إلى الطفل الذي لن أحصل عليه أبدًا

جان باتيست ديل آمو يكتب رسالة إلى المستقبل.

عندما كنتُ في السن الذي ربما تكون قد بلغته أنت الآن، كنت على الأرجح أظن أنني لن يكون لي طفل ، وما دبَّ في قلبي الحزن لم يكن احتمالية عدم إنجاب طفل ، وإنما فكرة حرمان والداي من أحفادهما، وفكرة إصابتهما بخيبة الأمل ومعرفتي بأنني، في أعينهما، كما في أعين الآخرين، سأظل غير مكتملٍ.

ثم كبرت وترعرعت، وسعيت إلى أن أحوّل غيابك إلى قوة، فبدونك سأتمتع بحرية أكبر، لا تقيدني مسؤوليات ولا روابط.

ومع ذلك سأكون كاذبًا إذا ادّعيت أنني لم أحسد قط أولئك الذين لديهم طفل ، أو إذا كنت أقول من وقت لآخر، إنني لا أشعر بوخزة أسى لأنني لم أعرفك.

والحق يقال، فإنني في الغالب لن أملك الكثير لأمنحك إياه، كما لا أملك أي حلٍ يتيح لك خوض الحياة دون أن تحترق، لا أملك ما من شأنه أن يحفظك من ولوج عالم النضج، ما يحميك من مواجهة الواقع المرير في هذا العالم، ما يمنع عنك الجدية والحزن، ما يبعد عنك خيبات الأمل في الصداقة والحب، كما ترى؛ كلما مر الوقت كلما تضاءلت الحقائق اليقينية لديّ، إنّ قناعاتي هشة، ولم أتعلم شيئًا.

علاوةً على ذلك، انظر إلينا، نحن البشر المثيرون للشفقة، الذين طالما ودون كلل حرصنا على تعريف أنفسنا على نقيض أشكال الحياة الأخرى، وذلك من أجل تبرير هيمنتنا عليها، لقد تجاهلنا الإشارات والتحذيرات ضاربين بها عرض الحائط، وأحرقنا الغابات واستنفذنا مصادر الطاقة التقليدية ولوّثنا مياه المحيطات، ولدينا حيوانات محبوسة في المزارع الحيوانية.

إعلان

لقد أسكتنا الطيور، وصعَّدنا تعطُّشَنا الجَشِعَ للربح إلى نقطة اللاعودة، فرسَّخْنا أكثرَ أشكالِ الرأسمالية منظومةً للتشاؤم وخيبةً للآمال، غير آبهين بالضعفاء الذين ضحّينا بهم بلا مبالاة: الحيوانات والمهاجرون والمسنون والعجزة والعامل العادي.

هل هذا هو العالم الذي كنتُ أودّ أن أمنحك إياه؟

يقول بعض الناس إنه من الضروري التمسك بالأمل، والإيمان بالأجيال القادمة، ولكن هذه ببساطة مجرد طريقة أخرى من الطرق التي لا حصر لها التي نسلكها لنعفي أنفسنا من المسؤولية، كما فعل جيل آبائنا في السبعينيات من القرن العشرين، عندما عمل السياسيون واللوبي الصناعي معًا للتّستر على اتفاقية دولية كبرى حول تغيير المناخ وتكميم أفواه كاشفي أسرارها.

وبعد مرور ثلاثين عامًا، يحكم كلًا من الولايات المتحدة والبرازيل رؤساء يشككون في التغيير المناخي، ويستثمر مليونيرات وادي السليكون في مخابئٍ في نيوزيلندا تحسبًا للانهيار العالمي، بينما ترتجف البشرية خوفًا في وجه الوباء الجديد الذي سيؤدي إلى هلاكها.

ويقول الكاتب الأمريكي ناثانيل ريتش: كان بإمكاننا إنقاذ الكوكب ولكن لم نفعل.

لذا، نعم، أشعر أحيانًا بوخزة ندم، كما أشعر في هذه اللحظة، فلا مجال أن أشاركك بدايات فصل الربيع، وأريج شجر التفاح التي تفتحت أزهارها للتو، ودهشة العثور على ثعبان العشب الصغير خلف كومةٍ قديمة من الحطب، وكتاب قصص الأطفال الذي قمتُ بتأليفه مع العلم أنني لن أقرأه لك.

إن الخاطر الذي يواسيني هو أنه على الرغم من أنني بدونك لا شك تفوتني أشياء كثيرة، إلا أنك أنت، من ناحية أخرى، لن يفوتك شيء.

مصدر الترجمة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

تدقيق علمي: ليلى أحمد حلمي

ترجمة: فرح أحمد سلمان

اترك تعليقا