نــظرة شــاملة على ويليام شكسبير
يعدُّ ويليام شكسبير ( 1564-1616) أحد أهم الكتَّاب المسرحيين والشعراء في التاريخ ومن أبرز شخصيات عصر النهضة Renaissance؛ وذلك لأن أعماله تُرجمت لجميع لغات العالم. وتتنوع أعماله بين مسرحيات تراجيدية وكوميدية وتاريخية وقصائد غنائية (Sonnets) وقصائد سردية طويلة. وُلد “شكسبير” في مدينة “ستراتفورد” بإنجلترا والتحق بمدرسة لتعليم النحو Grammar School وتزوج في عمر الثامنة عشر من “آن هاثاواي” وأنجب ثلاثة أبناء”سوسنة” و”هامنت” و”جوديث”.
بدأ مسيرته الفنية ممثلًا، ثم اتجه للكتابة ليقدم أهم أعماله في الفترة من 1589-1613. الكثير من الكلمات الشكسبيرية تُعد بمثابة حِكَم وأمثال (Proverbs). وشخصيات أعماله ومواضيعها تصلح لكل مكان وزمان أي أنه يناقش أفكار تخص كينونة الإنسان وقضاياه.
مصادر ويليام شكسبير
تتعدد المصادر التي استقى منها “شكسبير” قصصه؛ فالكثير من مسرحياته هي إعادة سرد لأساطير كانت شائعة في زمنه. وعلى سبيل المثال مسرحية “هاملت“ مستوحاة من أسطورة “أملث” للكاتب الدنماركي القروسطي “ساكسو جراماتيكوس” في كتابه “تاريخ الدنماركيين” Gesta Danorum ويُقال أن شكسبير لم يستمد مسرحيته مباشرة من كتاب تاريخ الدنماركيين بل من مسرحية Ur-Hamlet لتوماس كيد Kyd القائمة على النسخة الفرنسية لقصة “أملث” المذكورة في كتاب تاريخ الدنماركيين.
أما مسرحية “تاجر البندقية” هي إعادة سرد لحكايات شعبية متنوعة، لكن يظهر أن الكتاب القروسطي “تاريخ الرومان” Gesta Romanum هو المصدر الأساسي الذي اعتمد عليه “شكسبير” في نسج الحبكة الفنية لهذه المسرحية. وكانت هذه المجموعة القصصية متداولة في عصر الملكة إليزابيث الأولى أي عصر شكسبير. (انظر مقدمة خليل مطران لترجمة “تاجر البندقية“).
اعتمد شكسبير في كتابة مسرحية “الملك لير” على عدة مصادر، لكنها كلها نسخ لقصة الملك الأسطوري لير Leir/Lear. أما مسرحية “أنطونيو وكليوباترا” هي قائمة على الأحداث التي رواها المؤرخ اليوناني “بلوتارك” Plutarch في كتابه “حيوات”. وهو 48 سيرة ذاتية لأعلام الإغريق والرومان حيئذ.
أما مسرحية “روميو وجولييت” مستوحاة من قصيدة للأديب الإنجليزي أرثر بروك Arthur Brook ومصدر إنجليزي آخر هو قصيدة لوليام بينتر William Painter وكلا المصدرين قائمين على القصة الأسطورية Giulietta e Romeo للإيطالي “ماتيو بانديلو” وكتبت هذه المصادر الثلاثة في القرن الخامس عشر.
العرب في أعمال ويليام شكسبير
أبرز شخصية عربية ومسلمة في كتابات شكسبير هو عُطيل Othello. المغربي الأسود الغيور الذي يتعرض للتهميش والعنصرية من قبل المجتمع الغربي حينئذ. وفي هذه المسرحية يصور”شكسبير” مصر بأنها بلد الدجالين والسحرة حين يجعل منديل “ديدمونة” (زوجة “عُطيل”) مأخوذ من ساحرة مصرية. وبذلك تظهر صورة من صور الاستشراق Orientalism باعتبار العرب والشرقيين ما هم إلا مشعوذين وبدائيين. يرجح البعض بأن “عٌطيل” هو “عبد الواحد بن مسعود” السفير المغربي في إنجلترا إبان حُكم الملكة “إليزابيث الأولى”. (1558-1603)
وتظهر شخصية “هارون” Aaron في مسرحية “تيتوس أندرونيكوس” Titus Andronicus وهو أيضًا مغربي Moor أسود وغريم بطل المسرحية “تيتوس”. وشخصية “أمير المغرب“Prince of Morocco في مسرحية “تاجر البندقية” الذي وضعه “شكسبير” في القالب العنصري بتصويره أسود لديه عقدة نقص من الغربيين.
وفي مسرحيات ” عُطيل” و”ماكبث” Macbeth “يذكر “شكسبير” المطنقة العربية أو بالأحرى شبه الجزيرة العربية” Arabia بأنها مصدر العطور وأراض الأشجار التي يُستخرج منه الصمغ. ويذكر “شكسبير” سوريا ونهر الفُرات في مسرحية “أنطونيو وكليوباترا”.
ويليام شكسبير وتأثيره في الفكر الإنساني
كان لأثر هذا العبقري في الفكر الإنساني والأدبي سواء شرقًا أو غربًا فضل كبير على اللغة الإنجليزية في النحو ومن ناحية اللفاظ. حيث اخترع حوالي 1700 كلمة وتعبير.
“وأهمية شكسبير تظهر أيضًا في كونه المرآة العاكسة لفكر عصر النهضة وفنه الذي تناول جوهر الإنسان ودوره وهدفه في الحياة. ولشكسبير تأثير خاص في المدرسة الرومانسية الفرنسية؛ هذا بسبب الفرنسيين الذين اهتموا بترجمة أعماله بدرجة كبيرة”. ( بن عبد النور 409).
أفلام ومسرحيات وروايات ومسلسلات في جميع أنحاء العالم مستوحاة من أعمال شكسبير. وهو من أهم الشخصيات في التاريخ العالمي وأيقونة للهوية الإنجليزية. وكتاباته أصبحت منهجًا أكاديميًا مستقلًا بذاته. لا كلمات تصف أهمية وتأثير هذا الكاتب والمُلقب بشاعر إنجلترا القومي.
“العالم هو مسرح والبشر هم ممثلون”.
-شكسبير
صورة ويليام شكسبير
يوجد ثلاث صور فقط لشكسبير واثنتان ظهرنَ بعده وهذا يعني أنه ليس من المؤكد أن هذه الملامح الحقيقية لشكسبير. فصورة شاندوس وصورة كوبي وصورة دروشوت وكل صورة مسماة على اسم من رسمها أو مالكها.
لكن الصورة (البورتريه) الأكثر احتمالية أن تكون الحقيقية هي صورة “دروشوت”. الذي مدحها الكاتب الإنجليزي “بن جونسن” -صديق شكسيبر- في قصيدته للقارئ To the Reader.
شكسبير في الوطن العربي
يقول الناقد التونسي “رفيق دراجي” إن أول مترجم لشكسبير في الوطن العربي هو الكاتب المصري نجيب الحداد في القرن التاسع عشر وأن أول مسرحية تم تأديتها في مصر وهي “عُطيل” Othello والتي أنتجها سليمان أفندي في عام 1887 (بن عبد النور 418). ومن الجدير بالذكر أن اسم Othello له تعريبات مختلفة مثل عُطيل وأوتيلو وعبد الله المغربي. كما أسماه عباس العقاد في كتابه “التعريف بشكسبير“.
يوضح الدكتور/ رمسيس عوض في كتابه “شكسبير في مصر“. أنه تم تمثيل مسرحية عُطيل عام 1912 من قِبَل جوقة (فرقة) الفنان اللبناني جورج أبيض -وهو من أهم رموز عصر النهضة العربية- والذي أجاد دور “عُطيل” (شكسبير في مصر, رمسيس عوض, صفحة 94). وهذه المسرحية كانت عن ترجمة الأديب الأريب/ خليل مطران.
لشيخ المترجمين العرب البروفيسور “محمد عناني” أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة الفضل الأكبر في تقديم “شكسبير” للقارئ العربي؛ لأنه ترجم أكثر من عشرين مسرحية لشكسبير وجميع قصائده (السونيتات). وفي مقابلة صحفية مع “عناني” قال بأن مثل هذا الإنجاز الترجمي “لم يفعله عربي من قبل لهذا الكاتب العظيم.” ومن أشهر ترجماته للسونيتات هي السونيتة 18. وترجمات “عناني” تجمع بين الدقة في نقل المعاني والإيحاءات الإنجليزية الشكسبيرية في قالب لغوي عربي فصيح. وهذا ناتج من تعمق “عناني” في كلا الثقافتين ولتميزه وإتقانه لآليات الترجمة.
بالإضافة لعناني يوجد الكثير من الذين أبدعوا في ترجماتهم لهذا المبدع. أمثال: خليل مطران وعبد القادر القط وجبرا إبراهيم جبرا وحسين أحمد أمين وسهير القلماوي ولويس عوض.
“الفن مرآة تعكس الطبيعة”.
-شكسبير
قالوا عن “شكسبير”
تنوعت الأراء حول ويليام شكسبير بين قادح ومادح. ويُعد الفيلسوف والأديب الفرنسي “فولتير” من أبرز منتقدي “شكسبير”. واعتبره “ذو موهبة عالية، ولكنه لا يلتزم بتقاليد القدماء من الأدباء، ويخلط الوضيع بالعظيم والتافه بالهام”. الكثير من الباحثين الذين ينتمون للنسوية (Feminism) اتهموه بكراهية النساء.
الروائي الروسي “ليو تولستوي” كان من أشد معجبي شكسبير وقرأ جميع أعماله. وعدّ “هاملت” و”والملك لير” و”روميو وجوليت” و”ماكبث” هم الأفضل لديه. بينما الشاعر ديفيد هربرت لورنس نظم قصيدة في حب شكسبير وعنوانها: “حين قرأت شكسبير When I read Shakespeare”.
هل “شكسبير” حقا هو من كتب أعماله؟
تتعدد النظريات التي ترجح بأن ويليام شكسبير لم يكتب كل الأعمال المنسوبة إليه أو بعضها. يوجد أكثر من ثمانين نظرية تنادي بأن شكسبير الحقيقي لم يكتب الأعمال المنسوبة إليه. ومن أشهر الأدباء الذين من اعتقدوا بأن هذه الأعمال منحولة هما: ومارك توين وهنري جيمس. ومن أهم النظريات هي نظرية أكسفورد التي تزعم أن إدوارد دو فير Edward De Vere – وهو شاعر وواحد من حاشية الملكة إليزابيث الأولى- تحاجج هذه النظرية أن مسرحية “هاملت” هي سيرة ذاتية مُعدلة لإداورد دو فير نفسه. أما النظرية البيكونية Baconian Theory تزعم بأن الفيلسوف السير/ فرانسيس بيكون هو من كتب هذه الإبداعات لكن نُسبت لشكسبير بسبب المناصب العُليا التي كان يشغلها “بيكون” وهي لا تسمح لمثل هذه الكتابات.
“نشرت جريدة كوكب الشرق بمصر ما مفاده أن شكسبير ليس مؤلف “هاملت” الحقيقي وأن مؤلفها الحقيقي هو السير/ فرانسيس بيكون. وتستطرد الجريدة قائلة أن أحداث “هاملت” مأخوذة من تاريخ إنجلترا وأسكتلندا في ذلك الوقت. فملكة المسرحية هي الملكة إليزابيث الأولى والملك المقتول (هاملت الأب) هو إيرل أسسيكس (Earl of Essex). -كتاب “شكسبير في مصر” تأليف/ رمسيس عوض, صفحة 10).
يظن الكاتب “كالفن هوفمان” إن معاصر شكسبير “كريستوفر مارلو” Christopher Marlowe هو من كتب هذه الأعمال.
“ثلاثة لا تنصحهم: مثقف مغرور وشاب مراهق وامرأة جميلة”.
-شكسبير
مُلحق:
المسرحيات التراجيدية:
كتب “شكسبير” ما يقارب عشر مسرحيات تراجيدية وهن: هاملت، وروميو وجولييت، وتيمون الأثيني، وتيتوس أندرونيكوس، ويوليوس قيصر، وماكبث، وأنطونيو وكليوباترا، والملك لير، وعطيل، وكريولانس. لكن تُعد “هاملت: أمير دانمركة” Hamlet أهم وأبرز مسرحياته؛ وهي تحكي عن ملك يُدعى “هاملت” قُتل على يد أخيه الذي تآمر مع زوجته (زوجة هاملت) ليفوز بالمُلك. لذا يظهر شبح “هاملت” الأب “لهاملت” الابن ليطالبه بالثأر لأبيه واسترداد العرش. لذا ستظل “هاملت” من أعظم الأعمال الأدبية التي استعرضت تيمة “الانتقام”.
المسرحيات الكوميدية:
كتب ” شكسبير” نحو سبعة عشر مسرحية كوميدية (ملهاة) وهن:” تاجر البندقية، ترويض الشرسة، جعجعة بلا طحن، كوميديا الأخطاء، حلم ليلة صيف، حب ضائع، زوجات وينسر المرحات، كما تشاء، شابان شريفان من فيرونا، ترويليوس وكروسيدا، الليلة الثانية عشرة، العبرة بالخواتيم، العين بالعين، بريكليس: أمير طيرة، العاصفة، قصة شتاء، سيمبلين.
المسرحيات التاريخية:
كتب ويليام شكسبير ما يقارب عشر مسرحيات تاريخية وهن: هنري السادس الجزء 1، هنري السادس الجزء 2، هنري السادس الجزء 3، الملك جون، هنري الرابع الجزء 1، هنري الرابع الجزء 2، هنري الخامس، هنري الثامن، ريتشارد الثاني، ريتشارد الثالث.
القصائد (Sonnets):
كتب ” شكسبير” نحو 154 قصيدة وأشهرهم هي السونيتة 18 (Shall I Compare Thee).
- القصائد السردية الطويلة (Long (Narrative Poems: فينوس وأدونيس (Venus and Adonis -1593) واغتصاب لوكريس (The Rape of Lucrece -1594). وقصيدة “فينوس” مستوحاة من أسطورة للكتاب الإغريقي أوفيد” Ovid. وتحكي عن الإلهة “فينوس” وحبيبها الشاب البشري “أدونيس”. أما قصيدة “اغتصاب لوكريس” مستوحاة أيضا من “أوفيد” وهي قصة تاريخية ممزوجة بعناصر أسطورية. وتحكي عن “لوكرشيا” التي اغتصبها ابن آخر ملوك الرومان.
المراجع https://www.reuters.com/article/idARAL8N12X4T120151104 https://veniceevents.com/news-blogs/stories-inspired-merchant-venice https://shakespeareauthorship.com https://www.shakespeare.org.uk/explore-shakespeare/shakespedia/shakespeares-poems/ مسرحية تاجر البدقية, ترجمة خليل مطران, دار المعارف بمصر, 2001. كتاب "شكسبير في مصر" لرمسيس عوض. Translating Shakespeare 's Literature into Arabic Language And it's receive in Arabic literature http://www.shakespeare-online.com/sources/romeosources.html