الضريبة الاقتصادية للاستبداد


يقول علاء الأسواني: “مشكلة العمَّال (ومصريين كثيرين) أنهم كثيرًا ما يفصلون الحقوق المهنية عن السياسية. بمعنى أنهم يثورون من أجل حقهم في الأرباح، ولا يعنيهم كثيرًا تزوير الانتخابات أو قانون الطواريء. واجبنا أن نشرح للناس أنهم لن يحصلوا على عيشة كريمة إلا في دولة ديمقراطية”([1]).

لا يتعلق الاستبداد بالسياسيين والحكومة والأحزاب فقط، بل هو متوغل وممتد حتى جيبك، فيؤثر الاستبداد على مرتبك، وأسعار المنتجات، وسكنك، والطريق الذي تسير عليه، وأمنك .. كيف؟

أولًا: مال الشعب أم مال الحاكم؟

تختلف درجات المستبدين في تعاملهم مع المال العام على ثلاثة مستويات:

  1. مستبد يرى أن المال العام هو ماله الذي ورثه مع الحكم، وحين ينفق على المواطنين يعتبرها هبات وهدايا الملك إلى رعاياه!
  2. ومستبد يرى أن المال ملك للدولة، وهو باعتباره الحاكم، فيجب الإنفاق عليه ببذخ وإسراف، باعتباره رأس الدولة، ورمزًا لها!
  3. ومستبد يرى أن المال ملك للدولة، لكن يحق له أن يهبه إلى حيث يشاء دون حساب ولا رقابة، وهذا الصنف الثاني هو الأكثر شيوعًا، وهو لا يسرق لنفسه، لكن لا يجد مانعًا من أن يهب بعض المقربين منه الملايين، أو مئات الأفدنة، أو عشرات القصور استرضاءً لهم وتقريبًا لهم بحجة المكافئات والحوافز، وهو لا يرى في ذلك عيب ولا سرقة؛ لأنه يراهم يستحقون هذه المكافئات نظير مجهودهم في البلاد.

لكن المشكلة هنا: من يضمن أن هؤلاء يستحقون؟ أي مال هذا الذي يُنفَق بالملايين دون رقابة ومساءلة؟! إن غياب الرقابة والمساءلة على إنفاق المال العالم يساوي السرقة والإهدار، وكل مكافئة خارج الرقابة هي رشوة.

إعلان

ومثال ذلك تجده في رئيس وزراء مصر الأسبق، أحمد نظيف؛ فقد منح وزير العدل عادل عبد الحميد 1,5 مليون جنيهًا بدلات حضور جلسات مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات!

كما أعطى قرارًا بتوزيع 8% من أرباح الجهاز القومي للاتصالات على مجلس إدارته([2])!

وقد تقاضى نواب في البرلمان العراقي 20 مليون دولار نظير جلسة مدتها 25 دقيقة([3])!

مثال (1): حكام مصر يهادون أصدقائهم بالآثار!

بعدما اكتشف حكام مصر ولع الأوروبيين بالحضارة المصرية توسعوا في إهدائهم القطع الأثرية النادرة والتي لا تقدر بثمن لأسباب سياسية ووجاهة اجتماعية، وكان ملوك مصر يتعاملون مع الأمر باعتبارهم يملكون ما فوق سطح الأرض وباطنها.

تبدأ الحكاية (المسجلة) لإهداء القطع الأثرية المصرية إلى الشخصيات العالمية في عهد محمد علي؛ فقد أمر بنقل مسلة إلى فرنسا كهدية للملك لويس فيلب كنوع من المجاملة السياسية. كما أهدى أيضًا مسلة تحتمس الثالث إلى إنجلترا!([4])

وفي عهد الخديو عباس الأول كانت تتم أعمال تنقيب عن آثار في الجيزة، فأرسل الخديو إلى مدير مديرية الآثار في الجيزة: “إذا سمعتُ بأن أحدًا من الأهالي أو الأجانب استحوذ على شيء من هذه الآثار، فتأكد أني لا أنظر إلى وجهك مرة ثانية، وسأصدر أمري بعزلك وفصلك”، ورغم هذه الشدة مع الأهالي والموظفين التي تنبأ عن وطنية وأمانة، إلا أن ملك النمسا قد زار مصر وقتئذ، وأُعجب بأحد قصور المماليك، فأمر الخديو بنقل إحدى قاعات القصر كاملةً إلى النمسا هديةً إلى الملك!([5])

أما الخديو إسماعيل فكان يهدي الملوك والمقربين منه من الآثار كأنه اشتراها من محل هدايا بسعر زهيد، فقد بلغ عدد القطع الأثرية التي أهداها للملوك والمقربين 4 آلاف قطعة أثرية!([6])

قد يعجبك أيضًا

كما أهدى الخديو توفيق مسلة فرعونية لتحتمس الثالث إلى أمريكا!

وفي عهد الملك فؤاد خرجت مقبرة فرعونية كاملة واستقرت في متحف تورينو بإيطاليا!

وفي زيارة للرئيس النمساوي لمصر أبدى إعجابه بإحدى قاعات قصر، فأمر الخديو عباس الأول بنقل القاعة بالكامل إلى النمسا!

وبعد ثورة يوليو لم يتغير الوضع كثيرًا، ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر خرجت آثارًا مصرية من خلال رئاسة الجمهورية أيضًا كهدايا لتحسين العلاقات السياسية، يقول محمد حسنين هيكل في كتابه (خريف الغضب): “جمال عبد الناصر أهدى إلى الاتحاد السوفيتي آنية قديمة من المرمر من مخازن سقارة، كما قَدَّمَ آثارًا أخرى إلى المتحف الوطني في طوكيو ومتحف الفاتيكان، كما أهدى الرئيس كندي آنية فرعونية، وهي موجودة في البيت الأبيض حتى الآن”([7]).

كما أهدى جمال عبد الناصر 4 معابد وإحدى بوابات معبد كلابشة لخمس دول تقديرًا لجهودهم في إنقاذ آثار النوبة من الغرق أثناء بناء السد العالي.

كما أهدى الرئيس أنور السادات قطعًا أثرية لعدد من الملوك والرؤساء وحتى الشخصيات العامة وزوجاتهم، فبعد 4 أشهر فقط من توليه منصب رئيس الجمهورية أهدى السادات تمثالًا للإله أوزوريس إلى رئيس يوغسلافيا، وبعدها بشهر واحد قدَّم تمثالًا للإله إيزيس إلى رئيس الاتحاد السوفيتي. وعلى مدار إحدى عشر سنة حكم فيها السادات مصر بلغت هداياه من القطع الأثرية إلى الدول الأجنبية أكثر من 100 قطعة خرجت بتعليمات مباشرة منه عبر رئاسة الجمهورية([8]).

وكانت هدايا السادات للرؤساء تكشف عن استهانته بمنح الآثار المصرية؛ فكانت بعض المناسبات أعياد ميلاد لشخصيات عامة، مثل إهداءه تمثال الطائر أبيس لملك النمسا في مناسبة عيد ميلاده التسعين، وإهداء الرئيس اليوغسلافي تيتو قطعة أثرية في عيد ميلاده الثمانين!

ولم تسلم الآثار المصرية من زوجة الرئيس السادات التي أهدت منها قطعًا لزوجات الرؤساء، منها تمثال للطائر أيبس أهدته جيهان السادات إلى حرم رئيس الفلبين، كما أهدت عقدًا أثريًا إلى زوجة رئيس المكسيك!([9])

كل هذه الآثار المصرية لا تُقدر بثمن، وكان من الممكن استغلالها في ترويج السياحة، أو تزيين الميادين، أو إنشاء متاحف قومية، إلا أن ملوك مصر اعتبروها ملكًا شخصيًا يرشون بها من أرادوا ليكسبوا ود رئيس أو دعم حليف شخصي!

ومن العجيب أن هذه الآثار قد أُهديت إلى رؤساء أوروبا وأمريكا كهدايا شخصية لهم، لكنهم تركوها لشعوبهم، وقد احتفظت بها شعوبهم حتى أنها تُعرض حتى يومنا هذا في ميادينهم ومتاحفهم. تلك هي المفارقة الصادمة بين رئيس مستبد يبيع ما لا يملك، ورئيس ديمقراطي يعطي شعبه ما يملك.

مثال (2): محمد بن سلمان يتستر على جرائمه بمال الشعب!

جمال خاشقجي هو صحفي سعودي معارض لسلطة محمد بن سلمان. في 2 أكتوبر 2018 دخل خاشقجي القنصلية السعودية في تركيا ولم يخرج منها، وانتشرت أنباء عن قتله داخل القنصلية.

انتشرت قضية خاشقجي عالميًا، وفي البداية أنكرت السعودية قتله، لكن بتزايد الضغط الدولي ونشر الأدلة والتسجيلان أُضطرت السعودية للاعتراف بقتل خاشقجي، لكن نسبت القتل إلى موظفين صغار، لكن العالم كله يعلم أن من أصدر قرار الاغتيال هو محمد بن سلمان شخصيًا، وأصبحت فضيحة عالمية.

الرئيس الأمريكي (ترامب) تحدث عن القضية كثيرًا، وفي البداية توعَّد مرتكبي الجريمة بالعقاب والملاحقة، لكن فجأة قلَّت التصريحات الرسمية عن الحادث، وتكتمت التصريحات عن إنساب الحادث إلى محمد بن سلمان، وأعلن ترامب أنه صَدَّق الرواية السعودية الملفقة، ورفض أكثر من مرة إجابة الصحفيين عن الحادث.

وذلك بعد أن دفعت السعودية أموالًا باهظة لتشتري تستر ترامب، مثلًا دفعت السعودية والإمارات مبلغ 100 مليون دولار أمريكي لدعم شركة ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: إيفانكا([10]).

كما استثمرت السعودية في الاقتصاد الأمريكي واشترت منتجات أمريكية بقيمة 450 مليار دولار، منها 110 مليار دولار مقابل شراء أسلحة.

كما ابتز (ترامب) السعودية وطالبها بتخفيض سعر النفط، وبالفعل خفَّضت السعودية سعر البرميل من 82 دولارًا إلى 54 دولارًا([11]).

وقال (ترامب) علنًا: “السعوديون يشترون الكثير منا، اشتروا بقيمة 450 مليار دولار، وأنا لا أريد خسارتهم. وعسكريًا نحن ندعم استقرارهم.

وتشمل هذه الاتفاقية التاريخية الإعلان عن مبيعات دفاعية للسعودية بقيمة 110 مليار دولار”([12]).

كل هذه الأموال الهائلة هي مال الشعب الذي عانى من زيادة الضرائب، ورفع الدعم عن المحروقات، وزيادة مصاريف التعليم والصحة، لتعود كل هذه الأموال في النهاية في يد حاكم قاتل وسفاح، يشتري بها نجاته وبقائه في الحكم!

ثانيًا: سرقة المال العام

رأس مال المستبد ومصدر قوته مستمد من الحاشية التي تقف خلفه وتسعى لبتر معارضيه وتعزيز حكمه، هذه الحاشية هي عين الرئيس ويديه وقدميه. وفي المقابل على الرئيس أن يرد الجميل ويبادلهم الدعم بمغريات وامتيازات خاصة، لذلك يسمح لهم ببعض التجاوزات والمخالفات التي يتكسبون منها.

لذلك يضحون ويجاهدون للدفاع عن الحاكم أو النجاح في البرلمان؛ لأنهم في الأصل تجار ورجال أعمال يعلمون جيدًا رواج التجارة في السياسة، لذلك انخرطوا في السياسة كصفقة تجارية رابحة، فهم يعلمون جيدًا كم الامتيازات المهولة التي تنتظرهم حين ينالوا رضا الحاكم، وقد شاعت هذه التجاوزات حتى قيل: قليل من الفساد يصلح الاقتصاد!

وبذلك أصبحت العلاقة بين المال والسياسة علاقة زنا؛ لا يجتمعان إلا والشيطان ثالثهما، لا يجتمعان إلا ورائهم مصلحة محرمة لسياسي فاسد.

مثال (1): فساد شركة الدخيلة للحديد

مهندس إبراهيم سالم، وزير الصناعة الأسبق ورئيس مجلس إدارة شركة الدخيلة للحديد والصلب، يسرد مسيرة شركة الدخيلة من بدايتها حتى انهيارها، فيقول:

في البداية تنافست شركة الدخيلة الحكومية وشركة عز الخاصة في إنتاج حديد التسليح.

وقد نجحت شركة الدخيلة نجاحًا باهرًا في تحقيق أرباح عالية، ثم تعرضت لأزمات متتالية متعمدة من الحكومة، منها إعفاء خام البليت (العنصر الأساسي في صناعة حديد التسليح), المستورد من الرسوم الجمركية, مما جعل شركات إنتاج حديد التسليح الخاصة تُقبِل على استيراده، وقللت أسعار الحديد.

كما قررت الحكومة إعفاء حديد التسليح المستورد من الضرائب, مما جعل سعر الحديد المستورد أرخص.

بعد هذا التعنت المتعمد، تقدمت شركة عز لشراء نسبة 30% من أسهم شركة الدخيلة، لكنها دفعت بالفعل ثمن 9% فقط، ولم تسدد ثمن باقي الأسهم، ورغم ذلك تم التعامل مع أحمد عز باعتباره مالكًا لنسبة على أنه يملك 27% من رأس مال الشركة, وكأنه سدد بالفعل، ووصل لمنصب نائب رئيس مجلس الإدارة!

وبعد توليه منصب رئيس مجلس الإدارة قام بتغيير شعار الشركة المطبوع على منتجاتها ووضع نفس شعار منتجات مصنعه, وهو ما يخالف القانون!

وكانت أولى قرارات أحمد عز تقليل إنتاج الحديد من مليون ونص طن إلى مليون طن فقط، و قام ببيع 500 ألف طن من المادة الخام من شركة الدخيلة إلى شركته الخاصة (عز) بسعر680 جنيهًا للطن, في حين أن ثمنه الحقيقي في الأسواق وقتها800 جنيهًا للطن, وتسبب ذلك في خسارة شركة الدخيلة 6 ملايين جنيهًا شهريًا!([13])

وعام 2004 فرضت الحكومة رسوم حماية على استيراد الحديد, ليزيد سعر الحديد المستورد ويتمكن أحمد عز من احتكار بيع الحديد.

وصل رأس مال الشركة إلى أكثر من مليار و200 مليون جنيهًا, وأصبح كل هذا ملكًا لأحمد عز مقابل 100 مليون جنيهًا فقط!

ما كان لأحمد عز أن يتحايل كل هذه الحيل ويُسقِط شركة الدخيلة إلا بعلاقته الشخصية مع جمال مبارك، وما كان لجمال مبارك أن يطوِّع قوانين الجمارك بهذه الألاعيب إلا في بلد يحكمها الاستبداد، وتغيب فيها الرقابة والمحاسبة، ويُخرس فيها الإعلام.

مثال (2): فساد بيع أرض مدينتي

في عهد تولي محمد إبراهيم سليمان وزارة الإسكان قام ببيع مساحة 33,6 مليون متر مربع إلى هشام طلعت مصطفى لإقامة مشروع (مدينتي)، وتم ذلك بالأمر المباشر، وهو مخالف للقانون الذي ينص على أن يكون بيع العقارات بطريق المزايدة العلنية العامة!

كما أن هذه المساحة لو بيعت بالحد الأدنى بأسعار المزاد العلنى يوم 24 مايو 2007 بمبلغ 750 جنيهًا للمتر لكان سعر تلك الأرض 25,6 مليار جنيهًا، لكن هشام طلعت مصطفى اشترى المتر بسعر 25 قرشًا، فدفع 8,4 مليون جنيهًا فقط!([14])

ثالثًا: جهل المستبد

لا تعرف البشرية رجلًا موسوعيًا مُطَّلعًا على كل علم ومخضرمًا في كل فن ويعرف كل شيء، ومن ادَّعى هذا الإلمام فقد كذب. لذلك ليس دور الحاكم التخصص في كل علم والتدخل في كل فرع، بل دوره هو اختيار نخبة من العلماء المتخصصين في كل فن، وقيادة التنسيق بينهم، فعليه أن يستمع لقائد عسكري، ويستمع لعالم اقتصاد، ومستشار إعلامي، ثم يتخذ قراره بناءً على المعلومات الدقيقة الصادقة الواردة إليه.

أما المستبد، فهو لا يملك علمًا ولا كفاءة ولا خبرة، وفوق ذلك يرى نفسه أعلم الناس، وأفضل البشر، فلا يعترف بجهله ونقائصه، وفوق ذلك لا يجرؤ أحد من زبانيته أن يردَّه أو ينكر قوله أو يصحح رأيه، بل يمتدحونه ويشيدون بعلمه وبُعد نظره وحسن قريحته!

فتكون النتيجة ألا يستمع الحاكم للمتخصصين، بل يتدخل هو في كل تخصص، ويوجههم لما يراه هو، فيردد زهوًا وافتخارًا، وقد اختصر فرعون هذه الشخصية بقوله: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾([15]).

مثال: صدام حسين يجر العراق إلى جهنم!

أكثر الأمثلة التي يبرز فيها الفرق الواضح بين النظام الديمقراطي والديكتاتوري هو قرار الحرب؛ ففي النظم الديمقراطية نادرًا ما تتم الموافقة على قرار الحرب الهجومية؛ لأن الشعب الذي يحارب ويعرف معانات الحروب ويتكبد ويلاتها يراجع نفسه ألف مرة قبل خوض الحرب، ويعتبره القرار الأخير حين تفشل كل الطرق. أما حين ينحصر القرار في يد الحاكم، ويصبح هو وحده صاحب الكلمة، فغالبًا ما يُتخذ قرار الحرب بتسرع واندفاع عاطفي!

صدام حسين نموذج لحاكم جر بلاده إلى ثلاث حروب، كل واحدة منها كافية لتدمير البلاد، وبالفعل تمزقت العراق، وانسحقت تحت الأنقاض!

خاض صدام حسين حربًا طويلة مع إيران (حرب الخليج الأولى)، وهي الحرب الأطول في القرن العشرين، إذ استمرت 8 سنوات 1980-1988، وقد استورد صدام كمًّا هائلًا من الأسلحة ليتمكن من المواجهة، فاشترى أسلحة بحوالي 55 مليار دولار.

وكانت سياسة صدام (الزبدة والمدافع)؛ أي مع وجود المدافع على الحدود، يجب أن يشعر سكان بغداد في قلب العراق أن العراق تنتصر، والعراق في أحسن حال، وكي يشعروا بذلك يجب توفير كل الموارد الغذائية بوفرة، وكي يتمكن صدام من توفير (الزبدة) لسكان العراق اقترض أموالًا هائلة، فاقترض من دول الخليج 80 مليار دولار، و40 مليار دولار من أعضاء نادي باريس([16]).

وبعد انتهاء الحرب واجه صدام نتائج سياسته، فأكثر من 100 ألف قتيل، و150 ألف جريح، ومدن مُدمرة، وبنية تحتية مخربة، وديون هائلة.

الاحتياطات النفطية في العراق كانت تؤهلها لإعادة البناء وتعافي الاقتصاد، ولا يختلف أحد على أن الأولوية القصوى هي توجيه موارد الدولة لإعادة بناء المدن والبنية التحتية المُدمَّرة، لكن المذهل والعجيب أن صدام حسين لم يسدد الديون، ولم يهتم بإعمار المدن، بل خصص خمس مليارات دولار للتسليح، وخصص مليار ونصف فقط لإعادة الإعمار، حتى هذه النسبة الضئيلة المخصصة لإعادة الإعمار تضمنت مشاريع استعراضية وشكلية مثل بناء قصر رئاسي جديد، وتخليد (نصر!) صدام حسين على الخليج([17])!

بهذه الإجراءات الفاشلة اقتصاديًا والمختلة في الأولويات بات اقتصاد العراق حالة ميئوس منها، وقد ألحت الكويت والسعودية على سداد قروضها، لكن صدام طالب بإسقاط هذه الديون باعتباره كان يحارب إيران بالنيابة عن الخليج!

هذا الفشل والعجز والفقر جر صدام أن يتخذ قرارًا هو الأسوء والأغبى في تاريخ العراق، وهو: احتلال الكويت، ظنًا منه أن سيطرته على نفط الكويت سيسد عجزه، ويسقط ديونه للكويت!

ظل صدَّام يهدد الكويت أكثر من مرة ويفتعل صراعات، ويشعل حربًا كلامية، وفجأة صُدم العالم العربي بدخول القوات العراقية الأراضي الكويتية، واعتبروها إحدى محافظات العراق!

ولم يدرس صدَّام نتائج هذا القرار الخطير، ولم يحسب ردود الأفعال العالمية والعربية بدقة، أو قل: لم يحسبها أصلًا!

دان هذا الاحتلال وتصدى له كثيرون، منهم: مجلس الأمن الدولي، وأمريكا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا، والسعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين، وقطر، وعمان، وسوريا، والمغرب.

وقد قادت أمريكا حلفًا عسكريًا لتحرير الكويت، تنفيذًا لقرار مجلس الأمن الدولي، تحت اسم (درع الصحراء)، شارك فيه قوات أمريكية، وسعودية، ومصرية، وفرنسية، وبريطانية، وإماراتية، وقطرية، وسورية، ومغربية، ودول أخرى.

وتمكَّن هذا التحالف من إرغام الجيش العراقي على الانسحاب من الكويت.

وعاد صدَّام يحمل فوق رأسه خسائر في الأرواح تُقدَّر بنحو 100 ألف قتيل، وخسائر مادية تُقدر بنحو 190 مليار دولار([18])، وتدمير 96% من مولدات الطاقة الكهربائية. كما خضعت العراق لعقوبات اقتصادية، إذ ألزمها مجلس الأمن بتقديم 5% من ناتج النفط للكويت تعويضًا عن الخسائر التي سببها الجيش العراقي.

وحسب تقرير اليونسيف فقد تُوفي أكثر من 4,500 طفل شهريًا نتيجة سوء التغذية والأمراض في العراق([19])!

عام 2003 غزا الجيش الأمريكي العراق بحجة امتلاك أسلحة نووية، والملفت هنا أن صدام حسين الذي كان دائمًا يلوح بأن جيشه سيحرر فلسطين، قد انهار وتفكك وانسحب في ساعات دون أي مقاومة تُذكر! بل كانت الخيانة والتجسس لصالح الجيش الأمريكي متوغلة في قيادات رفيعة في الجيش العراقي!

وهذه نتيجة حتمية لأن جنود الجيش لم يشعروا يومًا أنهم جنود لوطن العراق، بل كانوا جنود لصدام حسين، كما أن قيادات الجيش لم تُصطفى طبقًا للكفائة والوطنية، بل طبقًا للولاء لصدام حسين، فلا هي كانت كفء للقتال ولا أهلًا للولاء!

رابعًا: الولاء أهم من الكفاءة

يرى المستبد في كل ركن أمامه رسالة تحذير: “احذر الورثة، سيقتلونك” ، “احذر الجيش، سينقلب عليك”، ” احذر المعارضة، سينجحون في الانتخابات”، “احذر العلماء، سيفضحونك”، “احذر الشعب، سيعزلونك”، كل هذه المحاذير تجعل المستبد يرى كل إنسان أمامه عدوًا حتى يثبت العكس، طامعًا في العرش حتى يثبت ولاءه.

هذا الرعب يعصر قلبه، ويقبض روحه تجاه كل القادة، ولا يتنفس ويطمئن قلبه إلا حين يرى قريبًا يأمن غدره، أو ضعيفًا يأمن عجزه، أو منافقًا يأمن تأييده، أو مدَّعي علم يأمن جهله، فهؤلاء فقط من يأمنهم المستبد ويثق بهم، ويولِّيهم، ويمكِّنهم، ويرقِّيهم.

ولنا في فرعون موسى آية؛ فرعب السيطرة على الكرسي لم يفارقه في منامه، ومجرد أن رأى في منامه طفلًا يُولد في المدينة ينزع الملك منه، ومن فرط الفزع وتمكُّن الرعب، أمر بقتل كل أطفال المدينة!

ورأينا ملوكًا قتلوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم، حتى لا يزاحموهم على العرش!

إن العلاقة بين المستبد ووزرائه قائمة على التخوين وعدم الثقة، ومن هنا تجد المستبد يصطفي أضعف الناس أو أجبنهم ليعينه في مناصب قيادية، ولا يلتفت إلى كفاءة ولا مهنية ولا خبرة، بل كل ما يشغله هو الولاء والطاعة والثقة، فتراه يستدعي رجلًا مغمورًا من معاشه، ليولِّيه قيادة القوات المسلحة، ويعيِّن ابنه الأرعن أو أخيه الفاشل رئيسًا للشرطة!

وهذه الحظيرة المنافقة الجاهلة بالطبع لن تولِّي تحتها علماء ومفكرين وباحثين، بل ستبحث عن أسافل القوم ليصبحوا أعوانهم وجنودهم!

نجد مثلًا صدام حسين قد عيَّن ابن عمه (شاكر) وزيرًا للداخلية، ونسيبه (عدنان خير الله) وزيرًا للدفاع، وصهره (حسين كامل) قائدًا للحرس الجمهوري، وأخاه (برزان) مديرًا للأمن العام، وأخاه (سبعاوي) نائبًا لمدير الشرطة، وأخاه (ووطبان) محافظًا على تكريت([20])!

ولكي يضمن المستبد ولاء وزرائه، فهو يشركهم في عملية الاحتيال على الشعب، فيزيد من مصالحهم الشخصية ونفوذهم واستفادتهم، ليصبحوا شركاء في المهمة ويدافعوا عن السلطة بدمائهم؛ لأنهم يدافعون عن مصالحهم وحياتهم، لذلك لا تتعجب إن وجدت الحكومة من أكبر رأس حتى أصغر رأس تضحي برقابها وتجتهد بإخلاص للحفاظ على الحكومة والدفاع عن الرئيس.

وبذلك تصبح إدارة الدولة ومؤسساتها في يد شلة من اللصوص، وعائلة من المافيا، تجامل بعضها وتتوسط إلى بعضها، وتحابي بعضها، وتتستر على بعضها، ولا مجال هنا لأهل التخصص والكفاءات والعلماء، والنتيجة الحتمية الوحيدة: هي الفشل والتراجع والتخلف، لذلك غالبًا شركات القطاع العام ومصانعه تبوء بالفشل وتراكم الديون، لكن المهم عند الرئيس أنه ضمن الولاء والاستقرار والثبات على العرش!

خامسًا: الاستبداد مكلِّف

الاستبداد في وضعه الطبيعي هو وضع غير متزن ولا مستقر ولا هاديء؛ فلا أحد يرتضي ويختار بمحض إرادته سلطة قمعية ومتسلطة تقهره، لذلك الشعب لا يحبه، والمعارضة تنتظر الفرصة لسقوطه لتنقض عليه، حتى حلفاءه عند الخطر يبيعونه، لذلك يجاهد المستبد ليحافظ على بقائه، واستقرار الوضع القائم، ويجاهد أكثر ليُظهِر للشعب أن الوضع مستقر وهاديء، ويجاهد أكثر ليُظهِر للعالم أن الوضع مستقر، لذلك التوصيف الأدق لإدارة المستبد أنها (إدارة أزمة)؛ فهو يَعتبِر كل يوم وكل حالة أزمة، ودوره أن يدير هذه الأزمة حتى يمتد حكمه يومًا، وهكذا تجر الأيام بعضها بعضًا.

وأدوات المستبد الرئيسة لتحقيق ذلك هي: القمع، وكسب الولاء.

بالقمع يُخرِس أي معارضة، وأي محاولة للانقلاب، وأي محاولة للاحتجاجات الشعبية والثورات، فتتخصص الشرطة في الأساس للحفاظ على السلطة القائمة، وتُولي مطاردة المعارضة الأولوية القصوى، حتى إن هذا الترتيب للأولويات يأتي على حساب وظيفتها الأساسية من مطاردة المجرمين!

ولتقوم الشرطة بوظيفتها القمعية فهي تحتاج إلى زيادة أعدادها لموجهة المظاهرات، وتحتاج إلى أدوات مراقبة لمراقبة المعارضة، وتحتاج إلى أدوات للقمع كعربات فض الشغب، والغاز المسيل للدموع، وتحتاج إلى تأمين مواكب الرئيس والوزراء، وبناء حصون آمنة للمستبد وحاشيته، وتحتاج إلى سجون زائدة لتتحمل كل المعارضين والمقاومين للحاكم.

كل هذه التكاليف تمثل عبئًا على ميزانية الدولة، خاصة إن كانت الدولة فقيرة، ومعارضي الحاكم كُثُر.

أما عن الولاء، فالمستبد لا يهتم كثيرًا بولاء كل الشعب، إذ العامة لا خوف منهم، أما مصدر الإذعاج الحقيقي فهم قادة الشرطة والجيش، ولا نقول حتى الشرطة والجيش جميعًا، بل القادة فقط هم محل تهديد للحاكم، فهم فقط من بيدهم القيام بانقلاب ضد الحاكم، لذلك أُولى أولويات المستبد، وأول مشكلاته، وأعظم قضاياه هي السيطرة على هؤلاء القادة، وشراء ولائهم، مهما كلَّف الأمر، وهو عادة ما يتكلف الكثير؛ كثير من السلطات، وكثير من الهدايا، وكثير من النياشين والتكريم، وكثير من السكوت عن تجاوزاتهم. وكل هذا يدفعه الشعب من ماله العام! 

إذن فالاستبداد نفسه مكلِّف ويستنزف ميزانية الدولة.

مثال (1): تجفيف الأهوار

 منطقة الأهوار تقع في العراق، وهي عبارة عن مستنقع مائي متكون من التقاء نهري دجلة والفرات، وتبلغ مساحتها 16 ألف كم مربع، أي أكبر من لبنان، وهي تدعم حيوانات مهددة بالانقراض، وهي جزء هام من طريق هجرة الطيور عبر القارات، ويعود تاريخها إلى خمسة آلاف سنة، ولشعبها ثقافة نادرة تُميِّزهم، لذلك كانت منطقة تراث إنساني عريق لا مثيل لها. كما أنها كانت تمد العراق بحوالي 60% من الثروة السمكية، وموطن محاصيل الأرز وقصب السكر.

ولكن عام 1991 قامت ثورة (الانتفاضة الشعبانية) ضد صدام حسين، وأفرغ صدام كل ما في جعبته لمقاومة هذه الثورة، فاستخدم طائرات ودبابات وغازات كيميائية محرمة دوليًا ضد شعبه!

ووجد الجيش صعوبة في مطاردة الثوار بسب مناطق الأهوار، فأمر صدام بتجفيف مناطق الأهوار، وضربها بالطيران، وهدم مبانيها، وتهجير سكانها.

وبهذا التجفيف انقرض حوالي 134 نوع من الحيوانات والطيور! وتصحَّرت منطقة نادرة ليس لها مثيل على الأرض، وانتهى إرث 5 آلاف سنة ليتمكن مستبد من قمع شعبه([21]).

هذه إحدى فواتير الاستبداد!

سادسًا: إنجازات وهمية

المستبد لا يعتبر نفسه خادمًا للشعب، لذلك لا ينشغل بحل مشكلاته اليومية، بل كل ما يشغله هو نفسه وسمعته وصورته وإعلامه واسمه، لذلك يريد أن ينجز عملًا عظيمًا وضخمًا، يبهر العالم، ويذكره التاريخ، ويحمل اسمه، فتراه ينشيء أطول برج، أضخم مول، أوسع مسجد، أكبر كنيسة، أعظم قصر، الخ!

تلك هي إنجازات الرئيس، وأعظم أعماله، وإن سألك المواطن الفقير عن رغيف خبز، فانهره وقل: ألم يكفك أن الرئيس يسهر طوال الليل يشيِّد الإنجازات؟ ألم تسمع عن أكبر مسجد في العالم وأطول برج في التاريخ؟!

وأهم ما في الإنجازات الوهمية أن يرى الرئيس اسمه محفورًا عليها، منحوتًا في جدرانها، كأنه يدرك جيدًا خواء نفسه وخراب سريرته، فيفرض نفسه واسمه على التاريخ جبرًا، فها هو اسمي محفور أمامكم، لن يستطيع أحد أن يمحوه!

وبذلك تصبح إنجازات الرئيس بمال الشعب وبيد الشعب وعلى أرض الشعب، لكن عائدها وقيمتها للرئيس فقط.

مثال: الخديو إسماعيل .. المؤسس الثاني لمصر!

إنجازات ظاهرة

كان للخديو إسماعيل إنجازات كثيرة ظاهرة وواضحة في عصره، أهمها:

  1. حفر قناة السويس: في 17 نوفمبر 1869 افتتح إسماعيل قناة السويس، وأقام احتفالًا لم يعرف التاريخ مثيلًا له. ولُقب إسماعيل: فاتح القناة.
  2. اهتم بالجيش، فطوَّر في معداته وضاعف أعداده، واهتم بالتعليم العسكري؛ فأنشأ مدارس علمية عسكرية، مثل مدرسة المشاة، والفرسان، والمدفعية، وأركان الحرب، وصف الضباط، والطب البيطري([22]).
  3. توسَّع في حدود مصر الجنوبية، فسيطر على السودان، واستمر حتى وصل إلى أوغنده([23]).
  4. أنشأ العديد من المباني التي شكَّلت القاهرة الخديوية (وسط البلد) مثل دار الأوبرا، والمتحف المصري، وكوبري قصر النيل.
  5. أنشأ عددًا ضخمًا من القصور، بلغت 30 قصرًا، منها سراي عابدين، وسراي الجزيرة، وسراي بولاق، وقصر القبة، وقصر حلوان، وسراي الإسماعيلية، وسراي الزعفران بالعباسية، وسراي الرمل بالإسكندرية، وقصر النزهة بشبرا، وسراي المسافر خانة، وقصر النيل، وسراي رأس التين بالإسكندرية. كما أنشأ عدة قصور أخرى في الأقاليم كالمنيا، والمنصورة، والروضة([24]).

كانت هذه هي الإنجازات الظاهرة الواضحة المرئية لإسماعيل، مما جعلت البعض يطلق عليه: المؤسس الثاني لمصر الحديثة، بعد جده محمد علي، لكن وراء هذه الإنجازات الرمزية كانت البلاد تسقط في الهاوية بسبب فشل الإدراة الاقتصادية.

استدانة بلا حساب

كانت الخطيئة التي لا تُغتفر لإسماعيل هي إسرافه في الاستدانة، وكانت استدانته تتسم بالمبالغة، وعدم الدقة، وعدم الدراسة، والأسوء أن هذه الاستدانة لم تكن ضرورية، والأغبى أنه أنفقها بتبذير على حفلات وقصور غير مفيدة!

بقيت مصر سليمة من آفة الاستدانة في عهد محمد علي، وإبراهيم، وعباس، وأول من ابتدع هذه الآفة اللعينة هو سعيد باشا؛ فقد استدان 11 مليون جنيهًا، ثم ورث إسماعيل الحكم وانفجر وباء الاستدانة في عصره، حتى وصل الدَّين في نهاية عهده إلى 126 مليون جنيهًا([25])

والأعجب أنه لم تتوفر أي دواعٍ أو ضرورة للاستدانة من الأصل.

يقول عبد الرحمن الرافعي: “لم تكن حالة البلاد المالية مما يستدعي الاقتراض؛ لأن مصر تُعَد من أغنى بلاد العالم، وتستطيع إذا هي وجدت إدارة حكيمة أن تسلك سبيل التقدم والعمران دون أن تحتاج إلى القروض. وعلاوة على ذلك فإن ما نشأ عن الحرب الأمريكية الأهلية من ارتفاع أسعار القطن في أوائل حكم إسماعيل، قد جعل البلاد في حالة يسر ورخاء.

واشتملت ميزانية 1864م على زيادة الدخل على الخرج، فلم يكن ثمة حاجة إلى قرض جديد”([26]).

ويقول جلال أمين: “كانت الحرب الأهلية الأمريكية قد بدأت قبل تولي إسماعيل العرش بنحو عامين، وترتب عليها انخفاض شديد في المعروض من القطن الأمريكي، ومن ثم زيادة الطلب بشدة على القطن المصري، فارتفع سعر القطن المصري بنحو 100%، ومن ثم زادت صادراته من 27 مليون إلى 90 مليون ريال”([27]).

ورغم ذلك عام 1864م اقترض إسماعيل من انجلترا 5 مليون جنيهًا بحجة مواجهة مرض الجدري، لكنه أنفق لمواجهة هذا المرض 125 ألف جنيهًا، وأنفق باقي القرض على شراء أطيان جديدة ملكًا له شخصيًا، كما اشترى قصر (ميركون) في الآستانة ليحل به كلما زارها!

وفي مقابل هذا القرض رهن ضرائب الشرقية، والدقهلية، والبحيرة([28])

تقول (إولمب إدوار): “لم يكن إسماعيل يهتم إلا بجمع الملايين، وكان يقتني الأطيان في كل ناحية قدر ما يستطاع، ويلجأ إلى السخرة لزرعها واستصلاحها، ويعقد القرض تلو القرض لآجال طويلة، تاركًا لمن يخلفه في الحكم أن يسدد ديونه”([29])!

وعام 1866م اقترض 3 ملايين جنيهًا، وأنفقهم على قصور أعطاها إلى الأميرين: مصطفى فاضل ومحمد عبد الحليم، وذلك لأنه كان قد أصدر فرمانًا أن يورث الحكم إلى أكبر أبنائه، فكان هذان الأميران أشد المعارضين، فأعطاهما هذه القصور رشوةً مقابل رضاهما عن هذا الفرمان.

وعام 1867م اقترض 2,8 مليون جنيهًا، وبنى خلال هذه المدة قصور عابدين، والقبة، والزعفران، والقصر العالي، والجيزة([30])!

وعام 1868م اقترض 11,8 مليون جنيهًا، أنفق منها حوالي 2 مليون جنيهًا في الرشاوى والحفلات التي أقامها في الآستانة للحصول على لقب الخديو!

وأنفق 1,4 مليون جنيهًا في حفل افتتاح قناة السويس([31])!

يقول عبد الرحمن الرافعي: “أقام إسماعيل لمناسبة افتتاح القناة تلك الحفلات التي لم يعرف التاريخ احتفالًا يدانيها في الإسراف والتبذير.

ويكفيك دليلًا على مبلغ ذلك الإسراف أن تعرف نفقات الحفلات، فقد بلغت 1,4 مليون جنيهًا.

وأُقيمت ثلاث منصات: منصة للملوك والأمراء، ومنصة لرجال الدين، والثالثة لرجال الأكليروس. وامتدت الولائم لآلاف المدعوين”([32]).

وعام 1870م اقترض 7 مليون جنيهًا، لكن وصل إليه 5 مليون جنيهًا، وضاع 2 مليون جنيهًا في الرشاوى والسمسرة ليتحصل على القرض([33])!

وكان يأخذ قروضًا بفائدة تبلغ 20% و24%، وبلغت هذه القروض 25 مليون جنيهًا([34])!

وعام 1871م رأى أنه غير لائق أن يظهر أمام الأجانب في حفل قناة السويس بهذه الصورة المهيبة ثم يستدين منهم، لذلك لجأ إلى الفلاحين المصريين ليقترض منهم، فأصدر قانون المقابلة؛ وفكرته أنه إذا دفع الفلاح ضرائب ست سنوات قادمة، يُعفى من نصف الضرائب مدى الحياة.

وظاهريًا كان هذا القانون اختياريًا، لكن فعليًا كان إجباريًا، وتم فرضه على الفلاحين بالقوة.

وظاهريًا كان غرض هذا القانون تسديد الديون الخارجية، لكن فعليًا تم تجميع 13 مليون جنيهًا ولم يُدفع منها شيئًا لسداد الدين([35])!

وعام 1873م اقترض 32 مليون جنيهًا، وصرف منه حوالي 12 مليون جنيهًا رشاوى وسمسرة للحصول على القرض، ووصل مصر 20 مليون فقط!

ورغم أن غرض هذا القرض الكبير هو تسديد الديون، إلا أنه كالعادة لم يُصرف في تسديد الديون([36])!

ولم يكتفِ إسماعيل بالاقتراض من الخارج والاقتراض من الفلاحين، بل امتدت يده إلى الأوقاف الخيرية، وأخذ من الأموال الموقوفة لليتامى والصدقات، وأخذ منها 537 ألف جنيهًا([37])!

إسرافٌ وسَفَه

كل هذه القروض والأموال الطائلة ليتها كانت بغرض تعمير البلاد وخدمات المواطنين، لكن أغلبها – إن لم يكن كلها – كان مخصصًا لملذات إسماعيل وأهواءه الشخصية.

فضاعت في بناء القصور، حتى وصلت 30 قصرًا، حتى إنه بعد أن يسكن القصر سرعان ما يمل منه ويهبه لغيره([38])!

ومن المشاهد الدرامية الكاشفة أنه في عام 1876م كان عاجزًا عن سداد الديون، وفي نفس الوقت كان يبني سراي الجزيرة، التي كلَّفت 1,3 مليون جنيهًا، كأن لسان حاله يقول: القصر ملكي، أما الديون فليست عليَّ([39])!

وضاعت هذه الأموال في الهدايا والرشا والهبات على من حوله، خاصة الأجانب والعاملين في القصور([40])!

يقول (جبرييل شارم): “كان إسماعيل يغترف المال من الخزانة العامة بكلتا يديه، لا ليرضي أهواءه الشخصية فحسب، بل ليسد نَهَم الطامعين الملتفين حوله. فكم من الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز كانوا تعساء في بلادهم، وبعد أن هبطوا مصر نالوا الرخاء والنعيم، لمجرد أنهم يؤسسون له حديقة، أو يعطونه تحفًا فنية، ويجنون من ورائها أموالًا لا يتصورها عقل”([41])!

وعند زواج الأمراء الثلاثة: توفيق وحسين وحسن، أبناء إسماعيل، شهدت مصر أعيادًا دامت أربعين يومًا كاملة([42])!

وإحدى أميرات بيت إسماعيل دفعت لخياط فرنسي 150 ألف جنيهًا نظير فستان([43])!

الحصاد: خراب وتدخلات أجنبية

النتيجة الحتمية لهذه القروض، والإسراف السفيه، كان العجز عن السداد، والسماح للإنجليز بالتدخل للحفاظ على أموالهم.

فبخصوص قناة السويس، كانت التكلفة الإجمالية للقناة 18 مليون جنيهًا، تحمَّلت مصر منها 16,8 مليون، وفي المقابل امتلكت أقل من 50% من أسهم القناة!

ونتيجة تكدس الديون على إسماعيل عرض أسهم مصر في القناة للبيع، واشترته إنجلترا بثمن بخس: 4 مليون جنيهًا! 

ولك أن تعلم أن قيمة هذه الأسهم في عام 1929م بلغ 110 مليون جنيهًا، أي أن مصر خسرت 106 مليون جنيهًا([44])!

ومن المفارقات المبكيات أن إسماعيل استدان لافتتاح القناة، ثم باع نصيب مصر في القناة ليسدد هذه الديون، أي أنه باع القناة ليفتتحها!

أما بخصوص تطوير الجيش، فنتيجة لتراكم الديون، لم يجد ما ينفقه على المدارس العسكرية، فأُغلقت هذه المدارس العسكرية([45])!

وأُضطرت الحكومة إلى الاستغناء عن 2,500 ظابط، وعدد كبير من الجنود لعدم قدرتها على الإنفاق عليهم([46])!

وعام 1876م لما عجزت مصر تمامًا عن سداد الديون، فرضت إنجلترا وفرنسا على الخديو إسماعيل الرقابة الثنائية على مصر، فأرسلتا نائبان عنهما ليراقبا الميزانبة العامة، فراقبا كل إيرادات الموازنة العامة، وكل المصروفات، ولا يحق لوزارة صرف أي مبلغ إلا بموافقة الرقيب الأجنبي، كما وُضعت السكة الحديد وميناء الإسكندرية تحت إدارة مختلطة.

وتطور الأمر إلى أن شاركت الدولتان في الحكومة؛ فأصبحت وزارة المالية كلها في يد وزير إنجليزي، ووزارة الأشغال في يد وزير فرنسي!

وبمرور الوقت ازدادت التدخلات الأجنبية، وازداد تخبط الحكومة، وزادت فوائد الديون، وضغطت إنجلترا على الخليفة العثماني لعزل إسماعيل عن الحكم، وبالفعل عُزل وتولى الحكم توفيق باشا.

ولم تنقطع تدخلات إنجلترا حتى احتلت البلاد كاملة، وملكت مصر بكل مواردها وخيراتها، واستعبدت شعبها 74 عامًا، والسبب الأول: حاكم مستبد وجاهل وجشع، اهتم بتحقيق إنجازات رمزية ووهمية على حساب ضياع الوطن. 

سابعًا: سرعة الإنجاز وسرعة الفشل

إن شئنا الصدق والمصارحة، فلا ننكر أن الحاكم حين ينفرد برأيه، ويكتفي بعلمه، فيبحث ويتحرى الصالح العام، ثم يعزم أمره ولا يستشر أحدًا، فينتج عن ذلك سرعة الإنجازات، وتتابع المشروعات بمعدل سريع، ويشهد الواقع بذلك، إذ غالبًا ما ينجز الحكام العسكريين إنجازات كثيرة وسريعة.

أما اتباع الإجراءات الديمقراطية، فأحيانًا تستغرق وقتًا ومجهودًا يبطيء أي إنجاز، فقد ينتظر استفتاء الشعب، أو الحوار المجتمعي، أو موافقة البرلمان، وقد نظل في دائرة الرأي والرأي الآخر وقتًا طويلًا.

هذه هي حقًا الميزة الوحيدة للحاكم المستبد.

لكن هذه الميزة الوحيدة قد تتحول إلى كابوس في لحظة؛ إذ من الطبيعي أن يصيب الحاكم مرة ويخطيء مرات، تحضره معلومة وتغيب عنه معلومات، يتقن علمًا ويجهل علومًا. والكارثة أن خطأ الحاكم بسببه تتجرع الأمة كلها مصائب وخراب وكوارث تمتد لأجيال.

لذلك فالإجراءات الطويلة لاتخاذ القرارات السياسية الهامة (الحوار المجتمعي – العرض على البرلمان – العرض على المتخصصين – انتقادات المعارضة) صحيح قد تستغرق وقتًا أطول، لكن هذه الإجراءات تقلل من احتمالية الخطأ، وتعزز من القرارات نفسها وتسد ثغراتها.

لذلك المؤرخ (غوستاف لوبون) بعد أن درس وحلَّل حضارة العرب، سرد أهم أسباب عظمتها وأسباب انحطاطها، واعتبر أن تجمع السلطات في يد حاكم واحد من أهم أسباب تخلف العرب، فقال: “في نظم العرب السياسية يقبض ولي الأمر على جميع زمام الدولة، فهو يجمع في يده جميع السلطات العسكرية والدينية والمدنية، وهذا النظام يساعد على تأسيس دولة عظيمة بسهولة، لكنه أسوء نظام للحفاظ على دولة وبقائها. 

والدول الكبرى التي تجتمع جميع السلطات فيها في قبضة رجل واحد، هي مرهونة بهذا الرجل؛ فلا ترتقي إلا إن كان حاكمها رجل من العظماء، وإذا افتقدت الدولة هذا الرجل لأي سبب، ينهار كل شيء دفعة واحدة في لحظة”([47]).

مثال: مشروع القفزة الكبرى

قاد الرئيس الصيني (ماو تسي تونغ) (1893 – 1976) مشروعًا اقتصاديًا أطلق عليه: مشروع القفزة الكبرى، وكانت رؤيته أن أمل الاقتصاد الصيني في صناعة الحديد والفولاذ، والماكينات الثقيلة، ولذلك وجَّه كل ميزانية الدولة لصناعة الحديد.

فنزع ملكية الأراضي الزراعية من الفلاحين، وجعلها تحت الملكية العامة، وأعطى الفلاحين أجورًا ثابتة متساوية غير مجزية، وأجبرهم على العمل حتى الليل.

ومنع الناس من تربية الحيوانات في البيوت، وتخزين القمح في البيوت، وأجبر الجميع على الأكل في مطاعم مركزية تابعة للدولة.

وأجمع المحاصيل الزراعية من جميع الأراضي في الإدارة المركزية ليتم تصدير جزء منها، وأبقى جزءًا لمعيشة الفلاحين، وأعطى الأولوية للتصدير، مقابل استيراد ماكينات صناعية ثقيلة. وبالفعل في بداية المشروع نمى إنتاج الحديد بنسبة 45%.

وقد تمرد عدد كبير من الفلاحين على هذه القرارات، لكن أجبرتهم الحكومة على العمل بالسجن والتعذيب والقتل، فيقول (فرانك ديكوتير): “ما لا يقل عن 2,5 مليون فلاح تم ضربهم وتعذيبهم حتى الموت”!

واعتبر (ماو) الطيور ضارة؛ باعتبار أنها تأكل حبوب القمح، فأمر بقتل جميع الطيور، لكن هذه الطيور كانت تأكل الحشرات، فقتلها سبب انتشارًا هائلًا للحشرات، فتأذى المحصول الزراعي.

كما أن عمليات تخزين الحبوب لم تكن مدروسة بشكل جيد، فأدت إلى تلف كثير من الحبوب.

قرارات (ماو) غير المدروسة بدقة تسببت في قلة حصاد الحبوب، لكن لم يجرؤ المسئولون المحليون على انتقاد الرئيس، ولا إبلاغه بقلة الحصاد، بل تنافسوا في الإبلاغ عن نتائج وهمية مبالغ فيها من الحصاد. كما أن السياسة المركزية أعطت الأولوية للتصدير، فأدى ذلك إلى ترك كميات ضئيلة جدًا في الأقاليم لا تكفي الفلاحين، وحينها بدأت المجاعة تظهر في بعض المناطق.

في البداية أنكرت الصين وجود مجاعة، وحين جاء صحفيون إلى الصين، أعدَّ المسئولون الطعام بوفرة في أماكن الصحفيين، فرجعوا إلى بلادهم يقسمون للعالم أن الصين لا تعاني من مجاعة!

وحين اعترض وزير الدفاع على سياسة المشروع، والتمس من (ماو) أن يرحم الفلاحين، عزله (ماو) من منصبه فورً!

وبمرور الوقت زادت المجاعة، ووصلت الأنباء للرئيس (ماو) بوجود عجز حقيقي في الحبوب في الأقاليم، لكنه أعطى أوامره الصارمة بأن الإنتاج أولًا، ثم الحياة. ولا مانع من التضحية بالبعض مقابل نجاح المشروع، وظل يعلن للعالم أن مشروعه يحقق نجاحات وإنجازات قياسية، واستمر في استيراد المزيد، وتعاقد مع الاتحاد السوفيتي على استيراد غواصة نووية مقابل تصدير مزيد من الحبوب!

وحينها قال وزير الخارجية: “لقد ظهرت حالات وفاة بالفعل بين العمال، إلا أن هذا العدد ليس كافيًا ليوقفنا عن التحرك في مسارنا. فهذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه، وهو أمر يجب ألا نخشاه. فمن يعرف عدد الأشخاص الذين تم التضحية بهم في المعارك وفي السجون من أجل الهدف الثوري؟ والآن، نحن لدينا عدد قليل من حالات المرض والوفاة: إنه شيء لا يُذكر”!

وسيطر القادة في الأقاليم على توزيع القمح المحدود على الفلاحين، فكان في يدهم قرار العطاء والمنع، والمنع يساوي الموت جوعًا، ويروي أحد الشهود أن أحد القادة ابتذ امرأةً ليقيم معاها علاقة جنسية مقابل الخبز، لكن وجدها نحيلة من الجوع، فعرضت عليه ابنتها مقابل رغيفين، وبعدها قتلت المرأة نفسها!

وقد سُجِّلت حالات أكل لحوم البشر، منها حالة قتل أب وأم لابنهما 8 سنوات وأكل جسده، كما أكلوا جثث الموتى، وورق الشجر، والحيوانات البرية كالخفافيش والفئران.

والمفارقة أن المخازن بجوارهم كانت مليئة بالحبوب، لكنها مُحرَّمة على الشعب، ومخزنة للتصدير!

وفي عام 1958م ظلت المجاعة تحصد أرواح الفلاحين، حتى مات حوالي 45 مليون نسمة من الجوع!

ذلك هو مشروع حاكم انفرد به وفرضه على الشعب دون أن يستوفي مراحل الدراسة والنقد والتعديل والحساب، ولم تتمكن المعارضة ولا المتخصصون من مراقبة المشروع أو انتقاده أو تصحيح مساره، فكان نجاح المشروع سريعًا، وكذلك فشله كان سريعًا وكارثيًا ومفجعًا، فماذا أفادت السرعة؟!

ثامنًا: بيئة الاستبداد غير صالحة للاستثمار

المستبد لا يسمح بتداول السلطة بشكل آمن وسهل، بل لا يسمح بتداول السلطة من الأصل، ويسد كل الطرق أمام انتقال السلطة، فلا أحزاب تنشط، ولا معارضة تقوى، ولا رموز تظهر، ولا انتخابات نزيهة، وكلما ظهر رمزًا سياسيًا جديدًا، اعتقله أو قتله.

وبذلك لا يرى الشعب بديلًا، فرغم اقتناعه بفساد الحاكم لكن لا يجد إجابة لسؤال: من البديل؟ لا أحد يفكر أو يجرؤ أن يفكر: وماذا بعد؟

استمرار الحاكم في السلطة حتى الموت هو خطته الوحيدة المدروسة، لكن لأن قضاء الله بالموت لم يستثنِ الحكام، فلابد أن الموت قادم ونهايته حتمية، عندها تحدث الكارثة ويفور البركان، ويتكالب أعوان السلطان على الحكم، فابنه يطالب بورث أبيه، وقائد الجيش ينتظر دوره في الترقي للحكم، والسياسي المخضرم يرى نفسه الأجدر، والشعب ينتظر الفرصة للثورة، وهكذا يظل البركان يشتعل ويتأجج يومًا بعد يوم في انتظار يوم الانفجار.

إن مجتمعًا مشتعلًا من الداخل بهذا الشكل لا يصلح إطلاقًا للاستثمار ولا الإنتاج ولا الاستقرار. إن ما يسميه الحاكم بالاستقرار هو استقرار ظاهري وأمان وهمي، هو تأجيل لميعاد الانفجار، فمن يضمن ميعاد انفجاره؟

من يستثمر ماله في بلد قد يثور في لحظة، أو يحدث انقلاب في ليلة، أو يتغير هوى الحاكم بكلمة؟!

حتى في حياة المستبد لا أمان ولا استقرار، فالمستبد لا راد لقضائه ولا يُسأل عما يفعل، فلا ضمان ولا رقابة على سلطانه من مجلس تشريع ولا قضاء، فإن قرر في ليلة أن يصادر مؤسسة أو يغيِّر قانونًا أو يلغي قرارًا، أو يساند مستثمرًا على حساب غيره، فلن يمنعه أحد!


[1]. (جمهورية كأن) ص151

[2]. نجاد البرعي، المواجهة الممكنة، جريدة المصري اليوم، 3/10/2013 

[3]. محمد العرب، 25 دقيقة في جلسة برلمان العراق تكلِّف 20 مليون دولار، العربية، 20/5/2020

[4].  (سرقات مشروعة) ص119 

[5].  (سرقات مشروعة) ص120

[6].  (سرقات مشروعة) ص120

[7].  (سرقات مشروعة) ص123

[8].  (سرقات مشروعة) ص124

[9].  (سرقات مشروعة) ص130

[10]. The wall street journal  https://on.wsj.com/31vkaGs

[11]. RT Arabic  (ترامب يشكر السعودية لمساهمتها في تراجع أسعار النفط)

[12].CNN  (ترامب يكشف ما حدث باتصال مع عاهل السعودية الملك سلمان) https://cnn.it/31DSD5N

[13].  http://bit.ly/2HpYa9c

[14].  

[15]. غافر: 29

[16]. (الكتاب الأسود لصدام حسين) ص252

[17]. (الكتاب الأسود لصدام حسين) ص69

[18]    independent arabia 

[19]. Foreign Policy In Focus (10 years after Gulf war) P. 2

[20]. (الكتاب الأسود لصدام حسين) ص64

[21]. الشرق الأوسط (نيكلسون: صدام حسين يرتكب جريمة ضد الإنسانية) 22 مايو 2001 العدد (8211)  ، بيروت نيوز عربية (تجفيف الأهوار.. جريمة ضد الإنسانية والطبيعة)

[22]. (عصر إسماعيل) ج1 ص181

[23]. (عصر إسماعيل) ج1 ص109

[24]. (عصر إسماعيل) ج2 ص32

[25]. (عصر إسماعيل) ج2 ص33، ص55

[26]. (عصر إسماعيل) ج2 ص35

[27]. (قصة الاقتصاد المصري) ص26

[28]. (عصر إسماعيل) ج2 ص36

[29]. (كشف الستار عن أسرار مصر) ص49، نقله (عصر إسماعيل) ج2 ص36

[30]. (عصر إسماعيل) ج2 ص39

[31]. (عصر إسماعيل) ج2 ص41

[32]. (عصر إسماعيل) ج1 ص100

[33]. (عصر إسماعيل) ج2 ص44

[34]. (عصر إسماعيل) ج2 ص45

[35]. (عصر إسماعيل) ج2 ص47

[36]. (عصر إسماعيل) ج2 ص49

[37]. (عصر إسماعيل) ج2 ص50

[38]. (تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا) ص539

[39]. (عصر إسماعيل) ج2 ص56

[40]. (تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا) ص531

[41]. مجلة العالمين عدد 5 أغسطس 1879 ص781، نقله (عصر إسماعيل) ج2 ص57

[42]. (تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا) ص532

[43]. (عصر إسماعيل) ج2 ص57

[44]. (تاريخ مصر المالي) ص132، (عصر إسماعيل) ص104

[45]. (عصر إسماعيل) ج1 ص181

[46]. (عصر إسماعيل) ج1 ص188

[47]. (حضارة العرب) ص608

إعلان