نيزك الأسرار يعيد كتابة تاريخ المجموعة الشمسية

في الثامن من فبراير عام 1969 اصطدمت تلك الصخرة الغامضة برمال صحراء المكسيك؛ لتنهي بذلك رحلتها الملحميّة عبر ظلام الكون السرمدي، والتي استمرت لمليارات السنين، عُرفت هذه الصخرة فيما بعد باسم “نيزك الليندي“، ورغم تفتت ذلك النيزك إلى قطع متناثرة -بلغ مجموع أوزانها حوالي ألفي كيلوجرام-انتشرت على مساحة حوالي 50كم إلا أن جهود العلماء أسفرت على مدى الأعوام عن جمع كل هذا الفتات الفضائي الثمين، الذي تناولته أيدي الباحثين مرة تلو الأخرى في بحوث ودراسات شتى لعلّه يكشف لهم عن أسراره.

والآن تمكّن العلماء من العثور داخل هذه الصخرة الفضائية على العديد من المواد بين النجمية تُسمى presolar grains والتي يعود تاريخ تكوينها إلى زمن يسبق تاريخ ظهور نظامنا الشمسي، والأغرب من ذلك أن تلك المواد قد عُثر عليها في شكل لم يتوقع العلماء وجوده من قبل.

آثار غبار النجوم

إن العثور على مثل هذه المادة بالغة القدم والتي يطلق عليها “حبيبات قبل شمسية ” presolar grains أو  آثار غبار النجوم، والتي يعود مصدرها إلى الفضاء بين النجوم أمر نادر الحدوث، لكن ولحسن الطالع فقد شهد عام 1969 أيضًا سقوط نيزك آخر في استراليا أطلق عليه اسم نيزك مورتشيسون ، وهو ذلك النيزك الذي أعلن فريق من العلماء من جامعة شيكاغو منذ عدة أسابيع  عثورهم بداخله على حبيبات قبل شمسية مكونة من مادة كربيد السيليكون، وهو ما أشارت إليه المواقع العلمية في حينها بأنه اكتشاف أقدم المواد المعروفة على هذا الكوكب حيث يتراوح عمره تلك الحبيبات ما بين 5 و 7 مليار سنة في حين أن المجموعة الشمسية تكونت منذ حوالي  4.6 مليار سنة فقط.

نيزك مورتشيسون

نيزك الليندي: نيزك الأسرار

لكن الأغرب لم يأتِ بعد، فقد نشر موقع science alert  خبرًا مثيرًا عن دراسة جديدة خرجت من جامعة واشنطن في سانت لويس، كشفت اللثام عن أسرار خفيّة ظل نيزك الليندي يخفيها بداخله لفترة تزيد عن النصف قرن، منذ ساقته الأقدار إلى صحراء المكسيك.

يقول الباحثون أنهم قد عثروا على أدلّة تؤكد احتواء بعض أجزاء نيزك الليندي على حبيبات ما قبل النظام الشمسي  presolar grains، لكن الأمر المثير للدهشة وبحسب ما صرّح به الباحثون هو الطريقة التي ارتبطت بها حبيبات ما قبل النظام الشمسي مع بقية مكونات النيزك والتي تتناقض مع ما كنا نعرفه عن طبيعة وسلوك المواد بين النجمية، وتضع النظريات السابقة التي حاولت تفسير نشأة المجموعة الشمسية على المحك.

ورغم أن حبيبات ما قبل النظام الشمسي التي عثر عليها في نيزك الليندي تتكون أيضًا من كربيد السيليكون (SiC)، إلا أن المفاجأة تمثلت في وجودها ضمن شوائب النيزك يطلق “ماري الفضولية” (نسبة إلى ماري كوري).

لغز فضائي

تقول الباحثة في الفيزياء والكيمياء الكونية أولغا برافديفسيفا:

ما يثير الدهشة في حالتنا هذه هو حقيقة وجود الحبيبات قبل الشمسية مرتبطة بشوائب “ماري الشغوفة” وهو مزيج من الكالسيوم والألمنيوم”

وتضيف أولغا

“بالنسبة لما استقر على فهمنا الحالي حول كيفية تشكل النظام الشمسي، فإن حبيبات ما قبل النظام الشمسي لن تتمكن من البقاء على قيد الحياة في البيئة التي تشكلت فيها ذلك المزيج.


شوائب “ماري الشغوفة” تعد  من بين أقدم المواد الصلبة التي تشكلت في النظام الشمسي، فقد تكونت إبان ظروف متطرفة السخونة شهدها السديم الشمسي _سحابة شديدة السخونة من الغاز والغبار تكونت منها الشمس والنظام الشمسي_ هذه الظروف التي اعتقد العلماء قبلاً عدم قدرة الغبار بين النجمين على التعامل معها.

وبحسب ما جاء في الورقة البحثية فإن مزيج الكالسيوم والألمنيوم قد تشكل قريبًا من الشمس في درجات حرارة أعلى من 1500 كلفن، حيث لا يمكن للحبوب ما قبل الشمسية ان تنجو في مثل هذه الظروف، ومن ثم تم نقلها إلى مناطق أخرى من السديم حيث تكونت الكواكب”.

سؤال ينتظر الإجابة

حتى الآن لايعلم الباحثون كيف شق كربيد السيليكون طريقه من من نجم آخر لينتج بتلك المواد الصلبة البدائية التي تكونت بالقرب من الشمس، ولكن ما توصلت إليه الدراسة يدفعنا بالطبع  إلى إعادة النظر في معلوماتنا حول البيئة الكيميائية خلال مرحلة تشكل المجموعة الشمسية وإلى مراجعة فهمنا لما حدث بالفعل داخل السديم الذي شهد ميلاد الشمس وكواكبها. 

إعلان

فريق الإعداد

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا