عندما بكى نيتشه حوار متخيّل مع نيتشه حول رواية اريفين د. يالوم

حوار متخيّل مع نيتشه حول رواية اريفين د. يالوم

ها هي ذي البوابة الحديديّة الصَدِئة في منزل الدكتور جوزيف بريور -الأبِ الروحي لطريقة العلاج بالكلام- تهتزُّ بعنف، فقد صفقها نيتشه بكل قوة (الإنسان المُتفوِّق) الذي طالما صدَّع بذكره نبيُّهُ زرادشت.
على الأريكة الجلدية -والتي لا أضمن بأي حال من الأحوال جَودتها- مدَّ نيتشه ساقيه، ورفع يده اليُمنى ليُمسِّدَ شاربيه اللذين يصلُحان عُشًّا للطيور، تأملته طويلًا، ثم ناولته سوطًا. كيف لا وهو القائل: “لا تذهب إلى النساء إلّا والسوط معك!”؟ لكنَّه لمْ يَدْرِ أنَّ الزّمن قد تغيّر، وأصبحت النساءُ يسخرْنَ من سوطه ووصاياه النّاقمة. 

ارتفع صوتي متحدِّيةً إياه في سرِّي: هاكَ سوطك يا نيتشه!

صورة من فيلم عندما بكى نيتشه المأخوذ عن الرواية التي تحمل نفس الاسم
صورة من فيلم عندما بكى نيتشه المأخوذ عن الرواية التي تحمل نفس الاسم

لنبدأ الآن، بروفسور نيتشه، هل أزعجك ما كتبه عنك الدكتور (إرفين.د. يالوم) في روايته ( عندما بكى نيتشه أرجوك خذ نفسًا عميقًا، استرخِ. أعلمُ جيّدًا أنك متعب، وأن نوبات الشقيقة لا تفارقك مؤخرًا.

التفتَ إليّ نيتشه، ابتسم ابتسامةً صفراء، وارتفع صوته الواهن الذي ما زال يتشبث ببقايا القوّة وأجابني: لا شيء يدعو للانزعاج. فالرواية تبقى رواية، أي أنَّها جنسٌ أدبيٌّ مُتخيَّل، وهي رؤية الكاتب للأحداث التي أضفى عليها فلسفته.

وكأنك تشير إلى ما قاله بول ريكور:

إعلان

“السَّردُ يقتبسُ من التاريخ، بقدر ما يقتبسُ من القصص الخياليّة. جاعلًا من تاريخ الحياة قصةً خيالية، أو قصةً تاريخيّة. شابكًا أسلوبَ العمل التاريخيِّ الحقيقيِّ للسيَرِ بالأسلوب الرِّوائي للسيَرِ الذاتيّة الخياليّة”.

نيتشه: تمامًا، لا أخفيك، فقد أعجبت بقدرةِ الدكتور يالوم على ربط خيوط روايته، وكيف استطاع نسج رواية من شخصياتٍ حقيقية، لكنها لم تلتقِ في أرض الواقع، فلم تجمعني -كما تعرفين- علاقةٌ أو صلةٌ مع الطبيب والمحلل النفسي الشهير دكتور جوزيف بريور، ولَم ألتقِ فرويد، رائد مدرسةِ التحليل النفسي، لا شكّ أنّ علاقتي بلوسالومي، تلك الشيطانة البغيضة، كانت علاقةً حقيقيّة، لكن لم تطلب لو سالومي من الدكتور بريور أن يعالجني كما ورد في الرواية.

صورة حقيقية تجمع لو سالومي ونيتشه
صورة حقيقية تجمع لو سالومي ونيتشه

استكملتُ الحديث: إذن يمكننا أن نقول إنَّ هذا التمازُج والتقاطُع والتبادلَ والتشابُك بين التاريخ والخيال بواسطة السَّرد أنتج تشكيلًا جديدًا يكون قادرًا على التعبير عن حياة الإنسان بأفضل مما يُعبِّر عنه التاريخ وحده، أو السرد الأدبي بذاته على حدِّ وصف بول ريكور.

نيتشه: يبدو أن الدكتور يالوم يمتلك مخيلةً أدبيةً خصْبَة، وقدرةً مُتميِّزةً في توظيفِ معرفته الطبيّة في علم النفس ومعرفته الفلسفية في كتاباته الروائية، فقد سمعتُ البعض يتحدثون عن روايتيه اللّتين تُرجمتا مؤخرًا إلى اللغة العربية، حملت إحداهما عنوان (علاج شوبنهاور والأخرى ( مشكلة سينوزا) يبدو أن لديه شغفًا بالكتابة عن الفلاسفة فيما أرى. هذا التوظيفُ الفني للفلسفة مع علم النفس يسلّط الضوءَ على دورهما في التخفيف من بؤس الإنسانية.

روايات ايرفين دي يالوم عندما بكى نيتشه
روايات ايرفين دي يالوم

– تمامًا مسيو نيتشه، فقد صدرت في الآونة الأخيرة عدة كتبٍ تتحدث عن الدور العلاجيّ للفلسفة، مثل كتاب آلان دو بوتون بعنوان (عزاءات الفلسفة)، وكتاب سعيد ناشد (التداوي بالفلسفة).

مسيو نيتشه، لا أقصد أن أوقعَ بينك وبين قُرّائك، ولا أن أمشي بالنميمة بين الناس، لكنّ البعض يرفض أن يسمّي كتاباتك بالكتابات الفلسفيّة؛ فللفلسفة لغتها الدلاليّة الصّارمة، أمّا لُغتك في كتاباتك فتميلُ إلى اللغة الأدبية الشعرية، لغةٌ مُحمَّلةٌ بالمجاز، ومفعمة بالإشارة والتخيّل، فأتت بعضُ نصوصكَ شذرات من الشعر الانفعالي، قد يكون هذا هو السبب وراء الانتشار الكبير لشذراتك الفلسفية بين القُرّاء، وقد قيل إنك نزعت عن الفلسفة هيبتها، وأنزلتها من برجها العاجيِّ حين أصبحت متداولةً بكثرة الآن، قد تستغرب مسيو نيتشه من حجم الاقتباسات من أقوالك وكتاباتك التي غزت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وبما أنني بدأتُ جلسة النميمة هذه، فدعني أصارحك أيضًا بأن هناك من يقول أن الانتشار الواسع الذي حظيت به رواية الدكتور يالوم (عندما بكى نيتشه) يعود إلى الاقتباسات التي وظَّفها يالوم من كتبك، وجاءت على لسانك؛ لأنه أحسنَ توظيفَ شذراتك الشعرية، مما منح الرواية جمالًا، وأثرى محتواها الفلسفيَّ المشحون بطاقةٍ انفعاليةٍ هائلة.

قاطعني نيتشه قائلًا: دعيني أقتبس هاهنا من أقوال معلمي شوبنهاور:

إنّ موهبة رؤية البشر و الأشياء أحيانًا كأطياف أو صور رؤيوية، علامةٌ على إمكانيةٍ
فلسفية، وهكذا فإن الإنسان الذي يستجيب إلى المنبهات  الفنية يتصرَّف تجاه الواقع الرؤيوي كما يتصرف الفيلسوف تجاه الواقع الوجوديّ.
من الضروري على الفلسفة أن تحدَّ من التفكير المنطقي الصارم. وتعود إلى الجانب الوجداني الذي يمثله أسلوب السرد الروائي . العودة إلى ما يعتمل في أنفسنا من عناصرَ بدائيةٍ للارتشاف من نبع العاطفة. حتى ولو أدى ذلك إلى تحطيم الفكر التحليليّ“*

عندما بكى نيتشه
مشهد من الفيلم يوضّح فكرة (كنس المدخنة)

أطرقتُ أفكر، من أين أبدأ يا ترى؟ ماذا عن (كنس المدخنة ذاك المصطلح الذي أطلقه الدكتور جوزيف بريور على عملية العلاج بالكلام. لنبدأ سيد نيتشه بتحرير أفكارك ومشاعرك من عالم اللاشعور وننطلق كما فعل معك دكتور جوزيف بريور في مناقشة بعض ما ورد في الرواية، وأقدر لك تعاونك فأنت من قلت:

إن قيام المرء بتحليل نفسيته ليست مهمةً سهلة ما مكمنُ صعوبة ذلك بروفيسور نيتشه؟

أجابني بصوت متهدِّج: الخوف من المواجهة. الخوف من الانفراد بالذات والكشف عن طبقاتها، فالإنسان في حقيقة الأمر ذواتٌ متعددة، كتلةٌ من التناقضات، يخافُ من الوحدة حتى لا يواجه ذواتِه وتناقُضَاتهِ.

قاطعته قائلة: تمامًا، الرعب الأكبر! يقول سوكوفليس:العجائب كثيرة، وليس هناك ما هو أعجب من الإنسان“.

فهذا كارل غوستاف يونغ يشير في كتابه (التنقيب في أغوار النفس) إلى الخوف من مواجهة الذات فيقول:

“إن الانتقاص من قيمة النفس ومقاومة التنوير السيكولوجيّ قائمان إلى حدٍّ كبيرٍ على (الخوف المريع) من الاكتشافات التي قد تنجمُ عن التنقيب في أغوارها الخفيّة“.

كما يتحدث إريك فروم في كتابه (الإنسان من أجل ذاته) عن (رُهاب الانفراد) وتخوُّفنا من الانفراد بذواتنا فيقول:

ألأننا نعتقد أننا سنكون في صحبةٍ بالغة السُّوء؟ أعتقد أنَّ الخوف من أن نكون وحيدين مع أنفسنا هو إلى حدٍ ما شعورٌ بالارتباك يقارب (الرُّعب) من رؤية شخصٍ معروفٍ وغريبٍ في وقت واحد، فنخاف ونولِّي الأدبار، فنضيّع بذلك فرصةَ الاستماع إلى ذواتنا ونستمر في جهلنا لأنفسنا“.

رفع نيتشه حاجبيه وقال: في حقيقة الأمر لم أسمع من قبل بيونغ وفروم!

فاستدركت: أعتذر منك، فقد كان الأولى أن أقدِّمهما لك، فهما من أشهر علماء النفس في القرن العشرين، وقد لمع نجمهما بعد رحيلك بعقود.

تابع نيتشه: أتعلمين ما هو دليلُ التحرُّر؟ ألّا يشعر المرء بالخجل أمام نفسه، -على كل حال- على الإنسان أن يكون نفسه، أن يتقبَّل ذاته، أن يمتلك إرادةً حرة، تدفعه ليبنيَ مستقبله وأن يرضى بما أراد، وأن يتحمل المسؤولية الأخلاقيّة لأفعاله. لقد قلت يومًا إنّ النمو هو مكافأة الألم فنحنُ لا نتعلم إلّا من الألم والمغامرة؛ لأن العيش بأمانٍ خطرٌ مميت، أي “يجب أن يكون في داخل المرء فوضى وجنونٌ مؤقتٌ حتى يلد نجمًا راقصًا“. على الإنسان أن يمتلك هدفًا يسعى له ومن لا يمتلك خطة حياته فمعنى ذلك أن يترك وجوده يصبح صدفة.

فلا بدَّ للإرادة القوية من هدفٍ كبير. فليحيا الإنسان عندما يعيش! إنَّ الموت يَفقد رعبه إذا مات المرء بعد أن يكون قد عاش حياته بالكامل، أمّا إذا لم يعش المرء في الزمن المُلائم، عندها لا يستطيع أن يموت في الوقت المناسب. ابنِ نفسًا جديدة فوق رماد حياتك القديمة، فلكي يصبح الإنسان قويًا يجب أن يضرب أولًا  بجذوره عميقًا في العدم ويتعلّم كيف يواجه أقصى درجة من وحدته.

عندما بكى نيتشه

هناك أمرٌ آخر، إننا نخاف أن نمارس (تشريحًا أخلاقيًا) لذواتنا، لنكشف عن دوافعنا الحقيقية الخفية وراء تصرفاتنا التي ندِّعي دومًا أسبابًا ودوافعَ أخلاقية لها، بينما هي في حقيقة الأمرِ ليستْ سوى تمثيل لأنانيتنا! نحن لا نتصرف تصرفًا إلّا إذا كان لنا من ورائه منفعة.

تسمَّرت عيناه على الساعة الرَّملية، التي طالما وصف الوجود بها، “فالساعة الأبدية للوجود تُقلب رأسًا على عقب مرارًا وتكرارًا في عودٍ أبدي” وقال: لكن تذكَّري أن على كل شخصٍ أن يختار مقدار الحقيقة التي يمكنه أن يتحملها.

ولكن يا بروفسور هل تجاهُلُ بعض الأمور يعني انتفاءَها من الوجود، بحُجَّة أننا لا نحتمل ذلك المقدار الذي تحمله من الحقيقة؟ أليس علينا المواجهة مهما كانت الحقيقة؟

أجابني بهدوء: 
“ما هي الحقيقة؟ كثرةٌ متحركةٌ من الاستعارات والكنايات والكلمات المشبَّهة، أي باختصار مجموعة من العلاقات البشرية رُفعت وعَظُمَت وبُدِّلَت وزُيِّنت شعريًا وبلاغيًّا فبدت لشعبها -بعد طول استعمال- ثابتةً، صحيحةً، مُلزِمة. إنَّ الحَقائق هي أوهامٌ نسينا أنّها كذلك، واستعاراتٌ قد استُهلِكَت وفقدت قوَّتها الحِسِّيَّة، قِطعُ عملةٍ فقدت نَقشها، ولم يعد يمكن اعتبارها كقطعِ عُملة، ولكن كقطعٍ معدنية. الحقيقة هي أيضًا وهم! لكنه وهمٌ لا يمكننا أن نعيش بدونه.

أعتذر عن مقاطعتك مرة أخرى يا بروفسور لكن، هل تقصد بقولك “الحقيقة وهم” نسبيَّة الحقيقة؟ ألا تجد أن هذه النسبية قد جعلت من حياتنا الحديثة (حياةً سائلةً) كما سمّاها زيجمونت باومان، حيث انعدمت المرجعيّات الكبرى التي تحدد الحقائق وبات الإنسان مرجعيَّةَ نفسه، يشكّل الحقائق وفق مصلَحته! ولم يعد هناك أرضٌ صلبةٌ نقف عليها في نقاشاتنا؟ فالكل يصرخ بأن الحقيقة هي ملكه وهو مُبدِعها!

تنهّد قائلًا: لا بُدَّ أنك تعرفين موقفي من الإله!

التقت عيناي بعينيه الواهنتين، وأجبته: بالتأكيد بروفيسور نيتشه، أنت صاحب مقولة (موت الإله) لكن إذا لمْ يكن الإله موجودًا فكلّ شيء مُباح!

اندفع بالإجابة: ليست الأكاذيبُ هي أعداءَ الحقيقة، بل القناعات. عندما ندرك سرَّ هذه العبارة قد يتغير فهمك قليلًا، قناعة أن تخضعي لقوةٍ كُبرى وتتذللي لها طلبًا للعون، لن تحقق لك معنى وجودك الذي يجب أن يكون لغايةٍ كبرى وهي تحقيق وجود الإنسان المتفوّق أو الأسمى. إنّ مخاوف الموت والنسيان واللامعنى هي التي تغذي جذوةَ الإيمان.

أجبته: لكن هذا الإنسان المتفوق الذي وصفته لا يتورّع عن إلقاء المقعدينَ والضعفاء إن وجدهم على طرف حفرة إن كانوا سيُعِيقون سبيلَه؟ أي أخلاقيةٍ هذه؟! وأي إنسانٍ أسمى سيكون في تحرير الوحش الكامن فينا إذا كان كلُّ شيءٍ مباحًا لك! تمامًا كما في فلسفة إيفان كارامازووف التي حدثنا عنها دوستويفسكي.

اندفع نيتشه بانفعالٍ قائلًا: اختاري معاركك، واعلمي أنَّ أساس العيش بهناءٍ هو أن تُخضعي أولاً ما هو ضروريٌّ لإرادتك ثم أن تُحبي ما أخضعتِه.

  1. كلامك يا مسيو نيتشه حول الإرادة المُطلقة مغرقٌ في تفاؤله، فهو يذكرني بمحاضرات مدربي التنمية البشرية -لا أقول كلهم- أولئك الذين يصوِّرون لنا الحياة و كأنّها تنتظر منا (كبسة زر واحدة) حتى تستجيب لإرادتنا، يضخون في النفس آمالًا زائفةً حول أفكارٍ موهومة مثل: أنت صانعُ حياتك، لا تكن إنسانًا عاديًا، يزرعون في النفس فكرة أن الإنسان على كل شيء قدير، مُتجاهلين أن حياة الإنسان هي محصلةٌ لمجموعةِ عواملَ بيولوجية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، وهُناك أمورٌ لا يمكن له أن يُغيِّر مسارها، قد يكون لها تأثيرٌ مفصليٌّ على حياته. هذه الإرادة المطلقة هي وهمٌ مُطلق، فلم يحصد مُعْتَنِقُوها سوى اليأس والخيبة، حين صدمهم الواقع بحقيقته.
عندما بكى نيتشه
مشهد يجمع بين نيتشة و د. جوزيف

التفت إلى الدكتور جوزيف بريور، فإذ به يقف قرب الأريكة، وفي خطوة حانية، وضع يده على كتف نيتشه وقال:

برفسور نيتشه قد اخترت وحدتك، لتكون إنسانًا متفوقًا، لكنك لم تحب ما اخترت لأنه يتنافى مع إنسانية الإنسان وميله للحب ومخالطة الآخرين. إنَّ الجُرح الذي أدمى قلبك وينزف بحب لوسالومي قد حوَّلْته إلى سخطٍ وقنابلِ كراهيةٍ شعريةٍ تَقذفُ بها جنس النساء.

كيف للإنسان أن يحيا بدون حب؟ كيف له أن يعيش بدون أصدقاء؟! كيف للإنسان أن يتعالى على ضعفه وهو مكوِّنٌ أساسيٌّ من مكونات ذاته؟ أليس في البكاء والدموع راحةٌ للقلوب المُتعبة؟ لماذا علينا أن نكون (إنسانًا أعلى) أعلى على من؟ على إنسانيّتنا! وماذا ينفعنا حين نتعالى على طبيعتنا؟

لا يا فريدريك نيتشه، فالنفس الإنسانية تميل إلى الضعف كما تميلُ إلى القوة، تحتاج إلى علانية الدمع كما تحتاج إلى كتمان الأسرار، يرنو المرء منا إلى صدرٍ دافئ يحتوي هشاشة روحه كما يسعى ليقف صامدًا كالجبل أمام الغرباء.

نيتشه أنت رجلٌ مفعمٌ بالعاطفة، تتَّخذ من فلسفة القوة درعًا تحتمي به من رقةِ روحك. أتنسى يوم انتحبت حين رأيت الحوذي يجلد الحصان بالسوط؟ أتذكر الانهيار الذي أصابك حينها ودخلت على إثره مصحَّة الأمراض العقلية؟ هذا الخوف المَحموم من الموت قبل أن نحيا حياتنا هو ما أشاطرك به يا فريدريك

عندها (بكى نيتشه) بكى فيلسوفُ القوة والإرادة الحرة والإنسان المتفوِّق. بكى دموعَ الاستسلام إقرارًا بضعفه البشري.

-وددتُ لو طالَ حديثُنا المتخيَّل أكثر، مشاعرُ مضطربةٌ نازعتني، لكن مما لا شك فيه هو أن نيتشه فيلسوف قد سبق عصره، وقد صدقت نبوءته حين قال إنَّ كُتبه ستُقْرَأ وتُفهَم بعد مئات السنين.

لم أرغب أبدًا أن ينتهي هذا الحلم دون أن أرى أثرًا لتلك المرأة الفاتنة (لوسالومي) التي أسرت قلوب عدد من العلماء والشعراء والفلاسفة، وسقطوا صرعى عِشقها.

كانت لوسالومي تقف خلف الباب تسترق السمع لأحاديثنا، تناولت معطف الفرو، أصلحتْ قبَّعتَها، أخذت رسالتها التي كتبتها في بداية الرواية إلى الدكتور جوزيف بريور حين طلبت منه مساعدة نيتشه، بعد أن حطَّمت قلبه، وسحرت قلب الدكتور جوزيف بجاذبيتها وحذَّرته من أن مستقبل الفلسفة الألمانية في خطر. تناولَت تلك الرسالة من بين حزمة أوراقٍ تَركها جوزيف على مكتبه. وانطلقَت تبحثُ عن صيدٍ جديد.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: رائدة نيروخ

تدقيق لغوي: رنا داود

تحرير/تنسيق: دعاء أبو عصبة

اترك تعليقا