كيف يمكننا إنقاذ التراث الثقافي؟
من الذي يملك الماضي/ الجزء الثاني
في المقال السابق استعرضنا الوجه المتخَفّي لفكرة التراث الثقافي، تطرّقنا لمسائل تتعلّق بمن يمتلك الماضي بما يحويه من مُنشئات ومعالِم أو قطع فنيّة، والمشاكل التي تواجه التجمعات السكانية التي تعيش في الأماكن التراثيّة، بالإضافة لمسائل استغلال التراث الثقافي والمتاحف لمصالح شخصية تتعدّى الاهتمام الحقيقي بالقيمة الحضاريّة.
ولكي نتمكن من تصحيح المسار الذي تؤول إليه الأمور، اقترح خبراء التراث الثقافي الأفكار التي لها القدرة على المساعدة في إنقاذ التراث الثقافيّ:
1. إعطاء سيطرة واسعة للمجتمعات المحليّة:
المشاكل الرئيسية في استغلال التراث ناتجة عن السيطرة على المستوى الوطنيّ، ماذا لو تم اتخاذ المزيد من القرارات حول التراث على المستوى المحلي بدلًا من ذلك؟
قد تكون السلطات المحلية أكثر استجابةً للاحتياجات اليومية للأشخاص الذين يعيشون في مواقع التراث الثقافي من الاحتياجات الرمزية للسُيّاح أو للدولة، إن جعل التراث الثقافي أكثر محليّة قد يشمل أيضًا الاعتراف بالأشياء التي تهُم العاملين، بدلًا من الهياكل الأثريّة والتُحف الأثرية التي تميل إلى الارتباط بالمليكة أو النُخبة.
لقد فكّر العلماء في كيفيّة جعل ملكيّة التُراث الثقافي أكثر جماعيّة (بدلًا من الملكية الخاصة أو الحكوميّة ) قد يكون أحد النماذج هو معالجة المباني التاريخيّة في الولايات المتحدة. قد تقدم الحكومة الفيدراليّة المساعدة أو التمويل للحفاظ عليها من خلال برنامج المعالم التاريخية الوطنيّة والسِجِل الوطني للأماكن التاريخيّة لكنّها لا تُدير أو تتحكم في المباني.
وبدلًا من ذلك، يقع هذا الأمر على عاتق المدن والبلدات التي يمكنها الإقرار ما إذا كانت ستهدم مبنى، أو تحرّكه أو تُحافظ عليه كمتحف أو تسمح له بالاستمرار كعقار سكنيّ أو تجاريّ.
2. تقليل أهمية ماهو أصليّ:
الإصدارات الأصلية من الأشياء التي تحظى بتقدير كبير في المجتمع الغربي، حيث تغذّي هوَس امتلاك جامعي الآثار إلى طوفان المال من السياحة التراثيّة، حيث يجب حمايتهم بأي ثمن من الدمار، لكن ماذا لو لم نكن مهتمين بجمع وحفظ النُسَخ الأصليّة كثيرًا؟
مجتمعات شرق آسيا لا تملك نفس المفهوم فيما يتعلق بما هو أصلي، بدلًا من الأعمال الفنية المكتمَلة، يتخيَّل الفكر الصيني الفن كما وأنّه حالة تحديث مستمِرّة، كما يجد قيمة كبيرة في النُسَخ المتماثلة.
تيارات التفكير الأخرى غير الغربيّة لها مواقف مختلفة بشكلٍ لافت للنظر تجاه الماضي المكسور، من الممارسة اليابانية كانتاسوجي “طريقة لإصلاح الكسور بدلًا من إخفاءها” إلى فهم الشرق الأوسط للخراب كخطوة نحو تطوّر المباني والمدينة بدلًا من شيء يجب الحفاظ عليه في حالته الأصلية للاحتفال بالماضي.
لا يمكن إنقاذ وحفظ كل شيء، أو ربما هذا الذي ينبغي أن يكون.
نحن في لحظةٍ يمكن أن تلعب فيها النُسَخ المتماثلة دورًا أكبر في التفكير بالتراث. النُسخ الرقمية موجودة أكثر من أي وقتٍ مضى، يمكنهم تقديم نفس الصفات البصرية وحتى اللمسية المتطابقة مع الأصلي، تقدير النُسخ يمكن أن يساعد على تقليل الصراعات على القطع الأثرية والآثار الأصلية.
3. إعادة التفكير في فكرة التراث كـملكيّة:
جون كارمان كبير المحاضرين في تقييم التراث في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة، اقترح بأن التفكير في التراث الثقافي يجب أن يتم كمورِد مفتوح المصدر.
بهذه الطريقة سيجعل الأمر متاحًا لجميع المهتمين، أولئك الذين يُقَدرون كائنًا معيّنًا، سيكون لهم الحريّة في استخدامه لأغراضهم الخاصة دون استبعاد الأخرين. يجادل كارمان بأن طريقة التفكير في التراث هذه رغم أنها تبدو راديكالية للغاية، ألا أنه بالفعل لها سوابق في تفكيرنا السياسي.
من المؤكّد أن تغيير مفهوم الملكية الثقافية يُعد بالتعامل مع العديد من الحالات التي تكافح فيها أطراف متعددة لامتلاك التراث الثقافي أو استغلاله، كل هذه الأفكار لديها مشاكل، المجتمعات ليست متجانسة، يمكن أن يكون وزن المصالح المختلفة أمرًا صعبًا، لاسيَّما اهتمامات المجتمعات المحلية والمجتمعات المُشَتَتة، في بعض الحالات تقود الحكومة المحلية تهمة الإخلاء والطرد باسم التراث.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن تأثير النُسخ المتعددة- سواء من خلال الاستنساخ الميكانيكي السابق او الاستنساخ الرقمي الحالي – يكْمن في زيادة قيمة النسخة الأصلية. وكيف سيعمل التراث مفتوح المصدر من خلال الممارسة؟ على وجه الخصوص، ماذا سنفعل مع الحالات التي يرى فيها البعض عنصرًا تراثيًّا كما يسميه عالم الآثار لين ميسكيل “التراث السلبي” موقع يرتبط بالذكريات السلبية أو الرمزية التي قد تحتاج إلى تدمير، في حين يرى الآخرون أنها إيجابية؟ أمثلة كثيرة، من التماثيل الكونفدرالية إلى قبر يوسف يقول مسكل:
لا يُمكن إنقاذ كل شيء أو ربما هذا الذي ينبغي ان يكون.
لكن من الذي يُقرر؟ إذا لم يتم معالجة عيوب التراث الثقافي، فستظل أداة للقوة وأداة أُخرى للموت.
المصدر هنا