كيف تتلاعب وكالات الإعلان بحواسِّنا؟

هل سبق لك سماع صوت الشوكولا أو رؤية لونِ الموسيقى؟

إنّ التسويق الحسي يُثبِت جدارته كأُسلوب تسويق يؤدي الغرض المرجوّ منه بنجاحٍ؛ فنحن محاطون بشكل يوميّ بوابل من الرسائل التسويقيّة التي تجعل من ابتكار إعلانٍ لا يُنسى مَهمةً شديدة الصعوبة. حيث تُظهر الدراسات أنّ تصميم إعلان يستثير مشاعر المستهلك عن طريق تحفيز حواسه يؤدّي بدورهِ إلى جعل المنتج غير قابل للنسيان. وبالتالي، يستخدم المعلنون هذا الإسلوب التسويقي في وسطٍ بصريٍّ متخصِّص بالصور نظرًا لوعيهم بتأثيره على المستهلكين.

ما هي الثورة الحسيّة؟

شهد مجالُ التسويق ما يطلق عليه الباحثون “الثورة الحسّيّةً”. فعلى سبيل المثال، يُعدّ التسوق أثناء فترة الكريسماس تجربة حسّيّة سبق أن خطّطت لها المتاجر. حيث تدمج المتاجرُ موسيقى الكريسماس والروائح التي ترتبط بالكريسماس في محيط التسوق بهدف التأثير على سلوك المستهلك وزيادة مستوى المبيعات. كما وأنّ إعلانات الفيديو تلجأ لاستخدام إستراتيجية التسويق الحسّي. فعلى سبيل المثال، تعرض إعلانات McDonald شعارها الشهير المكون من اللونين الأحمر والأصفر الذي يقوم بدوره بتحفيز ما تمثله هذه الماركة الشهيرة في عقولنا عن طريق حاسّة البصر، كما ويعرض الإعلان لحنها المعروف الذي يؤدي الدور ذاته ولكن عن طريق تحفيز حاسة السمع. وبذلك، تصبح ماركة  McDonald مشفّرةً في ذاكرتنا وذلك بمساعدة العنصرين البصريّ والصوتيّ. ويؤدي ذلك إلى تأسيس روابطَ فوريّة لاشعوريّة بين الحوافز الحسيّة -أي الصور والأصوات- والمنتج الظاهر في الإعلان.

إضافة إلى إعلانات الفيديو، شقَّ التسويق الحسي طريقه إلى الإعلانات المطبوعة. حيث يستخدم المعلنون لغةً وصورًا تستثيرُ حواسًّا أخرى بجانب حاسّة البصر، وذلك بهدف إيصال رسالة حسّية متكاملة ضمن وسطٍ يتم استقباله بشكل أساسيّ من خلال حاسة البصر. فاستثارة الحواس لدى الجمهور في الإعلانات المطبوعة يُعدُّ أمرًا شديد البساطة والوضوح؛ حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال استخدام كلمات من قُبيل (رائحة، اللون الأصفر، يسمع) ومن خلال عرض صورٍ لأغراضَ ترتبط بشكل كبير ببعض الحواس  مثل علبة عطر -ترتبط بحاسة الشمّ- أو لوحٍ من الشوكولا -يرتبط بحاسة التذوق.

كما ويمكن للكلمات والصور أن تستثير العديد من الحواس في الإعلان ذاته باستخدام أكثر الطرق إبداعًا. فتتمثل الإستراتيجية المثلى لابتكار إعلانات (مطبوعة) حسّية بتوظيف ما يسمى بالحسّ المتزامن اللُّغويِّ (linguistic synaesthesia). ولا يشير المصطلح السابق إلى الحالة النفسيّة والعصبيّة المعروفة بمرض التصاحب الحسيّ (synaesthesia)، بل إنّه تعبيرٌ مجازيٌّ يشير إلى عملية دمج تعابير لغويّة معيّنة بحيث تشير إلى حواسٍ مختلفة دفعة واحدة. ومن الأمثلة على ذلك:

  • أنغامٌ حلوة (حاستيّ السمع والتذوق)
  • صوتٌ ناعم (حاستيّ السمع واللمس)

وغالباً ما تستعرض الإعلانات المطبوعة شعارات حسّية. فعلى سبيل المثال، تعلن شركة الطعام Hogwine عن رقائق الشيبس الخاصة بها بشعار “كأنك تتذوق أنغام موسيقى البانجو الحلوة”. حيث يرتبط طعم رقائق الشيبس بالموسيقى التي تمّ وصفها بصفة الحلاوة، التي بدورها تشير إلى حاسة التذوق.

إعلان

يُظهِرُ أحدث أبحاثنا إمكانية ابتكار روابط حسّية في الإعلان باستخدام ما يطلق عليه الباحثون التعبير المجازي البصري؛ أي باستخدام الصور فقط. فعلى سبيل المثال، تعلن شركة Popclik عن سماعات الرأس التي تصنعها عن طريق عرضها في خلفية بيضاء وسوداء مرسومة على نمط القصص المصورة.

ففي هذا الإعلان، تظهر الصور الواقعة في المساحة التي تحيط بها سماعات الرأس بارزة بالألوان بينما تظهر الخلفية باللون الأبيض والأسود. وذلك بهدف إيصال رسالة إيجابية للمستهلك حول جودة الصوت الصادر من سماعات الرأس. حيث يرتبط تعدد الألوان بشعور إيجابيّ مقارنة بالشعور السلبي المرتبط باللونين الأبيض والأسود. بعبارة أخرى، يعد هذا الإعلان مثالًا على إعلان حسّي بصري يُوصَفُ فيه الصوت بخصائص لونيّة.

ولا يقتصر الأمر على التسويق الحسي اللُّغوي والتسويق الحسّي البصري فحسب؛ حيث يمكن أن يتداخل النوعان ليشكلا نوعًا مُدمّجًا من أنواع التسويق الحسي. فالصورة التالية تُعلِن عن ألواح شوكولا Toblerone من خلال استعراض الآلة الموسيقية (المسماة بالمثلث) التي تمثل السمة المميزة للوح الشوكولا -مثلثة الشكل-. كما ويستخدم شعار الإعلان المكتوب كلمة (موسيقى) في عبارة “طعمها في الفم كصوت الموسيقى للأذن”، حيث يربط الإعلانُ ما بين الموسيقى ونكهة لوح الشوكولا الظاهر في الإعلان.

وفي إعلاناتٍ أخرى، تبدو الصور المستخدمة وكأنها تُجسِّد مزيجًا من الرسائل الحسّية التي يتم نقلها باستخدام الكلمات. فعلى سبيل المثال، في الإعلان التالي لمشروب غازيّ بنكهة الليمون، عرض المعلنون صورة لحبةٍ من الليمون ترتدي قناعًا بهِ رؤوس مدبَّبة؛ حيث تم مزج هذه الصورة مع الشعار التالي:” مشروب L&P الغازيّ بنكهة الليمون: حامض كحدّة هذه الرؤوس. إنه مختلف عن غيره.”

حيث تزوّد الصورة والكلمات مجتمعين المستهلك بإدراكٍ بصريّ للمعنى اللغوي الحسّي للمصطلح التقليدي وشائع الاستخدام “نكهة حادة”؛ فتمثل صورةُ اللَّيّمون النكهة وتمثل الرؤوس المدبّبة في القناع الحِدّة  التي تستثير حاسّة اللَّمس.

فكما تعكس الإعلانات السابقة، تسمح عملية الإعلان عن المنتجات والخدمات (التي تعد عمليةً بالغة الفاعلية)  باستثارة العديد من المجالات الحسّية. كما وتؤسس روابط إبداعية ما بين الحواس من خلال الدمج ما بين الكلمات والصور بكفاءة عالية.

إلا أن الغموض يخيم على احتمالية تأثير هذه الإعلانات الحسّية على المبيعات وبروز العلامة التجاريّة بنفس المستوى الذي تؤثر فيه على المتلقي في التجارب الحسّية المعقدة. فإن كان التأثير بارزًا، يساعدنا إدراكنا -كمستهلكين- بالكيفية التي يستخدم فيها المعلنون هذه الاستراتيجيات لتكوين علامة تجاريّة للمنتجات الحديثة على ملاحظة تصرفاتنا التي تتأثر بهذه الإستراتيجيات.

قد يعجبك أيضًا: التسويق العصبي .. رسالة إلى السحلية في رؤوسنا

 

إعلان

مصدر مصدر
فريق الإعداد

إعداد: راما ياسين المقوسي

تدقيق لغوي: فاطمة الملاح

تدقيق علمي: عمر العجيمي

اترك تعليقا