ديناصور في الواحات

لأول مرّة، يكتشف المصريون ديناصوراتهم بأنفسهم.

رغم أن العالم قد تعرف من قبل على العديد من الديناصورات المصرية والتي تردد صدى صرخاتها في غابات ووديان غرب وادي النيل، منذ ما يزيد عن 100 مليون عام، وقد بلغ عددها قبل اليوم خمسة أنواع -سنخصص لها فقرة في نهاية المقال- تمّ العثور على بقاياها جميعًا في الواحات البحرية.  إلا أن الديناصور “المنصوراصورس” الذي أُعلن عن اكتشافه البارحة في بحث نشرته دورية نيتشر إيكولوجي اند إيفولوشن، وعبر بث مباشر لصفحة الدكتور هشام سلام على الفيس بوك -والذي أَطلق عليه اسم المنصوراصورس نسبة إلى جامعة المنصورة التي ينتمي إليها معظم فريق البحث- يعتبر ديناصورًا فريدًا بشهادة الخبراء ويستحق أن تُفرِد له الدوريات العلمية والمواقع الإخبارية العديد من صفحاتها، وذلك للأسباب التالية:

أولًا لأول مرة يتم الكشف عن الديناصور بأيادٍ مصرية، على يد فريق من مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، بقيادة الدكتور هشام محمد سلام -الأستاذ المساعد في قسم الجيولوجيا بجامعة المنصورة ومؤسس قسم الحفريات الفقارية بها، وهو أول مصري يحصل على الدكتوراه في الحفريات من جامعة أكسفورد البريطانية العريقة- وشارك أيضًا علماء وباحثون من جامعة أسيوط بقيادة الأستاذ الدكتور محمود قورة -أستاذ الحفريات والطبقات؛ وإن كان الفريق قد استعان في المرحلة التالية للكشف، وهي مرحلة المناقشة العلمية وإعداد البحث للنشر، بفريق من العلماء الأمريكيين من جامعتي اوهايو وكاليفورنيا الجنوبية بالإضافة إلى خبراء من متحف التاريخ الطبيعي في دنفر ومتحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي، كما جاء في مقال محمد السيد علي في دورية للعلم -(النسخة العربية من دورية ساينتفك امريكان)

ثانيًا ينتمي الديناصور المصري المكتشَف حديثًا، في واحة الداخلة، إلى عائلة من الديناصورات النباتية تعرَف بعائلة تيتانوصورس التي تنتمي إلى طائفة الصوروبودا، التي تتميز بالأحجام الضخمة وبرقابها الطويلة، أما ديناصور منصوراصورس فقد كان ارتفاعه يصل إلى مترين؛ بطول يصل إلى 10 أمتار ووزن مماثل لوزن فيل أفريقي، وهو ما يعزز فرضية تقزُّم الديناصورات في تلك الفترة، وربما يكون هو الكشف الأول من نوعه لجنس جديد من الديناصورات اللتي عاشت في الفترة ما بين 70 إلى 80 مليون سنة، أو ما يطلق عليه علماء الجيولوجيا العصر الطباشيري

هذه الفترة التي مثلت دومًا فجوةً في تاريخ الديناصورات في أفريقيا القديمة -والتي كانت تضم أفريقيا الحالية وشبه الجزيرة العربية قبل ظهور البحر الاحمر- ويعتقد العلماء بوجود صلة بينها وبين نوع عاش في اوراسيا في تلك الفترة، مما يعزز فرضية وجود جسر برّيّ يربط بين أفريقيا واوراسيا عبر بحر بنطس (الذي تقلص حجمه ليشكل البحر المتوسط حاليًا)، وبالتالي احتمال وجود هجرات متبادلة للكائنات الحية بين قارات العالم القديم في تلك الأزمنة السحيقة. ويقول الدكتور مات لامنا، من متحف كارنيجي والمشارك في الدراسة في حديثه للمصري اليوم، أنّ الكشف الجديد يعتبر بمثابة (الكأس المقدسة)؛ فذلك الكشف لم يسبق له مثيل في أفريقيا ويغطي فجوة كبيرة في تاريخ وجود الديناصورات في ذلك الجزء من العالم في الفترة التي سبقت انقراض الديناصورات بقليل.

ثالثًا لأول مرة يشارك العنصر النسائي بقوة في الكشف عن الحفريات، حيث ضمّ الفريق الدكتورة إيمان الداودي، أول باحثة مصرية في مجال الديناصورات ، والدكتورة سناء السيد والدكتورة سارة صابر من جامعتي المنصورة واسيوط، وبحسب ما قالته الدكتورة سناء السيد، ذات ال26 ربيعًا، أن إقناع الأهل بالسفر والتخييم لمدة تقترب من الشهر، في ظروف مناخية قاسية في الصحراء كانت واحدة من أكبر العقبات التي واجهتها وزميليتيها، لكن في النهاية ظل الحلم باكتشاف أول ديناصور مصري بأيدي المصريات حلمًا لم يكن من الممكن التخلي عنه.

إعلان

بداية قصة اكتشاف ديناصور المنصوراصورس

تعود بداية الاكتشاف إلى ديسمبر عام 2013، حينها عثر الفريق على أول عظمة في طريق الواحات الداخلة، ثم قام الفريق بعدة رحلات للمنطقة، وفي 2014 قام الفريق بالتخييم في المنطقة لمدة 21 يومًا حتى تم استخراج كل عظام الديناصور، التي تضم عظمتين من العضد وإصبعًا واحدًا من اليد و3 أصابع من القدم وجزءًا من الجمجمة وجزءًا من الفكّ السفلي وفقرات من الرقبة والظهر والذيل وعظام الكعبرة وبضعة أضلع. وبعدها تمّ نقل الأجزاء الثمينة إلى مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة ليتمّ الاستعانة بفريق من العلماء الأمركيين لعمل المناقشات العلمية، وبعدها توالت المفاجآت التي انتهت اليوم بإعلان الاكتشاف في دورية نيتشر، وبعدها انتشر الخبر عبر كبريات الصحف والمواقع العلمية حول العالم. وفي مصر، اهتمّت “المصري اليوم” بالخبر، وقدّم محمد منصور تغطية رائعة لم تنافسها إلا تغطية موقع للعلم والتي جاءت بتوقيع محمد السيد علي.

كيف نستفيد من الاكتشاف؟

يقول الدكتور هشام سلام ، قائد فريق الاكتشاف، في حديثة للمصري اليوم:

“إنّ الماضي جزء وثيق الصلة بالحاضر وإن التعرف عليه يساعد على التنبؤ بالمستقبل، فحين نعرف كيف اختفت الديناصورات سنحاول تلافي العوامل التي أدت إلى اندثارها، وبالتالي نحقق الأمان للبشرية في المستقبل.”

ونحن بدورنا نتمنى أن يكون اكتشاف المنصوراصورس بمثابة دفعة قوية للاهتمام بالبحث العلمي في مصر، وبدوري، أطرح من خلال مقالي فكرة جديدة، فلمَ لا يتمّ عمل نماذج مصغرة للديناصور المكتشف ويتم توزيعها على طلبة المدارس الشغوفين أصلًا بعالم الديناصورات؟ أو حتى طرحها بأسلوب تجاري يخصص دخلًا لتمويل المزيد من البعثات الاستكشافية؟!

فمازالت الأراضي المصرية مليئة بالكنوز الجيولوجية، وتنتظر المزيد من الاهتمام من جانب الدولة، فمن يصدّق أن المنطقة التي اكتُشفت فيها معظم بقايا الديناصورات المصرية الشهيرة، والتي تقع في الواحات البحرية التابعة لمحافظة الجيزة، لم يتمّ إعلانها محمية طبيعية حتى الآن طبقًا لتصريحات الجيولوجي يسري عطية، المسئول عن الحفريات في المتحف الجيولوجي المصري والذي صرح للأهرام عام 2004 بقوله: “يوجد في المنطقة التي شهدت اكتشاف الديناصورات ثراء كبير من الحفريات النباتية كأنواع السراخس والزهرية والمانجروف‏، وحفريات للأسماك الرئوية والطرفية والفصية الضخمة‏،‏ كما تضم حفريات للحيوانات المصاحبة للديناصورات مثل الثعابين البرية والمائية والسحالي والتماسيح النهرية والسلاحف البرية والمائية‏،‏ وكلها مجتمعة تجسد الحياة على تلك الأرض منذ ‏94‏ مليون سنة‏، وتعدّ المنطقة من أهم المزارات السياحية العالمية التي يتوافد عليها السائحون من جميع أرجاء العالم.‏”

ملحق المقال الديناصورات المصرية

بعد اكتشاف ديناصور المنصوراصورس الذي أُعلن عنه اليوم، يبلغ عدد أنواع الديناصورات المكتشفة حتى الآن في مصر ستة أنواع، جميعها اكتشفت في الواحات البحرية، أربعة منها تم الكشف عنها في بداية القرن الماضي وبالتحديد منذ عام 1912 على يد العالم الألماني ارنست سترومر، ومن ثمّ قام بنقل الحفريات التي عثر عليها إلى متحف ميونخ حيث سُوّيت تلك الحفريات، التي لا تقدر بثمن، بالأرض هي وكل مقتنيات المتحف حين قصفت طائرات الحلفاء ميونخ عشية نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن لحسن الحظ تم العثور على أرشيف العالم الذي يحتوي توثيقًا لاكتشافاته، ومنها الديناصورات المصرية التالية:

1. سبينوصورس: وهو ديناصور آكل للحوم، بطول يصل إلى 18 مترًا ووزن يتجاوز الخمسة أطنان.
2. باراليتيتان: وهو ديناصور عشبي يصل وزنه إلى 80 طن.
3. دلتادروميوس أو بحرية صورس: وهو ديناصور آكل للحوم، صغير الحجم.
4. كركرودونتوصورس: وهو ديناصور عملاق آكل للحوم.
أما الديناصور الخامس فقد اكتشفه فريق من العلماء الأمركيين بجامعة بنسلفانيا عام 2001، وهو محفوظ حاليًا في المتحف الجيولوجي المصري.

شكر خاصّ للمترجم الكبير نادر أسامة (مترجم الحديقة الجوراسية لمايكل كرايتون)

إعلان

اترك تعليقا