نوبل للكيمياء 2017 .. الصورة كمفتاح للمعرفة
اليوم تم الإعلان عن الفائزين بجائزة نوبل للكيمياء لسنة 2017 و هم جاك ديبوشيه من جامعة لوسين بسويسرا، و جوشيم فرانك من جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، و ريتشارد هيندرسون من كامبريدج ببريطانيا، عن إكتشافهم لنوع جديد من الميكروسكوبات “ميكروسكوب التبريد” الذي يستطيع التحديد و بجودة عالية الهياكل الجزيئية في المحاليل.
من أين نبدأ ؟
لفهم إنجاز هؤلاء العلماء العباقرة، والذي جعلهم يحصلون على نوبل للكيمياء هذا العام لا بد من دراسة تطور الميكروسكوبات، في بادئ الأمر كان الميكروسكوب يعتمد على إستخدام خصائص الضوء في تكبير الأجسام أو إظهار تفاصيلها الدقيقة و مكوناتها، لكن الأمر كان محدودا فلا يمكن إستخدام هذا الميكروسكوب في ملاحظة الأشياء على المستوى الذري، لكن بعدما تم إكتشاف الألكترون و خصائصه و طوله الموجي الصغير ( كلما كان الطول الموجي أصغر كلما استطعنا النظر أوسع على المستوى الذري )، هناك بدأت فكرة اختراع الميكروسكوبات الإلكترونية فائقة الدقة، حتى أن البعض منها استطاع الوصول الى المستوى الذري، لكن هذا لم يكن كافيا مع فضولنا المعرفي فقد ظهرت مشاكل في الأطلاع على أساس الحياة و هو البروتين الذي إذا استطعنا فهم بنياته سيحقق إنجازا عظيما في فهم تركيبنا البيولوجي و المساهمة في العلاج من الكثير من الأمراض، حيث ،ن الميكروسكوب الإلكتروني يعتمد على شعاع الإلكترون الذي يدمر المواد البيولوجية.
لكن الامر تغير فجأة و بالضبط في سنة 1990 عندما نجح ريتشارد هيندرسون من جامعة كامبرديج في استخدام الميكروسكوب الإلكتروني لتوليد صورة ثلاثية الأبعاد للبروتين على المستوى الذري، و قد أثبت هذا الاختراق على مستوى البروتين تطورا هائلا على مستوى التكنولوجيا من طرف جوشيم فراك الذي طور طريقة معالجة الصور من خلال تحليل الصور المجسمة ثنائية الأبعاد للإلكترون و دمجها للكشف عن بنية ثلاثية الأبعاد حادة.
و لا يجب أن ننسى دور جاك ديبوشيه الذي أضاف الماء الى الميكروسكوب الإلكتروني، و اقترح فكرة عبقرية و هي تجميد الجزيئات البيولوجية في الماء بشكل سريع جدا، مما يسمح للجزيئات الحيوية بالأحتفاظ بشكلها الطبيعي حتى في الفراغ، ثم صنع شرائح دقيقة منها و تصويرها في الأبعاد الثلاثة.
و الآن الى أين ؟
أوضحت لجنة نوبل للكيمياء أن هذه التقنية التي تسمى بميكروسكوب التبريد، سمحت بتصوير الجزيئات الحيوية لأول مرة في تكوينها الطبيعي، مما أثار ثورة في علم الكيمياء الحديث.
” إن الإستخدامات العملية الهائلة لهذه التقنية ستسمح للطب بالنظر الى العمليات داخل الخلية و ليس فقط الاقتصار على الأعضاء الخارجية ” جوشيم فرانك من جامعة كولومبيا.
و قد سمح ميكروسكوب التبريد العلماء إستكشاف بينة كل شيء من البروتينات خاصة التي تسبب مقامة للمضادات الحيوية على سطح فيروس زيكا، أيضا في العام الماضي تم نشر بنية ثلاثية الأبعاد لأنزيم ينتج أملويد لمرض الزهايمر باستخدام هذه التقنية، ليس هذا فقط بل يمكن الآن بواسطة هذه التقنية أيضا تتبع العمليات البيولوجية المتسلسلة الدقيقة من خلال التقاط صور من نفس التركيبة خلال مدد زمنية قصيرة .
وقالت البروفيسورة ماجدالينا زيرنيكا غوتز، أستاذة تطور الثدييات وبيولوجيا الخلايا الجذعية في جامعة كامبريدج:
” إن الصورة المرئية هي العنصر الأساسي للفهم، وغالبا ما تكون أول شيء يفتح أعيننا، ومن ثم عقولنا، نحو تقدم علمي مفاجئ ” .
بعد هذه الاكتشافات، تم تطوير الميكروسكوب الإلكتروني و تحسينه بدقة فائقة حتى أنه استطاع سنة 2013 إنتاج صور شبه واضحة للتفاصيل الموجودة في الريبوزومات. يمكن الآن للباحثين إنتاج هياكل ثلاثية الأبعاد للجزيئات الحيوية بشكل روتيني .
في الصورة , السويسري جوسيم فرانك، لما سأله الصحفيون عن شعوره عندما سمع خبر فوزه بالجائزة أجاب بدهشة :
” فرصي بالفوز كانت ضئيلة، هناك الكثير من الابتكارات و الاكتشافات تستحق الجائزة”.
في السنوات القليلة الماضية، تم ملأ الأدب العلمي بكثير من الصور لكل شيء من بروتينات مقاومة للمضادات الحيوية الى سطح فيروس زيكا، من خلال هذا التطور يمكننا القول أن الكيمياء الحيوية تشهد تطورا متفجرا و خارقا، ينبئ بمستقبل مثير .
يمكن أن نصف جائزة نوبل للكيمياء لهذه السنة بالصورة التي تسمح لنا بإستكشاف فضولنا المعرفي، في مثل هذا الإنجاز العظيم علينا أن نشكر هؤلاء العلماء الذين ساهموا في استخدامنا لهذه التقنيات من أجل استكشاف ذواتنا على مستوى صغير جدا لم نكن قبل 100 عام متأكدين حتى من وجوده، و هذا يطرح تساؤلا عظيما عن كيف ستكون إمكانياتنا و معرفتنا في المستقبل القريب. كل ما يمكنني أن أقوله أني سعيد أني ولدت في زمن الأكتشافات الجميلة.