السينما الشاعرية بصفتها أداة للعنف عند بازوليني
السينما تقدم نموذجا بما تحمله من فنون داخلها وتجمع الكثير عن الإنسان سواء واقعيا أو خياليا، شاعريته، وواقعيته، ورومانسيته، وعدميته.. إلخ.
والسينما الجوهرية في ما تبثه من أفكار، ومعانٍ، ومشاعر، وجماليات.. إلخ. لها أداتها الجمالية وهي الصورة التي يوجد فيها مذاهب ورؤى، والشاعرية والسريالية البطيئة.. إلخ.
السينما ليست الجدل حول المفاهيم الفلسفية فقط
ليست هي السيناريو المناقَش فقط فلسفيا بل التنظير للصورة نفسها والأدوات التي يستخدمها، فالسينما مثل الكثير من الفنون لا تخبر، بل ترمز في الأغلب لتفتح التأويلات وتنتج المعارف الواضحة أو الغامضة.
فقدرة المخرِج على التعامل مع البصري مثلما يتعامل الشاعر مع اللغة كالمخرج الإيطالي بازوليني وخصوصا في فيلمه”theorem – النظرية” هي قدرة عالية على الحساسية تجاه مادته الأولى المُوحِية.
أنواع الشِعر في السينما
والشِعر بمفهومه السينمائي تم التنظير له كثيرا وتم تبنيه أكثر، فبازوليني، وبيلاتار، وتاركوفسكي، وباراجانوف، وثيو أنجيوبولوس، ومحسن مخمبلاف.. إلخ.
من شتى أنواع الدول وسينماها ،ومن شتى الموجات السينمائية كذلك ومن المخرجين أنفسهم على فترات مختلفة فبازوليني في “الإنجيل برواية القديس متى 1964” تناول بشاعرية رومانسية حياة المسيح وفي فيلم “120 يوم في سدوم” تناول بشاعرية عنيفة رواية الماركي دو ساد.
وهو يعبر بشكل واضح عن الأصل في التصور لديه من الشِعر “ذوقي السينمائي ليس له أصل في السينما ولكن في التصوير المجازي. ما أحمله في رأسي رؤيةً، ومجالًا بصريًا؛ هي اللوحات الجدارية لـ جوتو دي بوندوني و مازاتشو.” [1]
أشكال الشعِر ليست الرومانسية فقط
يظل هناك هاجس سائد عن الشعر، أنه الشكل الرومانسي بينما يتسع الشِعر بين الشِعراء حتى في التعاريف بعد خروجه عن الشكل الموسيقي في الوزن في الحداثة، وخلخلة الشكل الواحد للتعريف المعجمي وتجربة شعر التفعيلة والانتقال إلى الشعر الحر لقصيدة النثر في النهاية، ومع تزامن المذاهب الفنية كذلك كالسريالية ومؤسسها الشاعر بريتون.
الفرق بين اللغوي والبصري
بازوليني في السؤال عن الشعر والسينما قال:
“اللغة الأولية المقننة مفقودة في السينما وذلك أمر بالغ الصعوبة. بالكلمات يمكن للراوي في الرواية أن يوضح أن الفلاح يرى العالم بشكل مختلف عما يفعله، لأن اللغة، كما يقول بازوليني، هي: “أداة هائلة التمايز ” المخرج يفتقر إلى هذه الآلة وفي حال “لا يمكن أن يكون نشاطه لغوي يجب، بدلًا من ذلك أن تكون أسلوبا.”[2]
فاستخدام اللغة اليومي يٌتيح للشاعر أو لأي إنسان الاقتراب من اللغة على عكس الصناعة البصرية وبصفته مخرِج في السينما.
فهذا القرب حتى ولو لم يكن هو لغة الشاعر إلا أن الأداة أقرب له من المخرِج البصري.
أسلوب بازوليني
وبازوليني أيضا يكتب الشِعر بالإضافة إلى قربه من الشعراء واهتمامه بمفاهيم الشعر وبما هو موجود فيه من الميثولوجيا والأديان والنزعات المتطرفة. فالشعر كان دوما بلاد العجائب بأنواعها.
وطعّم هذه النزعة الحِرفية لديه الموهبة في الالتقاط والاطلاع الكبير والانغماس في التفاصيل الكلية من خلال الميثولوجيا اليونانية والميثولوجيات المختلفة حتى العربية منها في فيلم “ألف ليلة وليلة 1974“. “ليس من المستغرب، بالنظر إلى هذا التراث، أن تعتمد أفلام بازوليني على موضوعات مستمدة من الأدب والأسطورة والدين” [3] وكذلك النوازع الذاتية المتطرفة كما في “120 يوم في سدوم” عن رواية الماركي دو ساد.
فلم تمنعه الكليانية من الشهوانية والحيوانية البشرية، بل زاوج بين التجريد وبينها. بين التفاصيل الحسية والأفكار المجردة.
مفهوم الأسلوب السينمائي
الأسلوب في أي عمل إبداعي هو الذي يجعل المبدعين مختلفين، باختلاف استخدام الأداة المعبَّر بها. وفي السينما هناك أكثر من أداة من الصوت والحوار والتصوير الفني.. إلخ.
والسينما إبداع حديث، في بداياته القريبة عند بازوليني، لكنه أنتج مدرسة بصرية مميزة.
والأسلوب “يشير أسلوب الفيلم إلى التقنيات التي يستخدمها المخرج لإنشاء فيلم، ويمكن أن يشمل الموضوعات والصوت والحوار والتصوير السينمائي والإضاءة. جميع جوانب الإنتاج التي تقدم قيمة للفيلم وتساعد في تحديد كيف يدرك الجمهور أنه يتماشى مع أسلوبه. يمكنك غالبًا الاعتماد على أسلوب الفيلم باعتباره طريقة المخرج لتعكس السرد أو توصيل الحالة المزاجية. يمكنهم توجيه الجمهور لملاحظة العناصر المهمة في القصة والتأثير على طريقة تجربة المشاهدين للفيلم. تعتمد أنماط الأفلام الشائعة على تقنيات مماثلة، والتي يمكن أن تساعدك في تحديد النمط.”[4]
فالأسلوب الخاص هو الذي يميز أي مبدع عن غيره في الحقل الإبداعي الواحد بعيدا عن التقليد الذي يستخدم في الأفلام التجارية.
والأسلوب يأتي من رؤية المبدع للعالم من خلال كل مدرَكاته والطريقة التي يريد بها التعبير بها والتواصل بها مع الجمهور بحد ذاته.
الشعر أداة للعنف
ولدى بازوليني اتجاه شاعري سينمائي لكنه ليس شاعريًا بالمعنى الرومانسي اليوتوبي بل يعتمد على الخشونة الأسلوبية لكن تحت مفهوم شعري. فالعنف في أفلامه حتى، ليس خارج إطار الشعر “القصيدة، إذن، ليست عنيفة إذا استخدمت صورة رجل يسقط من مبنى، والحطام الأحمر لجسده على الرصيف – تكون القصيدة عنيفة إذا استخدمت هذا الحطام الأحمر… دعنا نقول، ثم أيضًا صورة لأمه تصنع له شطيرة، واحدة بدون مايونيز، كما يحب، وسكين الزبدة النظيفة اللامعة بعناية، وبعناية تقطع قشورها.”[5]
ومثلها البصري، فليست الصورة المليئة بالدماء أو القتل يُقصَد بها العنف أداة للشاعرية، بل الدقة والحبكة والتجريب، وإظهار للتفاصيل.. إلخ.
وتحويل العنف إلى ظاهرة جمالية بدون أحكام أخلاقية في تناول المخرج بعيدا عن تناول الناس بل في حياة بازوليني في روايات ساد.
الهروب من هذه الأماكن المعتمة نفسيا كان دوما حاضرا ولم يجرؤ أحدا على تناولها إلا في الموجات اليابانية في أوشيما ولكن بالطبيعة اليابانية في فيلم “in the realm of the sens” ل أوشيما إلى قصة عاهرة خنقت عشيقها وفعلت به الكثير من الوحشية. وأيضا في أفلام شوجي تيراياما وخصوصا فيلم” ثمار العاطفة”.
أنواع العنف البصري
- ترك الشرير بدون عقاب.
- تمثيل العنف من خلال القتل أو العذاب.
- تحويل الشخصيات العنيفة إلى شخصيات جذابة.
- حجم العنف وأنواعه.. إلخ.
وهذه الأنواع وأكثر تم تمثيلها في “120 يوم في سدوم” وتمثيلها بشاعرية أي بالشكل الأكثر دقة وحبكة ورهافة.
الصوابية في الوصايا على المعايير الأخلاقية والنفسية
يتم إلقاء الصوابية على المخرج بينما هو يقدم عمل إبداعي، ليس بالضرورة أن يكون مع مفاهيمه الجوهرية أو بشكل مبشر أو داع. فالتعبير يتم لأسباب كثيرة منها مع نقد ما يتم تمثيله.
فبهذه الطريقة لن يتم تناول البشاعة من جهات علماء النفس أو التطرفات المختلفة ولن يستمر علم النفس الجنائي في التحقق من الحالية الذهنية للمجرم.
المراجع:
- Allegories of Contamination in the Trilogy of Life”. Allegories of Contamination: Pier Paolo Pasolini’s Trilogy of Life, Toronto: University of Toronto Press
- A Cinema of Modernist Poetic Prose: On Antonioni and Malick, Peter Verstraten
- Behind the Myth of Pier Paolo Pasolini, By Barry Schwabsky
- https://www.indeed.com/career-advice/career-development/types-of-film-styles
- Zachary Schomburg Poetry as Violence