الرؤية التنبؤية للشتات العربي في رواية شآبيب لأحمد خالد توفيق

هذا المقال هو رجوعٌ ضروري نظرًا لارتفاع حدة اليمين المتطرف في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وبعض الدول الأخرى، متمثلًا في نظرة متقصية لرواية الكاتب أحمد خالد توفيق والتي أسماها “شآبيب”، بمعنى قطرات المطر المتناثرة في أنحاء عدة، حيث تحمل في طياتها وتحت إبط هذا الاسم العديد من الدلالات والمعاني السياسية والإجتماعية والإنسانية التي سيتم ذكرها في هذا المقال النقدي بشكل عام وليس متخصص، وسننوب بالذكر الجزء الدلالي أكثر من الفني، لأنه الجزء الأهم في رواية “شآبيب” بالتحديد.

لقد ألقى الدكتور الضوء على العديد من القضايا الخاصة بالعرب المغتربين عامة والمسلمين خاصة في جميع أنحاء العالم، لكن كما هو الموضح أن ما يجمع بينهم من صفات هي ثقافة “العروبة”.

من بين المواضيع الدلالية نذكر: تعرض العرب للاضطهاد والتفرقة العنصرية والطائفية، وخصوصًا بشكل زائد في الفترات المنصرمة، مما يجعلهم مع الأسف الشديد “يهود العصر الحديث”.

ومن هنا ومن هذه النقطة بالتحديد، ينطلق الكاتب في رحلة لسبر أغوار هذه المحنة، فيصل بنا لمنتهى الإشكالية متمثلة في شتات العرب حول العالم، كما ذكرت من قبل، واحتياجهم إثر هذه العملية العنصرية لوطن جديد يجمع بين شآبيبهم (وهذا لا يعني بالطبع أن تجتمع الدول والشعوب العربية في دولة جديدة من صنع حديث، بل تعني التفاف العرب وتضامنهم مع بعضهم البعض كأمة لها ما يجمعها من معتقدات وتاريخ موحد لمساعدة المضطهدين بشكل ما).

وهنا يكمن زبد الرسالة في هذه الرواية، وهي تنبؤ (المشكلة) من ثم تنبيه (نتيجة المشكلة) ثم مناجاة (الحل المطروح).

إعلان

التنبؤ (على أساس حقائق):

منذ بداية القرن الواحد والعشرين ومع زيادة احتدام المواقف ضد العرب المغتربين عامة والمسلمين خاصة، الذي زاد من حدته الحادث الإرهابي المسمى بـ “أحداث الحادي عشر من سبتمبر” في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وقعت العديد من الخسائر المادية والمعنوية، لكن الخسائر الحقيقية كانت آثار ذلك الحدث، إذ زاد العداء والتعصب ضد المغتربين من العرب خاصة دون غيرهم، حيث سأنوب بالذكر بعض تلك الأحداث العدائية منذ العام (2001- 2018).

أول محطة هي حادثة اغتيال مخضبة بالدماء، مقتل الدكتورة مروة الشربيني، ففي عام 2009م، قام شاب ألماني نازي الطباع بتوجيه “ثمانية عشر” طعنة في جسد “مروة” الحبلى بجنينها الذكر أمام مرأى القضاة والشرطة في صالة المحكمة، والأهم أمام زوجها الدكتور، ويُقال أن المجرم كان يكيل لها الشتائم والسباب بعنصرية منذ فترة قبل محاكمته بثلاث سنوات كـ “مكافأة”.

وهذه القصة تتشابه وقصة “أمينة” العربية المسلمة المحجبة في رواية شآبيب، التي تعمل كمدرسة في إحدى المدارس في أوسلو، مما يعرضها للإهانة بالسباب تارة، وبالتحرش ثم الاغتصاب تارة أخرى، مع تراخي الجهات الأمنية وغض نظرهم عن تلك الاعتداءات التي تتعرض لها أمينة أمام أعينهم بسبب حجابها (رمزًا لثقافتها العربية الإسلامية)، ويرى البعض وجوب التعامل معها بهذه الطريقة نظرًا لدونيتها وتخلفها في نظراتهم الاستعلائية كما هو واقع في الرواية، وهو ما يعنى به اليمين المتطرف حول العالم.

لو قفزنا إلى عام 2017م ، بالتحديد بلد الحريات الكاملة “الولايات المتحدة الأمريكية” لنقرأ رسالة:

“المسلمون حقراء، و الرئيس “دونالد ترامب” سيفعل بالمسلمين ما فعله هتلر باليهود”.

هذه بالطبع ليست كلماتي لكنها للأسف نص رسالة بُعثت لمسجد في ولاية “أيوا” الأمريكية، ولمساجد أخرى في ولايات عدة في نفس العام، من خلال جماعة تطلق على نفسها “الأمريكيين من أجل طريق أفضل”.

هذا وقد أقر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” و حسب تقرير “المركز القانوني للفقر”، أن منذ الانتخابات الأمريكية الأخيرة عام 2017م وقعت أكثر من 700 حادثة تحرش وتهديد ضد الأقليات عمومًا، و100 حادثة  ضد المسلمين المغتربين خاصة حسب شبكة “سي إن إن “ الإخبارية.

أما السنوات الأخيرة فهي الكارثة الكبرى كارثة “إعصار العنصرية الذي يضرب كالأهوج” فمنذ عدة سنوات قامت جماعة متخفية بتدشين حركة باسم “معاقبة مسلم” في إنجلترا، في الثالث من نيسان/إبريل 2018، وتحمل تلك الحركة رسائل سامة حيث تتمثل الحركة في جمع نقاط عن طريق هذه القائمة:

  1. إيذاء لفظي: 10 نقاط.
  2. نزع حجاب امرأة: 25 نقطة.
  3. رمي أسيد على مسلم: 50 نقطة.
  4. تعذيب مسلم بصعقة كهربائية أو سلخ: 250 نقطة.
  5. ذبح مسلم بسكين أو سلاح ناري أو دهسه بسيارة: 500 نقطة.
  6. حرق أو تفجير مسجد: 1000 نقطة.
  7. تفجير مكة بسلاح نووي: 2500 نقطة.

هكذا من أنواع التعذيب والأذى ودواليك، ولك أن تتخيل أيها القارئ المتمعن ما يمكن أن يزيد عن هذا، فلن نتفاجأ يوم نستيقظ ونشهد على “هولوكوست” العصر الحديث ضد العرب.

  • النتيجة (أشتاتا أشتوت):
  • (نص وعد بلفور):

“عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته، فإن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”.

من هنا يتأتى المعنى العميق والأهم لرواية شآبيب، وهو نتاج ما يجري من عداءات ضد فصيل العرب والمسلمين خاصة في أنحاء دول العالم، و تشبيه ذلك بما جرى لليهود من انتهاكات لإنسانيتهم و حقوقهم كمواطنين لا يمثلوا البقية الشاذة منهم، مما أدى لوعد بلفور عام 1917م، “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، حيث زيف اليهود التاريخ وسمحوا لأنفسهم لارتكاب الجرائم نفسها التي ارْتُكبت فيهم، ولن نخوض في هذه الجزئية نظرًا لتعقيدها وطول شرحها، و السؤال الأهم هنا هو: هل يمكن أن يصل العرب درجة من الشتات لهذا الحد، و إن كانت الإجابة نعم فمن يكون المخلص؟ وكيف يكون الخلاص؟

هذا هو الطرح التالي الذي ينقلنا إليه الدكتور، وهو صنع وطن جديد يجمع شتات العرب، أو بالأحرى نداء للأمم العربية عن بكرة أبيها للاتحاد الجاد من جديد، ومثولهم أمام عدوهم الآثم الظالم من أشكال عنصرية وتفرقة طائفية مبنية على جهل وتطرف.

“قد يعيش الإنسان من دون مسكن أو مال أو طعام أو ملبس، قد يعيش من غير مستقبل أو من غير دين، لكنه لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة من دون حلم، ستكون نهايته”

مكرم ميخائيل-عربي تائه

  • الهوية (من المحيط إلى الخليج):

“أنا عربي أنا اسم بلا لقب

أنا من أسرة المحراث

وجدي كان فلاحًا بلا حسب ولا نسب”

شعر محمود درويش من قصيدة “بطاقة هوية”

غير الدكتور أحمد خالد توفيق في  بعض شطور قصيدة الشاعر المناضل الفلسطيني”محمود درويش” في “بطاقة هوية”، كي يلخص لنا حجم المعاناة وعلى أساسها حجم المطالب التي تأججت في الجزء الأخير أو البعد الأخير للرواية.

حيث تحمل تلك الصفحات وراء سطورها نداءً لجميع القوى العربية ودعوى صريحة للاستيقاظ من غفوتها التي طالت سنين و سنون، موجه مساعيها نحو استرجاع أراضيها المحتلة و المحاربة من جديد من أجل القضية الأهم، حيث يقوم أيضا بشرح كيفية “تلفيق” و”تزييف” التاريخ لصالحك، عن طريق إعلام البروباغاندا والمبالغات وما إلى ذلك من أدوات معروفة لدى اليهود.

ويشرح كيف أن “الغاية تبرر الوسيلة” كطريقة ميكافيلية، فتعمد للقتل والمذابح كي تصل بأي طريقة لهدفك أيا كانت المعوقات، وبالتالي تبررها لضميرك أي أنها فقط بضع تضحيات من أجل السمو الفاضل. بهذا يكون الدكتور أحمد خالد توفيق هو”ضارب ناقوس الخطر” المحدق بشعوبنا وبثقافتنا على عدة أصعدة وقضايا مختلفة في آن واحد، حسب رأيه.

  • الخاتمة

هكذا نكون قد لخصنا المحطات الرئيسية التي زارها الدكتور في روايته “شآبيب”، بمختلف أبعادها السياسية، الاجتماعية، الإنسانية والتاريخية، تلك الرواية الخيالية المبنية على حقائق واقعية، منبهًا للبركان الذي تحلق حممه الخطرة فوق رؤوس العرب وغيرهم وبلادهم أجمعين.

الجدير بالذكر أن رواية شآبيب هي نسخة مطولة ومطورة وأكثر تعمقًا عن سابقتها “وعد جوناثان” للدكتور أحمد خالد توفيق، حاملة نفس الأفكار، هذا مما أدى لانتقاده من قبل العديدين من معجبيه وقرائه، أي أنهم كانوا في انتظار رواية جديدة، وليس إعادة كتابة رواية برؤى جديدة للقديم مثل روايته السابقة” في ممر الفئران” المأخوذة عن “أسطورة أرض الظلام”. لكن أعرب الأستاذ أنه ليس الوحيد القائم على هذا النوع من تطوير القديم من أعماله فقد سبقه العديدين من أباطرة عالم الأدب.

هذا لا يمنع تفنن الأستاذ في توصيل أفكاره بمرونة وسلاسة باستخدام الأدوات الروائية من لغة وتسلسل للأحداث، مع الأخذ في الاعتبار بأنه لم يوفق في استحضار جميع أدواته بشكل لائق، أي أنه لم يوفق في تحصين الشخصيات بالعمق الكافي الشافي وفشله في وصف الشخصيات، حيث أنهم تشابهوا في الكثير من الأحيان وترديد ذات العبارات مرارًا و تكرارًا حتى الملل، أما في محاولته لتجديد لغته وتطويرها نجح في فينة ولم ينجح في الفينة الأخرى، حيث زخم صفحاته بالعديد من “المصطلحات المتفلطحة-المفرنجة “، مما يأخذ من رصانة اللغة وأصوليتها. لكن هذه السلبيات إن كانت تقلل من جودة الرواية كعمل فني، لا تسلبها الأبعاد والفكرة البكر.

أخيرًا وهو  ما يحتم علينا الرجوع إلى رواية شآبيب هي الأحداث الحالية في دول أوروبا وأمريكا، من أعمال عنف تجاه العرب والمسلمين المغتربين، وبالطبع تحركات الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني في أراضي دولة فلسطين المحتلة، والربط فيما بينهم من تشابهات في الأحداث التاريخية، ومن نتائج حتمية متوقعة على أساس آليات التهجير والتعصب الديني والتطرف الفكري، والفصل على أساس عنصري لا يخالجه أي منطق غير وازع اليمين المتطرف، القائم على الإبادة العرقية كحل سياسي، ما يدل على رجعية و جهل لا يقابلان إلا بتعنت فكري مثله، وما ينتج عنه إرهاب مماثل وعنف مفرط،  كما وجدنا عبر أحداث التاريخ الدموية التي تدفع ثمنها الشعوب البريئة فقط لا غير.

ومن هنا يأتي التساؤل الصعب والحتمي، هل ننتظر “الصراع الدموي” الذي قاله  ماركس كي تتقدم وتتطور المجتمعات؟ أم نلجأ إلى حل سلمي طريقه نشر الوعي بالحقائق العلمية التاريخية؟

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمود سمير بن جالون

تدقيق لغوي: أمينة براهيمي

اترك تعليقا