اكتشافُ عضو جديد في جسم الإنسان .. وهمٌ أم حقيقة؟
يُعدُّ جسم الإنسان معقدًا بشكلٍ لا يصدق، وليس من المفاجِئ عدم كشف النقاب بَعْد عن كُلِّ ما يجري بداخلهِ، فلا يزال هناك الكثير من الأسرار التي لا نعلمها حول الآليَّات التي تجعلُ كُل أحشائِه تعملُ بسَلاسة، وتُمكِّنُ خلايانا من العمل بدقةٍ متناهية. واليوم نحنُ بِصدَدِ الحديث عن اكتشافِ عُضْوٍ جديد في جسم الإنسان والمعروف بـ”interstitium”
أعلَنَ مجموعة من الباحثين في تقريرٍ نُشِر في (Journal Scientific Reports) عن اكتشافهم لِما يعتقدون أنّه عضو جديد لم يتم التعرّف عليه من قبل بحسب ما قالوه. يتكوّن العضو الجديد من شبكة من الأنسجةِ المنتشرةِ عبر الجسم، مُلتّفّةَ ًحول القناة الهضمية بأكملها والرئتين، بل حتى حول كل شرايين وأوردة الجسم. وأطلقَ الباحثون على تلك الشبكة اسم interstitium وطالبوا باعتباره عضوًا قائمًا بذاته من أعضاء جسم الإنسان، لكنّ الأمور لا تجري بهذه البساطة، فما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات المتقدمة من أجل تحديدٍ دقيقٍ لتركيبِ ذلك العضو وبيان وظائفه، قبل إدراجه في المراجع والموسوعات الطبيّة المتخصصة.
ماهيّة العضو الجديد
حين نتحدث عن عضوٍ جديدٍ في جسم الإنسان، فإنّ أول ما يتبادر إلى الذهن هو أنْ يكون ذلك العضو ذو كيانٍ متماسك، وله معالمَ محدَدّة، مثل القلب والكبد، ولكن ما نحن بصدده اليوم ليس كذلك، حيث أنَّ “interstitium” هو شبكة من الأنسجة التى تحيط بكل عضو في جسمنا تقريباً، كما يحيط الجلد بالجسم. هذه الطبقات من الأنسجة تلتفُّ حول الأعضاء، لذا ظنَّ الباحثون في السابق أنّ interstitium هو ببساطة طبقة من الأنسجة الضامّة، لكن الفحص الدقيق لهذه الشبكة من الأنسجة أوضّح التباين الشديد بينها وبين الأنسجة الضامة، فالنسيج الضام عادةً ما يمتلك عددًا قليلًا من الخلايا، ويضمُّ تنوعًا كبيرًا من الغضاريف والألياف التي تشكل تركيبًا قويًا، يعملُ على حفظ الأعضاء في مكانها، أو يَصِل عظمةً بأخرى أو عظمةً بعضلة.
لكن هناك شيئًا مختلفًا حول هذه الأنسجة التي يتناولها الكشف الجديد، فعندما نظر الباحثون عن قربٍ أكثَر، شاهدوا سلسلةً من الحويصلاتِ الممتلِئة بالسائل، تنتشر فيما بين الخلايا، بالإضافة إلى سلسلةٍ من الأنسجة القوية المرنة المملوءة ببروتيناتٍ وظيفيّة، تعملُ على وصل كل الحويصلاتِ معًا، ولهذا اعتبرهُ الباحثون عضوًا جديدًا، وليسَ نسيجًا ضامًا كتِلك الأنسجة المنتشرة عبر الجسم.
لِمَ لَم يتم التعرّف على عضو interstitium مِن قبل؟
ربما كان الباحثون يعلمون بوجوده من قبل بصورةٍ ما، لكنّهم افترضوا دومًا أنّه مجرّدُ مجموعةٍ من الأنسجة الضامة، ورغم أنّ الطب الحديث لديه كل أنواع أجهزة التصوير التي تجعلنا نُمعِنُ النظرَ داخل جسم الإنسان، فأجهزة الرنين المغناطيسي مثلًا قد بلغت درجة من التطور بحيث يمكننا اليوم التعرّف على أدَقِّ التفاصيل لأعضائِنا الداخليّة مثل الكبد، والحويصلة الصفراوية، بل وحتى الأجزاء الداخلية للمخ. ويمكننا كذلك أنْ نتجوّل داخل حول بعض الأعضاء باستخدام تقنياتٍ مثل القسطرة، وأنواع الأشعة المختلفة. كما تَمكَّن العلماء باستخدام المناظير الجراحية من الاطلاع على ما يحدث داخل القناة الهضمية.
إذًا كيف لم نتمكن من العثور على العضو الجديد من قبل؟
تكمنُ الإجابة في الطريقة التي يتم بها فحص عينات الأنسجة تحت الميكروسكوب.
فعند إجراء فحصٍ لعضو معيّن، يقوم المختصون بتحضيرِ شرائحَ رقيقةً جدًا من العضو المراد فحصه، ثم يتم إضافة صبغات ذوات ألوان معينة للشريحة، لإتمام عملية الفحص، ومن الطبيعي أن يتم إزالة السوائل من العينات خلال تلك العملية، وفي هذه الحالة تتطابق شرائح العضو الجديد مع الأنسجة الضامّة العادية، لذا لم يتمكن العلماء من تمييزها قبل ذلك.
لكن عندما ألقى الباحثون نظرة مقربّة على العضو الجديد interstitium باستخدام أُسلوبٍ جديد للفحص، يُسمّى vivo microscopy يعتمد على مناظير تعمل باستخدام أشعة الليزر، ويتميز بقدرته على تكوين صورة لحظيّة ثلاثية الأبعاد للجزء المراد فحصه، وبالاستعانة بصبغاتٍ فلوريّة “fluorescein” دونَ اللجوء لتجفيف العينات، وباستخدام تلك التقنية المتطورة، لاحظ الباحثون لأوّل مرة وجود شبكة من الحويصلات الممتلئة بالسوائل،تحيط بالقناة المرارية، ورغمَ أن البعض افترض في البداية أنّ هذا التركيب يمثل جزءً من الأنسجة اللمفاويّة إلّا أن الفحص الدقيق أظهر أنَّ لتلك الحويصلات والقنوات المتصلة بها نسقٌ مميزٌ يختلف عن الأنسجة اللمفاوية، مما يؤهلها لتكون عضوًا حقيقيًا وليس مجرّد نسيج لمفاوي.
تكوين العضو الجديد
يُعرّف العلماء العضو على أنّهُ مجموعة من الأنسجة ذات شكل محدد و يؤدي وظيفة معيّنة.
وهنا يتصاعد الجدال بين العلماء ما إذا هل ينطبق هذا التعريف على العضو الجديد interstitium. يقول الباحثون أنّه يختلف في تركيبه عن الأنسجة الضامة العادية، التي تتواجد في أماكن معينة في الجسم وتقوم بربط وحماية عضو معين، إّلا أنّ الأمر مختلف في حالة العضو الجديد interstitium فهو عبارة عن شبكة مترابطة من البروتينات النشطة، مرتبطة معًا وتنتقل في قنوات تنتشر عبر جميع أجزاء الجسم، لكن هل للعضو الجديد وظيفة محددة؟ يقول الباحثون أنّ العضو الجديد يعمل كواقٍ للصدمات، كما أنّ قدرته على التمدد والانضغاط تحافظ على الجسم، وتمنعُ تمزقه عند تحرّك العضلات.
هل تم اعتماده عضوًا بصورة رسمية؟
ليس بعد، فإضافةُ عضو جديد في جسم الإنسان إلى المراجع الطبية المعترف بها حول العالم يحتاج إلى إجراء المزيد من الدراسات، وربما يحتاج الأمر إلى عدة سنوات من البحث الدقيق حول تركيب ذلك العضو وتحديد وظائفه تحديدًا دقيقًا.
ما أهمية اعتباره عضوًا جديدًا؟
الاعتراف بـ interstitium كعضوٍ جديد سيعمل على لفت أنظار الباحثين حول العالم إليه، للبحث بصورةٍ أكبر في وظائفه. حيث يُمكْننَّا من التعرّف على بعض الآليات المجهولة داخل الجسم البشري، مثل الكيفيّة التي تنتشر بها الخلايا السرطانية عبر الجسم. حيث أنّ العضو الجديد، كما ذكرت، عبارة عن شبكة من القنوات المملوءة بالسوائل، التي تنتشر عبر الجسم كله وتتصل بكل عضو فيه، فربما يلعب دورًا في انتشار السرطان، وإذا صحّت هذه الفرضية، فربما نتمكّن يومًا من وقْفِ انتشار السرطان داخل الجسم، فحتى اليوم لاحظ الباحثون أنّ الخلايا السرطانية تنتقل من الورم الأصلي إلى العُقَد اللمفاويّة، ثم فجأةً وبدون سابقِ إِنذار تنتشر داخل الأنسجة الضامَّة الكثيفة عبر الجسم.
ولكونِ العضو الجديد عبارة عن قنوات مملوءة بالسوائل، لِذا يرغب الباحثون أيضًا في التعرّف على مدى تأثيره في توازن السوائل في الجسم وعلاقته بالاستسقاء المصاحب لبعض حالاتِ فشل القلب وأمراض الكلى وبعض الأمراض الأخرى، مما قد يُمكّن الباحثين من ابتكار طرقٍ علاجيّة جديدة لمكافحة مثل هذهِ الأمراض.
تدقيق: فاطمة الملّاح