نوادر الكاتب الكبير!

(1)

قال الكاتب الكبير في نشوة:

– سوف أقيم مسابقة شهرية تصير حديث الناس في كلِّ مكان، وغرضًا لتنافسهم.

– وما الجائزة يا أستاذنا؟

فأجاب:

– سوف يحظى الفائز بشرف مصافحتي، والجلوس في حضرتي ساعة كاملة.

إعلان

(2)

قال الكاتبُ الكبير متقزِّزًا:

– لم يُعجبني هذا النص على الإطلاق.

سألتُه:

– لماذا يا مولانا؟

قال:

– لأنني لستُ أنا الذي كتبه.

(3)

قال الكاتب الكبير في تعالٍ:

– أنا إلـٰه الأدب.

استفزَّني قوله فسألتُه محاولًا الحفاظ على هدوئي:

– هل تحيي الموتى يا أستاذنا؟

فقال وهو يرفع قلمه إلى جدار المقهى:

– انظر.

وكتب هذا البيت:

وكم مَيْتٍ بعثتُ ببعضِ رُوحي

فصلَّى لي احتفالًا بـالرُّجوعِ

ونظر إليَّ نظرة المنتصر، فحولت عينيَّ عنه إلى القهوجي الذي كان يدنو منا بوجه غاضب، وقد لاحظ ما فعله بالجدار، فقلت له هامسًا:

– إن القهوجي يقترب، فأرِنا بعضًا من آياتِك الخارقة يا مولانا.

فقال في ثقة:

– لا تقلق.

فلما صار القهوجي أمامنا، صاح في غضب:

– إيه دا يا أفنديَّة؟ بتكتبوا ع الحيطة؟!

قال الكاتب الكبير:

– يا أخي هدئ أعصابك. إن هذه الكلمات سوف تكون كنزًا لك. فقط قل لمن يجلس إلى هذه الطاولة بعدنا إن على الجدار الملاصق لها خط الكاتب الكبير فلان الفلاني، وخذ منهم الثمن مضاعفًا.

وكان ما اقترحه الكاتب الكبير، واليومَ لا يخلو حائط في المقهى من خطه المقدَّس!

(4)

بعد أن سمع الكاتب الكبير في جلستنا بمقهى الأدباء قصيدة عرجاء الوزن والمعاني، ألقاها (شاعر!) تجاوز السبعين عامًا، قال لي في غفلةٍ منه هامسًا:

– إنني أشفق على الرجل ممَّا سيلاقيه إن عُرض على إلـٰه المسلمين.

ابتسمتُ من صياغته الغريبة للجملة، وسألتُه:

– لماذا يا مولانا؟

فقال بأسًى:

– بم سيُجيب إن سُئل عن عمره فيمَ أفناه؟

(5)

أرغتْ عينايَ وأزبدتا ذاتَ ليلةٍ من الحَسَد والاشتهاء، حين رأيتُ الأديبة الشابة الغَنِجة أمنية صبحي تقترب من الكاتب الكبير بقوامها اللدن الذي يندُّ منه نهدان يرتجَّان كسوستة قلم فُرِدَت، وأخذ طفلٌ يهزُّها يَمنةً ويَسرةً! الذبذبات الصادرة عن جسدها تُخشِّب أيَّ جسمٍ ليِّن. حتَّى حلمتا أذنيَّ تخشَّبتا! لو كان في قاعة الندوة وقتذاك دودةٌ، لتخشَّب جسمُها، ولأخذت تحاول اختراق السيراميك!

دنتْ منه وقبَّلتْ خدَّيه قبلتين ذواتَيْ عطرٍ أطيب من الياسمين والريحان، فبأيِّ آلاء الأنوثةِ تُكذِّبان؟!

سألتُه عَقب الندوة عن شعوره وهي تُقبِّله، وعن سر انجذاب النساء له برغم أنه مناضل قديم، وواجبٌ أن يكون من الزاهدين.

أجابني بنظرة حالمة:

– أما شعوري في لحظات التقبيل، فهو قريب من شعور إيكاروس حين طار بجناحَي الشمع؛ وحين فارقت وجنتيَّ الشفتان، ذاب الجناحان. وأما عن متعة النساء، فهي المقابل الذي أتلقاه الآن جزاءً عن شقائي وحرماني في الشباب. لقد خيَّرني ذاتَ منامٍ كائنٌ خارقٌ يشبه الجن، بين حياة الاستقرار في الشباب والتمتع بزوجة محبة حسنة الدلال ثم شقاء الشيخوخة المعتاد، وبين النضال الشاق والاعتقال في ألذ سنوات الحياة مقابل التمتع في الكِبَر بالنساء الفاتنات وبالثروة والمكانة… ما أنا فيه الآن هو مقابل الزهد والنضال في الشباب. واعلمْ أنني خدعتُ ذلك الكائن الخارق؛ فقد كان يظن أنني في كبري لن أستطيع التمتع بما سيعرض لي من رغائب، لكنني – صدقًا – أشتهي النساء في هذه السن كشابٍّ في العشرين، وأمتع كل واحدةٍ في الفراش كدستة شباب لا يعرفون التعب.

(6)

قال الكاتبُ الكبير مضيِّقًا عينيه وراء دخان سيجارته:

– هل تدري أنني فضحتُ ذات يوم مجموعةً من الأدباء أمام أنفسهم، وأظهرتُ لهم جهلهم وغياب المنطق عن عقولهم، بحيلةٍ من حِيَل ألوهيتي؟

تململتُ في مقعدي، وسألتُه متغلِّبًا على تحفُّظي:

– كيف فعلتَ ذلك يا أستاذنا؟

قال:

– كانوا ينتظرون أن أرشح اسمًا منهم ليسافر إلى مهرجان شعري دولي يُقام في باريس. ظنَّ كلُّ من أترِعَت سيرته الذاتية بإنجازاته المذهلة أنه ذاهب، غير أني أردتُ أن أختبرهم. سألتهم ذات مساء: هل تريدون العدل أم الظلم؟ قالوا جميعًا: نريد العدل. فسألتُهم: عدل الله أم عدل البشر؟ فقالوا بلا تفكير: عدل الله طبعًا. فقلت: حسنًا. ووقع اختياري بعد أيام على شاب سمين، وجهه مشوَّه بحَبِّ الشباب، وأسنانه مفلَّجة قبيحة، ولا يعرف شيئًا عن وزن الشعر، ولا عن كيفية بناء صورة شعرية غير مبتذلة. ثاروا جميعًا إثر الاختيار، فقلت لهم: ألم تختاروا عدل الله؟ هذا هو عدل الله. سأل أحدهم: وأين العدل فيما فعلت؟ قلت: انظروا إلى وجوهكم وأجسامكم في المرايا، واحمدوا الله حمدًا كثيرًا.

قلت له في ريبة:

– أظن أنني قرأتُ في نوادر جحا شيئًا قريبًا من هذه الحيلة.

أغمض عينيه وقال في رصانة مصطنعة:

– إن في بعض الهزل حكمةً لا يفطن إليها أنبه العقول.

 

(7)

وأعقب هذا الحوارَ حوارٌ آخر، يشفُّ عن حكمة الكاتب الكبير التي تُغلِّف عبثَه الصِّرف. قال لي مبتسمًا:

– وليس هذا بأعجب من حكايتي مع أمنية صبحي.

سألتُه في لهفة:

– الأديبة الشابَّة الناهد؟

أومأ مُثبتًا، وقال:

– كنتُ عضوًا في لجنة تحكيم مسابقة شعرية كبرى، وكانت قيمة الجائزة الأولى عشرة آلاف جنيه. شُغِفتُ حُبًّا بأمنية حين رأيتُها في التصفيات النهائية، وأقسمتُ أن أجعلَها تفوز. صَعِدَتْ إلى المسرح، وبدأت تُلقي قصيدة عامية كسيحة بصوتٍ مثيرٍ يشبه ضحكات الدلافين، وأثناء الإلقاء كانت تضغط بكفها اليمنى على صدرها البض، فيسيل لُعاب أفكاري، وأصرخ في خيالي: يا ليتني كنت إحدى أصابعِها. لمَّا انتهت، صفَّقتُ لها دونًا عن أعضاء اللجنة، فرمقتني بنظرة جانبية لَعُوب، أجرت الدماء في… في شراييني المتوفِّزة، وبدأتُ من فوري أستغلُّ معرفتي الواسعة بمدارس النقد، لأظهِر أنَّ قصيدتَها أفضل القصائد التي تقدَّم بها المشتركون… بل أفضل قصيدة نُظِمَت في هذا الجيل! وأنتَ تعلم جيِّدًا أن النقد هو أفضل أداة سوفسطائية خلقها الإنسان. فبوسع الناقد المتمكِّن أن يرفع نصًّا فوق السحاب، وبوسعه أيضًا أن يدفنه ويدفن صاحبه للأبد.

المهم… فازت أمنية بالمسابقة، وطارت فرحًا بالنبأ المبهج، وأخذت تعانق صاحباتها، وأنا أتأمَّلُ ملتذًّا لحظة التقاء الصدور وانضغاطها في العناق. بعد انتهاء الحفل، سارَّني أحد أعضاء اللجنة بقوله: كيف تُقدِّم هذه الموهبة المتواضعة على المبدعين الحقيقيين الذين يستحقون المركز الأول أكثر منها؟ تأمَّلتُ في جبهتِه المتغضِّنة وجسده المتهدِّم، فأشفقتُ على عجزه عن التماس أسباب اللذة العلوية التي في جسد أمنية منها ألوف! وقلتُ له بلسان الحكمة: أتريد من الله أن يقدِّرها كلَّ هذا التقدير ولا تريدني أنا العبد الفقير أن أقدِّرها؟! فبُهِت الذي كفر!

 

(8)

سألتُه في إحدى أماسيِّ الانتشاء:

– أخبِرني بصراحة… هل نمت مع أمنية صبحي؟

رشف من كوب الڤودكا، ثمَّ دسَّ في فمه بضع حبات من الكاجو، وقال:

– بصراحة؟

– أجل يا مولانا.

– لم أنم معَها.

– لماذا؟

– لأنني يومَ أضاجعها في الحقيقة، فلن أقدر على مضاجعتها بعد ذلك في الخيال مرة أخرى، والخيال ألذ من الواقع ألف مرة.

سألتُه في خبث:

– ألا يُضنيك جهلُكَ بشكل ولون حلمتيها؟

فأجابني وهو يمدُّ يده إلى كوب الڤودكا:

– في الخيال تأتيني بدون حلمات!

 

(9)

رآني ذات يومٍ مكتئبًا، فسألني عن عِلَّة اكتئابي، فأخبرتُه بأنَّ لجنة التحكيم اختارتْ فتاةً داعرةَ القلم، لتسافر إلى ألمانيا، برغم أن قصتها رديئة الأسلوب، وأن هذه الكاتبة الشابة لا تُحسِن القراءة بشكل سليم. سألني في جدية:

– هل اختاروا من المتقدِّمين واحدةً فقط؟

أجبتُه في أسًى:

– ربما تختار اللجنة بعد ذلك من العشرة اثنين آخرين، وأنا أحيا على أمل أن أكون أحدهما.

ارتسمتْ على ثغره ابتسامةٌ هادئة وقال في حكمة:

– إن اللجنة التي لم تُعطِك المركز الأول لن تُعطيَك المركز الثاني ولا الثالث، ولا حتَّى العاشر. اعلم أن اللجنة التي لم تجدك أهلًا للمركز الأول هي لجنة لا تُعجَب إلا بالفاشلين.

في ذلك اللقاء، تكشَّف لي – صِدقًا – جانبٌ من شخصيَّة الكاتب الكبير، ظلَّ عن بصري مستترًا طوال مدَّة معرفتي به، وهو جانبٌ لا يومض إلا نادرًا، ثم يعاود الاختفاء!

 

(10)

في إحدى جلسات الصَّفاء، طَفَتْ على ذاكرة الكاتب الكبير حادثةُ فشلي في المسابقة، فسألني عن الكاتبة الشابة التي فازت، فقلتُ له ممتعِضًا:

– إنها لا تهتمُّ في أدبها إلا بوصف الأيور الضَّخمة. شبَّهتْ في قصَّتِها الفائزة خروجَ أير البطل من زمام بنطاله، بخروج زجاجة بيرة (ستِلّا) من الصندوق! ملامحُها تبدو كأنَّها منسوخة من وجه مومس محترفة. عيناها بارزتان كأن خلفَ كلٍّ منهما أيرًا يدفعُها إلى الأمام. نظرَتْ إليَّ مرَّة وهي ترفع إلى فمها زجاجة مياه غازية، فأيقنت من طريقة إمساكها بجسم الزجاجة الأسطواني، أنها متمرِّسة في الإمساك بالأجسام الأسطوانية الأخرى، ولعلَّك تفهم ما أعنيه.

اعتدل في المقعد الخشبي، وقال بصوتٍ خافت:

– إن المنخرطين في الوسط الثقافي المصري، تشيع فيهم شتى ألوان الموبقات. أهون أفعالهم إدمان الخمور.

– وأخطرها؟

– اللواط.

لم أعقِّب، فأردف:

– ولهذا تجدني لا أعامل ذكور هذا الوسط إلا باحتقار، ولا أعامل الإناث إلا كما تُعامَل العاهرات، مصداقًا للحكمة التي نصُّها: (النيـ…) في (الشرا…ط) عبادة!

 

(11)

بعد أن ترامى إليَّ خبر تنامي ثروة أحد تلاميذ الكاتب الكبير الذين نبذهم وقاطعهم، وفوزه في أكبر المسابقات الأدبية، سألته ذات ليلةٍ في شغف:

– ما بال الذين طردتَهم من جنتِك يا مولانا، لا يلبثون أن يستقبلوا متاع الدنيا من كل باب، وينعموا بالثراء؟

فأجابني بلسان الحكمة وهو يبتسم:

– نمتِّعُهم قليلًا ثمَّ نضطرُّهم إلى عذابٍ غليظ.

 

(12)

وقبل وفاته بنحو شهرين، فاض عليَّ بأهمِّ ما استخلصتُه من حكمتِه طوال أوان صحبتي له. قال لي أنه قسَّم الأدباء التافهين إلى طبقات على غرار طبقات الفحول من الشعراء، وسمَّاها (طبقات السفهاء من الأدباء)، وهذا ما ذكره لي وَفق ما تسعفُني به ذاكرتي:

– أدباء المشاريب: وهؤلاء يعشقون الجلوس في المقاهي (وعلى الأخص مقاهي وسط البلد) والبارات الشعبية، ليتحدَّثوا في أي موضوع. وهم يتعاملون مع جميع الأشياء بنظرة استعلائية، وفي الغالب كفُّوا عن الإبداع في اليوم الذي عرفوا فيه طريق القهوة! وأفراد هذه الطبقة يستخدمون بإفراط صيغة المبالغة بكلمة (فَشْخ)!

– الأدباء المَوَالي: وهؤلاء يكتسبون قيمتَهم من ولائهم لأديب مشهور (قد تكون شهرتُه دون أي إبداع حقيقي مثل كثيرين). وهؤلاء المَوَالي يكونون دائمًا فشلة مثل أساتذتهم، ولا يُحسنون قراءةَ الفصحى أبدًا بشكلٍ سليم!

– أدباء (التظبيط): وهؤلاء أدباء لا يفقهون شيئًا، لكنَّ لديهم ثراءً فاحشًا وجرأة نادرة، فيلجأون إلى استخدام توليفة (الشعر المصطفى إبراهيميّ أو العَمرو حَسَنيّ – الثراء – بنطلون الجينز الممزَّق – الصوت المرتفع – النكات السمجة) لكي يجتذبوا الفتيات! وهذا طبعًا لأنهم وعوا جيدًا القاعدة التي تنص على أن الفتاة الفائرة لا تميل إلا إلى الشاب ثقيل الظل! وأفراد هذه الطبقة موسومون بالثِّقل والسَّماجة، وكثرة المعلومات المَغلوطة، والكتابات المثيرة للغثيان!

– أديبات سن اليأس: وهؤلاء أديبات متصابيات تجاوزن غالبًا سنَّ الأربعين، ويعشقن الرجال عشقًا محمومًا، ولا سيَّما الشباب! وتكاد تستشفُّ أن سلسلتهنَّ الغذائية تتضمَّن امتصاص دماء الشباب لكي يحافِظن على نَضارة جلودِهنَّ! والمنتميات إلى هذه الطبقة لا يصلن إلى الأورجازم إلا حين يمارسن الأستاذية على أي أديب شاب!

– أدباء (المعاش): وكلمة المعاش هنا لا تعني أن الأديب مُسِن. إنما المقصود بها كل أديب مصاب بالعقم الإبداعي، ولذلك لا يملُّ أبدًا من اجترار النصَّين اللذين كتبهما في الماضي، قبل أن يتقاعد؛ وهذان النصان – في الغالب – تشيع فيهما أخطاء نحوية، تُدخل مرتكبها السجن دون محاكمة!

– شعراء النثر المخبولون: وهؤلاء أشخاص لم يكتبوا قط إلا قطعًا من النثر الفني، ويصرُّون على أن يقال عنهم (شعراء) بأي ثمن. وفي الغالب يطبعون بأموالهم كتبًا فيها قطعهم النثرية، ويكتبون على أغلفتها (شعر) لكي يُشبِعوا مُركَّب النقص الذي يعانون منه، ويناطحوا الشعراء الحقيقيين الذين أفنوا أعمارَهم في دراسة إيقاعات الشعر!

– الأدباء الكبار الطفيليون: وهؤلاء أدباء مسنُّون، ربما كانوا مبدعين حقًّا في يوم من الأيام، قبل أن يبتلعهم (المعاش)! فيكون ملاذ كلٍّ منهم أن يصطفي أديبًا صغيرًا (قطقوطًا!) يتغذَّى عليه، ويوهمه بأنه أستاذه، على أمل أن يذكره بالفضل ما إن يشتهر اسمه. وهذه الحالة يسميها (الكاتب الكبير): الاستغلال الجنسي لشباب الأدباء!

– أديبات البورنو: وهؤلاء أديباتٌ يُعانين الحرمان الجنسي الموازي لتضخُّم في شهواتهنَّ، أو لديهن مشكلات نفسية بسبب التحرُّش، فيشاهدن أي فيديو إباحي على غير اتفاق، ويَصِفنه على الورق في قالب درامي كسيح، وينشرن ما كتبن تحت عناوين مثيرة تتأرجح بين: (غرفة نوم فرويد) و(كرباج نيتشه)! وفي الغالب تنضم أديبات البورنو بعد فترة إلى طبقة (الأدباء المَوَالي)، وخاصةً إذا كانت سيقانُهنَّ مذهلة، أو كانت نهودُهنَّ يجمعها بالرمَّان سلف مشترك!

– الحور العين: وهذه طائفة من الأديبات الفاشلات، الحسناوات بشكلٍ لافت، وتكون مهمتهن هي مكافأة الأدباء المشهورين على شهرتهم، بالالتفاف حولهم، و(التطبيل) لهم، بل والسعي إلى زيارتهم في منازلهم من أجل تبادل السوائل الجسديَّة! وهؤلاء أيضًا يندرجن في طبقة الأدباء المَوَالي!

– الناشر اللوْذَعي: وهذا شخص يملك دار نشر، لم يُنشئْها إلا لينشر لنفسه! وفي الغالب، يحب جدًّا القراءة لنفسه! ويضع like لنفسه على الفيس بوك! ومثل هذا إذا تضايقت منه، فقل له: fuck yourself. وسوف تنتابه نشوةٌ غامرة!

 

(13)

أنا في حيرةٍ حتى اليوم من أمر الكاتب الكبير. هل هو فَردٌ في الحكمة، أم فَردٌ في الكِبْر، أم فَردٌ في التماس أسباب اللهو والعبث مهما دقَّتْ؟ لا أملِك أن ألومَه على سلوكه الوضيع في التعامل مع المنتمين إلى الوسط الثقافي؛ فقد تبيَّن لي بطول المُخالطة أن أغلبهم هم أحطُّ طائفةٍ من الحثالة رأتْها عيناي، وهم يستحقُّون أنْ يُعامَلوا (من تحت الجزمة). لا يمكنني أن ألومَ الكاتب الكبير على أفعاله؛ فما هي إلا نتاج لما شَهِدَه من سفالاتٍ يوميةٍ طوال أعوام حياته. هو يتكيَّف مع قذارة البشر بالتعالي عليهم حينًا، وباستغلالِهم حينًا، وما كان ليقدر على التعايش معهم إلا بفهمهم بحصافة، وبتغلُّبه عليهم في الخبث والدناءة.

أظن أن الكاتب الكبير كان ينتظره مصيرٌ أفضلُ من هذا لو كان عاش في اليوتوبيا التي اعتاد أن يحلم بخلقِها في شبابه، لكنه انجرف في الواقع الشائك، وتكيَّف معه بوسائله، واستطاع أن يُثبت وجودَه في هذا المستنقع، بتنصيبِ نفسِه تمساحًا كبيرًا!

 

(14)

وسألتُه ذات لقاءٍ سبق موتَه بأسبوع، عن إمكانية تحقق المدينة الفاضلة. فأجابني مبتسمًا:

– إن الحياة صراع، ولن يستطيع الإنسان أن يتغلَّب على هذه الحقيقة إلا إذا كفَّ عن الحياة. فالحياة والصراع متلازمان. والمدينة الفاضلة الوحيدة التي يقدر الإنسان على تشييدِها، في ظل القوانين القاسية للحياة، قوامها كلمتان: التكيُّف والإخضاع… أن تتكيَّف مع الواقع المُعادي، وأن تُخضِع الآخرين لسُلطانِك حين تنتصر عليهم.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمد أحمد فؤاد

اترك تعليقا