خيال علمي بطلته الخلايا الجذعية وآمال قد تغدو حقيقة في القريب

عند الحديث عن الخلايا، يذهب ذهن الكثير من البايولوجيين والأطباء إلى التفكير في أرقاها ويزيد هذا التفكير في جمالها وتميزها، خلايا فريدة، لا يمكن المرور بمواضيع الطب الحديث دون ذكر الأبحاث الهادفة لاستعمال هذه الفئة، إنها فئة الخلايا الجذعية.

وحدة علم الأحياء: الخلية

بالتعريف، الخلية هي الوحدة الوظيفية والتركيبة للكائن الحي، فهي نظام متقن ودقيق التعابير. بصفتها وحدة معزولة، عملها الحيوي يكون بتنسيق بين عضياتها (مكوناتها الداخلية)، ويكون هذا التنسيق بإشراف النواة التي تضم الشيفرة (الحمض النووي) لتوجه أعمال الخلية بالكامل. فمثلا الخلية بيتا للبنكرياس تحمل نفس الجينوم الذي تحمله أي خلية بالجسم إلا أنها تقوم بإنتاج الأنسولين (المادة الحيوية التي تقوم بخفض مستويات الغلوكوز في الدم).

وفي نفس الغدة أي البنكرياس تقوم الخلايا من نوع ألفا بإنتاج الغلوكاغون (جزيء حيوي يعمل على رفع مستوى الغلوكوز في الدم عند الصيام مثلا..) وهناك عدد لا يحصى لتخصصات هذه المئة ألف مليار من الخلايا المكونة للجسم وهذا راجع كما ذكرنا إلى مراقبة النواة بفضل جيناتها المفعلة في كل نوع خلوي إضافة إلى التعاون الوظيفي بين كل الخلايا والعلاقة بينهم، هذا التنسيق والتوجيه يختلف من خلية لأخرى، مما يجعل لكل خلية وظيفة، وكل وظيفة حيوية لها علاقة بأخرى للمحافظة على توازن دقيق إذا فالوظيفة الحيوية لكل خلية هي ما تحدد تخصصها حسب كل نسيج أو عضو.

متى كانت إنطلاقة حقبة الخلايا الجذعية؟

أجريت العديد من التجارب على الفئران (murine) سنة 1950 مكنت من عزل نوع متفرد من الخلايا قادرة على إنتاج جميع الفئات الأخرى، فتطلع شمس 9 يوليو من سنة 1981 لتتم البرهنة على وجود خلايا جذعية جنينية عند الفئران على يد مارتين إيفانس، ماثيو كوفمان، غيل مارتين، بينما تم اكتشافها لدى الإنسان سنة 1998، من طرف جايمس اليكسندر تومسون، جوزيف إيستوكوفيتس إيلدور، بنيامين روبينوف.

ما هي الخاصية المميزة للخلايا الجذعية؟ وهل تضم أنواع عديدة؟

المجتمع العلمي يعرف الخلايا الجذعية أنها خلايا غير متخصصة قادرة على أن تعطي أي نسيج أو عضو حيوي، وهي قادرة على التحول لخلايا متخصصة فيزيولوجيا عن طريق التمايز، يحافظ عليها الجسم عن طريق الانقسام الخلوي (تكاثرها) قبل وأثناء التمايز، كما تقوم بدور مهم في نمو وتطور الكائنات وهكذا المحافظة على الهوميوستازي (التوازن).

إعلان

تنقسم فئة هذه الخلايا إلى نوعين:

الخلايا الجذعية الجنينة (أ): بعد الإخصاب، تقوم الخلية الزايغوت (الخلية الناتجة عن اتحاد المشيجين) بعديد من الانقسامات الخلوية، لكي تصبح خليتين بعد الانقسام الأول، وأربع بعد الانقسام الثاني.. وهكذا دواليك. هذا النوع مستمد من الأجنة ذات 24 إلى 120 ساعة.

الخلايا الجذعية البالغة (ب): هي خلايا متواجدة لدى الأطفال والبالغين عكس النوع الاول، ويمكن تقسيمها بدورها لثلاث: خلية جذعية مشكلة للدم، خلية جذعية عصبية والخلية جذعية متعلقة باللحمة المتوسطة.

من ضمن المعايير الأخرى للتفرقة بين الفئات بشكل أدق، القدرة على التمايز الخلوي.

فحسب هذا المعيار هناك:

خلية جذعية مكتملة القدرة (توجد في المراحل الأولى لتطور الجنين): هي خلية يمكنها إعطاء أي نوع خلوي، بل يمكنها أن تعطي جسما كاملا عند تحضير وسط ملائم لها.

وخلية جذعية وافرة القدرة (مراحل متقدمة لنمو الجنين وتتواجد بأعداد قليلة عند الفرد البالغ): نوع قادر بدوره أيضا على إنتاج كل الأنواع الخلوية، من أنسجة وأعضاء، ما عدا المرفقات الجنينية (الحبل السري، مشيمة، الجدار السلوي..إلخ)
خلية جذعية متعددة القدرة: خلية يمكنها عن طريق التمايز تكوين خلايا مختلفة لكن لنفس السلالة (لنفس النسيج أو العضو).
خلية جذعية وحيدة القدرة: خلية لا يمكنها التمايز إلا لنوع واحد من الخلايا الوظيفة، لكن مثلا كل الأنواع الأخرى، لها القدرة على التجدد الذاتي.

إلا أن المجتمع العلمي يفضل كثيرا النوع (أ)، لأن النوع الثاني (ب) يتواجد بأعداد قليلة، يقل هذا العدد كلما تقدم العمر، كما لا تمتلك نفس القدرة على النمو والتكاثر مثلما تمتلكها الخلايا الجذعية الجنينة إضافة إلى الاختلاف الأهم أن النوع الأول بإمكانه إنتاج جميع أنواع الأنسجة والأعضاء أما البالغة فهي تقوم بتعويض فقدان الخلايا المتخصصة فقط..

تبسيط فهم وظيفة هذه الخلايا وكذلك الفرق بين النوعين:

سنشبه المنزل بالجسم ومن ناحية القيام بعمل البناء يمكننا تقسيم مجموعتين، يمكن تشبيه النوع الأول بعمال (أ) يبدأون في تصميم المنزل وتوضيح كيف سيكون وكذلك بناء الغرف (تشكل الأنسجة والأعضاء) بل يمكن لهذه المجموعة من العمال أن تتم المنزل من الصفر (الإخصاب) إلى تجهيز المنزل بالكامل.

من أدوات ومرافق.. (جسم بالغ)، بينما النوع الثاني باعتبارهم في التشبيه، العمال (ب) يأتي دورهم بعدما تتضح معالم المنزل وأماكنه، فيكون دورهم تطويرها وترميمها عند حدوث كوارث أو أخطاء (خلل في التوازن الخلوي، أو جروح والنمو..)

الخلايا الجذعية والإمكانات المتاحة لاستعمالها في العلاج:

انطلاقا من معرفة خصائص هذه الفئة المهمة من الخلايا، يتبادر لعقلنا تلقائيا افتراض إن كان هناك وجود لإمكانية استعمالها في العلاج ضد العديد من الأمراض، هذا ما يحدث الآن فالدراسات تتوجه لهذا المجال باستمرار واجتهاد مستمر.
عند الحديث عن العلاج بهذه الخلايا، يذهب تفكيرنا نحو مرض السكري، فهو المرض الذي أخذ حيزا كبيرا في الإحصاءات.
نحن نعلم أن مرض السكري هو النوع الذي يصبح بنكرياس المريض مفتقرا لخلايا بيتا (خلايا متخصصة لإنتاج أنسولين) بسبب تدمر هذه الخلايا عن طريق هجوم مناعي ذاتي بالإضافة لعدة عوامل أخرى، والطريقة العلاجية المعروفة، هي بأخذ الأنسولين بشكل يومي طيلة حياته لتعديل مستويات الغلوكوز في الدم.

قبل سنوات قام باحثون كنديون بزرع خلايا بيتا من معطي لمتلق مصاب بالسكري، وأظهر ذلك نتائج محمودة، إلا أن الأمل لديهم يكمن في الحصول على الخلايا بيتا من خلايا جذعية جنينة ليتم توفير كميات كافية للزرع لمواجهة الحالات المتقدمة من السكري من جانب آخر للاستعمال فقد أقدم الأطباء على تقدم فريد يبعث على التفاؤل حيث تم حقن طفل مصاب بالسكري  بحقنة من الخلايا الجذعية السرية، بعد الاستقرار الخلوي في جسمه، لوحظ أن حاجته أن حاجته للأنسولين بدأت تقل، فقد انخفضت هذه الحاجة إلى نسبة 60% بالإضافة إلى أن هذه الخلايا الجذعية المحقونة قامت بتعديل الهجوم المناعي الذاتي على خلايا بيتا، حيث قل تدميرها كثيرا.

بصفتنا باحثين كيف يمكننا الحصول على خلية جذعية لمواصلة عملنا؟

الحصول على خلية جذعية أمر غاية في الأهمية.
ذكرنا أعلاه أن الخلايا الجذعية تتنقسم لعدة أنواع فكل نوع له ميزاته واختلافاته، اذا فهدف البحث هو ما يحدد النوع المراد عزله والحصول عليه.

فيمكن مثلا الحصول على خلية جذعية من النخاع العظمي للإنسان البالغ، وذلك بتعريض جزء من أعضاء الفرد (عظم الحوض مثلا ..) لبعض المواد الكيميائية محفزة للخلايا الجذعية عدة أيام لجعلها تمر للدورة الدموية، اذا، فسيتواجد عند هذا الفرد عدد كبير ومرتفع من الخلايا الجذعية في الدم، ولعزلها يكفي أخد كميات مناسبة من دمه والقيام بتقنيات التصفية والعزل من أجل الحصول عليها.
يمكن أيضا عزل خلايا جذعية ذات القدرة العالية والكاملة من الجنين (وهذا يطرح مشاكل أخلاقية عدة) بإعداد وسط ملائم لتكثيرها والمحافظة عليها للقيام بالتجارب، إلا أن عملية عزل هذا النوع من الخلايا غالبا قد تدمر الجنين..

لكن العلماء يسعون الآن للحصول عليها انطلاقا من خلية ناضجة متخصصة، أي تمكين خلية متخصصة في وظيفة معينة الرجوع إلى ماضيها وأصلها (إعادة البرمجة جينيا)

حديثا طريقة جديدة لإعادة برمجة الخلايا دخلت حيز التنفيد، وذلك بالقيام بزراعة عوامل جينية محددة في خلية ناضجة، هذا الزرع يغير كثيرا نشاطات الخلية وكذلك تكاثرها وتفاعلاتها البيوكيماوية، هذه التجربة أقيمت على خلايا لييفية لفئران التجارب مكنت من الحصول على خلايا (شبة جذعية) حالتهم ونشاطهم قريبان جدا من تلك التي تحملها الخلية الجذعية.

البيولوجيا الجزيئية وعلم الجينات مجالات توضح الصورة أكثر فأكثر من أجل فهم آليات الخلايا الجذعية واختلافاتها مع الفئات الأخرى، وكذلك محاولة فهم العوامل التي تجعل فئة تختلف عن الأخرى وكذلك التلاعب بالظروف وتهييء الأوساط البيوكيمائية للتحكم في هذه العوامل

حلم الإنسان في استخدام الخلايا الجذعية:

الأعمال البايولوجية والأبحاث مستمرة في الوقت الذي تكتب فيه هذه الأسطر، فدائما يذهب الإنسان للتفكير في حلول خارج المألوف للأمراض المستعصية واللتي تهدد البشرية كالزهايمر والعديد من الأمراض.

وبمواصلة الحديث عن الخلايا الجذعية ومستقبلها، يجب ذكر أن الحبل السري والمشيمة هما مصدران ثريان بهذا النوع من الخلايا، فثقافة الحفاظ على الحبل السري باتت من بين المواضيع المتداولة كما أننا ندرك بأن العلوم التجريبية تمشي بوتيرة رائعة، تمكننا من توقع الكثير من الأشياء قد يصل إليها العلم بل وقد يتخطاها بأشواط خرافية.

فهل يا ترى بعد عشرات السنين سيأتي إنسان للوجود كلما واجه مشكل في وظائفه الفيزيولوجية ومصاعب من زهايمر أو تسمم الكبد أو سكري.. سيلجأ لبنكه حيث توجد خزينة خلاياه الجذعية، فيقوم طبيبه بترميم أضرار كبده أو أي عضو آخر تضرر؟ أي أن يكون للإنسان حلول ترافقه منذ الصغر، وكلما واجه مرضا في أحد أعضاءه يستعصي مواجهته بالعقارات والمواد الكيماوية، يأتي الحل البنكي كبديل لإصلاح ما أفسده المرض أو السم.. هذا ما ستكشفه وتيرة تطور العلم.

الخلايا الجذعية بر الإنسان بوالدته:

كعطر لجمال هذه الخلايا، فإن الاكتشافات العلمية أظهرت أن الإنسان يبدأ بره بوالدته منذ كونه جنينا، فالجنين يضم خلايا جذعية تتميز بقدرة كبيرة على التكاثر والتجدد، وأثناء فترة الحمل الجنين والأم يقومان بتبادلات وتفاعلات  معقدة جدا، قد تتطلب تدخل الجنين البار عند تضرر أمه بأضرار قلبية مثلا فيقوم بمعاينة حالتها بإرسال هذه الخلايا لمعالجة ذلك التلف، كما تقوم بعض خلايا الجنين بالهجرة إلى الجهاز العصبي للحامل لتتحول لعصبونات، وكذلك إصلاح ندبات الكبد إن كان مصابا بخلل.. ”إنها عملية ترميم مهمة وفعالة”.

ختاما يمكننا أن نحمل أملا كبيرا في تطور استعمال الحل الموجود على وحدة حيوية فريدة، فكل فرد بايولوجي أو طبيب، مريض أو سليم قرأ عنها، هو الآن في انتظار برهان صاف وبرنامج متكامل لاستعمالها كحل حيوي لأمراض العصر.

في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك

مراجعة كتاب ” الفيزياء والفَلسَفة ثَورة في العلمِ الحَديث “

الميتوكوندري .. مشروعك الطاقي و مصنعك الخاص

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: عبدالرحمن وماسي

تدقيق لغوي: رنا داود

تحرير/تنسيق: خالد عبود

اترك تعليقا