طالبًا صورة لفتاة “غير جميلة” على أنها الكاتبة، بينما تم إعطاء عشرين آخرين صورة لفتاة جذابة على أنها كاتبة المقال، في حين أنّ العشرين المتبقين لم يتم إعطاؤهم أيةَ صورة.
بالإضافة إلى ذلك فإن ثلاثين طالبًا قاموا بقراءة النص الركيك، بينما قرأ الثلاثون الآخرون النص المُتقَن. أظهرت النتائج أن المشاركين قد قيّموا الكاتبة الأقل جائبية بتقييمات أدنى من التي تم منحها للكاتبة الأجمل.
كما أن تأثير جمال الكاتبة على التقييم كان أكثر وضوحًا في حالة النص الركيك.
على ما يبدو فإن هذه النتائج تفترض ضمنًا أن القرَّاء الذكور كانوا ميّالين أكثر للتسامح مع النص الركيك إذا ما كانت الكاتبة جميلة.
وفي دراسة معاصرة اختبرت وجود علائم الذكاء في وجوه الذكور والإناث، ساعيةً في الوقت نفسه للسيطرة على ارتباط الجاذبية بتأثير الهالة(Moore, Filippou & Perrett, 2011).
فقد تم اختيار ملامح من بين أكثر من 300 صورة لطلاب جامعات بريطانية، ثم تركيب صور لوجوه صُنِّفَتْ على أنها الأعلى بالذكاء المحسوس، وصور أخرى تم تركيبها من لقطات للوجوه المصنفة على أنها الأدنى بالذكاء المحسوس.
ثم تم تصنيف كل مجموعة إلى ذكور وإناث. بعد ذلك كان المطلوب من المشاركين في الدراسة، التي ضمت 92 رجل و164 امرأة، أن يقيّموا الوجوه المركبة حسب الذكاء والجمال. بالنسبة لوجوه الذكور المركَّبة فقد كان من الملحوظ أن المجموعة التي تم تقييمها على أنها الأكثر ذكاءً كانت أكثر وسامة من الوجوه التي تم تقييمها على أنها الأقل ذكاءً.
علاوة على ذلك، فإن وجوه الرجال الأكثر جاذبية كانت توحي بأنها ودودةً ومرحةً أكثر، وذلك بالنسبة للرجال والنساء المشاركين بالدراسة على حد سواء.
أظهرت النتائج أن الذكاء قد يكون عنصرًا من عناصر الجمال في وجوه الرجال.
في الحكم على الجرائم:
في دراسة أجراها مايكل ج. إفران لاختبار تأثيرات الجمال الجسدي على الحكم بالإدانة أو الخطورة بالنسبة للأحكام الصادرة بحق المجرمين، فقد كشفت الدراسة أن المجرمين الذين يتمتعون بالوسامة غالبًا ما يتلقون عقوبات مخففة مقارنة بأولئك الذين كان حظهم من الوسامة قليلًا، وذلك فيما يتعلق بالجرم عينه. (Efran, 1974).
ووفق الدراسة ذاتها، فإننا بصدد اعتقاد مبني على هذه الفرضية، ويمكن اختزال هذا التصور المجتمعي بفكرة أن الأشخاص الوسيمين يحظون بآفاق أفضل للمستقبل مما قد يحظى به الأشخاص الأقل وسامة.
وفي دراسة أخرى حول الفكرة ذاتها، قام بها سجال وأوستروف. قدمت الدراسة المزيد من الأدلة الدقيقة. (Sigall & Ostrove, 1975).
كانت الدراسة حول السطو والاحتيال الافتراضي. في الحالة الأولى كانت امرأة تختلس مبلغ 2200 $ بطريقة غير قانونية، في الحالة الثانية كانت امرأة تغري رجلًا للاستثمار بمبلغ 2200$ في مؤسسة لا وجود لها.
في حالة السطو (والتي لم تكن مرتبطة بمدى جاذبية الفاعل)، فإن المدعى عليها الأكثر جاذبية تلقت حكمًا مخفّفًا مقارنة بالحكم الصادر في حق المدعى عليها الأقل جاذبية. ومن ناحية أخرى فإن حالة الاحتيال (حيث كانت الجريمة مرتبطة بجاذبية الفاعل)، فإن الحكم الأقسى كان من نصيب المرأة الأجمل.
تشير النتائج كما هو واضح أن التساهل المُعتاد في الأحكام والذي كان في حق المجرمين الذين يتمتعون بقدر من الجمال، قد انعكس سلبًا بناءً على نوع الجرم الذي قد تم توظيف جاذبية المجرم فيه.
تاريخ “تأثير الهالة”:
أول من عرّف مفهوم “تأثير الهالة” كان عالم النفس الأمريكي فريدريك ل. ويلز (1907)، وذلك في دراسة لتقييم جدارة الكُتَّاب.
من جهة أخرى فإن إدوارد ثورندايك كان أول من عرّفه من خلال دليل تجريبي. يعتبر ثورندايك من أوائل السلوكيين الذين نقبوا في “علم نفس التعلم”. وهو أول من وضع –رسميًّا- مصطلح “مغالطة الهالة” عام 1920 من خلال مقال بعنوان “المغالطة المستمرة في التقييمات النفسية”.
وضّح ثورندايك مفهوم “تأثير الهالة” على أنه انحياز إدراكي، حيث تصوغ صفةٌ واحدة لشخص ما آراء الآخرين فيما يتعلق بالأبعاد والصفات الأخرى لذلك الشخص. وعلى الرُّغم من أن ثورندايك وظّف المصطلح فيما يتعلق بالبشر فقط، إلا أنه قد تم توسيعه ليشمل حتى مجالات التسويق.
في مغالطة مستمرة في التقييم النفسي، سعى ثورندايك (1920) إلى تحديد الانحياز الإدراكي من خلال التكرار. ففي التجربة التي أجراها، طلب ثورندايك من ضابطين مسؤولين في الجيش أن يقيّموا مجنديهم بناءً على تفكيرهم، وسماتهم الجسدية (مثل الصوت، البنية الجسدية، الطاقة، الترتيب، والقدرة على التحمل)، مَهاراتهم القياديّة، وسماتهم الشخصية (مثل الإخلاص، الإيثار، التعاون، والثقة).
أثبت ثورندايك أن الانحياز الذي آمن بأن التقييم قد اتسم به كان صحيحًا. واكتشف أن جمال الشخص يؤثر بشكل ملحوظ على تقييم الجوانب الأخرى من شخصيته. أظهرت الدراسة عوامل ارتباط ملحوظة. فعامل ارتباط بنية الجسد بالشخصية كان 28، وعامل ارتباط البنية الجسدية بالذكاء كان 31، بينما كان عامل ارتباط البينة الجسدية بالقيادة فقد كان 39.
إن التقييم كان متأثرًا كما يبدو باتجاهٍ ملحوظ لإظهار الشخص إما جيدًا أو سيئًا بصورة عام، ثم القفز للحكم على الصفات الأخرى لذلك الشخص. وهذه الأحكام كانت مبنية على الإنطباع الأول، أو بناءً على شعور عام تجاه أشخاص مشابهين.
على سبيل المثال، فإن تقييم صفة محددة لضابط ما سوف يخلق ميلًا لتقييم الضابط بذات الاتجاه الذي تُقيَّم به هذه الصفة، أي أن صفة إيجابية واحدة سوف تنتج ميلًا إيجابيًّا، بينما صفة سلبية واحدة تخلق ميلًا سلبيًّا.
إن النتائج النهائية لجندي معين سوف ترتبط بثبات ببقية النتائج، بغض النظر إن كانت الصفة سلبية أو إيجابية.
تأثير الهالة العكسية
تأثير الهالة العكسي يشير إلى الظاهرة التي تؤدي فيها التصورات الإيجابية عن الشخص إلى عواقب سلبية(Edward, 2004). إن المغالطات في التقييم ستولِّد مشاكل مرتبط بالثقة والصدق.
ومن جهة أخرى، فإن التعديلات في التقييم تعكس تغييرات فعلية في السلوك، مما يشير إلى مجرد مظهر من مظاهر نقص الثقة. من خلال هذا البحث تمت البرهنة على احتمالية حدوث ذلك بين الرجال والناس على حد سواء.
كما أظهرت ذلك التجربة التي قام بها جوزيف فورجاس على 246 شخص. من خلال متابعة حالات تذكر الماضي بأحداثه السعيدة أو البائسة. فقد طُلِب من المشاركين أن يقرأوا مقالًا فلسفيًّا وقد تم إرفاق صورة إما لامرأة شابة أو لرجل عجوز على أنه كاتب المقال.
أظهرت النتائج أن الأشخاص ذوي الذكريات الحزينة، وذلك هو السبب، كانوا في مزاج سيء فأعطوا تقييمات متدنية لمقال الأنثى الشابة. هنا يبدو أن تأثيرًا سلبيًّا قد أدى إلى إقصاء أو عكس تأثير الهالة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهر البحث أن الأشخاص الأكثر جاذبية (إناثًا وذكورًا) في الغالب يكونون أكثر تقلُّبًا وغرورًا. (Eagly, Ashmore, Makhijani & Longo, 1991).
علاوة على ذلك، كما لاحظنا في دراسة سيجال وأوستروف، فإن الأفراد الذين استخدموا جمال مظهرهم للقيام بجرائمهم، كانوا في الأغلب يتلقون أحكامًا أصعب من تلك الصادرة في حق المجرمين الأقل جمالًا. (Sigall & Ostrove, 1975).
تأثير القرن:
تأثير القرن بمفهومه الجوهري يعدُّ النقيض لتأثير الهالة.
فهو نوع من االانحيازات الإدراكية، ويشير إلى الميل لِتبني انطباع سيء شامل عن شخص ما بناءً على صفة سلبية واحدة.
على سبيل المثال، فإن تأثير “القرن” يؤدي إلى خلق صورة نمطية في الاعتقاد بأن الشخص الذي يعاني من الوزن الزائد هو شخص كسول، رغم أنه لا يوجد أي دليل يثبت أن السمات الخُلقية ترتبط بالسِّمات الجسدية.
مقال لِ: Ayesh Perera,