هل البرمجة اللغوية العصبية … عصبية ؟

منذ عام ٢٠٠٠ وبدأنا نسمع ( بالعالم العربي ) بعلم جديد يدعى البرمجة اللغوية العصبية وهو يعطيك قدرات كبيرة وتستطيع أن تتغلب به على كل مشاكل حياتك … الخ.
يدعي مؤيدوا البرمجة اللغوية العصبية أنه علم يقوم بإعادة برمجة دماغك وبالتالي تستطيع أن تتحكم بحياتك ، ويقول أن شخصيتك تتكون 95٪ منها بشكل لا واعي ، ولكن لحسن الحظ أن ال5٪ المتبقية تستطيع بها إعادة إنتاج نفسك من جديد .
وهذا المجال يقوم على 14 مسلمة ( بتشديد اللام ) عقلية عليك التسليم بها قبل الخوض في مجاله وإلا فلن تنجح، ويدعي أنها قوانين علمية ثابتة !!!
سأناقش اليوم بعض من هذة المسلمات لنرى أولا هل كلها مستنبطة علمياً ؟ ثم مامدى صحة وعلمية المسلمات المكتوبة بكلمات علمية ؟؟؟
لدينا المقولات العشر التالية
١- الخريطة ليست المنطقة .
٢- احترم رؤية الاخر للعالم مهما كانت .
٣- وراء كل سلوك هناك نية ايجابية .
٤- يبذل الناس اقصى ماعندهم بالوسائل المتوفرة لديهم .
٥- لايوجد اشخاص مقاومين بل هناك اشخاص سيئين بالاتصال .
٦- يكمن معنى الاتصال بالاستجابة التي تحصل عليها .
٧- لاوجود للفشل انما هناك خبرات وتجارب .
٨- يوجد في تاريخك كل التجارب الكافية لاحداث تغييرات ايجابية بحياتك .
٩- ان كان شيئ ما ممكن لشخص ما فبامكان اي شخص ان يتعلمه .
١٠- هناك حل لكل مشكلة .
هذة العشر مسلمات كلها بالكامل ليست ذات جذور علمية أصلا بل فلسفية ثقافية ، وكلها تنتمي لليوتوبيا ( العالم المثالي ) سأبين كيف بعد لحظات ، ويمتاز العالم المثالي بإنسجامه الكامل مع المنطق المطلق والصحة المطلقة، ولكنه غير قابل للتطبيق الحقيقي أي فاشل عند استخدامه لأن الواقع مختلف تماماً ، فالمثالية بحد ذاتها خطأ جسيم .
إعلان
ثانياً : اعتبار هذة الأمور مسلمات وحقائق بحد ذاته خطأ لأننا قد نتفق ونختلف عليها وهي غير خاضعة لأي تجربة أو اختبار، حتى نبت بثبوتيتها ( ليست ذات طبيعة علمية أصلاً ) .، لهذا فالإنطلاق منها كونها مسلمات فهذا خطئ بحد ذاته .
سأتناول بعضها للنقاش :
احترم رؤية الآخر مهما كانت
هذا وعظ جميل ولكن ليست كل وجهات النظر محترمة شئت هذا أم أبيت ، لهذا لايمكن تفعيل هذه العظة على إطلاقها هكذا ، ولكنها عظة جميلة وجيدة ولكن فرق بين تقبل الآخر وبين احترامه ، الاحترام درجة أعلى ولكنك قد تتقبل وجود خائن وقد يفرض عليك وجوده ولكن لايمكنك احترامه، فهي نصيحة جميلة وتطبق في مواقف كثيرة ولكنها، لايمكن أن تؤخذ كمسلمة عقلية .
وراء كل سلوك نية إيجابية : من قال هذا ؟؟؟
هذة يوتوبيا فائقة لاتمت للحقيقة بأي صلة من قال أن كل الناس تعمل بنيات حسنة ؟ ، حتى لو كانت جرائم وسرقات واغتصابات واعتدائات وقلة اخلاق وعديمي التهذيب والمجرمين والخونة وتجار البشر والاعضاء والدجالين وووووووالخ لن تنتهي القائمة ؟؟؟ كل هؤلاء لديهم نية إيجابية ؟؟
هل المغتصب كان يظن في نفسه أنه يقدم خدمة العلاقة الجنسية مجاناً للبنات ؟
نعم للدماغ قدرة كبيرة على التبرير لسلوكياته وتعزيزها وتغيير الحقائق ولكن هذا لا يعني أن النية سليمة هذة فرية بلامرية، ويستحيل قبولها كمسلمة عقلية .
يبذل الناس اقصى ماعندهم بالوسائل المتوفرة ؟
من أين لكم هذا القول ؟ هذا عكس الواقع تماماً ، هل كل الناس تقدم كل ما باستطاعتها بحسب ظروفها ؟؟؟؟ ، كل الناس تبذل كل استطاعتها ؟؟؟؟
يعني لايوجد كسالى ولا مسوفين ولامؤجلين ولاخمولين بالعالم ؟؟؟ من أي عالم أتيتم بهذا الادعاء ؟؟
هذة يوتوبيا فائقة أيضاً ، فالناس ليست لاتبذل أقصى مالديها وحسب ، بل نحن بطبيعتنا النفسية ننزع للاختصار والراحة ، عقولنا تفعل هذا وننحن كنتيجة نفعل هذا بالغريزة اصلاً ، يعني الناس تختار الأسهل وليس الأحسن ، من يختارون الأحسن هم الاستثناء .
أما أن تتوهم أنت أن كل الناس تسعى بطاقتها القصوى بما توفر لديها فهذا وهم و أحد أسباب هذا الانطباع الخاطئ هي قدرة البشر على وضع اعذار توضح أن هذا كل ماكان بالإمكان … وهذا كذب .
لايوجد فشل إنما تجارب :
هذا يعتمد أيضا على تعريفك للفشل ، أنت تأخذ خبرة من كل تجربة هذا صحيح ولكن الحقيقة أنك ستخفق في أمور كثيرة في حياتك أن تعلمت منها هذا جيد جدًا ، ولكن تعلمك منها لايقلبها لتجارب ناجحة .. تعلمك منها واستخلاص الدروس ضروري ، ولكن هذا لايعني أنه لايوجد فشل ، فقد تفشل وقد تغير كل مخططاتك أيضاً هذا الواقع .
إن كان لي أن اقدم وجهة نظري فأنا أحاول مواجهة الفشل رغم إعترافي بخوفي منه فلايوجد إنسان لايخاف الفشل ولكن يمكنك أن تكون شجاعاً وتواجه ، وقد يكون لديك وجهة نظر آخرى وبالتالي هذة لايمكن لها أن تؤخذ كمسلمة عقلية مطلقة الصحة .
إن كان شيئ ما ممكن لشخص ما فبإمكان أي شخص أن يتعلمه .
هذة الجملة ومبهمة وتحتاج لتصحيح لأنها توحي للقارئ أنه قادر على فعل مافعله غيره إن تعلم كيف واتبع خطواته متنافياً ظروف وواقع الشخص الذي ساعده في فعل مافعله .
أولاً إن كان إنسان فعل شيئاً ما فهذا يعني أن هذا الشيئ ليس مستحيل وليس خارق للقدرات البشرية ولكن قد لاتتوفر لا إمكانياته ولاظروفه ولاشخصيته حتى تفعل أنت نفس الشيئ ، أقول هذا ليس تثبيطاً للمعنويات بل لكي لاتنصدم أنت عندما تعتقد بهذا ولاتنجح فلكي ينجح معك أمر ما فليس عليك فقط أن تنفذ خطوات بل يجب أن يتوفر الظرف والمكان والزمان والشخصية والسلوك المناسبين ، وهذا قد لايتوفر لك كله معا ، هناك أمور تستطيع تحقيقها من نفسك، ولكن هناك ماهو خارج عن إرادتك كالظرف والزمان والمكان وغالبا الشخصية أيضا فكما سنرى لاحقاً شخصيتك ليست ابدا اختياراتك ، ولكنك تستطيع تحسينها بلاشك ببعض الأمور وليس كلها .
وبالتالي قد تفعل أنت أفضل منه لهذا الشخص ، ولكن أن تفعل مافعله هو حرفياً بإتباع خطواته فهذا ضرب من الخيال لأن ليست خطواته وحدها من ساهم بماحققه ، يمكنك الاستفادة وتعزيز معرفتك بتعلم خطواته ودراسة ماحصل معه ، ولكنك لن تحقق ماحققه بهذا المعنى ، قد تحقق أفضل وقد تحقق أقل وقد لاتحقق شيئاً اطلاقاً ..
هناك حل لكل مشكلة :
لا هناك شيئ يسمى معضلات أي ليس لها حل ، هناك معضلات فلسفية وأخلاقية والخ ، ليس لكل مشكلة حل هكذا بالمطلق .
أما تفنيد هذا في ماهي المعضلات وماهي نوعية المشاكل التي يمكن حلها وأساليب حلها ، فيحتاج لمحاضرة مستقلة ، ولكن ليس لكل مشكلة حل هكذا بالمطلق .
يوجد في تاريخك كل التجارب الكافية لإحداث تغييرات إيجابية بحياتك .
ليس بالضرورة أبداً ، أولا أنت لست واعي على كل تاريخك هذة الحقيقة ، ثانياً من قال أن بإمكانك قياس كل المستقبل على تجارب الماضي ؟؟.. ثالثاً قد تكون شاب صغير وقد تكون لست من ذوي التجارب الغنية وقد وقد وقد ، سيأتي من يقول أنت تستطيع أن تتذكر ولو مرة واحدة كنت فيها ناجحاً وتعيش هذا الأحساس وتكرر ماحصل معك … واكرر ليس دائما تستطيع هذا ثانيا الأسباب التي أدت لنجاحك مرة ( كما ذكرنا في الفقرة الماضية ) قد لن تكرر مرة آخرى ، جيد أن تتذكر موقفاً ناحجاً لك ليعطيك الثقة بنفسك ولكن أن تعتقد أنك تستطيع خلق نفس الظروف والزمان والمكان والأشخاص الذين أدوا بك للنجاح فأنت مخطئ .
وبالتالي هذا إدعاء كبير وضحك على الناس ويسبب الإحباط عندما يفشل بالواقع .
لا أريد أن أثقل عليكم بالقراءة بقي بعض النقاط المكتوبة بكلمات علمية سنناقشها في المقال القادم وسننقاش الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الNLP ، وهي أن الجميع يولدون لديهم جهاز عصبي واحد ومتساويين بالإمكانيات بالقدرات السلوكية ، تنهدت بعمق وأنا أكتب الجملة الأخيرة 🙂
العلوم الزائفة والقوى الخارقة للطبيعة
عملية زرع الرأس .. هل سيتم اعتبارها حلا مثل عملية زراعة القلب؟
إعلان