من مصر إلى العالم: اختراعات مصرية لا تزال مستخدمة إلى اليوم

مُجرّد أن نقول “مصر” أو نفكّر فيها، يخطر ببالنا الأهرامات والمومياوات والحضارة الفرعونيّة، لكنّ غِنى مصر وثرائها لا ينحصر في آثارها العظيمة فحسب، بل نجدهُ أيضاً في اختراعات شعوبها وابتكاراتهم التي لا زلنا نستخدمها إلى يومنا هذا ولا غِنى لنا عنها.

(1) الطب: بالعلم.. لا بالسحر  والشعوذة

رسمة تُظهر الطب في زمن مصر القديمة

لم يصل إلينا علاج الأمراض الجسدية والعقلية بالعلم والطب من اليونان بحسب الاعتقاد السّائد؛ فهناك من سبق الطبيب الإغريقي “أبقراط” في الطب وعلم التشريح وتشخيص الأمراض وعلاجها ما يفوق الـ 22 قرناً، وهم المصريون القُدماء.

كانت الحضارات القديمة تعتقد بأنّ الأمراض تتعلّق بعمل الآلهة أو الشياطين أو السحر، وكان يتم علاج هذه الأمراض بالدين الذي يدين بهِ الناس أو بطرد الأرواح الشريرة، ولم يوظّفوا العلم في هذا، إلى أن جاء المصريّون وغيّروا تلك الأفكار.

فقد قام المصريّون باتّباع منهجاً علميّاً في علاج الأمراض، و صناعة أدوية من مواد طبيعية مثل الأعشاب أو المنتجات الحيوانيّة، وصناعة أدوات جراحة التي استخدموها لإجراء العمليات الجراحية  ولتكفين الموتى وتحنيطهم الذي يستلزم بدورهِ تشريح الجُثّة؛ ومن هنا تعرّف الأطباء والكهنة على أجزاء جسم الإنسان الداخلية بالتفصيل، وهذا ما حصل في زمان إمحوتب “الذي سُمّي بإله الشفاء” مؤسّس علم الطب الذي اخترع الكثير من العقاقير الطبية، ودوّن مخطوطات حول أعراض الأمراض وطرق علاجها، كما أسّس مدرسة لتعليم الطب.

(2) الشرطة:  تطبيق القانون لتنظيم الحياة

من أجل تسيير وتنظيم السفن والقوارب التي تنتقل عبر نهر النيل، أنشأ القدماء المصريّون ما يُسمّى بــ “إدارة شرطة المياه” للعمل على حراسة السفن وتأمينها وحمايتها من اللصوص لضمان استمرار ازدهار التجارة والاقتصاد في البلاد. مع توسع الحياة الحضرية والسلطة المركزية ظهر نظام منظّم لتنفيذ القانون، ومن هنا تأسست أول قوة شرطة على الإطلاق في مصر القديمة.

إعلان

وفي فترة لاحقة، طوّر المصريون قوة شرطة شبه عسكرية حيث كان يقع الاختيار على حُراس من العسكريين أو من النخبة التي عُرفت باسم “الميدجاي”وهم محاربين من النوبة، وهم أول من عمل كرجال شرطة، ولكن سرعان ما أصبح هذا الاسم مرادفاً للقوة بشكل عام، كانوا مدرّبين جيّداً ومحترفين وكانوا يستعينوا بالقرود والكلاب للقبض على المجرمين. وقد تم تكليف الشرطة المبكّرة “الميدجاي” بحراسة الأماكن العامة من أسواق ومعابد وحدائق، وحماية أكثر مناطق الفرعون قيمة، وحماية ممتلكاته بما في ذلك عاصمته وقصرهِ والأراضي الحدودية.

(3) الورق والحبر: العنوان بالأحمر .. والمتن بالأسود

ورقة بردي مرسوم ومكتوب عليها بالحبر الأسود والأحمر تعود إلى زمن المصريين القدماء

في بلاد الرافدين اخترع الإنسان الكتابة قبل 5000 سنة من الميلاد، كان الناس يكتبون أو ينحتون على ألواح من طين أو حجر أو شمع، واكتمل إبداع الكتابة باختراع المصريّين للورق الحبر. ابتدع المصريون فكرة الكتابة على ورق يُسمّى “ورق البردي”، واتّخذ هذا الاسم من اسم النّبات الّذي صُنِع منهُ “نبات البردي”، وعلى هذا الورق كانوا يكتبون بالهيروغليفية علومهم و آدابهم وأحداثهم. لسنوات عديدة، حاول المؤرخون بكل الوسائل والطرق معرفة الأساليب الدقيقة التي اتبعها المصريون في تحويل نبات البردي إلى ورقة مُسطحة يُكتب عليها، لكنهم لم يتوصّلوا إلا إلى توقّعات وتخمينات ولم يعرفوا الطريقة على وجه التحديد.

أمّا بالنسبة للحبر، فقد قام المصريون بطحن عدد من الأصباغ وإضافة مواد طبيعية مختلفة مثل النحاس والحديد والمالاكيت والكوارتز ودمجها معاً للحصول على سائل سميك ومن ثمّ تطبيق الحبر بفرشاة أو قلم على ورق البردي. كانت مادة الرصاص تُضاف إلى خليط الحبر كمجفف للحبر-وليس كصبغة-  وذلك لتثبيت الحبر على الورق. تمكن المصريون من تصنيع ألوان حبر متنوعة لكن الأسود والأحمر والأزرق كانت الألوان الأكثر شيوعًا، واستخدموا الحبر الأسود لكتابة النص الأساسي بينما الحبر الأحمر فكان غالبًا لإبراز العناوين أو التعليمات أو الكلمات الرئيسية لتمييزها عن المتن.

(4) الأثاث

هل عندما نجلس على كرسي أو نضع أشياء على طاولة نفكّر أو نتساءل: “من جاء بهذا إلينا؟”…

قبل أن يخترع المصريون الطاولات والكراسي كان الناس يجلسون على الأرض أو على كتل حجرية على هيئة مقاعد، لكن لم يستمر الإنسان على هذا الحال، وفي مصر القديمة بدأت تظهر مجسّمات خشبية مصمّمة بشكل  جديد؛ حيث ابتكر المصريون الأَسِرَّة والمقاعد والعروش والصناديق، كانوا يصنعونها من الخشب أو المرمر بشكل أساسي.

يُعتقد بأنّ السرير هو شكل الأثاث الأسبق، هو عبارة عن هيكل من خشب يعلوهُ غطاء مَحيك من خيوط الكتان وغيرها ويتسند على أربعة أرجل، وكانت الأسرة مائلة إلى أعلى نحو الرأس ولها مساند من رأس خشبية أو عاجية بدلاً من الوسائد، ويكون الخشب مطليّاً أو منحوتاً حتى لا ينزلق النائم، كما كانت الأسرّة قابلة للطيّ لتسهيل توضيبها أو نقلها.

والكرسي كان هو قطعة الأثاث المميّزة في المكان الذي تكون فيهِ، الكرسي للرفاهية يتمتع بها أصحاب المكانة الرفيعة. كانت الطبقة العامّة تجلس على مقاعد عادية بينما يجلس العائلات المالكة أو الأثرياء على كراسي ذات مسندين عند موضع اليدين ولها ظهور مُزيّنة بمعادن ثمينة ومنحوتة على شكل حيوانات أو نباتات أو آلهة.

أما الطاولة فتتكوّن من منصّة عالية مُسندة ومرفوعة عن الأرض بقاعدة أو أرجل، و أجزاء الطاولة في بعض الأحيان قابلة للفصل، وكان الهدف من صنع الطاولات هو للجلوس حولها عند تناول الطعام أو للكتابة أو للعب.

(4) مواد التجميل: للجمال أولويّة في مصر

تمثال الملكة نفرتيتي – تظهر بالمكياج الفرعوني  

عند الحضارات القديمة كان توفير الطعام والمسكن من أهمّ مقومات الحياة للاستمرار فيها، ولكن مع التمدن والتقدّم الّذي أحرزهُ الإنسان، بدأت تظهر أفكار تتعلّق بما وراء الضروريات المجرّدة.

  مستحضرات التجميل وأنظمة التجميل اختراعات مصرية تجلت من خلال هذا الاتجاه الجديد. لا شك أن الجاذبية للجنس الآخر هي أولوية بشرية؛ سواء كانت بيولوجية أو لاشعورية أو متعمدة، والمصريين القدماء بدأوا في اختراع وابتكار منتجات للتأكيد على مظهر المرأة.

قام المصريون باختراع مواد التجميل أو المكياج من مواد طبيعية لإبراز ملامح الوجه. كان المصريون هم أول من صَنَع الكُحل، وكان كلّ من الرجال والنساء حول العين، وأحمر الشفاه المصنوع من الخنافس وحيوانات بحرية أخرى لتعطي اللون الأحمر، بالإضافة إلى مُستحضر إطالة الرّموش (المسكرة) الذي كان الغرض منه الحماية من الشمس ثم أصبح يُستخدم لإضفاء جمال على الرموش والعيون.

وقد قام المصريون باستخدام الزّيوت الطبيعية لصناعة مُرطّبات البشرة، وتحضير منتجات مصنوعة من السكر لإزالة الشعر غير المرغوب بهِ، بالإضافة إلى تصنيع الشعور المُستعارة من ألياف نباتيّة ما عدا الشعر المستعار الخاصّ بالعائلة المالكة حيث أنّه كان مصنوعاً من شعر بشريّ وغالباً من الشعب النّوبي.

هل هذا كل شيء؟

لم تنحصر ابتكارات المصريين القدماء في فن العمارة الفريد من نوعهِ الماثِل في الأهرامات والمعابد والمسلات الهائلة كما لم تنحصر في الطب أو الجمال أو الكتابة، بل جاؤوا إلينا بالكثير من الإبداعات منها التقويم الزمني، وقفل الباب، ومعجون الأسنان، والمحراث، والحلاقة وقص الشّعر وغيرها التي ظهرت منذ آلاف السنين وما زالت في حياتنا إلى اليوم.

المراجع

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا