العلوم الزائفة: كيف ظهرت أشباه العلوم ولماذا يقبل الناس عليها؟
بالرغم من التطور التكنولوجي الهائل _إلا_ أنَّ العديد من الناس مازالوا يقبلون على العلوم الزائفة مصدقين ومهلِّلين.
ومن المؤسف أن تجد بعض القنوات الإعلامية تروِّج لهذه الخرافات بدلاً من دحضها ومحاربتها. فأصبحنا لا نتعجب حينما نتناول الصحف فنقرأ عن طالب مصري يحطِّم نظرية أينشتاين، وآخر يخترع جهاز يشفي الناس من أمراضهم ويحوِّله إلى وجبةٍ دسمة يتغذُّون عليها. وعندما نجلس أمام التلفاز سنجد شخص يدعِّي أنَّه يُخرِج “العفاريت” التي تتلبَّس أجساد البشر.
ولأن هذه الخرافات أصبحت شائعة على وسائل الإعلام وتُصنَّف البرامج التي تبث هذه الخرافات ضمن البرامج الأكثر مشاهدة، فبدأ معظم الناس يصدِّقونها وهم يظنون أنَّها حقائق علمية.
هناك البعض ممن يتساءل عن ماهية العلوم الزائفة؟ وكيف يمكنهم معرفتها؟ وكيف ظهرت هذه العلوم الزائفة؟ ولماذا يُقبل عليها البعض بالرغم من التطور العلمي؟… هذا ما سنحاول إيضاحه.
العلوم الزائفة
تُعرَف أشباه العلوم ” العلوم الزائفة” بأنها المعتقدات والأفعال التي يزعم أصحابها بأنها علمية، ولكنَّها في الواقع هي خرافات تنبع من الجهل والإيمان بوجود قدراتٍ خارقة، ولم تبن على أي أساس علمي، بل تم دحضها مع مرور الزمن، ولا يوجد أي دليل يؤكد صحتها.
يبنى العلم على الحقائق، مثلما يبنى المنزل بالأحجار، إلا أن مجموعة الحقائق لا تمثل علماً بقدر ما لا تمثل كومة الأحجار منزلاً
“جول هنرى بونكير”
إنَّ العلم في أساسه يعتمد على منهج محدَّد وواضح للبحث عن الحقيقة في أيّ صورة من صورها، ومهما تغيرت التجارب يجب أن تؤدي إلى الحقائق ذاتها.
كيف ظهرت العلوم الزائفة
لقد عاش الإنسان القديم حياة مليئة بالظواهر الطبيعية، والفلكية. لقد رأى السماء تمتلئ بالسحب وتهطل الأمطار، والأرض ترتجف أسفل قدميه في زلزالٍ يشق الأرض ويدمِّر الجبال، وصواعق تشعل النيران في الغابات وتحرق الأشجار. كلّ هذه الأمور لا شكّ في أنها أخافته وأفزعته، وأنَّه لم يدرك أسباب حدوثها كما ندرك نحن في أيامنا هذه، ومنذ ذلك الوقت بدأ يتجسَّد في خياله القوى الخارقة والقصص الأسطورية.
ومن المؤكَّد أننا في عصرنا الحاضر لم نصدق كثيراً من هذه التفسيرات الساذجة، ولكننا اصطدمنا بظواهر طبيعية وصناعية أخرى، ولأننا نجهل طبيعتها فكان تفسيرنا لها أقرب لتفسيرات الأساطير القديمة.
كيف تتعرف على العلوم الزائفة
هناك بعض الصفات التي تتسم بها العلوم الزائفة، ومروجيها، مما يجعل المواطن العادي قادرًا على كشفها، فستجد هؤلاء المروجين لمعتقداتهم يلجأون إلى وسائل الإعلام للأعلان عن إكتشافتهم الخارقة، وللأسف الكثير من الإعلاميين أثناء استضافتهم يجلسون أمامهم كالتلميذ الخائب الذي يؤمن على كلامهم، بينما يلجأ الباحثون الحقيقيّون إلى مجلَّات علمية يشرف عليها علماء متخصِّصون حتى تتم مراجعة أبحاثهم والتأكد من صحتها. كما يقوم مروِّجي العلم الزائف إما بحملات تسويقية ضخمة، أو الظهور على شاشات التلفاز من أجل التشهير بهم وبمنتجاتهم المزيفة. كما يستخدمون مصطلحات غامضة لخداع الناس.
لماذا يُقبل الناس على العلوم الزائفة ؟!
هناك العديد من أنواع الخرافات التي تجذب أشخاص مختلفون، فأحياناً يلجأ الناس إلى الخرافات بسبب الخوف إما من فقدان شخص ما، أو خوفاً من أن تتعارض نظرية ما مع معتقداته الدينية، أو نتيجة تعصبه الشديد لوطنه “الوطنية المتطرفة” ومن أمثلة ذلك:
1-الخرافة نتيجة الجهل بالدين
تحمل السيدة ابنتها وتلجأ إلى الدجالين والعرافين وتقول بأنها “محسودة” بداعي أن الحسد مذكور في القرأن، ولكن لم تفهم ما المقصود بالحسد فالحسد هو “تمني زوال النعمة من الغير” “أو التمني أن تتحول إليه” وهذا يعني أن الآية “من شر حاسدٍ إذا حسد” يُقصَد بها الحقد والغلّ على الغير. أي أن الأمر يقتصر على التمني وليس على قوَّةٍ سحرية.
2-الخرافة بسبب الخوف
عندما يتعرَّض الناس للخطر يبدأون بتصديق كل ما يقال لهم وأكبر مثال على ذلك هو الأسكندر. فلقد لجأ إلى استشارة العرافين بعد أن أصبح يخاف على مصيره وهو على أبواب سوس. وبعد أن احتلها وانتصر على داريوس لم يلتجأ إلى العرافين ثانية إلا بعد عجزه عن الحركة متأثراً بجراحه [2].
كما أن بعض الناس عندما يعلمون بأنَّ صديقًا لهم مصابٌ بمرض خبيث لم يستطع الطب الحديث علاجه فيلجأون إلى الطب البديل والعلاج بالأعشاب وغيره “كالغريق المتعلق بقشة” وهذه أمثلة على الوهم الذي ينتاب الناس نتيجة الخوف.
3-الخرافة الوطنية المتطرفة
وهذه الخرافة قائمة على التعصُّب فلا ينظر أصحابها في المسائل والمواقف، كخرافة أن نهر النيل أطول أنهار العالم. صحيح أنَّه نهر مبارك ذُكر في الكتب المقدَّسة وقد قال عنه هيردوت “مصر هبة النيل”، ولكن ما يجلبه النيل من موارد مائية أقل مما يجلبه نهر الجانج الهندي بأربعين مرة.
وتوجد خرافة أخرى كمثال على الوطنية المتطرفة حزل أن الطفل المصري أذكى طفل في العالم، فما هي حقيقة تلك الدراسة؟ ومن أجراها؟ وهل هذه الدراسة ممتدة أم أنها ستتغير وإذا تغيرت وخرجت دراسة أخرى تعيب ذكاء الطفل المصري هل سنقبل بها أم أن وطنيتنا ستجعلنا نرفضها.
أمثلة على بعض العلوم الزائفة
1-التنجيم
يعرف بأنه دراسة أو ربط حركة الأجرام السماوية وتأثيرها على الأنسان في الأرض. وبالرغم من أن الأوساط العلمية تعتبره علم زائف _إلا_ أنه يؤمن به الكثير من الناس ويعتمدون عليه بدلاً من مواجهة تحديات الحياة.
وأكثر ما يدحض خرافة هذا العلم هو دراسة التوأم. فبالرغم من أنَّهم يحملون نفس الجينات وولدوا في يومٍ واحد _إلا_ أنَّ لكلّ شخص حياته الخاصة. فتجد أحدهم ناجح في حياته والآخر كسول ويمكنك الاطلاع على دراسات لحالات التوأم من جامعة كينجيز”3″
2-البرمجة اللغوية العصبية
الطريقة الوحيدة لتغير حياتك بكتاب تنمية ذاتية هو أن تكتبه
د.أحمد خالد توفيق
هذا “العلم” يصفه مدربوه بأنه يقوم على تغيُّر سلوكيات الإنسان ومن ثم حالته؛ عن طريق إيحائه لنفسه أو تشجيع الآخرين له، ويعتمد رواده على إستخدم قصص نجاح لإقناع الأخرين، ودغدغة مشاعرهم، وفي الحقيقة قد يحمل الفائدة للبعض “وقد لا يحمل” ولكن كما إتفقنا يجب أن تخضع العلوم لمنهج علمي محدد، ولأنَّها لم تخضع للتمحيص المعملي _كالطب البديل الذي لا يخضع للأختبار_ ولذلك يصنفهم الكثير من العلماء ضمن العلوم الزائفة.
فيجب على كل شخص البحث عن العلم في دورياته المتخصِّصة من أجل الحصول على الحقيقة العلمية. وقبل إنهاء كلامنا وجب التوضيح أنَّه قد يكون مدربي البرمجة اللغوية العصبية، أو المعالجين بالأعشاب أناس طيبون ويريدون مساعدة الناس حقًا، ولكن أقل ما يقال عن علمهم أنَّه مشكوك فيه.
———————————————-
المصادر
[2] كتاب حياة الأسكندر ل “كوينتوس كوريتوس
3 دراسات لحالات التوأم من جامعة كينجيز