كراهية الذات (مترجم)

كراهية الذات هي الشُّعُور الكامن بأننا ببساطةٍ لسنا جيدين، لسنا جيدين كفاية، لسنا جيدين في هذا ولا في ذاك، لسنا جيدين في أي شيءٍ أو صالحين لأي شيءٍ. قد يكون شُعُورًا خفيًا، وقد نُقَارِن أنفسنا على نحوٍ اعتياديٍّ بالآخرين، كأن نجد أنفسنا مُخطئين على الدوام أو أن نحُطّ من قدرها، دون وعيٍّ حقيقيٍّ بأن هناك ثمة خطب. أو أننا قد ننصت إلى صوتنا الداخليّ الناقد بينما يُوبِّخنا، ويخبرنا كم نحن مُحرجون أو أغبياء أو متبلدو الشُّعُور، وأن نرفض مواجهة هذا الصوت رغم معاناتنا منه.

قد نحاول كبح هذا الشُّعُور بالقصور بأن نتصرَّف وكأننا أفضل من الآخرين، فنحن أكثر ذكاءً أو مهارةً أو فطنةً أو جاذبيةً منهم. وكأن علينا أن نثبت أننا الأفضل على الإطلاق لكي نتجنَّب فيضًا من الإساءة الداخلية التي تنتظر أن تنقض علينا بمجرَّد أن يبدو علينا أي إخفاقٍ.

وكيفما تجلَّى ذلك، فإن عملية كَرَاهِيَة الذَّات تدل على انقسام ٍموجود داخل جميع البشر بين نظرتنا الصحيَّة والواقعيَّة لأنفسنا، والعدو الباطنيّ أو المروّض الداخليّ الذي يُحَارِب بكل ما أوتي من قوَّةٍ ليؤكد النظرة المُعادية لأنفسنا وللحياة التي نعيشها.

أسباب كراهية الذات

وَفقًا لـ “د. ليزا فايرستون – Dr. Lisa Firestone” و”جويس كاتليت – Joyce Catlett” في كتابهما “تغلّب على صوتك الداخلي الناقد – Conquer Your Critical Inner Voice”، فإن أسباب كَرَاهِيَة الذَّات تعود إلى الماضي، عندما كنا نحاول صغارًا التَّأقلُم مع حياتنا بأحسن طريقة ممكنة، وتفسران هذا:

“إن طبيعة ودرجة هذا الانقسام بداخلنا تعتمدان على الرعاية الأبويَّة التي تلقيناها، والبيئة التي خبرناها مبكرًا. الآباء والأمهات، مثلنا جميعًا، لديهم مشاعر مختلطة تجاه أنفسهم، فهم يحبُّون بعض الأشياء في أنفسهم، كما أن لديهم أفكارًا ومشاعرًا ناقدة لها. هذه المشاعر السَّلبيَّة التي يحملها الآباء والأمهات تجاه ذواتهم هي نفسها التي كثيرًا ما يوجِّهونها صوب أبنائهم أيضًا… بالإضافة إلى […] إذا كان لدى أيٍّ منهما مشاعر عالقة دون تسوية، جراء صدمة أو خسارة تعرضوا لها في ماضيهم؛ سيؤثِّر هذا على استجابتهم لأطفالهم.

إعلان

…الأطفال من جميع الأعمار يُوَلُّون اهتمامًا كبيرًا، ويتأثَّرون بشكلٍ أكبر بحالات غضب والديهم، وإن كانت صغيرة. وهذا راجع إلى حساسيَّتهم البالغة للألم والأحداث السَّلبيَّة. وقد يشعرون أن غضب الوالدين يُهَدِّد حياتهم، سواء أظهراه في تصرفاتهما أم لا. (قد يكونون مُحقِّين بشأن تصوراتهم في الظروف القاسية). على أي حال، فإن الأطفال في المواقف العصيبة غالبًا ما يشعرون بتهديد يُصيب صميم كيانهم، ويخشون على حياتهم.

يتوقَّف الأطفال، أثناء التوتر وعندما يكونون خائفين، عن تعريفهم لأنفسهم بصفتهم  بلا حول ولا قوَّة، ويعرِّفون أنفسهم بدلًا من ذلك وَفْقًا للوالد المُعاقِب جسديًّا أو لفظيًّا. يتمثَّل الوالد كما هو في هذه اللحظة، عندما يكون في أسوأ حالاته، لا كما يكون في كل يوم. يميل الطفل إلى تحمُّل الغضب والخوف وكَرَاهِيَة الذَّات، بالأحرى، إلى مجموعة المشاعر التي يواجهها الوالد في ذلك الوقت”.

هكذا، بمقتضى التنشئة الإنسانيَّة -وبالتالي القابلة للوقوع في الخطأ- فإننا جميعًا قد تعرَّضنا إلى مواقف وواجهنا أوقاتًا أُجبِرنا فيها على الشُّعُور بأننا بطريقةٍ ما سيئون أو غير كافين أو أن علينا إثبات عكس ذلك. إن كتاب “روبرت فايرستون –  Robert Firestone” الأخير “التغلب على الصوت الداخلي الهدّام، قصص حقيقية من العلاج والتغيير – Overcoming the Destructive Inner Voice – True Stories of Therapy and Transformation” هو كتابٌ مؤلَّفٌ من قصص قصيرة، يربط فيه تجاربًا عِلاجيَّة متنوعة واجهها في مهنته. ويبدو كَرَاهِيَة الذَّات الفكرة التي تقوم عليها هذه السرديَّات شديدة الشَّخصيَّة، خاصة في فصل “غير المدعوّ”، حيث كان “د. فايرستون” طالبًا في قسم عِلْم النَّفس بـ”جامعة دنفر” عندما زاره صديقٌ قديم يطلب المساعدة في حالة جمود تقريبًا. وبنثرٍ في غاية الطرافة وشِدَّة الذكاء، يصف “د. فايرستون” مُعَاناة هذا الشاب على ضوء ظروفه الشَّخصيَّة.

التَّفكير الناقد للذَّات ليس صَوْت ضميرك

إن عملية كَرَاهِيَة الذَّات أو الصَّوت الناقد أو المُدرِب الداخليّ، عادة ما تبدو كما لو أنها ضميرك فحسب. على سبيل المثال، قد تُخْبِرك أن ما تفعله ليس في صالحك، كما يفعل ضميرك. لكن هذه العملية مُعَارِضَة تمامًا لمصلحتك الشَّخصيَّة. فبينما سيخبرك ضميرك بعدم الإفْرَاط في الشُّرب، ستحثك هذه العملية على الإفْرَاط في الشُّرب، وبعدها ستهاجمك بضراوةٍ على ما فعلته. قد يلحّ عليك ضميرك مثلًا أن تُعيد التَّفكير في محادثةٍ لم تكن لطيفًا فيها، ومن هنا يمكنك أن تُفكِّر في الأمر، وأن تقرِّر ماذا تُحِبّ أن تفعل. عَدُوَّك الداخليّ إما سيبرِّر لك وقاحتك عند مهاجمتك الشَّخص الآخر، قائلًا: “إنه يستحق ذلك، إنه وغدٌ!”، أو سيوبخك بشدةٍ على تصرفك، قائلًا: “أنت شديد الحساسية ولئيم. لا عجب أن لا أحد يُحبّك!”.

كيف تتغلَّب على كراهية الذات؟

بغض النَّظر عن الظروف التي تواجهها، فإن نظرتك السيئة لنفسك ليست مُبرَّرة على الإطلاق. إنها ليست في صالحك أبدًا. يجب أن تكون نظرتك الجيدة تجاه نفسك نظرة صداقة. فكِّر في نفسك وعامل نفسك كما تعامل صديقًا مقرَّبًا، بمودةٍ واحترام، بتفهُّمٍ وتعاطف، وربما أهم من ذلك كله، بشيءٍ من اليُسْر والفُكَاهة.

أنت قويٌّ بالفعل، ولديك الحُرِّيَّة لتبني أي وجهة نظر أو طريقة تصرُّف متاحة لك. وأي صوتٍ داخليٍّ يمثِّلك، سواء كان يُحطِّمك، كأن يقول لك “إنك أحمق!”، أو يُدعِّمَك، كأن يقول لك “إنك أذكى من في هذه المدرسة!”، فإنه يحاول أن يسلبك قوَّتك وحُرِّيَّتك. عليك أن تُدَافع عن نفسك بنفسك، وأن تأخذ صَفَّك في حياتك!

هناك سُبُل عديدة يمكننا أن نُعَالِج مشكلة كراهية الذات من خلالها. أولًا، بمجرَّد أن نُدرك وجود انقسام بداخلنا، فهذا سيسمح لنا بتقييم أحداث حياتنا اليوميَّة على نحوٍ أكثر عقلانيَّة ومنطقيَّة. وما أن نُدْرِك أن هذه العملية تتجاوز التأمُّل الصادق، سنكون قادرين على النَّظر إلى أنفسنا وإلى المواقف التي نتعرَّض لها بموضوعيَّةٍ أكثر. كما توجد أساليب عِلاجيَّة مُوجَّهة لمساعدة الناس على مُعَالَجة نظراتهم السَّلبيَّة لأنفسهم التي أدت إلى كَرَاهِيَة الذَّات.

إن مُوَاجهة الميل إلى كراهية الذات من أنفع المنافذ التي نمضي أوقاتنا فيها ونبذل طاقتنا من أجلها. وبينما نُخلِّص أنفسنا من هذه العملية العِدَائيَّة، نصبح أحرارًا أكثر لنختبر أنفسنا ونختبر حياة نعيشها من منظورٍ مُعزِّز لنا ورَؤُوفٍ بنا.

مصدر الترجمة

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أمل فاخر

ترجمة: أمنية أبو بكر

اترك تعليقا