حوار مع سلافوي جيجك: المركزية الأوروبية بين مطرقة الرأسمالية وسندان الديمُقراطية (مترجم)

المحاورة: “أنت تتحدث هنا أنك تقف بقوة إلى جانب النزعة المركزية الأوروبية، ماذا يعني هذا؟”

جيجك: “نعم، هنا بالتحديد يبدو الأمر بالنسبة للبعض استفزازيًا، لكنني هنا أتحدث بالتحديد عن هؤلاء الذين ينتقدون النزعة المركزية الأوروبية، هل هم واعون أن كامل الجهاز المفاهيمي الذي يستخدمونه في نقد النزعة الأوروبية هو أوروبي المنشأ؟ على سبيل المثال مصطلح مثل (المساواة) أو (المساواة الجندرية) وهكذا. هذه المصطلحات ستصبح غير قابلة للتعامل معها فلسفيًا بدون الذات الديكارتية وهي أكثر المفاهيم تجريدًا، على سبيل المثال كان الكثيرون ممن تبنوا نظرة ديكارت نساءً على اعتبار أن (الكوجيتو) ليس له جنس ليحددنا، ما أريد أن أقوله هنا أن الكثير من التفكير حول أوروبا لم يكن بالكامل خاطئًا، بالطبع ارتكبت أوروبا الكثير من الأهوال من الاستعمار للجولاك، للهولوكوست وما إلى ذلك.

ومع ذلك فإن الأدوات المفاهيمية الوحيدة القادرة على التغلب على أوروبا كما أرى هي تراث المساواة الأوروبي نفسه، فالتراث الأوروبي هو حقًا فريد من نوعه يمكننا أن نراه في تأويلاته للمسيحية، بالطبع أنا ملحد، أنتِ تعرفين فانعكاس الروح القدس يعني البحث عن مجتمع متساوٍ بحيث تختفي كل شبكات المجتمع الهرمية البنية لذلك قال المسيح: «إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه…» بالطبع لم يقصد حَرفية ما قال وإنما كفرد من مجتمعنا فلابد من تعليق/تعطيل تلك العلاقات الاجتماعية السابقة وهذا بالنسبة لي أمر فريد، والمقصد لماذا يبدو الأمر هذا أمرًا مُلِحًا، فمن خلال النضال السياسي هذه الأيام لكي ننتقد النزعة المركزية الأوروبية وهو الأمر الأكثر رواجًا من خلال دول وأنظمة ليست في الحقيقة ديمُقراطية، فالرأسمالية العالمية هذه الأيام لم تعُد مُهيمنًا عليها من خلال الأيدولوجية الأوروبية، فأكثر الدول الرأسمالية ديناميكية هذه الأيام الصين وسنغافورة والتي تَدّعي وهي على خطأ أنها تتبع القيم الأسيوية، وإنما هي مُجرد تتبع ديكتاتورية رأسمالية فلدينا رموز مثل أردوغان، وبوتين، فكلهم يجتمعون على ديكتاتورية رأسمالية تعود إلى الظهور وهم يدعمون بالكامل نقد المركزية الأوروبية التي تصب في مصلحة الخلاص من تراث المساواة الأوروبي والإبقاء على ما لديهم.

أنا هنا متشائم بعض الشي فما أدعيه أن الرأسمالية العالمية تتحرك على مستوى أكثر شمولاً بحيث تصبح متعادلة/غير متحيزة تجاه أي أيدولوجية أو قيمة سواء المركزية الأوروبية أو الكونفشيوسية ولكنها بمرور الوقت تعمل تدريجيًا بشكل أفضل بدون القيم الديمُقراطية الأوروبية، وهو الأمر الذي اعتبره جدليًا بوجود تحالف طبيعي بين الديمُقراطية والرأسمالية بالطبع كان هناك عشر أو عشرون عامًا من الديكتاتورية كما حدث في تشيلي أو كوريا لكن الأمور ما إن تبدأ بالحركة حتى تُصبح هناك مطالبات بالديمُقراطية، لكن هذا الزواج الأبدي يبدو أنه بدأ يتفكك الآن، وبمرور الوقت سوف نصبح قادرين على ملاحظة ذلك أكثر فأكثر، فرأسمالية اليوم سوف تصبح أقل قدرة على تحمل الديمُقراطية أكثر فأكثر، بالطبع لا أتحدث هنا عن احتمالات للديمُقراطية الماركسية لكن فقط الديمُقراطية البرجوازية كالتي لدينا الآن سوف تصبح أقل فأقل عملية، فحتى تلك الديمُقراطية تميل إلى إدارة الميكانيزمات الاقتصادية لحياتنا اليومية والتفاوض حولها بالكثير من السرية والتي بدون ويكليكس ربما ما كان في الإمكان أن نعلم بشأنها.

بالطبع هناك توتر في التراث الأوروبي ولكنني أدعي أنه حتى نظرياتنا حول التحرر هي أوروبية بالكامل، يا إلهي أنا شيوعي! إن كان هناك فكرة مركزية أوروبية على الإطلاق فسوف تكون الشيوعية.

إعلان

حسنًا يُمكننا أن نتحدث عن قيم عالمية من خلال الذات الديكارتية، فهي ذات عالمية مُفرّغة، ومن ثم فإن كان علينا أن نحقق الحرية فيجب علينا الوصول إلى هذه النقطة الصفرية، وهذه ليست مركزية أوروبية عنصرية بأي شكل من الأشكال، هل تعرفين من هو بطلي وقد كتبت عنه وأتحدث عنه مع أصدقائي في أمريكا؟ إنه مالكوم إكس Malcom X إنه حقًا عبقريّ، هل تعرفين ماذا ترمز هذة الإكس إليّ؟ هي فقط تعني أنه ليس لدينا اسم عائلة فنحن نفتقر لجذورنا، فقد كان عبقريًا لأنه كان مدركًا بأن هذا لا يُشكِل أي عائق من ثم فالسود ليسوا مضطرين للعودة إلى أفريقيا والبحث عن الجذور وإنما كانت عبقرية مالكوم إكس في رؤية هذة الإكس (X) الفراغ، فليس لدينا جذور أصلية وهو في الوقت ذاته يُمثّل انفتاح على فضاء حرية جديد، فلا بد علينا أن نصل إلى تلك النقطة الصفرية حيث علامة الفراغ، وأما التعريف الأوروبي لهذه الإكس هو الذات الديكارتية، وعليه فكل الحركات التحررية الراديكالية حول العالم تعمل بتلك الكيفية، فأنا أُقدّر بشدة ثورة هاييتي، فما هي؟ هي ما يُطلق عليها بالتكرار الهيجلي، فبالنسبة إلى هيجل فالتكرار أكثر أصالة من الفعل الأول والذي هو الثورة الفرنسية نفسها، إنه حدث ضخم، نحن نتحدث عن عبيد سود تمردوا في هاييتي ولم يعودوا في حاجة إلى جذورهم الأولى فهم أرادوا أن يكونوا ثوارًا فرنسيين أكثر من الفرنسيين أنفسهم، فبالنسبة لي فالمركزية الاوروبية هي الشكل الوحيد لتحقيق اللامركزية الأوروبية الحقيقية فلابد من المرور بهذة النقطة الصفرية الديكارتية أولًا.

بالطبع أنا مدرك بالكامل وقد كتبت عن هذا أن نظرياتنا عن حقوق الإنسان هي بشكلٍ خفيّ أوروبية النزعة، هي قد تبدو مُحايدة لكنها بشكلٍ عمليّ ليست كذلك، سوف أعطي هنا مثال آخر فقد كانت الأمور بهذا الشكل في البداية ولكن نتيجة لتجريد تلك الأفكار (حقوق الإنسان العالمية) فقد أخذتُ نتيجةً لذلك التجريد في الانفجار والتوسُّع، نحن نتحدث هنا عن القرن الثامن عشر حيث حرفيات ماري ويلستون (لماذا لا نصبح نساء أيضًا؟) ثم حركة السود في هاييتي، هذا بالضبط ما هو عظيم بشأن أوروبا كانت حقوق الإنسان محض أيديولوجيا حصرية لكنها انفجرت وشملت الجميع في شكل عالمي أكثر راديكالية.

في مرةٍ ما تحدثت مع “جوديث باتلر” وقد اتفقنا حول ذلك، فمنظورها عن الذاتية ليس تجريدًا نظريًا إنما حول نضال النساء اليومي وهو كل ما يدور حول الدفاع عن حقوق المتحولين جنسيًا والمثليين وغيره، فنظرتها حول الهوية البيولوجية أو ما يظهر على أنه بيولوجي “الهوية الجنسية” ليست مجرد مسألة بيولوجية بشكل فج، فالتموضعات الجنسية هي تموضوعات مؤسسة اجتماعيًا بشكلٍ كامل، وهذا غير قابل للتفكير فيه بدون الذاتية الديكارتية فهو يعني أننا لسنا بطبيعتنا رجال أو نساء وإنما نكون في المنطقة الصفرية الديكارتية والتي تتحول ثقافيًا في هذا الاتجاه أو ذاك، فالتحول الجنسي بالنسبة لي اليوم هو أعظم تمثيل عملي لفكرة الكوجيتو الديكارتي.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: مصطفى هشام

تدقيق لغوي: مايكل ماهر

اترك تعليقا