يحدث أمس بين بطلها سليمان وكاتبها إسماعيل فهد إسماعيل

“يحدث أمس” هي إحدى رواياتِ الكاتبِ الكويتي “إسماعيل فهد إسماعيل” الذي رحل عن عالمنا منذ ما يقارب الشهر؛ حيث رحل في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي.

قبل بدايةِ الروايةِ ينوِّهُ الكاتبَ ويقول:

“للعلم.. يحدث أمس، روايةٌ ليست تسجيلية. ولأنها كذلك أجازت لنفسِها اختلاقُ بعض المسميّات والوقائعِ بما يُناسِبُ مُرونةَ الزمنِ الروائيّ.”

لكنْ رغم تنويه الكاتبُ، هل يمكن اعتبارُ بطلَها سُلَيمان، أو بعض ما يحكيهِ عن نفسِه، هو جزءٌ من حياةِ الكاتبِ نفسِه؛ بسبب بعض التشابهاتِ بينَ إسْمَاعيلَ فهْد إسماعِيل، وبينَ بطلِ رِوَايَتِه “يَحدثُ أمْس” سُليمان؟

وُلِدَ إسماعيل فهد إسماعيل بقرية السبيليات بجنوبِ البصرة بالعراق، وهذا الاسم كان عنوانٌ واحدة من أشهرِ رواياتِهِ فِيما بعد، والّتي وصلَتْ للقائمةِ القصيرةِ للبوكر عام 2017.

كما كانَ سُليمان يعيش بإحدى القُرى المُلْحقة بقريةِ السبيليات وتسمّى بابِ الهوى، حيث يخبِرُ سائقَ التاكسي بوجهتِه بعدَ عودتِه من الكِوَيت بعد غيابٍ دامَ سبعِ سنوات:

-باب الهوى؟!

إعلان

يردِدُها السائقُ كما الأحجيةِ المستغلقةِ. ابتسامةٌ متفهمةٌ ترتَسِم على فَمِ سُليمان، يعود يوضّح:

-“قريةٌ صغيرةٌ ملحقةٌ بقريةِ السبيليات.”

لا يفُوتُ إسماعيل فهد ظهورَ النخيلِ في حياة ِالمواطنِ العِراقيّ وبخاصَّة الساكنِ بالبصرة،َ ففي أوَّلِ صفَحاتِ الروايةِ واصفًا الطريقَ الذي يسلكُه سائقُ التاكسي للمكان الذاهبِ إليه سُليمان، ويقول:

“غابات النخيل تترامى حيثُ لا حصر، ولا ترى منها-خلال الأضواءِ الكاشفةِ للسيارة- غير جذوعها العملاقةِ لِدى اصطِفافِها على جانبي الطريق. يذكر عن طفولته أنه كان يُسَوِّد فراغاتِ كراريسِه المدرسيّة برسوماتٍ متنوعة ٍللنخيلِ. الإنسانُ والنخلةُ يولدان في البصرة متلازمان، كما العِشرةِ والمصير الواحد”

كما بمجلة فصول الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، بعدد يونيو عام 1998 يحدّثنا عن نفسِه، تحت عنوان “بطاقة شخصية”، ولا يفوته ذكر النخيل أيضًا، مما يُظهر الارتباطَ الكبيرَ بين النخيلِ وبين الإنسانِ -كما ذكر برواياته- بالبصرة، فيقول عند تحدّثه عن طفولته:

“مشارف مراهقةٍ أولى، قرية جنوبية…شط العرب على مرمى نظرك، حضورٌ أو هيمنة، في وقت اختَزَلت فيه عالمك.. غرفةٌ صغيرةٌ من سطح بيتٍ طيني يتَّصلُ بسطوح كل الجيران، الباب..بلا باب، والنافذةُ تنفتحُ على حرشِ نخيلٍ، الأقرب منها بسعفٍ منقوشٍ، ومِمّا يدعو إلى التساؤل أن فحلِ النخيلِ ينجبُ فسائلًا ذكورًا، أما الفحلِ البشري..يا زمن الصبا ذاك، الحياة بنكهتها الرومانسية.”

سليمان يحبُّ القراءةَ وتُعتَبر أحدُ الأنشطةِ التي يقْدرُ على ممارستِها بشكلٍ جيّدٍ والأفضل لديه، وبخاصّة بعد سفرِه للكويت ولا يجد ما يفعله هناك، عندما يُصرِّحُ بذلكَ لِ”نجوى” التي ستَحِلّ محلَّه حين عودته إلى العراق من جديد بإدارة الشركة التي يعمل بها، -سيحبان بعضهما البعض خلال فترة عيشه بالكويت-، عند توديعه لها قبل بدء عطلة العيد.

“-كيفَ ستقضي أيامَ العيدِ؟

سُؤالُها ينكأُ الجرحَ.

-كما أقضيه عادةً.

تظل تتطلَّعُ إليك، فتستطرد موضِحًا:

-أشغلُ وقتي بالقراءةِ.”

كاتبٌ وروائيٌّ كبيرٌ بحجمِ إسماعيل فهد إسماعيل -بكلّ تأكيد- هو قارئٌ جيدٌ من الدرجةِ الأُولى؛ حيث شبّ منذُ طفولتِه على حبِّ القراءةِ.

يكمل حديثَهُ ببطاقتِه الشخصيّةِ بمجلّة فصول فيقول:

“واحتفاظُك بكنزٍ فريدٍ لم يألفه-في الجوار- سواك: كتاب (ألف ليلة وليلة) بمجلداته الأربعة، (كليلة ودمنة)، (كوخ العمِّ توم)، (جين أير)، (بداية ونهاية)، (أنا حرة)، (شمس الغروب)، يضاف…(رجوع الشيخِ إلى صباه).”

حبّه للقراءةِ والكتبِ تحوَّل لفيروس أصاب الأخرين وسيطرة الكتب على كل حياته، فتحول لفكرة إنشاء مجلة.

يستكمِلُ ببطاقُتِه الشخصيّة:

“الكتبُ أصابَت آخرين، الفكرةُ تولَّدت لذاتها، الاقتناء فعلٌ فرديّ، لكن الملكيّةَ جماعية، يعززُها حافزُ الإعارةِ للموثوقين من محيط المعارف، تعزِّزها فكرةَ إصدارِ مجلةٍ شهريةّ مخطوطة محدودةِ الصفحاتِ، من نسخةٍ واحدةٍ لا تخلو من رسومٍ منفذةٍ، أو مثبتةٍ بالصمغ، يُصارُ إلى قراءتِها برفق ما بعده.”

يظهر أيضًا تأثير مِصر ودورُها الثقافيّ على كليهما. ترواد سليمان بعض الأفكار داخل حبسِه:

“مجلةُ الهلال، روايات جرجي زيدان، كتابات سلامة موسى، رومانسيّات المنفلوطي، طه حسين،ريثما قامت ثورة يوليو 1952.

(هنا القاهرة..عهد الباشوات ما عاد..)”

كما يظهرُ إسماعيل فهد إسماعيل تأثُّره بالمجلَّاتِ، والدورياتِ الصادرةِ عن مصرَ، وخلال طلبها من أصدقائه وأقاربه خلال توتر العلاقات بين مصرَ والعراق.

“في حين أدرجوا يؤكدون تفقدهم لك عبر سؤالٍ يكرِّرونه عليك: -ما الذي تحتاجَه منّا؟!

-الأعداد الأخيرة لمجلّة (المصوِّر)! ….
-احتياجاتٍ أخرى؟!
-(مجلّة أخرِ ساعة)!

الزعامةُ العراقيّةُ وقتها أعلنَت حربًا، وقطعية إعلاميّة على كُلِّ ما هو عربيٍ مصري، بينما بقيت حالُ الكويت..
-ماذا أيضا؟!
-أي مطبوعٍ مصري!

“كلاهما دخل السجن، ولكن لأسبابٍ مختلفةٍ، لا يُدْركها ولكن يدركها إسماعيل، دخل سليمان السجن بعد توقيفِه من أحدِ الجماعات-أمن ثورة- التي وكَّلَت نفسها حمايةَ ثورةِ تموز 58.
ولكن دخلَه إسماعيل مرتين أوَلهما عندما هتف بحياةِ جمال عبد الناصر ، وكان هذا في عَهد الملكيةِ، ونظام نوري السعيد.

والمرّةِ الثانية لما رأى الإنحرافَ عن الأهدافِ التي كانت من المفترض ِ على الثورة ِ تحقيقُها، فكتب قصيدةَ هجاءٍ تم نشرها بصحيفةٍ لبنانيّةٍ وهي (الحضارة).

من المشاكلِ الّتي تسببت بها الثورةُ بروايةِ “يحدثُ أمس” هي جماعات “أمن ثورة” التي كانت تقبضُ على المشتبهين بدون تحقيق معهم؛ ونتيجةَ ذلك تمّ الزجِّ بسليمان داخل السجنِ دون َمعرفةٍ بالجرم الذي ارتكبه، ومن السجن ينتقل إلى السردابِ الذي يمْكُثُ داخِلَه مع حاكمٍ وهادي أحد الشخصيات الأخرى بالرواية.

وتخرجُ لنا الروايةُ من خلال الحكاياتِ الثلاث التي يقصونها على بعض داخل السرداب.

وُلِد إسماعيل فهد إسماعيل عام 1940، وله الكثيرُ من الأعمالِ الأدبيةِ التي تجاوزت الثلاثين عملًا، اهتمّ بالمشاكلِ العربية وبالوطنِ العربي، كما اهتم بالكويت، فكتب عن القاهرة والعراق والمشكلة الفلسطينية.

استقرَّ بالكويت منذ عام 1966، وارتحل بين بلدانٍ مختلفةٍ حول العالم. ظلَّ مهتمًا بالثقافةِ والأدبِ ومخلصًا لهما حتى أخرِ حياته؛ حيثُ شاركه قبل وفاتِه بيوم بأحد المنتديات الثقافيّة الأدبيّة، التي يُشرف عليها الروائيّ الكويتيّ طالب الرفاعي.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أمجد العايدي

تدقيق لغوي: نَدى ناصِر

اترك تعليقا