وفاة مؤلف “سمكري خياط جندي جاسوس” جون لو كاريه عن عمر يناهز 89 عاما

كاتب الإثارة و التشويق الذي اشتهر بكتابة قصص الحرب الباردة، استهل مسيرته جاسوساً في فترة ما بعد الحرب بأوروبا

جون لي كاريه الذي حبك قصص الإثارة و التشويق بحرفة يتساوي فيها كل من عنصر المغامرة, و الشجاعة الأخلاقية, و النزعة الأدبية,  توفي عن عمر يناهز 89 عامًا.

عمل جون لو كاريه على استكشاف الفجوة بين خطاب الغرب الرنان عن الحرية، وبين واقع يحاول باستماته  الدفاع عنها، وذلك من خلال أعمال روائية له مثل “الجاسوس الذي جاء من البرد” The Spy Who Came in from the Cold”، و”سمكري خياط جندي جاسوس-Tinker Tailor Soldier Spy”، وأيضا “مدير الوردية الليلية-The Night Manager”، وهي روايات أكسبته اعجاب النقاد واشادتهم، وفأصبح واحد من الكتّاب الأكثر مبيعا حول العالم.

أعلنت عائلة لو كاريه بعد وفاته خبر وفاته جراء الالتهاب الرئوي مساء يوم السبت في مستشفي “رويال كورنوال-Royal Cornwall”، وأضافت العائلة في بيان مكتوب: “ننعي بمزيد من الحزن والأسف وفاته

أما جوني جيلر، الذي كان طويلاً وكيل أعماله، فوصف لو كاريه قائلاً: “إنه بلا منازع عملاق من عمالقة الأدب الإنجليزي، فقد صاغ عصر الحرب الباردة، ثم واجه، في العقود التالية، دون خوف السلطات بالحقيقة. لقد فقدت معلما، و ملهما، والأهم من ذلك، صديقا. ولن نرى له مثيلاً.

وتوالى أقرانه من الكتّاب يعبرون عن تقديرهم، فكتب ستيفن كينج: “خطفت هذه السنة الفظيعة عملاقاً أدبياً ذا روح مفعمة بالإنسانية.

إعلان

وقال روبرت هاريس أن خبر وفاة لو كاريه أصابه بحالة “من الحزن الشديد، فقد كان أحد أكبر روائيي عصر ما بعد الحرب، و شخصية فريدة غير قابلة للنسيان.”

أما أدريان ماكينتي فوصف رواية “سمكري خياط جندي جاسوس”Tinker Tailor Soldier Spy” بأنها “ببساطة أعظم ما كتب في قصص الجواسيس”، بينما أطلق عليه المؤرخ سيمون سيباع مونتفوار لقب “عملاق الأدب الإنجليزي الذي ينضم الآن لصفوف من سبقه من العظماء، ويلتقي بهم شخصيا، فقد كان حضوره يحبس الأنفاس، وكان شخصية كثيرة العطاء لي وللعديد من الآخرين.”

ولد لو كاريه، وكان اسمه الحقيقي ديفيد كرونويل، سنة 1931، وبدأ مع نهاية الأربعينيات عمله لدي المخابرات بينما كان يدرس اللغة الالمانية في سويسرا. وبعد ممارسته التدريس في جامعة “إتون”، التحق بجهاز الاستخبارات البريطاني وعمل كظابط استخبارات مهمته تعيين الجواسيس العاملين وراء الستار الحديدي”، وإدارة عملهم، والاعتناء بهم، من خلف مكتب في أقصي مبني المخابرات MI5 المطل علي شارع “كورزون” بلندن.

ألهمه زميله في المخابرات MI5، الروائي جون بينجهام، بالبدء في نشر كتاباته, فنشر منها قصص الإثارة والتشويق تحت الاسم المستعار جون لو كاريه، على الرغم من نصيحة الناشر بأن يستخدم اسماً “أنجلوسكسونياً” أحادي المقاطع.

جون لو كاريه

وفي رواية جون لو كاريه الأولى “نداء للأموات”، ”Call for the Dead“، التي كتبها عام 1961، بنى لو كاريه شخصية الجاسوس على شخصية زميله بينجهام، والذي كان “عاديا لحد مذهل، قصيراً، سميناً، مائلاً للهدوء”، وهي شخصية “جورج سمايلي”، الذي تفوق على جاسوس من ألمانيا الشرقية، فكان أول ظهور لشخصية لو كاريه الأكثر استمرارية.

جون لو كاريه
A Murder of Quality (1962)

وفي الرواية الثانية, A Murder of Quality (1962)، نجد “سمايلي” يحقق في جريمة قتل حدثت في مدرسة حكومية، وقد حظيت الرواية بتقييمات إجابية. فكان تعليق جريدة أوبزرفر البريطانية أنها “رواية في غاية التعقيد و نوع راق من روايات “من الجاني؟””. وأخذت مسيرة لو كاريه المهنية منحا جديداً في السنة  التالية، حين صدرت روايته الثالثة “The Spy Who Came from the Cold“.

في الرواية الثالثة، نجد سمايلي شخصية ثانوية، إلا أن قصة مهمة لمواجهة استخبارات ألمانيا الشرقية مشحونة بسخرية لو كاريه من سأم الحياة. وطبقاً لأليك ليماس، العميل الخمسيني الذي تم ارساله إلى ألمانيا الشرقية، فإن الجواسيس ليسوا سوى “حشد من الحمقى المتغطرسين، والخونة، نعم. حشد من المنحرفين والسكارى، والساديين يلعبون دور “رعاة البقر والهنود” كوسيلة لإدخال البهجة في حيواتهم النتنة”. أما الكاتب جراهام جرين، فأشاد بهذه الرواية واصفاً إياها بأنها “أفضل قصة جواسيس قرأتها في حياتي”.

ويقول لو كاريه، إن نجاح الرواية تركه في أول الأمر مشدوها، ثم أوقعه في حيرة من أمره، فقد وافق جهاز المخابرات علي نشر الرواية لأنها-كما وضح في عام 2013-“محض خيال بحت من بدايتها لنهايتها“، و لذلك لم تكن لتمثل ثغرة في سرية الاستخبارات، ويضيف لو كاريه قائلا “لم يكن هذا ما فهمته الصحافة العالمية، التي قررت، وفي صوت واحد، ان القصة لم تكن فقط أصلية تماماً، و إنما كانت نوعاً من القصة المستوحاة من “رسالة من الجانب الآخر”، مما أدى بي إلى الجلوس ساكناً مراقباً الموقف، في دهشة عارمة بينما تسلقت الرواية طريقها للأكثر مبيعا وتربعت على العرش، وأخذ مثقف تلو الآخر يشيد بها بأنها عمل روائي أصلي”.

ثم عادت شخصية سمايلي إلى الصدارة في الروايات الثلاثة التي أصدرها لي كاريه في السبعينيات، والتي تسرد المنافسة الشديدة بين العميل البريطاني السمين وبين خصمته السوفيتية كارلا. ففي رواية “سمكري,خياط, جندي, جاسوسTinker Tailor Soldier Spy“”، يقوم سمايلي بكشف حقيقة جاسوس مدسوس في أعلي مناصب الاستخبارات البريطانية. بينما يلاحق في رواية “The Honourable Schoolboy” عملية غسيل أموال تتم في آسيا، قبل أن يحل لغز شبكة كارلا السويسرية في رواية “Smiley’s People”. وقد أتقن لو كاريه وصف عالمه المليء بالبعوض ومنيري المصابيح و”رعاة البقر  وفناني الأرصفة، فكانت مقنعة لدرجة ان زمائله السابقون في المخابرات MI5  و MI6 بدأوا في استخدام مصطلحات لو كاريه كجزء من لغتهم السرية الخاصة بالمخابرات

جون لو كاريه
جون لو كاريه مع جاري أولدمان من العرض الخاص لفيلم Tinker Tailor Soldier Spy

ومع اقتراب الحرب الباردة من نهايتها، كان الناس يوقفون لو كاريه في الشارع و يسألونه “ما الذي ستكتب عنه الآن؟” إلا أن اهتمامات لو كاريه كانت دائماً أوسع نطاقاً نن الصراع بين الشرق و الغرب، فلم يكن يطيق صبرا بفكرة أن سقوط “حائط برلين” قد يمثل مؤشرا سواء لنهاية التاريخ، أو اندثار عمليات التجسس التي كانت وقوداً لآلياته. فتطرق لو كاريه عام 1993 لتجارة السلاح في رواية “مدير الوردية الليلية The Night Manager “، ولمؤامرات شركات الأدوية الكبرى سنة 2001 في “The Constant Gardener“، ثم كتب عن الحرب علي الإرهاب في “Absolute Friends” 2004.

جون لو كاريه
جون لو كاريه من كواليس مسلسل The night manager

وفي هذه الأثناء تدفقت الكثير من أعمال لو كاريه من صفحات الكتب إلي عالم السينما، فاستمتع ممثلون مثل ريتشارد بيرتون، وإليك جينيس، ورالف فينيس، وجاري اولدمان بدقائق الشخصيات التي رسمها، كما تحمس الجمهور لبراعة حبكة قصصه.

لو كاريه مع رالف فينيس بطل فيلم The constant Gardener

عاد لو كاريه لشخصيته “سمايلي” مرة أخيرة سنة 2017، وأنهي مسيرته المهنية ب”A Legacy of Spies” التي-في جزء ثان- تعاود زيارة  القصة التي مضي عليها أكثر من خمسين عاما و التي كانت السبب في صعود لو كاريه إلي العالمية. وفي اطار كتاباته لجريدة الجارديان، مدح جون بانفل موهبة لو كاريه وعبقريته، مؤكداً أن “لو كاريه لم يمارس موهبته كقصاص بهذه القوة والتأثير والتشويق منذ روايته “الجاسوس-The Spy””.

جون لو كاريه مع أسرته

وبعد عقود من عدم الاهتمام بالشهرة، ليصبح رمزاً للغموض، والبعد عن عالم الأضواء، فاجأ لو كاريه الجميع عام 2016 بنشره لمذكراته بعنوان “نفق الحمام-The Pigeon Tunnel”، حيث قدم وصفاً مفصلاً عن علاقته المحطمة بوالده المؤذي المحتال، وطفولته التي تسللت اليها الوحدة بعد هجر امه له وهو بعمر الخامسة، كما يصف لو كاريه بالتفصيل الحياة الغريبة للرجل الجاسوس الذي تحول إلى كاتب روائي، فيجد نفسه مدعواً إلى الغداء لدى مارجريت ثاتشر و روبرت ميوردوخ. وقد أمضى لو كاريه اربعين سنة في منزله بكورنوال، حيث تزوج مرتين، وربى أربعة أبناء من ضمنهم نيكولاس الذي يكتب أيضا روايات تحت اسم نيك هاركاواي، ليكتب معترفاً في مذكراته: “لم أكن أباً أو زوجاً مثالياً، ولا توجد لدي رغبة في أن أظهر عكس ذلك“.

كانت الكتابة حبه الذي لم ينقطع، فكان يكتب “بعشوائية مثل رجل يختبئ في مكتبه الصغير”.

ويكتب لو كاريه قائلاً: “حاولت أن أصنع مسرحا من العالم السري الذي عرفته، مسرحا للعوالم الاوسع التي نعيش فيها“، ثم يضيف: “يأتي الخيال أولا، ثم البحث عن الواقع، ثم مرة اخرى إلي الخيال، ثم إلي المكتب حيث أجلس الآن“.

المصدر:
https://amp.theguardian.com/books/2020/dec/13/john-le-carre-author-of-tinker-tailor-soldier-spy-dies-aged-89?__twitter_impression=true&fbclid=IwAR2x9Ar-odyHHnnv0D0yl0xACsNHlG87AIjKNQ213i30f0v8D_BqSYOxSH4

إعلان

فريق الإعداد

ترجمة: حبيبة المدبولي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا