مُعْضِلة تطور الجنس في البيولوجيا التَطَوُّريَّة – ترجمات
قد يبدو السَّبَب الذي يجعل الكائنات الحيَّة تُمارِس الجنس، من منظورٍ تطوُّريّ، واضحًا إلى حدٍّ ما – من أجل التَّكاثُر. من الواضح أن الانتخاب الطبيعي يجب أن يُفضِّل الأفراد القادرين على التَّكاثُر على أولئك الذين لا يستطيعون، لكن هذا يُفوِّت النقطة الأساسية. بالنسبة للعديد من الأنواع، يوجد بديل: التَّكاثُر اللا جِنْسيّ.
فلماذا تطور الجنس في العديد من الأنواع؟ من المثير للدهشة أنه لا توجد إجابة واحدة واضحة لهذا السؤال. في الواقع، حتى الآن، طوَّر الباحثون أكثر من عشرين فَرْضِيَّةً مختلفة. في الآونة الأخيرة، بدأ عدد من التَجَارِب في اختبار هذه الفَرْضِيَّات، مما جعلنا أقرب إلى إيجاد حل.
في الكائنات التي تتكاثَر لا جِنْسيًّا، تتكاثَر الأُنْثَى بدون مساهمة جِينِيَّة من الذَّكَر، وتنتج نَسْلًا (من الإناث) مُطابِقًا لها جِينِيًّا. سيعرف أي شخص فسدت ورود حديقة منزله بحشرات المن مدى فاعلية هذه الاستراتيجيَّة.
مفتاح المشكلة هو حقيقة أن الذكور لا يساهمون في النسل في كثيرٍ من الأحيان، بينما تُنجب الأمهات التي تتكاثر جنسيًا كل من الذكور والإناث، يمكن للأم التي تتكاثر لا جنسيًا أن تنجب بناتها بمفردها. إذا كانت الأنثى هي من تساهم فقط في صنع النسل (تصنع البيض، تطعم الصغار، إلخ)، فإن هذا يجعل من الأسهل بكثير زيادة عدد السكان بسرعة: يمكن أن تصبح أنثى واحدة تتكاثر لا جنسيًا اثنتين، ويمكن أن تصبح اثنتان أربع، ويمكن أن تصبح أربع ثماني، إلخ. تم تأكيد ذلك من خلال التجارب التي قارنت بشكل فعَّال الخنافس التي تتكاثر لا جنسيًا مع تلك التي تتكاثر جنسيًا في المختبر.
بصرف النظر عن الثدييات (بما في ذلك البشر) والطيور، هناك أنواع تتكاثر لا جنسيًا في كل مجموعة تصنيفية تقريبًا، بما في ذلك بعض الأسماك والزواحف والنباتات والحشرات، لكنها غير شائعة. لذا على الرغم من مزايا التكاثر اللا جنسي، فإن هذا يخبرنا أنه على المدى الطويل، يفوز الجنس (التكاثر الجنسي).
ركَّز البحث التطوُّري لحل هذه المشكلة إلى حد كبير على نوعين من الفرضيَّات، كلاهما يعتمد على حقيقة أن التكاثُر الجنسي يُولِّد اختلافًا عن طريق خلط جينات الوالدين. أنت وأنا وغيرنا من البشر لسنا نُسخًا مطابقة لوالدينا، في حين أن بنات حشرات المن كذلك.
يتجلَّى هذا الاختلاف على المستوى الجيني: يُولِّد التكاثُر الجنسي بعض الكائنات الحية داخل الأنواع بالكثير من الطفرات الضارة والبعض الآخر بطفراتٍ ضارة أقل نسبيًا. يجادل مؤيدو ما يسمى بنظرية التطفر الحتمي بأنه إذا كانت للكائنات الحية التي لديها العديد من الطفرات الضارة فرص بقاء منخفضة، فإن العديد من الطفرات الضارة تميل إلى الموت معهم، مما يؤدي إلى توليد عدد كبير من الكائنات الحية الخالية من مثل هذه الطفرات. في الأنواع التي تتكاثر لا جنسيًا، وبسبب عدم وجود هذا الاختلاف على المستوى الجيني، لا يوجد فرد مُثقل بالطفرات الضارة بشكلٍ خاص. نتيجة لذلك، لا تتم عملية إزالة العديد من الطفرات الضارة مرة واحدة بموت هذا الفرد، وبالتالي فالطفرات الضارة تدوم لفترة أطول في الكائنات التي تتكاثر لا جنسيًا.
يتم التشكيك في هذه النظرية بشكلٍ متزايد، حيث أصبح من الواضح أن العديد من الأنواع التي تتكاثر جنسيًا، بما في ذلك الحشرات والنباتات، لا تُنتج في الواقع العديد من الطفرات الضارة التي تتطلبها النظرية.
تنص فرضية منافسة قوية أخرى على أن التكاثر الجنسي يُمكِّن السلالة من التكيُّف مع الظروف البيئية المُتغيرة. تؤكد التجارب أن أعضاء السلالة الذين يتكاثرون جنسيًا عادة ما يتكيفون بشكلٍ أسرع من الأعضاء -من نفس النوع- الذين يتكاثرون لا جنسيًا عندما تتغير الظروف. في الواقع، أظهرت تجربة الخنافس المذكورة أعلاه أنه إذا سُمِحَ للسكان الذين يتكاثرون جنسيًا بالتطوُّر بحُرْيَّة خلال الظروف المتغيرة، فقد يؤدي ذلك إلى الإزاحة التامة للسكان الذين يتكاثرون لا جنسيًا.
قد يكون هناك العديد من الأسباب التي تجعل من التكاثر الجنسي مُسهلًا للتكيُّف. على سبيل المثال، تخيل فردين في مجتمعٍ يتكاثر لا جنسيًا، لكل منهما طفرة جيدة ولكن مختلفة. نظرًا لعدم حدوث عملية خلط الحمض النووي الخاص بهما، ينتهي الأمر بأحفادهما في التنافس مع بعضهم البعض من أجل البقاء (وهذا ما يسمى بالتداخل النسيلي). لن تحصل أبدًا على فوائد كلتا الطفرتين في فردٍ واحد. ومع ذلك، في المجتمع الذي يتكاثر جنسيًا، يُمكننا الحصول على كلتا الطفرتين في فردٍ واحد. بهذه الطريقة، يُمكن الاستفادة من كليهما، مما يجعل التكيُّف أسهل كثيرًا. أكدت دراسة على المستوى الجزيئي أن الجنس يُخفِّف بالفعل من التداخل النسيلي.
لذا يبدو أن زيادة سرعة التكيُّف تفسير جيد جدًا، ولكن ماذا يحدث بعد انتهاء التغيُّرات البيئية واستقرار الظروف مرة أخرى؟ ألا ينبغي لنا أن نتوقع تفوق اللا جنسيين على من يتكاثرون جنسيًا مرة أخرى؟ لهذا السبب، ينجذب العديد من الباحثين بشكلٍ متزايد إلى فكرة أن الاختلاف الجيني الناتج عن التكاثر الجنسي يُمكِّن الأنواع أيضًا من التكيُّف في سباق التسلُّح التطوري الذي لا ينتهي مع طفيلياتها.
في الواقع، الجينات المتعلقة بالمناعة هي من أسرع الجينات تطورًا لدينا. هناك أيضًا دليل حديث على أن الأنواع يُمكن أن تزيد من مقدار الخلط الجيني (التكاثر الجنسي)، عندما تشعر أنها مصابة بطفيلي. هذا يعني أن نسلهم سيكون أكثر اختلافًا عنهم وعن بعضهم البعض.
نحن نعلم أيضًا عيوب نقص التباين الجيني في نباتات المحاصيل التي تتكاثر لا جنسيًا. على سبيل المثال، أدى هجوم الطفيليات إلى مجاعة البطاطس الأيرلندية في (1845-1849). يتعرَّض الموز حاليًا للتهديد من هجوم من قِبل العديد من الطفيليات الفطرية. هذا أمر مقلق بالنظر إلى أن أكثر من 95% من تجارة تصدير الموز هي من سلالة واحدة (سلالة موز كافنديش) التي تتكاثر لا جنسيًا.
فهل تمارس الكائنات الحية الجنس للتأكُّد من أن نسلها لن يموت بسبب المرض (تُسمَّى هذه الفرضية، فرضية الملكة الحمراء) أو لجعل نسلها خاليًا نسبيًا من الطفرات الضارة؟ لا يجب أن تكون هاتين الفرضيتين متعارضتين. يهتم الباحثون في هذا المجال بشكل متزايد بنوعٍ من النماذج الهجينة (نموذج يجمع الفرضيتين معًا).
حاليًا، نحن نتجه نحو دراسات تطور الجنس على المستوى الجُزيئي -حتى نتمكَّن من رسم خريطة دقيقة للطفرات المفقودة أو المكتسبة أثناء التكيُّف ومع ذلك، تظل هناك مشكلة رئيسية: فهم سبب عدم تمتُّع المزيد من الأنواع بمزايا كلا العالمين (كما تفعل حشرات المن بالفعل- فهى تتكاثر جنسيًا ولا جنسيًا)؟