قصة تلسكوب هابل
منذ فجر الحضارة، كان البشر محدودين في فهمهم للكون برؤيتهم وخيالهم، والتلسكوب عزّز من رؤيتنا وخفّف من فخرنا بقيادة الثورة العلمية؛ إذ إنّ ملاحظات (كوبرنيكوس وجاليليو وكبلر) في القرنين ال 16 وال 17 دحرت اعتقادًا عُمره آلاف السّنين القائل بأنّ الأرض هي مركز الكون.
بحلول القرن الثامن عشر، أصبح التلسكوب أداة لا غنى عنها لاستكشاف الكون. تمّ بناء تلسكوبات أكبر وأفضل في جميع أنحاء العالم، والكواكب والنجوم والسُّدُم التي كان لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أُجرِيَ تدوينها وتسجيلها بشكل روتيني. أدت التطورات في التصوير الفوتوغرافي وفي القياس الطّيفيّ (لتقسيم الضوء ألوان مكوّناتهِ) وفي القياس الضوئيّ الفلكيّ (لقياس سطوع الأجرام السماوية) إلى زيادة تعدد استخدامات التلسكوب وحساسيته وقدرته على الاكتشاف.
إدوين هابل!
بحُلول مطلع القرن العشرين، اعتقد معظم علماء الفلك أن الكون المرئي يتكون من مجرة واحدة مجرّتنا درب التبانة؛ واحة من النجوم والغبار والغاز في الفضاء الواسع، ومع ذلك في عام 1924 استخدم الفلكيّ الأمريكيّ (إدوين هابل) [تلسكوب هوكر بقياس 100 بوصة] على جبل ويلسون بالقرب من لوس أنجلوس في كاليفورنيا لدراسة العديد من المجرات الأخرى إلى جانب مجرّتنا درب التبانة، ووجد أنّ كل المجرّات تقريبًا تتحرّك بعيدًا عن بعضها بعضا، وهذا يشير إلى أن الكون يتوسّع، كما وأنهُ يطلق العنان لطرح أسئلة مهمة عمّ يمكن تصوّرهُ حول بداية الكون ونهايته — تلك القضايا التي لا تزال قيد المناقشة حتى يومنا هذا.
دأب عُلماء الفلك من قبل (إدوين هابل) ومن بعدهِ على العمل على مرِّ ليالٍ طويلة وباردة داخل مراصد ضخمة على شكل قبة؛ مُوَجّهين تلسكوباتهم نحو السماء، مُتلهِّفين للحُصول على أفضل لمحة ممكنة من السماء، لكنّهم واجهوا عقبة كبيرة تحول بينهم وبين نظرة واضحة للكون وهي الغلاف الجوي للأرض.
الغلاف الجوي كالحساء؛ سائل فوضوي يتكون من الغاز والغبار، يُغيّم على الضوء المرئي جاعلا النجوم تلمع فيُصبح من الصعب رؤية النجوم الخافتة، يُعيق الأطوال الموجيّة الأخرى للضوء أو يمتصها كليّا، ممّا يجعل عمليات رصد نطاقات الطول الموجي مثل الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية وأشعة جاما والأشعة السينية صعبة أو شبه مستحيلة، (كما أن هذه الخصائص هي التي تحمينا من الآثار الضارة لهذه الأشعة).
تمّ إنشاء مراصد بأكبر تلسكوبات في مختلف القارات على قمم الجبال وبعيدًا عن أضواء المدينة المشتتة، وكان لها مستويات متفاوتة من النجاح، والبصريات التكيفية (التي تستخدم المرايا القابلة للتشوُّه لإعادة تركيز الضوء غير الواضح من الكون) وغيرها من تقنيات معالجة الصور قد قلّلت -ولكنّها لم تقض عليها تمامًا- من تأثيرات الغلاف الجوي.
تلسكوب في الفضاء؟
في عام 1923، نشر العالِم الألمانيّ (هرمان أوبيرث)، وهو أحد الآباء الثلاثة لصواريخ العصر الحديث [إلى جانب (روبرت غودارد) و(كونستانتين تسيولكوفسكي)]، كتاب”الصّاروخ في الفضاء الكوكبي[1]” الذي ذَكَر فيه كيف يمكن دفع تلسكوب إلى مدار الأرض بواسطة صاروخ، وفي عام 1946، كتب الفيزيائي الفلكيّ في جامعة برينستون (ليمان سبيتزر) عن الفوائد العلمية التي يقدمها التلسكوب في الفضاء فوق الغلاف الجوي المضطرب للأرض.
وعقب إطلاق القمر الصناعي السوفيتي (سبوتنيك) في عام 1957، قامت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) بنجاح مرصدَيْن فلكيَّيْن مداريَّيْن إلى المدار الفضائي، وقاموا بإجراء عددٍ من عمليّات رصد الأشعة فوق البنفسجية وتقديم تجارب تعليمية لتصنيع مراصد فضائية وإطلاقها في المستقبل.
التلسكوب الفضائي الكبير
وفي الوقت نفسه، خططت المجموعات العلمية والحكومية والصناعية للخطوة التالية إلى ما بعد برنامج منظمة الطيران المدني الدولي. وقد حصل (سبيتزر) على تأييد علماء فلك آخرين من أجل “تلسكوب مداري كبير” وتحدّث عن مخاوف مُنتقديه، وفي عام 1969، وافقت الأكاديمية الوطنية للعلوم على مشروع التلسكوب الفضائي الكبير، واستمرت جلسات الاستماع ودراسات الجدوى.
بعد “القفزة العملاقة للبشرية” التي قام بها (أرمسترونغ) على سطح القمر في عام 1969 بدأ تمويل برامج ناسا الفضائية يتضاءل، مما عرّض برنامج LST للخطر. وكان على مخططي LST تصميم التلسكوب ضمن إطار قيود الميزانية؛ فتمّ أخذ تدابير تقليص الحجم بعين الاعتبار، كتقليص حجم المرآة الأولية، أو تقليل عدد الأدوات العلمية، أو تقليل عدد قطع الغيار التي تم إنشاؤها والاختبارات التي تم إجراؤها، في النهاية تم تقليص حجم المرآة الرئيسية من 120 بوصة إلى 94 بوصة.
وفي عام 1974، أوصى الفريق العامل العلمي التابع لـ LST بأن يحمل التلسكوب الفضائي مجموعة كبيرة من الأدوات القابلة للتبديل، وكانت متطلبات هذه الأدوات تتمثل في تحديد ما لا يقل عن عُشر درجة من ثانية قوسيّة [أو 1/36 000 درجة قوسيّة عبر السّماء]، وأن يكون لها نطاق من الطول الموجي من الأشعة فوق البنفسجية من خلال الضّوء المرئيّ إلى الأشعة تحت الحمراء.
مكوك الفضاء
طرحت ناسا وشركاؤها الصناعيون -الذين يُدعون بـ “المتعاقدين”- خيار تطوير مركبة يمكنها أن تصل إلى المدار، وترجع إلى الأرض سالمة، ويُعاد استخدامها مرارا وتكرارا؛ ومن هنا وُلِد مفهوم المكوك الفضائيّ، ويمكن للمكوك الفضائي أن ينشر الـ LST في الفضاء ويلفّها ويسحبها لتعود إلى الأرض.
في المقابل، قام مصمّمو التلسكوب بإنشاء “التلسكوب” حتى يتناسب بإحكام مع حجرة الشحن في المكوك في الداخل.
اقترحت ناسا أن يكون عُمر التلسكوب الفضائيّ 15 عامًا، ممّا يعني أنّ المعدات تحتاج إلى التبديل بشكل دوري على الأرض أو حتى تحتاج إلى الصيانة وهي في المدار -وهذه قدرة لم تُمنح لأي قمر صناعي من قبل أو منذ ذلك الحين.
كان على العلماء أيضًا أن يوازنوا بين حجم المعدات العلمية وكميتها مقابل تكلفتها حيث كان وجود عدد كبير جدًا من المعدّات يعني أن هناك تضاؤل في احتمالية تقديم الدعم الماليّ، وعلى العكس من ذلك، فإنّ المعدّات ذات القدرات الدنيا قد تؤدّي إلى فُقدان الدعم العلمي للتلسكوب.
وقد انضمت وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) إلى المشروع في عام 1975، وقدمت 15% من التمويل اللازم لهذا المشروع عن طريق المساهمة بكاميرا الأجرام الخافتة والألواح الشمسية، وفي المقابل، ضمنت ناسا على الأقل 15% من وقت التلسكوب -مقدار الوقت الذي يستخدمه الفلكيون في رصد الفضاء- للفلكيين الأوروبيين، وفي عام 1977، وافق الكونغرس على تمويل بناء واحد من أكثر الأقمار الصناعية تطورا على الإطلاق.
من يفعل ماذا؟
ولقد اختار (مركز مارشال لبعثات الفضاء) في هنتسفيل في ألاباما مركزا ميدانيًّا رائدا لدى ناسا لتصميم وتطوير وبناء التّلسكوب الفضائيّ، وقد قامت (مارشال) بتفويض شركة بيركين – إلمر (وهي الآن هيوز دانبري للأنظمة البصرية) مهمّة تطوير مجموعة التلسكوب البصري وأجهزة اِستشعار التوجيه الدقيق.
لقد تم اختيار شركة لوكهيد للصواريخ والفضاء (الآن لوكهيد مارتن) من قِبَل مارشال لبناء البنية الخارجية للمركبة الفضائية ووحدة أنظمة الدعم (أنظمة الدعم الداخلية؛ والتي تشمل أنظمة الكمبيوتر والطاقة والاتصالات والتوجيه والتحكم)، ومن ثم تجميع التلسكوب معا.
واختارت ناسا (مركز جودارد للرحلات الفضائية) في جرين بيلت بولاية ميريلاند ليكون رائدا في تصميم الأجهزة العلمية والتحكم الأرضي لمرصد الفضاء، وقد تم تنظيم العلماء في “فرق تعريف الأجهزة” والتي من شأنها ترجمة الأهداف العلمية إلى أجهزة علمية ودمجها في مسكن التلسكوب الفضائي.
بعد إصدار إعلان لمجتمع علم الفلك، جرى استلام المقترحات والحكم عليها، ووقع الاختيار على خمسة أجهزة كأدوات أولية لتكون على متن التلسكوب الفضائي وهي: كاميرا الأجسام الخافتة، وكاميرا ذات المجال الواسع (أو الكاميرا الكوكبيّة)، والمقياس الطّيفي للأجسام الخافتة، والمقياس الطّيفي عالي الدّقّة، ومقياس الضوء عالي السرعة.
كما قدم (مركز جونسون للفضاء) في هيوستن بولاية تكساس و(مركز كينيدي للفضاء) في فلوريدا دعم مكوك الفضاء، والجميع، من عشرات المقاولين وعدد من الجامعات إلى العديد من مراكز ناسا -التي تمتدّ عبر 21 ولاية أمريكيّة و12 دولة أخرى حول العالم- جعلوا حلم التلسكوب فوق السّحاب وفي الفضاء حقيقة واقعة.
في عام 1983، تم إنشاء معهد علوم تلسكوب الفضاء (STScI) في جامعة (جونز هوبكنز) في بالتيمور في ماريلاند.
الموظفون في معهد علوم تلسكوب الفضاء (STScI) سيعملون على تقييم المقترحات المتعلّقة بوقت استخدام التلسكوب كما أنّهم سيقومون بإدارة عمليّات رصد التلسكوب النّاتجة.
تسبّب عدد من التأخيرات الناجمة عن التقليل من التكاليف والمتطلبات الهندسية للتلسكوب المتطوّر في نقل تاريخ الإطلاق من ديسمبر 1983 إلى النصف الثاني من عام 1986.
أعادت (ناسا) فحص الواجهات والأدوات والتجمعات، واجه بناء مجموعة التلسكوب البصري تحديات هندسية، وخضعت الأدوات العلمية مثل الكاميرا الكوكبية واسعة المجال (WF / PC) لإعادة التصميم، ممّا أدى إلى إزالة الوزن والتكرار.
ولادة تلسكوب هابل
من أجل الحفاظ على التلسكوب الفضائي وتطويرهِ تم وضع خطط لتقديم خدمات البعثات في المدار مقابل إعادة التلسكوب إلى الأرض وتجديد مجالهِ على الأرض، وكان مفهومًا مبتكرًا من شأنهِ أن يكون أسهل على الميزانية.
في خضم روح التجديد هذه، تمّت إعادة تسمية التلسكوب الفضائي باسم (تلسكوب هابل الفضائي HST) وبحلول عام 1985 كان قد تم تجميع التلسكوب وأصبح جاهزًا للإطلاق.
ولكن في سنة 1986 حلت كارثة، حيث أجبر حادث تشالنجر ناسا على إنزال أسطول مكوك الفضاء لمدة عامين، واستغلّ مشروع HST هذا الوقت للقيام بمزيد من العمل على التلسكوب، وتمَّ تحسين الألواح الشمسية بتكنولوجيا الخلايا الشمسية الجديدة، كما جرى تعديل القشرة الامامية (نهاية المقراب الذي يؤوي المعدات العلمية) لجعل استبدال الأجهزة أثناء الخدمة أسهل، وتمَّ رفع مستوى الحواسيب ونظم الاتصال، وقد خضع التلسكوب الفضائي لاختبارات إجهاد إضافية استعدادا لظروف الإقلاع وظروف الفضاء القاسية.
أخيرًا، في 24 أبريل 1990 انطلق مكوك الفضاء ديسكفري من الأرض مع تلسكوب هابل الفضائي، في اليوم التالي، تم إطلاق هابل في المدار جاهزًا ليتفحّص الفضاء المجهول الشّاسِع، مُقدّمًا لمحة عن الشّواطئ الكونية البعيدة والغريبة التي لم يتم وصفها بَعْد.
خلل في مرآة تلسكوب هابل
عندما بدأ هابل بإعادة البيانات العلمية إلى الأرض، لم يرَ الفلكيّون صورًا واضحة للنجوم، وبدلاً من ذلك، رأوا نجومًا محاطة بهالات كبيرة ضبابية من الضوء. سرعان ما أدركوا أن هذه المشكلة نشأت لأن حواف المرآة الأساسية للتلسكوب كانت مسطحة جدًا بمقدار جزء صغير من عرض شعرة الإنسان، ومع أنّ المرآة ملساء تمامًا إلّا أنّها لا يمكنها أن تُركّز الضوء على نقطة واحدة؛ لقد تمّ وضعها على الشكل الخاطِئ بسبب خلل تمّ إدخاله في معدّات الاختبار المستخدَمة لتقييم انحناء المرآة قبل الانطلاق.
على الرغم من أن المهندسين صمّموا هابل بالعديد من المكونات القابلة للاستبدال لكن المرآة الأساسية لم تكن واحدة منهم، ومع ذلك، فإن قدرة رواد الفضاء على تحديث المرصد في المدار أدت في النهاية إلى حل هذه المشكلة التي تبدو أنّها مشكلة يُستعصَى حلّها.
قبل أن تطلق ناسا هابل، كان المهندسون يعملون بجد لبناء كاميرا مُحسّنة من الجيل الثاني للتلسكوب الفضائي.
تم تصميم هذه الأداة المسماة بالكاميرا ذات المجال الواسع والكاميرا الكوكبية 2 لتركيبها بواسطة رواد الفضاء في تاريخ لاحق أدرك خبراء البصريّات أنه يُمكنهم بناء بصريات تصحيحيّة في هذه الكاميرا لمواجهة الخلل في المرآة الأساسية.
في غضون ذلك، ابتكر علماء ومهندسو هابل مجموعة من المرايا (بحجم النيكل والربع)؛ لمعالجة تأثيرات المرآة الأولية على أدوات هابل الأخرى، يمكن لهذا الجهاز بحجم الثلاجة أن ينشر المرايا التصحيحية في المسارات الضوئية الخاصة بأدوات التلسكوب العلمية الأخرى ليتم تركيز صورها بشكل صحيح.
بعثات الخدمة
تم تصميم هابل ليقوم رواد الفضاء بخدمته بشكل دوريّ في الفضاء، ولذلك تمّ بناؤه بمكوّنات معياريّة ملائِمة للملاحة الفضائيّة للتعامُل معها واستبدالها، وقد أتاحَ ذلك بتجهيز التلسكوب بأحدث الأجهزة العلمية وغيرها من المعدّات خلال خمس بعثات خدمة من عام 1993 إلى عام 2009.
● بعثة الخدمة 1:
في ديسمبر 1993 تمّ إطلاق أول بِعثة صيانة (SM1)؛ حيث تم تركيب أدوات جديدة مثل كاميرا كوكبية واسعة المجال 2 (WFPC2) والبديل التّصحيحي البصري والمحور (COSTAR)، والتي قاومت تأثيرات الشّكل المُعيب للمرآة الأساسيّة.
● بعثة الخدمة 2:
في فبراير 1997، تمت بعثة الخدمة الثانية (SM2)، ممّا نتجت عن استبدال مكونات المركبات الفضائية المتدهورة، وتركيب أدوات جديدة مثل المطياف التصويري للتلسكوب الفضائي (STIS)، وكذلك كاميرا المجال القريب من الأشعة تحت الحمراء والمقياس الطيفي متعدّد الأجسام (NICMOS).
قام المطياف التصويري للتلسكوب الفضائي(STIS) بفَصْل الضّوء الّذي استقبله التلسكوب ثم قام بتشريحهِ؛ حتّى يتسنّى تحليل التركيب، ودرجة الحرارة، والحركة، وخصائص أخرى، وبوجود كاميرا المجال القريب من الأشعة تحت الحمراء والمقياس الطيفي متعدّد الأجسام (NICMOS) تمكّن عُلماء الفلك من رؤية أول مناظر واضحة للكون على الأطوال الموجيّة القريبة من الأشعة تحت الحمراء.
في 13 نوفمبر 1999، فشل الرّابع من أصل ست جيروسكوبات على هابل، وأغلق التلسكوب عينيه مؤقتًا على الكون -تقيس الجيروسكوبات معدل حركة المركبة الفضائية وتساعد في توجيه هابل نحو هدف المراقبة-وبسبب عدم قدرة هابل على إجراء العلوم دون وجود ثلاث جيروسكوبات عاملة، دخل هابل في حالة سُكُون تسمّى الوضع الآمِن بصورة أساسيّة، “ذهب هابل للنّوم” أثناء انتظار المساعدة.
● بعثة الخدمة 3:
تم تصميم بعثة الخدمة الثالثة لتلسكوب هابل في الأصل على أن تكون أحد عمليات الصيانة، ولكن عندما فشل الدوران الرابع، قسّمت ناسا البعثة إلى قسمين:
1- بعثة الخدمة 3 أ (SM3A): في ديسمبر 1999.
2- بعثة الخدمة 3 ب (SM3B): في مارس 2002.
وقد استبدل روّاد فضاء (بعثة الخدمة 3 أ) جميع الجيروسكوبات الستة بأخرى جديدة، وقاموا بتركيب جهاز حاسوب رئيسي أسرع وأقوى، كما قاموا بتركيب مسجّل من الجيل الجديد للبيانات ذات الحالة الصلبة، وجهاز إرسال جديد، وعزل جديد وغير ذلك من المعدات (خلال بعثة الخدمة 3ب)، قام رواد الفضاء بتثبيت أداة علمية جديدة تسمّى “الكاميرا المتقدمة للاستطلاعات “(ACS)، ترى “الكاميرا المتقدمة للاستطلاعات” في أطوال موجية تتراوح من المرئية إلى الأشعة فوق البنفسجية البعيدة، ويمكن أن تنتج 10 أضعاف النتائج العلمية في نفس القدر من الوقت للكاميرا التي حلت محلّها وهي “كاميرا الأشياء الخافتة (FOC)”.
● بعثة الخدمة 4:
تمت بعثة الخدمة 4 (SM4) -وهي الزيارة الخامسة إلى هابل- في مايو 2009. قام رواد الفضاء بتركيب جهازَيْن علميَّيْن جديدين: مطياف الأصول الكونية (COS) وكاميرا المجال الواسع 3 (WFC3). وأعيدَت أداتان فاشلتان إلى الحياة وهما [جهاز التصوير الطيفي للتلسكوب الفضائي (STIS) والكاميرا المتقدمة للمسوحات (ACS)] خلال أول إصلاحات أُجريت للأجهزة في المدار؛ من أجل إطالة عمر هابل، تم استبدال مكونات أخرى من بينها: البطاريات الجديدة والجيروسكوبات الجديدة وجهاز حاسوب علمي جديد، بالإضافة إلى ذلك، تم ربط جهاز بقاعدة التلسكوب لتسهيل إنزال التلسكوب من المدار عندما يتم إنهاء عمل التلسكوب.
في نهاية المطاف كانت كل بعثة من بعثات الخدمة حاسمة لنجاح هابل ولإطالة عمرهِ، وقد عزّزت بعثات الخدمة القدرات العلمية للتلسكوب، مما أدى إلى اكتشافات جديدة مذهلة حول الكون.
تلسكوب هابل اليوم
كانت مهمة هابل هي قضاء 15 عامًا على الأقل في استكشاف أبعد وأضعف الأماكن في الكون، وقد تجاوز هابل هذا الهدف بكثير، حيث قام بتشغيل ومراقبة الكون لأكثر من 30 عامًا خلال فترة وجوده في المدار، أخذ التلسكوب أكثر من 1.5 مليون عملية رصد، واستخدم علماء الفلك هذه البيانات لنشر أكثر من 18000 منشور علمي خضع لمراجعة النظراء حول مجموعة واسعة من الموضوعات.
مع أيّ آلة عمرها 30 سنة سيصيب أجزاؤها القِدَم، لذلك لا مزيد من بعثات الصيانة المجدولة لإصلاح أو استبدال المعدّات في هابل ولكن يعمل باستمرار فريق متخصص من المهندسين والعلماء يعملون للحفاظ على عمل هابل لأطول فترة ممكنة.
على سبيل المثال، لقد اكتشف مهندسو هابل طريقة يستطيع التلسكوب من خلالها متابعة الكون على جيروسكوب واحد فقط، وذلك باستخدام أنواع أخرى من أجهزة الاستشعار على المركبة الفضائية لتعويض الجيروسكوبات التي فشلت. هذه الابتكارات وغيرها من الابتكارات المصمّمة لتمديد عمر معدّات هابل، ستُبقي التلسكوب يعمل على الاستكشاف لسنوات قادمة.
في حين أنه من المستحيل تقريبًا تقديم قائمة شاملة بجميع الإسهامات العلمية التي قدمها تلسكوب هابل حتى الآن خلال سيرتهِ المهنية، فقد ساهمت ملاحظات التلسكوب في فهم تطور المجرات ونموّها، ووجود ثقوب سوداء في معظم المجرات، وولادة النجوم، والتركيب الجوي للكواكب خارج نظامنا الشمسي. لقد غيرت استكشافات هابل تصوّرنا للكون بشكل جذري، وستستمر في الكشف عن رؤى جديدة لسنوات عديدة أخرى.
المصدر
https://www.nasa.gov/content/about-the-hubble-story
[1] Die Rakete zu den Planetenräumen (Rocket to Interplanetary Space) – January 1, 1984 by Hermann Oberth (Author)