بوليمر التفلون .. من المطبخ في أواني التيفال إلى المحطات النووية!
لمحة عامة عن البوليمرات:
تعريف: البوليمرات عبارة عن جزيئات ضخمة مكونة من ارتباط عدد كبير من الجزيئات الصغيرة مع بعضها البعض وتسمى هذه الجزيئات الصغيرة مونوميرات.
ومن الأمثلة على البوليمرات الطبيعية: النشاء، السليلوز، الحرير، المطاط الطبيعي.
وعلى البوليمرات الصناعية: البلاستيك، المطاط الصناعي، الألياف الصناعية.
وتصنف البوليمرات حسب طريقة تشكيلها ضمن صنفين أساسيين:
- بوليميرات بالإضافة
- بوليميرات بالتكاثف.
لن نطيل الحديث كثيراً عن البوليمرات بشكل عام لكن سنسهب في الحديث عن بوليمير(Poly Tetra Flouro Ethylene) والذي يُرمز له اختصاراً ب PTFE ويعرف بالاسم الشائع ” التفلون “. وله الصيغة الكيميائية التالية:
التعريف بالتفلون:
التفلون هو بوليمر فلوري اصطناعي (غير طبيعي) من مركب tetrafluoroethylene وهو يستخم في تطبيقاتٍ جمة .وقد أُطلق عليه اسم التفلون من قِبل شركة Chemours وهي شركة أمريكية للصناعات الكيميائية.
التفلون هو بوليمر صلب ذو وزن جزيئي مرتفع وهو يتكون بشكل كلّي من ذرات الكربون والفلور ويتميز بصفة الكراهية للسوائل hydrophopic سواء الماء أو غيرها.
ولأنّ مركبات الفلوروكربونات تخفّف من قوى تشتّت لندن بسبب الكهرسلبية العالية لذرات الفلور، فإنّ التفلون يمتلك واحدة من أدنى معامِلات الاحتكاك من أيّ صلبة.
يستخدم التفلون بشكل عام كمادة طلاء مانعة للالتصاق للمقالي وغيرها من أدوات المطبخ، وهو غير تفاعلي أي أنه غير نشط كيميائياً تجاه أغلب المواد الأخرى الكيميائية، ومردّ ذلك إلى قوة الرابطة كربون _ فلور، لذلك فهو يستخدم أيضاً في تبطين حاويات المواد الكيميائية شديدة الفعالية والتي تسبب تآكلاً شديداً للمعادن وغيرها من مواد تصنيع حاويات حفظ المواد الكيميائية.
لمحة تاريخية عن التفلون:
اكتُشف التفلون بالصدفة في عام 1938 من قِبل روي بلونكيت Roy Plunkett بينما كان يعمل في نيو جيرسي لصالح شركة DuPont، وهذه هي الشركة الأمريكية الشهيرة ذاتها التي طورت الكثير من البوليمرات مثل:
Vespel, neoprene, nylon, Corian, Teflon, Mylar, Kapton, Kevlar,Zemdrain, M5 fiber, Nomex, Tyvek, Sorona, Corfam, and Lycra.
فضلاً عن تطويرها للفريون (Freon chlorofluorocarbons)والذي يستخدم في صناعات التبريد والثلاجات.
كان العالِم بلونكيت يسعى لتطوير مركب كلوروفلوروكربوني جديد لغايات التبريد، وكان يستخدم لهذا الغرض غاز TFE) tetrafluoroethylene).
عندما توقّفت عبوة ضغط غاز TFE عن التدفق قبل أن يشير وزن العبوة إلى أنها فارغة -إذ أن بلونكيت كان يقيس كمية الغاز من خلال وزن العبوة- استغرب العالم بلونكيت عن مصدر الوزن الزائد كون عبوة الغاز قد فرغت، وقام بشقّ العبوة الحافظة ليجد أن العبوة الداخلية كانت مغلفة بمواد بيضاء شمعية زلقة بشكل غريب. وقد أظهرت الدراسات التحليلية على هذه المادة البيضاء بأنه قد تمت بلمرة TFE بواسطة الحديد المصنوعة منه العبوة والذي لعب دور عاملٍ حفاز لتفاعل البلمرة. وفيما بعد حصلت شركة كينيتيك Kinetic للكيماويات على براءة اختراع البلاستيك الجديد المفلور (على غرار البولي ايثيلين المعروف بالفعل) في عام 1941، وسجلت العلامة التجارية تفلون في عام 1945.
- تحضير التفلون:
- يحضر التفلون بالبلمرة الجذرية الحرة لمونوميرات (TetraFluoroEthylene (TFE، وتكون المعادلة الكيميائية للتحضير كالتالي:
n F2C=CF2 → −(F2C−CF2)n−
ولأن مونومير TFE يمكن أن يتفكك بشكل انفجاري إلى الكربون و TetraFluoroMethane فإنّ عملية البلمرة هذه تتطلب جهازًا خاصًا لمنع تشكّل بقع أو نقاط ساخنة والتي قد تشكل مراكز بدء حدوث رد الفعل الجانبي هذا غير المرغوب به (التفكك الانفجاري).
خصائص التفلون:
هو بوليمير متلدن حراريًا، وهو مادة بيضاء صلبة في درجة حرارة الغرفة ويمتاز بكثافة تساوي تقريبًا 2200Kg/m3، وطبقاً لشركة DuPont فإن درجة حرارة انصهاره تساوي 600K، يتمتع التفلون بصلابة ومتانة عالية وبتشحيم ذاتي في درجات حرارة منخفضة تصل إلى 5K، كما يتميز التفلون بمرونة جيدة عند درجات حرارة أعلى من 194K.
يكتسب التفلون خواصه المميزة من محصلة تأثيرات الروابط كربون_ فلور مثله مثل باقي مركبات الفلوروكربونات. المواد الكيميائية الوحيدة المعروفة التي تؤثر على هذه الروابط الفلور _الكربون هي المعادن شديدة التفاعلية مثل المعادن القلوية وفي درجات حرارة أعلى أيضاً مثل معادن كالألومنيوم والمغنيزيوم، وعوامل الفلور مثل فلوريد الكزينون.
يُظهر الجدول التالي بعض الخواص الرئيسية للتفلون:
وعادةً ما يُقاس معامل احتكاك المواد البلاستيكية بمقارنتها مع الفولاذ المصقول. إذ يتمتع التفلون بمعامل احتكاك يساوي 05-0.1 والذي يُصنّف كثالث أخفض معامل احتكاك لمادة صلبة معروفة. المادة الأولى التي تتمتع بأقل معامل احتكاك والذي يساوي 0.02 هي المركب الكيميائي المعدني (Aluminum magnesium boride) أو (BAM) والذي له الصيغة الكيميائية AlMgB14، وهو مركب بلوري البنية أي يتمتع بشبكة بلورية، والخلية الواحدة له معقدة وهي معينية متعامدة المحاور، كما هو موضح في الشكل التالي :أما المادة الثانية التي تتمتع بثاني أقل معامل احتكاك والذي يساوي 0.05 فهي الماس. إنّ مقاومة التفلون لقوى فاندرفالس تعني أنه السطح الوحيد المعروف الذي لا يمكن للزاحف Gecko والمعروف محلياً بـ(أبو بريص) أن يتسلقه ويلتصق عليه، إذ أنه من المعروف أن هذا الحيوان من أوضح الأمثلة في الطبيعة على الكائنات التي تستطيع أن تشكل قوى فاندرفالس.ويُفسَّر هذا علمياً بامتلاك هذا الزاحف لشعيرات دقيقة نانوية في نهايات أطرافه الأربعة مما يمكنه من توليد قوى فاندرفالس:الخواص الكهربائية: يظهر التفلون خواصّ عزل كهربائي ممتازة كما هو موضح في الشكل التالي:النفاذية للغازات: تنفذ الغازات والأبخرة عبر فيلم التفلون بمعدل أقل بكثير منه في حال باقي البوليميرات المتلدنة حرارياً وهذا ما يتوضح في الجدول التالي:
- تطبيقات التفلون:
- للتفلون تطبيقات واسعة وكثيرة نذكر منها: صناعة المقالي وأواني الطبخ، إذ يستخدم التفلون كمادة طلاء للسطح الداخي للمقلاة الذي يكون على تماس مباشر مع الطعام وذلك لأن التفلون يمنع التصاق الطعام بالمقلاة، وقد حدث هذا الابتكار في عام 1954، عندما حثت زوجة المهندس الفرنسي مارك غريغواره على تجربة المادة التي كان يستخدمها في أدوات الصيد لتخفيف الالتصاق والتشابك (ألا وهي التفلون) على مقالي الطبخ. ثم أنشأ أول مقالي تفلون مغلفة وغير لاصقة تحت اسم العلامة التجارية تيفال (يجمع بين “تيف” من “تفلون” و “آل” من الألومنيوم). ثم في الولايات المتحدة، قام ماريون أ. تروزولو _ الذي كان يستخدم مادة التفلون في التطبيقات العلمية كمادة منع تأكل في حاويات المواد الكيميائية _ بتسويق أول مقلاة تفلون أمريكية الصنع، في عام 1961، وقد سماها The Happy Pan، كما هو موضح في المنشور الدعائي التالي:
- طلاء السطوح التي لا نريد لأي نوع من الحشرات أن يتسلقها كما ذكرنا مسبقاً.
- يستخدم التفلون في المجال الطبي، فهو يستخدم في صناعة المواد الالتفافية في جراحة الأوعية الدموية الطرفية Peripheral Vascular Surgery، وهو يستخدم بالضبط في صناعة تحويلة Bypass أو تسمى التطعيم Graft وذلك عند انسداد الوعاء الدموي كما يظهر في الصورة التالية:وينافس التفلون في هذا المجال البوليمير المعروف بالاسم التجاري Polyester DarconR والذي يستخدم في نفس التطبيق.
- التطبيق الرئيسي للتفلون والذي يستهلك حوالي نصف الإنتاج السنوي من التفلون هو تصنيع الأسلاك الخاصة بتطبيقات الحواسيب والطيران والفضاء.
- وكذلك الكابلات مثل الكابلات المحورية، هذا التطبيق يوضح أن للتفلون خواص عزل كهربائي ممتازة وخاصةً في الترددات الراديوية العالية. لذلك فهو كمادة عزل ممتازة في وصلات الموصلات والكابلات :
- وفي لوحات الدارات المطبوعة التي تستخدم في تطبيقات الترددات الميكروية، وكون التفلون يتمتع بدرجة انصهار عالية فهذا ما يجعله بديلاً للبولي إيتلن المستخدم في التطبيقات منخفضة التكلفة .
- أهم استخدامات التفلون هو في تصنيع القنابل الذرية والتطبيقات النووية كوعاء خامل لا يتأثر بسداسي فلوريد اليورانيوم، إذ استخدم التفلون في تصنيع أول قنبلة ذرية، ذلك أنّ سداسي فلوريد اليورانيوم الذي كان يستخدم لفصل اليورانيوم 235 القابل للانشطار، كان يسبب تآكلاً شديداً للسطوح التي يلامسها، لذا استخدم التفلون في تبطين الأجهزة التي تحتوي على سداسي فلوريد اليورانيوم لتحول دون تآكلها.
- صنع أغشية المضخات والجوانات التي تمنع تسرب الزيوت والآلات، وتغطية المحاور التي لا تحتاج إلى تشحيم. هناك سؤال كبير ومهم وهو كيف يتم لصق التفلون على أواني المطبخ أو على الجدران الداخلية لحاويات المواد الكيميائية بما أن التفلون يتمتع بخواص هدروفوبية عالية ولا يلتصق عليه شيء؟! تعتبر أفضل الطرق في تحقيق هذا الالتصاق أسراراً تكنولوجية للشركات المصنعة، ولكن يمكننا أن نتأكد أن ذلك لا يعتمد مثلاً على تسخين التفلون حتى الانصهار وهو داخل الحاوية، لأن التفلون المنصهر هو مادة جيلية القوام ولا يلتصق عليها شيء أيضاً مثلها مثل التفلون في درجة الحرارة العادية. كما أن تخشين كل من وجهي طبقة التفلون وطبقة سطح المعدن مثلاً المراد أن نطليه بالتفلون لا يساعد، إذ أن ذلك يزيد من مساحة التماس بين التفلون والسطح المعدني أي أنه سيزيد من قوى الرفض والتنافر بين طبقتي التفلون والمعدن، لذلك يمكننا أن نضع بعض الفرضيات المنطقية منها افتراض استخدام التفلون المعدل سطحه الذي يفترض أن يلتصق على السطح المعدني للحاوية المعدنية ولتكن مقلاة مثلاً، إذ يتم التعديل باستخدام الصوديوم لإزالة بعض ذرات الفلور وإنتاج جذور حرة، فحينها يمكن للتفلون أن ينشئ روابط مع سطح الحاوية المعدني في هذه الحالة.مخاطر التفلون الصحية:
- ترتبط هذه المخاطر باستخدامه في صناعة أواني الطبخ والمقالي، ولا تزال هذه الأخطار غير مؤكدة تماماً، إذ يختلف العلماء والدراسات في هذا المجال، فبعض الدراسات تفترض أنه في حال تعرض مقالي التفلون لدرجة حرارة تتجاوز 260˚م، تصبح هذه المادة معرضة للتحلل الحراري وانبعاث الكثير من الغازات الخطيرة والسامة والمسرطنة، وهذه الغازات تتسبب في أعراض مرضية تشبه الإنفلونزا أو ما يصطلح عليه طبيا “حمى أدخنة البوليمرات”. وقد عثر باحثون في مستشفى (جونز هوبكنز) الأميركي على مادة تستخدم في صناعة التفلون وتسبب السرطان في كل عينات الحبل السري تقريباً للمواليد الجدد، وهو حمض الـ (perfluorooctan acid) لدى 298 من الـ 300 مولود الذين خضعوا للفحص. أما دراسات أخرى فهي تفترض أن هذه المادة آمنة صحياً ما دامت طبقة التفلون على سطح آنية المطبخ لا تتعرض لخدوش نتيجة حتها بالمعالق أو خلال التنظيف القاسي لسطحها، وهذا ما نراه ملخصاً في الملصق التالي:من هنا تتوضح لنا أهمية بوليمير التفلون واستخداماته الواسعة والمتنوعة في مختلف مجالات الحياة اليومية، فضلاً عن تطبيقاته الخاصة المدنية منها والعسكرية.
المراجع :
- “poly(tetrafluoroethylene) (CHEBI:53251)”.ac.uk. Retrieved July 12, 2012.
- “History Timeline 1930: The Fluorocarbon Boom”. DuPont. Retrieved 10 June 2009.
- Mishra, Munmaya; Yagci, Yusuf (208). Handbook of Vinyl Polymers: Radical Polymerization, Process, and Technology, Second Edition (2nd, illustrated, revised ed.). CRC Press. p. 574. ISBN 978-0-8247-2595-2. Extract of page 574
- Teflon PTFE Properties HandbookRetrieved 11 October 2012.