أنت دائمًا في مقابلة عمل .. حتى وإن لم تلحظ ذلك
لن أنسى أبدًا المرة الأولى التي لم ألحظ فيها أنني في خضم مقابلة عمل إلى أن كنتُ فعلًا قد خضتُ غمار المقابلة.
دعاني صديقٌ إلى الغداء بصحبة مديره السابق، كان هذا المدير قد أطلق مشروعه الخاص في تدريب المبيعات، فظنَّ صديقي أنه يجب أن يجمعنا معًا .
لم أكن أبحث عن عمل في ذلك الوقت، لكنني كنتُ قد حصلت -مؤخرًا- على درجة الماجستير في تعليم الكبار، فحَسِبَ صديقي أني سأجد محادثة كهذه شيقة.
أتذكر بشكل واضح شيئين من ذلك الغداء،
أولًا أن الطعام الذي طلبته على الغداء كان خيارًا سيئًا. بمحاولة تناول تاكو السمك المغطى بكمية مزعجة من سلطة الملفوف الروسية فوق طبقة من تورتيلا الذرة المفتتة، والتي لم تُعد لخلق أفضل انطباعٍ أولي.
أما الشيء اﻵخر الذي لايزال في ذاكرتي فهو كيف أني كنت مغيبًا تمامًا عما كان يجري آنذاك.
قد لمتُ نفسي كثيرًا لأنه لم يكن هناك وسيلة للتواصل بيننا أو حتى لمراسلتي.
المدير السابق لصديقي كان مسترسلًا في إخبارنا عن انطلاقة عمله الجديد، وأن ما يحتاجه بإلحاح -كما قال- هو شخص بإمكانه أخذ عمله لسنوات في مجال التسويق، وصياغته في منهجٍ للمُتعلمين الكبار.
“أوه .. هذا غريب، هذا يشبه ما التحقتُ بالدراسات العليا لأجله” قلتُ ذلك بينما أطلب منه أن يُمَرر لي المناديل. في الوقت الذي استوعبتُ فيه أنه كان يقابلني لفرصة عمل محتملة، كان الأوان قد فات.
كم مرة فكرت بإنشاء موقع خاص لعرض عملي، وكم كان مفيدًا لو أن رابط الموقع كان موجودًا آنذاك! لقد قرَّعتُ نفسي كثيرًا لأني لم أكن أملك وسيلة للاتصال،أو المراسلة.
دفعَ المديرُ السابق حسابَ التاكو بدلًا عني، واتفقنا أن نظل على تواصل، بالطبع ذلك لم يحصل.
“لم تجر الأمور كما يجب” علَّق صديقي فيما بعد.
“أوف، أعرف صدفات التاكو تلك” أجبتُه، “أليس كذلك؟”
كنتُ أعمل في شركة تمويل اقتصادي حينها، وبما أنني لم أكن أحب ذلك العمل؛ فقد بدأتُ أجر خطواتي في طريق البحث عن عمل جديد. بالطبع كنتُ قد خطوتُ بضع خطوات باتجاه هدف أوسع في سبيل “أن أكون سعيدًا في عملي” (كأن أبدأ بالدراسات العليا)، لكني لم أكن قد ركزت بشكل جدّي على فكرة إيجاد عمل جديد .
ذلك كله تغير في غضون أسابيع بعد ذلك الغداء، والفضل يعود إلى الرسالة الالكترونية المرسلة إلى كل الموظفين لإعلامهم بأن شركتنا الأم سوف تبدأ عما قريب بتصفيتها المنظمة لعملنا، وذلك بسبب حدث اقتصادي غير معهود. الركود العظيم قد أجهز على ضحية جديدة.
ربما تظن أن ذلك الغداء المشؤوم كان حالة واضحة لمقابلة عمل، وأنه كان ينبغي علي أن أكون مُجَهزًا أكثر من ذلك. الأمر الذي سأجيب عنه بجملة واحدة: حسنًا، واضح، لكنني كنت صغيرًا وخالي الذهن، ومستَهلَكًا خلال ست سنوات من العمل في المكتب المركزي المشترك، حتى وصلت إلى مرحلة أعتقد فيها أن كل ما علي فعله لأتطور هو أن أطأطئ رأسي وأعمل بجد، ثم ضرب سيل من الرسائل الإلكترونية بريدي، مهشمًا براءتي المهنية.
إذن بإمعان النظر في فرصة تلك المقابلة الواضحة وضوح الشمس (وعدم استعدادي لاغتنامها)، فإنها كانت غلطة. لكن كأنها مصيرية كغيرها من الفرص الكثيرة الكامنة التي لا تُحصى، والتي فوتُها على مدى سنوات.
مثل الرسالة الالكترونية التي وصلتني من السكرتير تطلب متبرعًا ليقل المدير التنفيذي من المطار، والمكالمة المفتوحة للمتحدثين في معرض الوظائف لطلبة الكلية، كذلك الاجتماع الأسبوعي مع مديري حيث تفوهت بشكل نموذجي بأشياء “ملائمة” قبل سؤاله عما يحتاجه مني..
كل هذه اللحظات قد مثلت فرصة سانحة بالنسبة لي لترك انطباع لا يزول، وفي كل مرة كنتُ إما أفوتها أو أفشل بفعل أي شيء أو ترك أي أثر.
فرص مقابلات العمل ليست دائمًا هدايا مغلفة تقدم لك على طبق مع الجبن ورقائق البطاطا، فأحيانًا تكون صغيرة جدًّا ،فتبدو وكأنها لحظات عابرة في يوم عشوائي، حيث أن المُقابِل نفسه لا يدرك أنها مقابلة عمل. كل لحظة من هذه اللحظات كانت تمثل فرصًا لي لترك أثر لا ينسى، وفي كل مرة كنتُ إما أضيعها أو أفشل في ترك الانطباع الذي أريد.
ذات مرةٍ أخبرني مديري، رئيس القسم، أنه مسافر في إجازة، طلب مني أن أكون على أهبة الاستعداد لأجله وأن أطلعه على آخر المستجدات خلال اجتماع فريق القيادة.
“ليس بالأمر العظيم” قال”عادة ما أصرح بالقليل عن مقاييس ومعايير فريقنا، ثم أختلق البقية” باختصار قضيت اليوم بأكمله أنقب في أرقامنا، وأجهز بعض التقارير المفيدة، وأتدرب على ملاحظاتي إلى أن أتقنتها. لكني فيما بعد تذكرت أنها كانت ليلة الحدث الخيري في الحانة المفضلة لدي، وكانت المباراة النهائية الحاسمة لفريقي المفضل الذي يلعب ليلة الخميس (مباراة مهمة)، لذا كل ما فعلته أني شربت البيرا وأكلت أجنحة الدجاج عوضًا عن كل تلك التحضيرات. تعاملت مع الاجتماع كما يتعامل مديري، وانتهى بي الأمر أردد بعض الأرقام قبل أن أتفوه ببعض الأمور المُرتَجَلة، كنتُ بخير.
عندما توقفت عن الحديث رمقتني الشخصيات الرفيعة من خلف طاولاتها المُجهَّزة بالغداء كلٌّ منها يناظرني بأجفان مثقلة،وإيماءة خفيفة مشيرًا إلى أنه يمكنني المغادرة، ثم نهض شخص آخر ليعرض تقريره، وهكذا داهمنا الوقت بسرعة.
إليكم ما لم يحدث: لم يخطر في بال أحد من الموجودين في تلك الغرفة حاجته لوجودي في المرة المقبلة التي سيفتتح فيها عملًا جديدًا. لا أحد اهتم لكوني أديت أقل ما يمكن، ولم يكن قد طلب إلي أحدهم أن أترك انطباعًا ما، لكن كان بإمكاني ذلك.
منذ فترة ليست ببعيدة، تلقيت رسالة الكترونية من بائع اعتاد أن يتواجد بالقرب من مكتبي القديم، وأن يتردد إلى المكتب بشكل شبه منتظم. كان يتقدم إلى عمل أُعلن عنه هناك،وتواصل معي طالبًا توصيةً مني بشأنه.
لسوء الحظ كنا جميعنا نتذكر أنه شخص متأخر وغير منظم عند زيارته للمكتب. وفي بعض الأحيان كان يتعامل بوقاحة مع الموظفين.
كان لسنوات في مقابلة عمل، لكنه ببساطة لم يعلم.
قد تعتقد بأن التعامل مع كل ردة فعل على أنها مقابلة عمل، أمرٌ يبدو مرهقًا. وإذا لم يكن احتيالًا فإنه على أقل تقدير ليس بالأمر النزيه.
بينما أن الأمر يستدعي مجهودًا فعليًا للتعامل بهذا الشكل، فإن أمرًا مضحكًا سيحدث بينما أنت تستمر بفعل ذلك، سيغدو ذلك كطبيعة ثانية. بشكل تدريجي ستكفُّ عن الاهتمام بخلق انطباع جيد فقط من أجل الحصول على عمل(أو ترقية أو حتى موعد غرامي). ستقلق بشأن الانطباع الذي تتركه لأنك-بشكل فطري- تعرف أنه الشيء الصحيح الذي يجب أن تفعله.
ثمار هذا الجهد هي رصيدك الإضافي.
كم كنت سأشعر أني بحال أفضل لو أنني بذلت جهدًا أكبر لمواجهة مستجدات ذاك الاجتماع القصير؟
من يهتم إذا ما كان أحد غيري قد لاحظ ذلك؟ لكن كنتُ سأعود إلى المنزل وأنا أشعر بالعظمة، ولا شيء يمسُّ النزاهة في ذلك.
دائمًا حاول أن تكون واعيًا للانطباع الذي تتركه لدى الآخرين. بالطبع قد لا تكون بالمستوى المطلوب في بعض الأوقات.
فها أنا أخفق في “مقابلات” كل يوم، لأنني إنسان، لكنني على أقل تقدير واعٍ لما قد أخسره.
في المُحصِّلة: دائمًا حاول أن تكون متيقظًا للانطباع الذي تخلقه لدى الآخرين، سواءً كان الأمر محض صدفة في المصعد مع مجموعة من الأشخاص من شركة لم تعمل فيها (بعد)، أو في مقابلة عملٍ واقعية.
لقد شاهدت أحيانًا كثيرة أشخاصًا في مقابلات عمل واقعية يفشلون في فهم ما يجري حقًّا. يقدمون أنفسهم ويجلسون هناك مثل خطر محدق! ثابتون، متأملون أنهم سيجيبون بشكل صحيح على كل الأسئلة التي أطرحها. ربما يكونون قد تهيأوا بشكل جيد للمقابلة، لكن إذا ما تركوا الأمر برمته ملقىً على عاتقي، فإنهم يتركون أمر الانطباع الذي سأكونه عنهم للحظ.
قارن ذلك مع تقنية الحقيبة المحمولة المستخدمة من قبل أشخاص يحبون كرة القدم مثل المدرب نايك سابان.
عندما ظهر في مقابلته في ولاية ميتشيغن، تولى زمام المبادرة بعد بضع دقائق بتقديم حزمة مليئة بالملاحظات والتفاصيل حول كيفية إدارته للبرنامج، والمساعدين الذين سيستأجرهم، والنظام الهجومي والدفاعي الذي سيقرّه. لقد قدّم ذلك كله قبل أن يُسأل عنه.
هو – لا المُقابل- مَنْ كان يدير الاجتماع.
أتساءل أي انطباع خلَّفه ذلك؟
ليس من الضروري أن تكون نايك سابان (وإذا فعلت ذلك، فأرجوك ألا تقرر تدريب فريق كرة قدم يحمل شعار كليتك السابقة، وشكرًا سلفًا).
كما أنه لا يتوجب عليك أن توتر نفسك لترضي كل شخص تقابله.
فإرضاء الجميع غاية لا تدرك.
فإن كنت متيقظًا لكل “مقابلة” أيضًا ومتأثرًا بكيفية تصرفك فيها ، فإن فرصتك قد تكون أي طرف آخر في هذه المعادلة .
كل ردة فعل هي فرصة لحدوث شيء ما، فإذا افترضنا ذلك لِمَ لا نجعله شيئًا ذا قيمة.