تِسْع علاماتٍ للإهمال العاطفي في الطفولة، وثَلاث طُرقٍ للشِّفَاء.
إن التعنيف الجسديّ من شأنه أن يترك ندوبًا جسديَّة، في حين أنّ العنف العاطفيّ يترك ندوبًا نفسيَّة فقط، لكن ماذا عن الإهمال العاطفي؟
إن غياب الدعم العاطفيّ في الطفولة يمكنه أن يكون بذات الدمار والاستمراريَّة تمامًا كغيره من الصدمات، لكن لأننا عاجزون عن الإشارة إلى “متى” أو “أين” حدث الجُرح، فسيكون من الصعب أن نُعرِّفه أو أن نتجاوزه. يختلف الإهمال العاطفي عن تعنيف الطفل، ولا يمكن اعتباره مشابهًا له، إذ إنه كثيرًا ما يكون غير مقصودٍ. فبينما قد يهمل بعض الأهل -متعمِّدين- مشاعر أبنائهم، فإن آخرين قد يخفقون في ملاحظة احتياجات أطفالهم العاطفيَّة، أو الاستجابة لها. قد يحبُّك والداك حبًّا جمًّا، لكن وعلى الرَّغم من ذلك، فإنهما قد يهملان احتياجاتك العاطفيَّة.
ربما كان والداك عُرضةً للإهْمَال العاطفيّ من قِبَل آبائهم، ولفقدانهما للمِثَال الجيد الذي يجسِّد كيفيَّة التعامُل مع مشاعر الطفل، فإنهما لم يعرفا كيف يتعاملان مع مشاعرك. حتى وإن حاولا تصحيح أخطاء آبائهم، إلا أنهم -على الرغم من ذلك- قد يختصران العطاء.
المرض، والموت، والطلاق، وفقدان مصدر الرزق، كل هذه أسبابٌ قد تؤدي إلى الإهْمَال العاطفيّ، لأن الوالدين في هذه الحالات قد لا يمتلكان القدرة لتلبية احتياجات الأطفال العاطفيَّة.
التعامُل مع مشاعر الطفل على أنها غير مهمة، وغير صالحة، ومبالغ فيها، أو على أنها أقل أهمية من الأمور الأخرى، هذا كلّه يعني إهْمَال الطفل عاطفيًّا.
إليكَ بعض العِبَارات التي قد تكون قريبة منك إن كنت ضحية إهمال عاطفي في الطفولة:
- · “أنتَ لا تشعر بذلك حقًّا”.
- · “لم يكن الأمر بهذا السوء”.
- · “الأمر لا يستحق أن تنزعج بسببه”.
- · “توقَّف عن اختلاق الدراما”.
إن عدم ملاحظة والديك، أو عدم تقديرهما، أو عدم استجابتهما لعواطفك، أو حتى تشكيكهما بما تُعبِّر عنه من عواطفٍ، كل ذلك يبعث إليك -دون قصدٍ- برسالةٍ مفادها أنّ مشاعرك لا تعني شيئًا، أو أن طريقتك بالإحساس خطأ.
ولتتأقلم، تعلَّمت أن تدفن أحاسيسك، أو أن تُحوِّل شعورك “غير المقبول” مثل الغضب إلى شعورٍ “مقبول” مثل القلق.
هل يبدو الأمر، وكأنه يَصِف طفولتك؟
إليك تِسْع علاماتٍ ربما تكون قد عانيتَ منها بسبب الإهمال العاطفي في الطفولة:
- أنت تخشى الاعتماد على الآخرين، وترفض أية مساعدةٍ مُقدَّمة، أو أي دعمٍ، أو رعاية.
- تَمُرّ بوقتٍ عصيبٍ عندما يتعلَّق الأمر بتحديد مواطن قوتك ونقاط ضعفك، ما تحبُّ وما تكره، أو حتى أهدافك في الحياة.
- تبدو قاسيًا على نفسك أكثر مما أنت عليه إذا ما تعلَّق الأمر بشخصٍ آخر، كما أنك تفتقر إلى الشَّفَقَة على ذاتك وتفهمها.
- تلوم نفسك بشكلٍ خاص، توجِّه غضبك نحو الداخل، أو ينتابك شعور بالذنب أو العار عندما يتعلَّق الأمر باحتياجاتك أو مشاعرك.
- ينتابك شعور بأنك خاوٍ، خاملٌ أو مفلسٌ عاطفيًّا، أو قد تشعر بعجزٍ في التحكُّم بمشاعرك أو التعبير عنها.
- ينتابك إحساس بأنك مُثقَلٌ، أو أنك تعلن استسلامك بسرعةٍ وسهولةٍ.
- وعندما يتعلَّق الأمر بتقدير الذَّات، فإنك تملك تقديرًا منخفضًا لذَّاتك.
- تُعاني من حساسية مفرطة تجاه الرفض.
- تؤمن بأنك دميمٌ من أعماقك، ثمَّة خطأ بك، رغم أنك غير قادرٍ على تسميته بشكلٍ محدَّد.
إذا ما كانت النقاط التي ذكرناها تبدو قريبة لِمَا تشعر به، وتعتقد أنك قد كنت ضحية إهْمَال عاطفيّ في مرحلة الطفولة، فلا زال بإمكانك فعل الكثير لتُشْفَى.
تعلَّم أن تُدرك عواطفك: إذا كان والداك قد تعاملا مع عواطفك على أنها غير صالحة أو غير أساسيَّة، فمن المحتمل أن تُعاني كشخصٍ راشدٍ من صعوبة في تعريف مشاعرك، أو معرفة السلوك المناسب عندما تنتابك عواطف عسيرة.
إن اتخاذ القرارات دون مشاعر أمر يكاد يكون مستحيلًا.
إن ما نشعر به هو ما يقود اختياراتنا، ماذا نفعل، أين نمضي، مع مَن نقضي وقتنا، وحتى ما نأكله هو اختيار نُحدِّده من خلال المشاعر. فهي التي تُخبرنا بما نشعر به تجاه هذا العالَم، وتجاه الآخرين، وتجاه أنفسنا.
2. حدِّد احتياجاتك واطلب من الآخرين أن يلبّوها. أنت تستحق أن تُلبَّى احتياجاتك تمامًا كما هو الأمر بالنسبة لأي شخصٍ آخر، فلتبدأ بأشياءٍ صغيرة قابلة للتحقيق؛ اطلب من صديقك المفضَّل أو شريكك العاطفي أن يُعانقك عندما تكون حزينًا، أو طالب ببعض اللحظات من الهدوء عند عودتك إلى البيت بعد يوم عمل شاق.
3. ابحث عن مُعَالجٍ. بالطبع ليس بإمكان المُعَالج أن يلغي طفولتك، أو أن يمحو أخطاء والديك، لكن بإمكانه تزويدك بحقيبة الأدوات العاطفيَّة التي لم يمنحها لك والداك. المُعَالج الجيد بإمكانه أن يساعدك لتحديد مشاعرك، وأن تطلب ما تحتاجه، أن تتعلَّم الثِّقة بالآخرين، وأن تبني تقديرك الذَّاتيّ، أن تتعامل مع الرفض، وأن تُرَمِّم حُبَّك لذَّاتك، وأكثر من ذلك…
قد لا يترك الإهْمَال العاطفيّ في فترة الطفولة ندوبًا جسديَّة، لكنه قطعًا يسبِّب أذىً حقيقيًّا للأطفال، ولِمَا سيكونون عليه عندما يصيرون راشدين.
لتُشفى، فعليك أن تجعل اللامرئي مرئيًّا حدِّده، استكشفه، تعلَّم، ثُمَّ تعافى منه.
نرشح لك/ الأطفال مرآة الأمّهات: العلاقة بين الصحّة النفسيّة للأمّ وشخصيّة الطفل