هل يستطيع العلمُ حلَّ مشكلة الجمال؟ (مترجم)

في الصيف الماضي، كتبتُ عن رحلتي مع ظربان مسعور (مصاب بداء الكلب)، مما عزز عدم إيماني بالإله حميدِ وكلّيِّ القدرة. إذا كان مثل هذا الإله موجودًا، فلماذا يسمح لبعض الناس أن يعانوا كثيرًا دون اقترافهم أيَّ ذنب؟ مثل الناس الذين ماتوا بداء الكلب أو ”اللوكيميا“ (سرطان الدم)، التسونامي أو الزلازل؟ هذه هي مشكلةُ الشر القديمة. عدم قدرتي على الإجابة على هذا اللغز يمنعني من اعتناق الكاثوليكية -العقيدة التي نشأت عليها- أو أيَّ دينٍ آخر.
لكنني لست ملحدًا أيضًا، وإليكم السبب: الوجه الآخر لمشكلة الشر هو مشكلة الجمال. إذا لم يكن هناك إلهٌ حقًّا، إذا لم يكن العالم مصممًا لنا بمعنىً ما، فلماذا العالم جميلٌ للغاية؟

أثار عالم الأحياء والملحد البريطاني ريتشارد دوكينز هذه المسألة في كتابه ”الصعود إلى جبل اللاحتمال“ عام (1997). ذكر دوكينز في الكتاب، رحلته عبر الريف مع ابنته البالغة من العمر ست سنوات عندما كانت متحمسةً بشأن بعض الزهور البريّة “الجميلة” عندما سألها دوكينز عن الغاية من وجود الأزهار البرية، أجابت الطفلة البريئة: “لجعل العالم أجمل، ولمساعدة النحل في صنع العسل لنا”. قال دوكينز متأملًا: “لقد تأثرتُ بهذا، وآسفًا، كان علي أن أخبرها أن الأمر لم يكن كما تعتقد”.

أشار دوكينز إلى أن منطق ابنته يشبه منطق الأصوليين المسيحيين الذين يزعمون أن الإله قد خلق فيروس الإيدز لمعاقبة المذنبين. وهذا صحيحٌ إلى حد ما. لكن دوكينز لم يشرح بشكل كافٍ سبب استحضار الطبيعة لمثل هذه الاستجابة الجمالية العميقة فينا. اقترح زميل دوكينز -عالم الأحياء التطوري الكبير إدوارد ويلسون- أن الانتخاب الطبيعي ربما يكون قد غرس فينا “البيوفيليا”، أو تقديس الطبيعة، مما أفادنا نحن والمخلوقات التي نتمتع معها بعلاقات متبادلة المنفعة، ولكن لماذا نستجيب للعديد من الأشياء -الفراشات ونجم البحر وقوس قزح وغروب الشمس- التي لا نستخلص منها أيَّ فائدة نفعية ملموسة؟

ملحدٌ شهيرٌ آخر. الفيزيائيّ الحائز على جائزة نوبل “ستيفن واينبرغ”، شرح ببلاغةٍ عدم إيمانه في كتابه ”أحلام النظرية النهائية“ عام (1994). لم يكن لدى “واينبرغ” أي شكوى بشأن حياته. لقد كان “سعيدًا بشكل ملحوظ”. لكنه رأى “أمًّا تموت بألمٍ بسبب السرطان، وأبًا دمّره مرض الزهايمر، وعشرات من أبناء العمومة من الدرجة الثانية والثالثة قد قتلوا في الهولوكوست“.

رفض “واينبرغ” الاقتراح القائل بأن الشر هو الثمن الذي ندفعه مقابل إرادتنا الحرة التي وهبنا الإله إياها. وأشار إلى أنه “يبدو أنه من الظلم بعض الشيء أن يتم قتل أقاربي من أجل توفير فرص الإرادة الحرة للألمان”، ولكن حتى لو وضعنا ذلك جانبًا، كيف يمكن أن تفسر الإرادة الحرة إصابةَ الأبرياء بالسرطان؟ هل هذه فرصة لاختبار الإرادة الحرة للأورام السرطانية؟ أسئلةٌ جيّدة. لكن بعد ذلك أضاف “واينبرغ” هذا، وهو ما جعلني أبتسم: “يجب أن أعترف أنه في بعض الأحيان تبدو الطبيعة أجملَ مما هو ضروري”.

إعلان

أعتقد أن صديقي ديفيد روتنبرغ -فيلسوف في معهد نيو جيرسي للتكنولوجيا- مهووسًا بمشكلة الجمال. لقد كان يبحث ويفكر في المشكلة لسنواتٍ عديدة. لقد تجوّل في جميع أنحاء العالم لمقابلة العلماء الذين يدرسون الجمال بطريقةٍ أو بأخرى (حتى لو تجنبوا ذكرَ هذا المصطلح) ويحاولون شرحه، أو يصرفون أنظارهم عن شرحه. قاد بحثه إلى تأليف ثلاثةٍ من الكتب الرائعة: 1) لماذا تغني الطيور: رحلة في غموض أغاني الطيور (2006).

2) أغاني الألف ميل: موسيقى الحيتان في بحرٍ من الصوت (2008).

وكتابه الجديد 3) نجاة الجميل: الفن والعلم والتطور (2011).

كتابه الجديد لا يتناول فقط الموسيقى -التي يهتم بها روتنبرغ كموسيقى بشكل خاص- ولكن الجمال في جميع مظاهره، وخاصةً الفن المرئي، مثل لوحات الكهوف من العصر الحجري القديم أو المنحوتات الأثرية لطيور التعريشة. يقوم “روثنبرغ” بكل الأشياء التقليدية التي يقوم بها كتاب العلوم. يقوم بإجراء مقابلات مع الخبراء في مختبراتهم، ويوازن الأدلة التي تدعم نظرياتهم، ويقدم تقييماته الخاصة وما إلى ذلك. لكنه يتعامل أيضًا مع مادته العلمية بطرق أصليةٍ تمامًا. في محاولةٍ لفهم موسيقى الكائنات الأخرى، قام بعزف الكلارينيت مع طائر قيثارة في أستراليا ومع حوتٍ أحدب (جمل البحر) في هاواي.

روتنبرغ، الذي أجريتُ مقابلةً معه يوم السبت، يجادل بحماس أننا لسنا النوع الوحيد الذي يدرك الجمال ولسنا النوع الوحيد المجبور على الإبداع. إنه غير راضٍ عن هذه النظريات التي تحاول تفسير الجمال بمصطلحات تطورية وظيفية بحتة، باعتباره مجرد أثرٍ جانبيٍّ للتزاوج أو التواصل. ويؤكد أن هذه النظريات لا تنصف مدى ثراء الفن وتعقيده، سواء كان فنًّا إنسانيًّا أو غير إنسانيّ. إنه يقترح أن طيور السُّمنة الضّاحكة تحلق بأغانٍ جديدة، وأن طائر التعريشة يزين المنحوتات التي يصنعها بالزهور الزرقاء، ليس فقط لجذب الزملاء، ولكن من أجل الجمال نفسه، من أجل المتعة المطلقة في الإبداع، تمامًا كما يفعل الفنانون البشريون.

يقترح روتنبرغ في كتابه الجديد أن العديد من الأنواع تخضع لمبدأ يسميه “الانتقاء الجمالي”. لكنه لا يدّعي أن هذه الفكرة تحلّ مشكلة الجمال. إنه أقل اهتمامًا بحل المشكلة/ اختزالها إلى عمليةٍ ميكانيكيّةٍ أساسية. ويهتمُّ بالاحتفال بها. يرقص حولها، يكتبُ قصيدةً عنها، يرسمُ صورةً لها، وبالتالي يسلط الضوءَ على مشكلةِ الجمال أكثر مما تستطيعُ أي نظرية.

مقال مترجم

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: مريم حمدي

ترجمة: أحمد زايد

اترك تعليقا