لأجلك ألف مرة ومرة، مراجعة رواية عداء الطائرة الورقية
طوال حياتي وأنا أملك ذلك السؤال الذي يؤرقني ولم أجد له إجابة كلما مرّ على مسمعي كلمة أفغانستان في إحدى النشرات الإخبارية والصحف وما أكثرها للأسف تلك المرات، هل كانت أفغانستان دائمًا هكذا منذ الأزل انفجارات وحروب ودمار أو برقع وصحراء وفقر كما يصورها الكثير من الأفلام الهوليودية ومشاهد كئيبة تأتي إلينا من المصورين؟
حتى التقيت خالد الحسيني في رواياته والذي أراني بداخلها أفغانستان أخرى حقيقية غير مزيفة مليئة بالقصص والإنسانيات والأمل واللجوء وحب الوطن وأشياء كثيرة أخرى، لقد رأيت بين سطور قلمه أفغانستان ما قبل السوفييت الروس والأمريكان وطالبان وما بعدهم .
لأجلك ألف مرة ومرة :
أن يحبك إنسان واحد فقط في هذا العالم بكل ما أوتي في قلبه من امتنان وغفران وتضحية يدفع لأجلك حياته دون تفكير أو حتى انتظار أي مقابل فذلك من أعظم نعم الله التي قد يحصل عليها أحدنا في هكذا عالم واقعي لا يظهر فيه سوى المصالح والقسوة، وهذا هو ما حصل عليه أمير بطل رواية عداء الطائرة الورقية والذي سيهرب منه طوال حياته حتى تعيد إليه الأقدار من جديد لتسديد ثمن ذلك الحب على عكس ما كان يخطط له ليعود ليسير في دروب وطنه بعد أن أبعده اللجوء عنها. الرواية للكاتب والطبيب الأمريكي خالد حسيني من أصل أفغاني، والتي بيعَ منها ملايين النسخ حول العالم وتُرجمت للعديد من اللغات والتي منها العربية بالتأكيد، وقد تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعًا لمجلة نيويورك تايمز، الأمر الذي لم يكن يتوقعه الكاتب نفسه والذي باح به في إحدى ندواته عندما سأل عنه فقد كان يعتقد دائمًا بأن رواية أفغانية تقليدية لاتستطيع اقتحام عقول وقلوب أحد سوى الأفغان فقط، فحدث عكس كل ما تُوقِع ووصلت للعالم كله حتى أنها حولت إلى فيلم سينمائي يحمل اسمها وكيف لا وكل من يقرأها سيجد حسيني وكأنه يهمس لأفغانستان على لسان اثنين من أبطال روايته قائًلا لأجلك ألف مرة ومرة أكتب رواياتي .
أفغانستان بين صفحات الرواية :
عندما كان خالد حسيني في أحد حواراته الصحفية أثناء تواجده في مخيم للاجئين السوريين كونه سفيرًا للنوايا الحسنة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحدث عن أن البشر عادة في عالمنا لاتؤثر بهم الإحصائيات وعدد الضحايا لتلك الحروب والمآسي ومرارة اللجوء كما يأمل دائمًا من يعيشون جحيمها، وذلك لأنها تصل إليهم مجرد أرقام فقط يرونها أمامهم، وحدها القصص والحكايات منذ وجود البشر على هذه الأرض هي التي تجعل قارئها أو المستمع إليها يشعر بمعاناة وألم غيره مع أبطالها. أبطال معظم روايات حسيني أفغانية تحيا وتكبر مع العقود التي حولت أفغانستان إلى تلك العناوين في نشرات الأخبار بداية من الشاه نهاية بكرازي؛ فأمير في رواية عداء الطائرة الورقية يتغير مجرى حياته بأكملها مع تغيير الأحداث السياسية التي جرت في وطنه بدءًا من سقوط الملك محمد ظاهر شاه الذي سقطت معه الملكية في افغانستان على يد ابن عمه ورئيس وزرائه محمد دواود في عام 1973ميلاديًا لتتوالى من بعدها الانقلابات وينتهي الأمر في أخر المطاف بغزو الاتحاد السوفيتي الروسي إلى أفغانستان في عام 1979ميلاديًا الذي كان هدفه الحافظ وإنقاذ مصالح الاتحاد فيها وهربًا من جحيم تلك الحرب يهرب أمير وأبيه في رحلة لجوء مريرة ومؤلمة إلى بلاد العم سام الولايات المتحدة الأمريكية عبر باكستان .
وفي رواية أخرى للكاتب خالد حسيني ألف شمس ساطعة يتعمق أكثر بالأحداث السياسية التي تجعلك وأنت تقرأ تعتصر ألمًا على ذلك البلد العظيم الذي أجهدته الانقلابات والحروب والنزاعات بين الأخوة بعضهم البعض حتى يومنا هذا، وتجسد شخصية مريم بالرواية جزءًا من ذلك التاريخ الذي يتصاعد معها منحنى حياتها صعودًا وهبوطًا بدءًا من حكم الشاه وصولًا إلى الحكم عليها بالإعدام في النهاية خلال حكم حركة طالبان، ولكن ما يصدم حقًا هو وجه التشابه بين ما عاشته أفغانستان ومازالت وبينما يعيشه بعض من بلداننا العربية من حروب ولجوء ومصالح دول كبرى وقتال الطامعين في الحكم والسلطة والذي يدفع ثمنه الأبرياء وحدهم والشعوب .
نرشح لك: مراجعة لرواية (قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب)