في عيد الحب: العلم يجيبك لا تقع أبدًا في الحب

يُحكَى في إحدى الأساطير الإغريقية القديمة، أنّ البشر كانوا عبارة عن مخلوقات كروية الشكل ذوات رأس واحد ووجهين، وفي نفس الجسد أربعة أقدام وأربعة أيادٍ، فجأة شعر ذلك المخلوق بشيء من التفوق فتطلّع إلى مكانة الآلهة، الأمر الذي أغضب زيوس سيد الآلهة، فقرر معاقبة المخلوق بشقّه لنصفين، بهدف إضعاف قوته، ولكن بعدها شعر زيوس بتأنيب الضمير، فطلب من أبولو، إله الشمس والشفاء، أن يسوي كل نصف بالشكل المعروف: امرأة ورجل. من يومها وكل نصف يتوق إلى نصفه الثاني، يبحث عنه ليعانقه ويستعيدا اكتمالهما الأبدي و تلاحمهما الروحي.

مع اختلافنا أو إقرارنا بهذه القصة إلا أن هناك جزءًا من الصحة فيها، أننا ننجذب إلى نصفنا الآخر، وهذا ما نسميه ب “الحب”. جميعنا مرّ بذلك الشعور حيث تنجذب إلى نصفك الآخر، ودائمًا تتساءل لماذا هذا الشخص بذاته؟ وتزداد المشاعر لدرجة استحواذها عليك فتلعن الحب و آلهته التي لم توجد.

في هذا المقال سنحاول أن نُشبع فضولك عن هذا الأمر.

أولًا: كيف أعرف أني وقعت في الحب ؟

للوقوع في الحب علامات مميزة وواضحة وضوح الشمس، من بينها:

إعلان

المعنى الخاص: يصبح محبوبك غير عاديّ، منفردًا منقطع النظير، وكلّي الأهمية، أي له معنى خاصّ بالنسبة لك.

“جولييت هي الشمس” روميو و جولييت -شكسبير

الاهتمام المركّز: الشخص المأسور بالحب يركز كل اهتمامه بالمحبوب حتى لو أوقع الضرر بكل شيء من حوله. هذا الاهتمام يبقى في الذاكرة مما يجعلك تشعر بدفء عاطفي، حين تتذكر اللحظات التي قضيتها مع محبوبك.

“لا أقدر أن أتحمل أن أعيدها لمكانها، حصيرة النوم البامبو، تلك الليلة التي أحضرتك فيها للمنزل، شاهدتك تبرمينها.” لقد أصبح الأمر عاديًا للشاعر يوان تشين أن يرى حصيرة البامبو كل يوم وهي تملأه بطاقة أيقونية سحرية.

تعظيم شأن الحبيب: المفتون بالحب يعظّم كلّ السمات البسيطة في المحبوب، وحتى إذا كانت عيوب المحبوب بارزة بروز الشمس فإنه يطرحها جانبًا مقتنعًا بأن تلك العيوب ملامح تفرُّد وجاذبية.

تصف فريجينيا وولف هذا الوهم قائلة: “على أنّ الحب… إن هو إلا وهم خادع، قصة يحبكها الإنسان في ذهنه عن شخص آخر، ويعلم المرء طوال الوقت أنها غير حقيقة، فلماذا لا يكسر هذا الوهم”

التفكير المقتحم: التفكير الاستحواذي المفرط في المحبوب، أي أنك لا تستطيع أن تُخرج محبوبك من رأسك.

وخير مثال لذلك؛ قصة بارزيفول الذي كان ممتطيًا حصانه، حين شاهد فوق جليد الشتاء ثلاث قطرات من الدماء، ذكرته بمزيج المرمر مع اللون القرمزي في بشرة زوجته. مشلولًا من المفاجأة، جلس متأملًا متجمدًا في سرج فرسه. العشق الهائل أسَرَه في حالة من الاستعباد.

لهيب العاطفة: طوفان من العواطف الجبارة التي تنساب بجموح نحو العقل، البعض يصير خَجِلًا والآخر يتلعثم ويرتجف…

كتب لويس الشاعر الروماني إلى حبيبته مكتَسحًا بالهوى:

“لقد جننت برؤيتك حبيبتي، يذهب مني التنفس، لساني يتجمد، وفي جسدي يشتعل اللهيب”.

ثانيًا: كيمياء الحب

تتمّ عملية الوقوع في الحب عبر ثلاث مراحل: الرغبة، الانجذاب ثم الارتباط. أثناء هذه المراحل الثلاث يفرز الدماغ مركبات كيميائية تجعل العقل صريعًا للحب، ففي مرحلة الرغبة يرى الشخص علامات في المحبوب تساهم في إفراز هرمونَي التستوستيرون والإستروجين لتُؤهّل الانجذاب لهذا الشخص.

ثم تأتي مرحلة الانجذاب التي تتميز بسيطرة الهرمونات الثلاث؛ “الدوبامين” الذي يزيد الابتهاج مع العديد من المشاعر التي يقرّها المحبوب مثل زيادة الطاقة والنشاط الحركي، الأرق في النوم، فقدان الشهية، الرجفة، ارتفاع دقات القلب، التنفس السريع، وفي بعض الأحيان الهوس والقلق ثم الخوف. كما أن ارتفاع هذا الهرومون مصاحب لعلامات الإدمان، فالحُب الرومانسي إدمان إذَن. “السيروتونين”، وهو الذي يجعلك مجنونًا بالمحبوب (ستلاحظ قيامك بأشياء مجنونة وغريبة)، حيث يستحوذ على تفكيرك طيلة وقتك، بل يصل الأمر إلى أن تفكر فيه طيلة وقت استيقاظك. الهرمون الثالث هو “الأدرينالين” الذي يساهم في ارتفاع دقات القلب.

وأخيرًا مرحلة الارتباط التي تحدّد إذا ما كان الانجذاب سيستمرّ أم لا، ويفرز الدماغ في هذه المرحلة هرمون ” فاسوبريسين”: الذي يجعل الشخص أكثر إخلاصًا وتحمّلًا للمسؤولية لحبيبه، كما يحافظ على النسل، حيث يعزز الرابطة بين الآباء و الأبناء.

ثالثًا: عندما يمرض الدماغ بداء الحب:

كتب ويليام باتلر ياييس مرة:

“يُعرف النبيذ في الفم، ويُعرف الحب في العيون”.

ما أن تقع عين الإنسان على محبوبه حتى يفرز الدماغ نقعة من الدوبامين تجعله يشعر بالسعادة والرضا، كما يفرز هرمون الذكورة “التستوستيرون” مما يثير الغريزة الجنسية والرغبة في امتلاك الشخص الآخر.

كما يُظهِر التصوير الإشعاعي عند المرأة المُحِبّة نشاطًا في المراكز الخاصة بالانتباه والحدس والذاكرة. أما الرجل فيَظهر نشاط أكبر في قشرته المخية البصرية. مما يعني أنه أكثر وقوعًا للحب من النظرة الأولى.

وعندما يقع الإنسان في الحُب فإنّ الدوائر العصبية الخاصة بالحرص والتفكير المنطقي يتم إغلاقها، حتى أن المحبين كثيرًا ما يعلنون أن عيوب محبوبهم لا تؤرقهم و لا تشغل بالهم (الحب أعمى). كذلك يتم تهدئة المراكز المخية المسؤولة عن الخوف والقلق. كما يشترك المحبّان مع المدمنين في الشعور بالنشوة. وكما يبحث كل منهما عن الآخر مثلما يبحث المدمن عن العقار، فإنهما يشعران بنفس الأعراض الإنسحابية إذا افترقا، لذلك فالحب الحقيقي يعتبر إدمانًا حقيقيًا.

و كما أنّ للحب كيمياء، فإنّ ألم الحب له كيمياء خاصة، حيث ينهار المحبان ويختبران عذاب البعد والقلق، ويشعران بالاكتئاب والتعاسة، ورسالة إلكترونية بسيطة من الحبيب تكفي لشفاء علّة المصاب بداء الحب، وتجعله يطير من الفرحة.

وفي الختام، فإنه لمن المدهش أن ينتج ذلك الجزء من جسمنا الذي لا يتجاوز وزنه 3 كيلوغرامات، احتياجًا قويًا يخضع له العالم أجمع “جنون الآلهة” (أو الحب الرومانسي) الذي يجعل حياتنا أكثر تعقيدًا، ويبدو أن السبيل الوحيد الذي قد يفلتنا من نسيج الحب هو الاحتيال على أدمغتنا  من أجل السيطرة على هذه العاطفة.

 

إعلان

مصدر مصدر
اترك تعليقا