أهم ثلاثة أحداث علمية في التاريخ الطبيعي والتطور حدثت في أسبوع واحد

كان الأسبوع الماضي فريدًا من نوعه؛ حيث تمت فيه ثلاثة اكتشافات تُعتبر هامّة في مجال التاريخ الطبيعي والبايولوجيا التطوري عمومًا.
لن أتعمق في شرحها لأنّ كلّ الصفحات والمجلات العلمية وغير العلمية حتى كانت قد ضجّت بها، تقريبًا. ولكنني هنا، سأتكلّم عن السّبب الذي يجعل كلًّا منها اكتشافًا مهمًّا.

بدايةً، أي خبر يتعلق بـ التاريخ الطبيعي ، إن كان للحيوانات والنباتات بما فيهم البشر، هو بشكل أو بآخر له صلة بالتطور البايولولجي؛ لأنّ عماد وأساس التاريخ الطبيعي كلّه هو نظرية التطور. لهذا، إذا ما زرتم متحفًا للتاريخ الطبيعي ستجدون كلّ مستحاثة مكتوب عليها نوعها وجنسها وسلالتها التطورية(أسلافها) التي تطورت منها.

فكان الخبر الأول هو:

اكتشاف بقايا إنسان يعود لجنس الإنسان الحديث أو (سيباينس)، يعود عمره لقبل 200 ألف عام تقريبًا، في جبل الكرمل التابع لمدينة حيفا الفلسطينية المحتلَّة.

هذا الخبر يهمّ بالدرجة الأولى علم الأنثروبولوجيا، المهتم بتاريخ أصول البشر وهجراتهم وحضاراتهم، انتهاءً بعاداتهم وتقاليدهم.

وخبر كهذا دلّ على أنّ البشر هاجروا من أفريقيا قبل 200 ألف عام، وليس قبل 100 ألف عام كما كانت تشير أقدم الأحافير المكتشفة حتى تلك اللحظة.

كان هذا الخبر ليثير جلبة ويفتح فجوة لو أنه اكتُشف قبل العام الماضي؛ إذ عُثِر (قبيل العام الماضي) على أقدم أحفورة للإنسان الحديث والتي تعود لقبل 200 ألف عام، وعندها كان يُظَنّ أنّ عمر الإنسان الحديث 200 ألف عام، وهنا كانت ستحدث جلبة حيث كيف تطور البشر الحديثون في مكانين منفصلين عن بعضهما بنفس الطريقة؟

إعلان

تطوريًا، هذا شبه مستحيل وبعيد جدًا، حيث أنّ (كما سأشرح لاحقًا) كلّ نوع إذا ما انعزل في بيئة ما، سيتطوّر باتجاه مختلف ومستقلّ عن باقي أفراد نوعه الذين بقوا في بيئتهم.

ولكن، العام الماضي، اكتشفت رفاة إنسان حديث يعود تاريخها لقبل 300 ألف عام، وهو مختلف عنا بشكل واضح ولكنّه ينتمي لجنسنا… وبالتالي، من الطبيعي أن نجد بشرًا هاجروا قبل 200 ألف عام من أفريقيا.

ولكن، يُرَجَّح أن عمر الإنسان الحديث ليس 300 ألف عام، كما تشير أقدم احفورة مكتشفة له، بل تشير الدراسات الجينية إلى أن جنسنا تطوّر آخر 500 ألف عام، وبالتالي، ننتظر أن نجد أحافيرًا للإنسان الحديث تعود لقبل 400 إلى 500 ألف عام، وكلّما كان عمر الأحفورة أقدم كلما كانت مختلفة عنا أكثر وتحمل صفاتًا أكثر لأسلافنا.

الخبر الثاني هو:

حلّ لغز دارون؛ حيث أنّ دارون كان مستغربًا من سيطرة الزهور على مملكة النباتات في زماننا هذا، وعجز عن حلّ اللغز في وقته الذي خلا من علم الوراثة الكلاسيكية والجينية، فأسمى هذا اللغز بالغموض البغيض.

واليوم، تمكّن علماء من جامعة سان فرانسيسكو من حلّ اللغز الذي سبَبُه قلة حجم المادة الوراثية للزهور، حيث أشارت إلى أنّ قلة حجم المادة الوراثية للزهور أعطتها أولولية من حيث جودة تكاثرها، ومن حيث عدم تعرّضها لطفرات جينية ضارة كثيرة، ومن حيث أنه عزز امتصاصها لثاني أوكسيد الكربون مما أدى لزيادة معدلات نموها.

الخبر الثالث هو:

اكتشاف ديناصور، في مصر، عمره 75 مليون عام.

ضجّت للخبر كلّ الدنيا تقريبًا، من مجلات علمية وصحف، ولكن لماذا كلّ هذا التهليل لهكذا خبر؟
أن الديناصور الذي اكتُشف يعود لحقبة زمنية كان تعتبر فجوة كبيرة غير مفهومة في السّجلّ الأحفوري، هذا أولًا.

وثانيًا، لأنّ هذا الاكتشاف أثبت وجهة نظر دارون التي عجز هو عن إثباتها في وقته.

كان يجدُ دارون في أبحاثه ورحلاته أنّ هناك نفس نوع الحيوانات ونفس الفصيلة ولكن في قارّتين مختلفتين تمامًا، وهذا يتنافى مع نظرية التطور، حيث إنّ الأخيرة تقول بأنه إذا ما عُزل نوع ما في بيئة ما فسيتطور هذا الفصيل في مسار مختلف عن باقي أفراد نوعه (كما ذكرنا)، فكيف نجد نفس الفصيلة في قارتين مختلفتين دون أن تتطوّر كل واحدة منهما بشكل مستقلّ؟ بل إنّهما نفس الشيء، وليس هناك إمكانية الهجرة!

يعني، طبيعيٌّ أن ترى فصيلتين لنفس نوع الطيور في قارّتين مختلفتين، فهما قادرتين على الهجرة، ولكنّ في أنواعٍ لا يمكن لها الهجرة، كيف يكون هذا؟ ما الذي أوجدها في قارّتين مختلفتين؟

وقتها، افترض دارون أنّ القارات لا بدّ وأنها كانت ملتصقة ببعضها وكانت أرضًا واحدة، وعندما انفصلت، بقيت نفس الأنواع هنا وهناك، وبالتالي إذا ما عدنا لحقبة زمنيةٍ ما، فيجب أن نجد أنّ أنواع تلك الحقبة في شمال أفريقيا مثلًا، هي نفسها في جنوب أوروبا لأن القارتين كانتا متّصلتين.

ولكنّ التيار الديني عارض افتراض دارون بشدّة، واعتبر هذا دليل الخلق المباشر وأن الله إذًا خلق نفس النوع هنا وهناك. فيما بعد، أثبتت الجيولوجيا أنّ القارات كانت متصلة ببعضها البعض، كما تتنبأ نظرية التطور. وفعلًا، عندما نعود لحقبة زمنية ما سنجد نفس الحيوانات في قارّتين مختلفتين كانتا قارة واحدة.

ديناصور (منصوراصورس) المكتشَف في مصر، أثبت، للمرة الثانية، أنّ قارتي أوروبا وأفريقيا كانتا متصلتين، أرضًا واحدة، لأنّ ديناصورًا من نفس نوعه كان قد اكتُشف في جنوب أوروبا، في نفس الحقبة الزمنية.

إعلان

اترك تعليقا