الجريمة الغامضة في محطة الفضاء الدولية
من يقف وراء حادث تسرب الهواء في المحطة
في رواية مشبَعة بالغموض كما في روائع أجاثا كريستي، ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في موقعها الإلكترونيّ بأنَّ عملًا تخريبيًّا ربما يكونُ وراءَ تسرُّب الهواء الذي سبَّبه ثقبٌ بقًطر اثنين من الملليمترات في محطة الفضاء الدولية هذا الأسبوع، وقد تم إصلاحه سريعًا بواسطة مادة الإيبوكسي اللاصقة وقطعة من الشاش من جانب رواد الفضاء المتواجدين على متنها، ويُذكر أنَّ الأنباء الأوليّة أفادت بأن الثقب نَتَجَ عن اصطدام حجر نيزكيّ صغير بالمحطة. وَوفقًا لما ذكره رئيس وكالة روزكوزموس الفضائية الروسيّة ديمتري روغوزين، فإنّ الأمر الآن قيد التحقيق.
وبحسب ما تداولته الأنباء، فإنّنا الآن أمام عدة سيناريوهات للحادث، فقد خرج علينا رائدُ فضاء روسيّ سابق يُحذِّر من حدوث شيءٍ غامض على متن المحطة، وربما تسبَّب بإحداث هذا الثقب لسبب سوف نتعرف عليه لاحقًا، في حين أشار البعض إلى أنّ ما حدث كان نتيجةً لخطأ أحد العاملين على تجهيز المركبة قبيل انطلاقها من قاعدة الإطلاق، بينما ذهبت شكوك البعض الآخر إلى تورُّط دول معادية لروسيا أو شركات منافسة في مجال صناعة الفضاء في هذا الحادث ضمن إطار ما يُعرف بالتجسُّس الاقتصادي.
شكوك روسية:
نبدأ بتصريحات رئيس وكالة الفضاء الروسيّة الذي صرّح عقب الحادث بأنّ الثقب الذي اكتُشف يوم الأربعاء الموافق التاسع والعشرون من أُغسطس الماضي في وحدة سويوز الروسية الملتحمة بمحطة الفضاء الدولية نتج عن عملية حفرٍ متعمّدة، ربما تمّت على الأرض قبيل انطلاقها أو أثناء تواجدها في الفضاء. وأضاف روغوزين في تصريح تلفزيونيِّ تم بثه في وقت متأخر من يوم الإثنين:
اتضح لنا وجود عدة محاولات للحفر بجوار الثقب ويبدو أنّها تمت بواسطة يدٍّ مترددة، ولا نعلم تحديدًا حتى الآن إن كان ذلك عيبًا صناعيًّا أو تم مع سبق الإصرار أثناء وجود المركبة في الفضاء؟” وأضاف: ” نحن بصدد التحقق من فرضيّة حدوث التخريب من على سطح الأرض مع عدم استبعاد حدوث التخريب المتعمَّد في الفضاء.
هل الجاني من داخل المحطة فعلًا؟
وقال روغوزين أن الّلجنة الحكوميّة تسعى إلى تحديد الجاني بالاسم، واصفًا ذلك بأنه “مسألة شرف” بالنسبة لشركة إنيرجيا Energiya الروسية التي تُصنِّع سفن الفضاء من طراز سويوز التي تُستخدم في نقل الرواد والمعدَّات والمؤن إلى محطة الفضاء الدولية. وردًا على سؤال حول تعليق وكالة ناسا على مزاعم التخريب المُحتمل، أحالت متحدِّثة باسم وكالة ناسا جميع الأسئلة إلى وكالة الفضاء الروسية التي تُشرف على تحليل الحادث.
ورافق الغموض الذي أحاط بالحادث تصريحًا مثيرًا أعلنه النائب البرلماني الروسي ورائد الفضاء السابق “مكسيم سورباييف” بأنّه ربما يكون وراء هذا الحادث رائدُ فضاءٍ مضطربٍ نفسيًّا، بهدف إجبار المسؤولين على إعادته مبكرًا إلى الأرض، وأضاف النائب المنتمي إلى الحزب الحاكم بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين:
أنّنا جميعًا بشر وقد يرغب أي شخص منا بالعودة إلى الوطن، لكنّه أسلوب دنيء فعلًا، وأتمنى أن يكون هذا الحادث نتيجةً لعيبٍ صناعيّ، لكن هذا لم يحدث من قبل خلال تاريخ تصنيع سفن سويوز
نفي التهمة عن رواد الفضاء:
من جانب آخر وفي تصريح لوكالة أنباء تاس الروسية، قال ألكسندر زيليزنياكوف، وهو مؤلف ومهندس عمل سابق في مجال صناعة سفن الفضاء:
إن حفر الثقب، في ظلِّ ظروف انعدام الجاذبية داخل محطة الفضاء الدولية، يكادُ يكون مستحيلًا في ذلك الجزء من المركبة الفضائية.
إذًا، هل حدث الخطأ على الأرض وتم التستّر عليه؟
وفي نفس السياق، قال مصدرٌ في صناعة الفضاء الروسية في تصريح لوكالة تاس أن الحادث أصاب جزءًا من مركبة سويوز يتم التخلص منه عادة في أثناء وجود المركبة في المدار حول الأرض، ولا يُستخدم لإعادة الروّاد إلى الأرض.
وأضاف المصدر بأنَّ المركبة الفضائية ربما قد تضررت خلال استعدادات الإطلاق في قاعده بايكونور الفضائية في قازاقستان، وذلك بعد اجتياز الفحوصات الأوليّة، وأن الخطأ ربما تم التستر عليه في حينها، فربما يكون شخصٌ ما أفسدَ الأمر ونتيجة الخوف من العقاب قام بإغلاق الحفرة بواسطة لاصق ما، ولكن المادة اللاصقة “جفَّت وسقطت” عندما وصلت سويوز إلى محطة الفضاء الدوليّة. وهو التفسير نفسه الذي وَرَدَ على لسان عالم الفيزياء الفلكيّة جوناثان ماكدويل بجامعة هارفارد في التصريح الذي نُشِر على موقع The Verge.
هل فعلتها شركة منافسة؟
إلقاء التهمة على طرف خارجي أو طرفٍ منافس من نفس المجال ليس بالشيء الجديد على وكالة الفضاء الروسية كما جاء على موقع The Verge حيث سبق لها ذلك عندما فشلت في إيصال مركبتها الفضائية “فوبوس” إلى كوكب المريخ، وهو نفس ما ذهبت إليه شركة سبيس إكس الأمريكيّة عندما انفجر أحد صواريخها من طراز فالكون” عام 2016، حيث اتهمت الشركة وقتها شركة إطلاق صواريخ منافسة بالوقوف وراء الحادث، لكن التحقيقات الجادة لم تثبت شيئًا من ذلك في كلتي الحالتين، فهل نحن الآن بصدد محاولة تخريب يقف وراءها جاسوس أجنبيّ، أم سيكون الأمر كما في السابق؟ أي مجرّد تغطية على إهمالٍ من داخل الشركة الروسية.
حتى لا يتكرر الخطأ:
وحتى تُحافظ شركة إنيرجيا على سمعتها في مجال الصناعات الفضائية، صرّح أحد مسؤوليها لوكالة ريا نوفوستي الروسية بأنه سيتم التحقق من عدم وجود عيوب مماثلة على متن جميع سفن الشحن سويوز في مواقع تصنيعها خارج موسكو وفي محطة الإطلاق في بايكونور. والجدير بالذكر أن محطة الفضاء الدولية تظل من المجالات القليلة التي تشهد تعاونًا بين روسيا وأمريكا في ظلّ العلاقات المضطربة حاليًا بين البلدين، وقد شهدت المحطة طوال تاريخها توافدًا للروّاد من مختلف أرجاء العالم لإجراء التجارِب العلميّة داخلها.