لماذا لا نشعر بـ العيب عندما نقول what’s the fuck ؟
لعلَّك تلاحظ أنَّنا قد نلجأ في بعض أحاديثنا اليومية إلى اللغة الإنجليزية أو أيّ لغة أجنبية عند الحديث عن الجنس على سبيل المثال، حيث يخفِّف حديثنا باللغة الأجنبية من إحساسنا بالخجل ويساعدنا على طرح أفكارٍ يعتبرها مجتمعنا جريئة، فكم من مرَّة سمعت فتيات حولك تصرخن what’s the fuck، ورجال من أصدقائك يهتفون holy shit، هذا فضلًا عن الكثير من التعابير التي يعف لساننا عن ذكرها بلغتنا الأصلية، كأنَّ ” العيب ” لا يعد عيبًا باللغة الإنجليزية، وكأنَّ الأحكام الأخلاقية تختلف مع إختلاف اللغة.
أثار هذا الموضوع اهتمام عدد من علماء النفس فقرَّروا دراسته، فوفقًا لورقةٍ بحثيةٍ نشرها البروفيسور “ألبرت كوستا” أستاذ علم النفس بجامعة برشلونة بعنوان Moral judgment depends on moral Language في ٢٠١٤ ، طُرِحَ على عدد من المتطوعين المعضلة الأخلاقية المعروفة بإسم ” معضلة الترولي “:
“تخيَّل أنَّ هناك عربة ترولي خرجت ع السيطرة سوف تصطدم بخمسة أشخاص مقيَّدين على مسارها، و أنت تقف بجوار ذراع لتحويل مسار هذه العربة الى مسار جانبي آخر، وبالتالي تنقذ الأشخاص الخمسة من موت محقق، ولكن هذه التحويلة ستفضي الى وفاة شخص يقف على هذا المسار الجانبي، فهل ستسحب ذراع التحويلة؟”.
كانت إجابات معظم المتطوعين بالإيجاب. وفي الحقيقة فإنَّ معظم الناس سيتفقون على هذه الإجابة، وهنا طرح الباحثون الجزء الثاني من المعضلة :
“ولكن ماذا لو أن السبيل الوحيد لإيقاف العربة كان عن طريق دفع رجل سمين من على جسر للمشاة ليسقط أمامها ؟
الغريب أنه في هذه الحالة يُظهِر الناس تردُّدا كبيرًا جدًا في الموافقة على ذلك، على الرغم من أنَّه في كلتا الحالتين يتم التضحية بشخص واحد لإنقاذ خمسة.
الجديد هنا هو أنٌَه عندما طرح كوستا وزملائه هذه المعضلة بلغة آخرى ( الاسبانية ) و هي لغة تعلمها المتطوعون كلغة ثانية في مدارسهم ازدادت نسبة أعداد الذين اختاروا إلقاء الرجل السمين أمام العربة بشكل كبير من أقل من ١٨٪ من أفراد العينة البالغ عدد أفرادها ٧٢٥ طالب عندما عرضت عليهم المعضلة باللغة الأم (الإنجليزية في هذه الحالة ) إلى نحو ٤٤٪ في حالة اللغة الأسبانية، وتم تكرار التجربة بلغات آخرى ومع أفراد آخرين وكانت النتائج متماثلة.
هناك عدة تفسيرات لهذه الإختلافات ربما أهمها أنه في حالة التفكير باللغة الأجنبية فإنَّ الجهد المبذول في الفهم والتركيز ينقل التفكير في المعضلة إلى مستوى من التجرّد و العقلانية على عكس اللغة الأم التي تستدعي الكثير من العواطف والتابوهات التي قد تعوق إتخاذ القرار السريع، أي أنه عند استخدام لغة أجنبية يميل الشخص الى التفكير النفعي العملي.
و لقد أكد على هذه النتائج الدكتورة كاثلين كلاديول هاريس عالمة النفس بجامعة بوستون والمتخصِّصة للدراسات اللغوية ، و قالت أن اللغة الثانية تحدث آثرًا نفسيًا أقل من اللغة الأم لدى متحدثيها مهما، فكلمات السباب والشتيمة أخف وطئة على قائلها من نفس الكلمات باللغة الأم. ولقد لوحظ أنَّ المرضى النفسيين أثناء جلسات العلاج النفسي يستخدمون اللغة الأجنبية لخلق مسافة تدبرية بينهم وبين المعالج، و يتحوَّلون الى لغتهم الأصلية عند الحديث عن المشاعر والعواطف.
ويبدو هذا طبيعيًا، وفقًا لِما ذكرته الدكتورة كاثلين، فمشاعرنا أوَّل ما تشكَّلت، تشكَّلت في لغتنا الأم حيث شهدت حواراتنا وتفاعلنا كرها و محبة مع البيئة حولنا، ومن ثم حملت الكلمات القدر الكبير من الارتباطات العاطفية بأحداث وأفكار و مشاعر. و مع هذا، عندما نجيد اللغة الأجنبية ونكتسب الطلاقة والمهارة العالية ونعايش أهلها تبدأ هي الأخرى في التأثير العاطفي علينا بالتناسب مع السن الذي بدأنا معرفة اللغة الثانية و التعايش بها.
الخلاصة أنَّ الأحكام الأخلاقية للأشخاص تتأثَّر كثيرًا باللغة الثانية حيث يميل مُتَحَدِّثوها إلى الجانب النفعي العقلاني في قرراتهم الأخلاقية، كما أنَّ الإحساس بـ العيب والحساسية لألفاظ السباب واللعن تقل كثيرًا لدرجة أن يصبح العيب ليس عيبًا.
——————————————
المراجع:
Your Morals Depend on Language
——————————————
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
وسوسة الشيطان .. قراءة في كتاب تأثير لوسيفر لفيليب زيمباردو
مراجعة كتاب ” الفيزياء والفَلسَفة ثَورة في العلمِ الحَديث “