الفراشة الحجرية

– هذا البحر كان صحراء ذات يوم يا (جيهان).

نظرَتْ إليَّ بجانب عينيها وضمَّت شفتيها، ووكزتني في كتفي برفق وهي تقول:

– لا يهمني أن يكون حتى غابة مطيرة. أريد فقط أن أستمتع باللحظة يا محمد.

واستنشقَتْ نسيمَ البحر بعمق، فخُيِّل إليَّ أن سحابةً معلَّقةً في الأفق الأزرق قد بدأت تتحرَّك نحونا!

– تنفَّسي برفق يا (جيهان). لا أريد أن ينتهي هذا الصباح الربيعي الهادئ بإعصار!

إعلان

أصدرت ضحكات متقطِّعة، ووكزتني مرةً أخرى في كتفي، فلم أحتمل، ومِلتُ عليها، وطبعتُ على شفتيها قبلةً خاطفةً، ثم ابتعدتُ عنها. كانت عيناها المكتحلتان لا تزالان مغمضتين كأنها تطمح إلى المزيد، لكنني لم أكن قادرًا على أن أتمادى خوفًا من المتسكعين على كورنيش الإسكندرية، الذين قد يلاحظون هذا الفعل الفاضح (من وجهة نظرهم)، فيُفرغون فينا شحنة الكبت الجنسي والحسد، بعنفهم المعهود، وقد يدفعوننا إلى البحر، الذي تقدَّم في السنوات الأخيرة كثيرًا حتى يكاد الآن أن يلتهم أصابع الكورنيش!

– افتحي عينيك يا (جيهان). ما هي إلا قبلة واحدة. هل تريدين أن يرانا الناس؟

تنهَّدَتْ وهي تفتح عينيها ببطء، وقالت متحسِّرة:

– ليت البحر يتحوَّل مرة أخرى إلى صحراء، فأختبئ أنا وأنت خلف ربوة…

– وأقبِّلك مرةً أخرى.

قلتُها مشاكسًا، فقالت في عبث:

– حينها لن نكتفي يا حبيبي بالتقبيل فقط…

عندئذٍ قمنا معًا، واستأنفنا السير صوب حديقة (الشلالات) القريبة. كنت قد أخبرتها بأنني أخبِّئ هدية عيد ميلادِها هناك، وأن عليها أن تكتشف مكانها بنفسها. أتمنَّى أن تروق لها المفاجأة.

* * *

قبل ستة ملايين سنة، انسدَّ مضيق جبل طارق، فتحوَّل البحر المتوسط إلى بحيرةٍ عملاقةٍ، ما لبثت مياهها أن تبخَّرت، وتحوَّلت هذه المساحة الشاسعة إلى صحراء ملحية هائلة. حين قلت ذلك لـ (جيهان)، اصطنعَت الإحباط، وقالت وهي تلفُّ ذراعَها حول ذراعي:

– كنت أظنها صحراء حقيقية. أين سنجد ربوة نختبئ وراءها في صحراء ملحية؟!

عندئذٍ لم أتمالك نفسي من الضحك، وضحكت هي أيضًا، وقلت لها:

– يجب أن تجدي طريقةً تكبحين بها هرموناتك قليلًا يا (جيهان). ثم لماذا سنختبئ؟ لم تكن فصيلتنا البشرية موجودةً أصلًا في ذلك الزمان البعيد. بل لم نكن موجودين خلال أغلب تاريخ الحياة على الأرض. نحن يا حبيبتي لسنا إلا بصقة أطلقها كوكبنا المتقلِّب بعد نوبة سعال عنيف. وهاهي البصقة تريد أن تتحكم في الكون، بل وتمنع اثنين متحابَّين من العناق على فراش الطبيعة!

أومأتْ إليَّ محبطةً، فاهتزَّ شعرها البني الناعم. وكنا قد وصلنا إلى مدخل الحديقة، فدلفنا منه، وسرعان ما تراءت لنا ألوان الربيع، التي كانت للأسف أقلَّ مما اعتدت في طفولتي… بل وأقلَّ مما اعتدت قبل خمسة أعوام! كأن الطبيعة أصبحت في سن اليأس! اقتربنا من بعض الأزهار البنفسجية الضئيلة، وهممت بأن أقطف لها إحداها، فهتفت:

– انتظر.

نظرتُ إليها في تساؤل، فأردفَتْ:

– لا أحب أن تقتل لكي تقدِّم لي هدية.

– أقتل؟!

– أجل يا محمد. أنت على وشك أن تقطف الزهرة لتعطيني إياها. أنا أرفض هذا تمامًا. هل تقبل أن تقطف رأسي من عنقي وتقدِّمه للزهرة؟!

فلم أُحِر جوابًا. وقلت مغيرًا الموضوع:

– على كل حال. لقد وصلنا إلى المحطة الأخيرة. عليكِ الآن أن تبحثي عن هدية عيد ميلادك حتى تجديها.

نظرت إليَّ مندهشةً، وقالت:

– هل أنت مجنون؟ هل تريدني أن أبحث في هذه المساحة الشاسعة؟!

ابتسمتُ مطَمئِنًا، وقلت لها:

– لن تبحثي عن الهدية يا (جيهان). سوف تبحثين عن شيء آخر، لو وجدتِه فسوف أعطيك الهدية. هي معي على كل حال.

أمالت رأسها في غيظ، وسألتني:

– وعمَّ تريدني أن أبحث إذًا؟

– عن فراشة. إذا وجدتِ فراشةً، فسوف أعطيك الهدية.

ابتسمَتْ كالأطفال وهي تقول:

– إذا كان الأمر كذلك، فأنا واثقة من أن الهدية ستكون معي قبل مضي عشر دقائق. هل نسيت أننا في فصل الربيع؟!

هززتُ رأسي وقلت:

– لا تكوني متأكدةً هكذا. ليس الأمر بهذه البساطة. لم تعد الفراشات كما كانت قديمًا. أنت تعلمين أن الهواء لا يسع عوادم السيارات والفراشات في نفس الوقت.

قطبت حاجبيها وهي تقول في حماس:

– سوف نرى.

وانطلقَتْ تبحث عن أي فراشة، وجلستُ على أريكةٍ خشبيةٍ أنتظرها.

* * *

لا أعرف هل تحبني بقدر ما أحبها أم لا، لكنني متأكد من أننا نحب دائمًا نفس الشيء…

هذا هو الأهم عندي.

أعلم أنها تنظر إلى الطبيعة بعينيَّ وأنظر إليها بعينيها. كأننا كيان واحد نبت في الطبيعة، ومن خيراتها يتزوَّد، استعدادًا إلى رحلةٍ أخرى بعد الموت لا يعلم أحدٌ مستقرَّها. لا أريد إلا أن نظلَّ معًا طوال هذه الحياة.

سأنتظرها إلى أن ترشدني إلى فراشة واحدة. أعرف أن الأمرَ صعبٌ في هذه الأيام التي سرَّع فيها البشرُ من وتيرة التغيُّر المناخي، ممَّا أثر على رئة العالم (الأشجار) ورُسُل الحياة (الحشرات). كان الجنس البشري كالعامل الحفَّاز الذي يُضاف إلى التفاعل الكيميائي فيختزل الوقت اللازم لإتمامه. الحياة تفاعل كيميائي شديد التعقيد، والنظام البيئي مجموعة من المعادلات الكيميائية والفيزيائية المتناغمة. كان الكوكب دائمًا كشيخٍ حكيمٍ يتحرك ببطء شديد، ويفكر ألف مرة قبل أن يرشف من (قَدَح المياه) الذي أمامه! شيخ ينام مائة سنة، ويصحو مائة سنة. شيخ يرى ألف مستقبل محتمل، ثم يعمد إلى أخفِّ الاختيارات ضررًا. البشر قرَّروا أن يحوِّلوا الشيخ إلى مراهق تافه يرقص على إيقاعات الراب، ويريد أن يجرِّب كل لذات العالم من وراء شاشة كريستالية! الشيخ الحكيم يتعجَّب من ثيابه المبتذلة ومن حركات جسده غير المتناسقة، ويحاول أن يعود إلى هيئته الوقورة، فيخفق، فتمتد يده اليائسة إلى (قَدَح المياه) ليشرب، فيتفلَّت القَدَح من بين أصابعه المرتجفة، ويندفع إلى الأرض. وهاهي المياه تكاد تغرق السواحل!

تنفستُ بعمق وأنا أحاول أن أحفر أطلال رائحة العشب في أعصابي، وأن أتذكر كيف كانت أشدَّ فوحانًا قبل خمسة وعشرين عامًا. ياه! ما أكثر ما فقدنا!

أخذت أتأمل في الحديقة. لم أجد أثرًا لأية فراشة. ربَّتُّ على جيب بنطالي الأيسر الذي يحتوي الهدية التي أحضرتها لحبيبتي (جيهان). الهدية التي أتعشَّم أن تكون فاتحةً لأجمل لحظات حياتنا، ولمستقبلٍ أتمنَّى أن يكون بلون أحلامنا. أعلم أن رحلة بحثها ستكون شاقةً خلافًا لما حَسِبَته. سأنتظرها نصف ساعة، ثم أعطيها الهدية على كل حال؛ فلستُ شريرًا إلى هذه الدرجة! ولكن هل تعلم (جيهان) أن الهدية الحقيقية، لها ولي ولكل إنسان، أن تجد فراشة؟!

* * *

في ظروف غامضة، أرسلني أبي وأنا في سن الثامنة لتلقِّي دروس في النحت لدى أحد أصدقائه! لا أدري ما الذي دفعه إلى اتخاذ هذه الخطوة. سألته بعد مرور سنوات عن سبب تحمُّسه لذلك، فقال لي ذات يوم أنه لاحظ أنني أصنع تماثيل بالصلصال تَشِي باستعدادٍ فنيٍّ لا بأس به. وفي يومٍ آخر قال لي إن النحت يُعلِّم الصبر، وإنه كان هوايةً شائعةً في العصور القديمة. وفي مرة ثالثة، أحسبه كان أصدقَ فيها من أي مرة سابقة، قال لي إن الفراغ قاتل، وإن من الأفضل أن يشغل الإنسان وقته بأي شيء، حتى ولو ثبت أنه غير موفَّق فيه! الحياة طويلة جدًّا، ولو لم يملأها الإنسان بأي شيء، فسوف تملؤه هي باللاشيء، واللاشيء مفتاح الاكتئاب! ولعلَّه صرَّح لي بهذا الأمر، لأنني بعد دروس كثيرة، اتضح لي أن النحت هو أبعدُ مجالٍ عن مواهبي، التي تفجَّرت بعد وقت غير طويل في مجال الأدب.

بعد مرور شهرين على أول درس، بدأت أنحت بعض القطع الخشبية الصغيرة على هيئة الفواكه أو أدوات المائدة. لم تكن النتيجة مُرضِية، لكن النحات كان رجلًا صبورًا. وذاتَ يومٍ، دخلتُ عليه الحجرة، وألقيت عليه السلام، فلم يَرُد. كان يرتدي قميصًا واسعًا كعادته يُفصح عن شعر صدره الشائب، وكان رأسه المشعث مُطرِقًا، وبدا حزينًا وهو يتأمَّل شيئًا ما في كفِّه.

اقتربتُ منه، وألقيت السلام مرةً أخرى، فرفع رأسه إليَّ، ونظر إليَّ مليًّا دون أن ينطق. وبعد لحظاتٍ قال:

– أمسِ رَحَلَتْ. لعلَّه أمر غير معهود لمن هم في سنك، لكنك ستعتاد على مثل هذه الأنباء. لقد توفِّيت زوجتي أول أمس. وهذا التمثال الصغير هو آخر هديةٍ صنعتُها لها.

وقرَّب يده منِّي، فرأيت فراشةً حجريةً بديعةً متقنة الصنع، وعلى جناحيها خطوط محفورة بدقة بالغة. أعجبني التمثال جدًّا، حتى ظننتُ أنه فراشة حقيقية تحجَّرت بفعل نظرة من (ميدوسا) أو بتعويذة سحرية. أبديت إعجابي بالفراشة، فقال لي:

– هل تعلم أنها ماتت قبل أن أعطيها هذه الفراشة؟! لم يكن ينقصها غير شيء واحد.

تنامى فضولي، فسألته عن الشيء الناقص. قَلَبَ الفراشة، وأشار إلى باطن جناحيها الخالي من الخطوط وقال:

– اسمها… لم أنقش اسمها على هذه الفراشة.

ثم وجدته يمد يده إليَّ بها، وهو يقول لي:

– سوف يكون هذا اختبارك الأول… وقد يكون الأخير. احفر اسم الفتاة التي تنوي أن تقضي معها بقية حياتك على باطن جناح الفراشة، وأهدِها لها، لكي تكون تميمةً تحفظ محبتَكما للأبد. ذلك طبعًا حين تهتدي إليها بعد أعوام تطول أو تقصر.

استحييتُ أن آخذها منه لِمَا لها من مكانةٍ عظيمةٍ لديه، لكنه أصرَّ، فالتقطتُها، ثم وضعتها على كفي، وأخذت أتأمَّلها.

كان ذلك في الثامنة من عمري. واليوم أنا في الثامنة والعشرين… وهأنذا وجدت الفتاةَ التي أنوي أن أقضي معها بقية حياتي… تتبقى فقط خطوة واحدة قبل السعادة المرتقبة!

* * *

مرت ثلاثون دقيقة، ولم تهتدِ حبيبتي إلى أي فراشة. نهضتُ من على الأريكة الخشبية، وأخذت أجذِّف بذراعيَّ وسط تيار الرياح العنيف الذي هبَّ فجأةً، باحثًا عن فراشتي الآدمية (جيهان)؛ ولم تمض دقائق حتى لمحتها تقف بجوارِ شجرةٍ ضخمةٍ موليةً إيَّاي ظهرَها، وكانت تنظر في الأرجاء متفحِّصةً، وأوراق الشجرة تتساقط فوق رأسها، بينما الجذع يهتز بفعل الرياح غير المتوقَّعة! اقتربتُ منها، ووضعت يدي على كتفها، فانتفضت، ثم استدارت إليَّ وقالت لائمةً:

– لقد خدعتني يا محمد. طلبتَ مني شيئًا مستحيلًا. لم أكن أتوقَّع أن تخلو هذه الحديقة الضخمة من الفراشات. والآن، يبدو أن عيد ميلادي سيمضي بدون هدية.

ابتسمتُ وقلت لها:

– لو كنتِ نظرتِ في أي مرآة، أو حتى في كاميرا موبايلك الأمامية، لوجدتِ ما كنتِ تبحثين عنه. أنتِ فراشتي، ولقد وجدتك، مثلما وجدتِ أنتِ نفسَك يومَ علمتِ أنكِ مثلي تمامًا؛ جزء من الطبيعة يريد أن يمتزج بها، وأن يُبعِد عنها كل سوء. وأظن أننا يوم نمتزج معًا، سنخلق كونًا صغيرًا يعترف دائمًا بالفضل للكون الكبير. ولذلك يا حبيبتي أنت تستحقين هذه الهدية.

ومددت يدي في جيبي، وأخرجت الفراشة الحجرية، التي نقشتُ عليها اسمَها وتاريخ هذا اليوم (الذي لم أعلم أنه سيُخلَّد بعد ذلك في تاريخ مصر)! أعطيتها الفراشة، فارتسمت الدهشة على ملامحها. أمسكتُ بيدِها اليمنى، وانتحينا جانبًا بعيدًا يجاور جزءًا متهدِّمًا من سور الإسكندرية القديمة، لكي نحتمي من الرياح العاصفة غير المعتادة في ذلك الوقت من العام. كان شعرها البني يتطاير بشدَّة حتى خلتُ أنها ستفقده إذا استمرَّ هبوب الرياح على هذه الوتيرة! أسندتْ ظهرَها إلى السور، ووقفت أمامها لكي أحميها من الرياح. وقلت لها مازحًا:

– ألم أطلب منك أن تتنفسي بهدوء ونحن جالسان على البحر؟ انظري ماذا فعلت أنفاسك يا إلـٰهتي المُبَجَّلة!

ابتسمَتْ، فبدأت أحكي لها قصة الفراشة الحجرية، وكانت عيناها تلمعان مع استرسالي في الحكاية. ولأن الرياح كانت تضطرُّها إلى تضييق عينيها، أحسست كأنها تعتصر بجفنيها بريقَ رُوحِها لتصبَّه في قلبي مباشرةً. ما إن انتهيتُ، حتى وجدتها تلتقم شفتيَّ، فملأتْ أنفي أنفاسها المعطَّرة برائحة الفراولة، وحين تباعدنا، لمحت في عينيها نظرةً لن أنساها… بل نظرتين… النظرة الأولى أوحَتْ إليَّ أنها ترى الجنة رأيَ العين. والنظرة الثانية أوحَتْ إليَّ أنها تبصر كارثةً غير مسبوقة! ولحسن الحظ (أو لسوئه، لست أدري)، كانت النظرة الثانية موجَّهة إلى شيءٍ ما خلفي!

التفتُّ، فرأيتُ الكارثة التي من أجلها سيُسجَّل يومُ ارتباطي الرسمي بـ (جيهان) في كتب التاريخ!

* * *

بدايةً من عام 2020، لم يعد العالم قادرًا على أن يتحمَّل اعتداءات البشر، وقرَّر أن يُبدي اعتراضه. لكننا لم نكن نعلم (أو بالأحرى لم نكن نصدِّق) أن غضبَ الكوكب سوف يُودِي بحياة مئات الآلاف. بدأت القصة بالوباء المدمِّر، ثم توالت في السنين التالية الكوارث. أصبح التغير المناخي أمرًا ملموسًا له آثار اقتصادية واجتماعية مفجعة! ولم تسلم مصر من هذا المصير. ارتفاع منسوب البحر أصبح واضحًا للعِيَان. غرقت أجزاء من (بلطيم). و(الإسكندرية) في الطريق إلى الغرق. لكن آخر شيء كنا نتوقعه هو الأعاصير!

في ذلك اليوم، الذي خلَّدتُه على الفراشة الحجرية، شهدت مصر أول إعصار في تاريخها الحديث (وربما في تاريخها بأكمله).

جلستُ أنا و(جيهان) تحت أحد أفاريز السور العتيق، والرياح تقتلع أمامنا الأشجار، وتقلب السيارات، وتُسقط اللافتات. كانت الصدمة تلجِّم ألسنتنا والإعصار يقترب كتنين غاضب، إلا أن أعيننا المتعانقة كانت لا تزال قادرةً على الكلام. ترى هل سيقدر شاب وفتاة مثلنا يحبان الطبيعة أن يضعا حدًّا لرد فعل الطبيعة الغاضب على انتهاك الإنسان للكوكب؟!

وبعد نصف ساعة من الصمت، قالت لي (جيهان):

– أنا خائفة يا محمد… الآن فقط أدركت أن الكوكب الذي حوَّل بحرًا هائلًا إلى صحراء ملحية يومًا ما، لن يشقَّ عليه أن يحوِّل كل هذه الغابات الأسمنتية إلى مساكن للأسماك والطحالب. نحن ضعفاء يا محمد. ضعفاء، ومغرورون للأسف.

احتضنتُها بقوة. أرحتُ رأسَها على كتفي، ونظرتُ إلى الأفق الداكن. وخُيِّل إليَّ أن سمكةً حمراء تُطِلُّ من نافذة بناية ضخمة قريبة من الحديقة!

أهذا هو الماضي أم المستقبل؟

لا أدري!

إعلان

اترك تعليقا