هل تدمّر الهواتف الذكية الأجيال الجديدة؟
إذا تحدّثنا عن المراهقين بعد جيل الألفية، فهم أكثر راحةً على الإنترنت من الحفلات الخارجيّة، وأكثر أمنًا جسديًّا، من أيّ وقت مضى، ولكنّهم على وشك الإصابة بأزمة صحيّة وعقليّة.
في أحد أيّام الصيف الماضي، وقت الظهيرة، اتصلتُ بأثينا، الفتاة البالغة ثلاثة عشر عامًا من العمر وتسكن في هيوستن بتكساس. كانت قد امتلكت هاتفًا في عمر الحادية عشر، أجابت وهي تبدو كأنّها استيقظت للتو، تحدّثنا عن أغانيها وبرامجها التلفازيّة المفضلة، وسألتُها عمَّا تحبّ القيام به مع أصدقائها. فأجابت: “نذهب إلى المول التجاري”، ثم سألتها وأنا اتذكّر أيام المدرسة الإعداديّة، في الثمانينيات، عندما حظيت ببضع ساعات من التسوق مع أصدقائي دون أيٍّ من أولياء الأمور، “هل يقوم والداك بإيصالك؟”، فأجابت :”كلّا، أنا أذهب مع عائلتي، سنذهب مع أمي وإخوتي ونتمشى قليلًا من خلفهم، فقط عليَّ إخبار أمي إلى أين سنذهب، ويجب أن تتفقدني كل ساعة أو نصف ساعة”.
تعد جولات المول هذه قليلة – بما يعادل مرةً كلّ شهر. تقضي أثينا وصديقاتها أغلب أوقاتهنَّ على الهاتف، دون رقابة، على عكس المراهقين من جيلي، الذين ربما كانوا يقضون الأمسِية بالثرثرة على خط هاتف العائلة الأرضيّ.
أمّا هؤلاء، فهم يتحدّثون عبر برنامج سناب شات، برنامج الهاتف الذكيّ الذي يتيح للمستخدمين إرسال الصور ومقاطع الفيديو التي تختفي بسرعة. هم يحرصون على الحفاظ على شعلة النار، والتي تُظهر عدد الأيام المتتالية التي يتواصلوا فيها على سناب شات، وفي بعض الأحيان، يقومون بأخذ لقطاتٍ من الصور المضحكة لأصدقائهم.
وقد قالت أثينا :”أنّها ابتزاز جيد”، (لا استعمل اسمها الحقيقيّ لأنّها قاصرة) وقد أخبرتني أنّها قضت غالبيّة العطلة الصيّفيّة في غرفتها مع هاتفها، وهكذا هو حال من هم في جيلها، وقد قالت: “نحن لم يكن أمامنا خيار لتجربة حياة خالية من أجهزة الأيباد والأيفون. اعتقد أنّنا نُحبُّ هواتفنا أكثر من حبّنا للناس الحقيقيّين “.
لقد كنت أُجري بحوثًا عن الاختلافات بين الأجيال لمدّة 25 عامًا. وقد بدأت بالبحوث عندما كنت طالبة دكتوراه في علم النفس وأبلغ 22 عامًا. عادةً، تظهر الخصائص التي تحدّد جيلًا معيّنًا تدريجيًّا، ضمن مسار متواصل. حيث أن المعتقدات والسلوكيّات التي كانت أصلًا في حالة ازدياد، استمرّت على ذات الوضع. غير أنّ جيل الألفيّة، على سبيل المثال، هو جيل فرديٌّ للغاية، ولكن هذه الفردية أصبحت في حالة ازدياد منذ أن انخرط مواليد ما بعد الحرب العالميّة الثانية (مواليد فترة الطفرة)، وانغمسوا بالمحيط الاجتماعيّ، ثم انعزلوا.
لقد نشأتُ معتادةً على الرسوم البيانيّة للاتجاهات، التي كانت تبدو كالهضاب والوديان، ثم بدأتُ بدراسة جيل أثينا. وفي حوالي عام 2012، لاحظتُ تغيّرات فجائيّة في سلوكيّات المراهقين والحالات العاطفيّة، وبدأت المنحدرات في الرسوم البيانية تتحوّل إلى جبال شديدة الانحدار، والعديد من الصفات المميّزة لجيل الألفيّة بدأت بالاختفاء. وفي كل تحاليلي لبيانات الأجيال – والتي تعود بعضها إلى الثلاثينيّات من القرن العشرين – لم أشهد شيئًا كهذا.
إنّ حب الاستقلالية قوي جدًا لدى الأجيال السابقة، ولكنّه ذو نسبة أقل لدى المراهقين في الوقت الحالي. في البداية، اعتقدت أنّ هذه قد تكون مجرّد هفوة، ولكن هذه التوجّهات لا تزال قائمةً منذ عدّة سنوات عبر سلسلة من الاستطلاعات الوطنيّة. حيث أنّ التغيّرات ليست فقط بالنّسبة، بل بالنوعية. وإنّ الاختلاف الأكبر بين جيل الألفيّة ومن سبقوهم يَكمنُ في طريقة رؤيتهم للعالم، بينما لا يختلف المراهقون اليوم عن جيل الألفيّة بطريقة رؤيتهم للعالم فقط، بل بكيفية إمضائهم للوقت أيضًا. وأن التجارب التي يواجهونها كل يوم مختلفة اختلافًا جوهريًّا عن الأجيال التي سبقتهم ببضع سنين فقط.
ما الذي حصل عام 2012 حتى تَحدث هذه التغيّرات الجذرية في السلوك؟
كان ذلك بعد حادثة الركود الاقتصاديّ، والذي استمر رسميًّا من عام 2007 وحتّى عام 2009، في محاولة لإيجاد مكانٍ في الاقتصاد المتبقي. (الاقتصاد الذي مازال لديه فرصة صغيرة للازدهار في حالة الركود الاقتصاديّ).ولكنّه كان ذلك الوقت بالضبط الذي تجاوزت فيه نسبة الأمريكيِّين الذين يملكون هاتفًا ذكيًّا عن 50%).
كلما بحثت في الدراسات الاستقصائيّة السنويّة لسلوكيّات ومواقف المراهقين. وكلّما تحدّثت مع الشباب الصغار كأثينا، كلّما أصبح أكثر وضوحًا أنّ جيلهم يتشكّل من خلال الهواتف الذكيّة والتزايد المصاحب لوسائل الإعلام. حيث أُطلِق عليهم لقب (جيل الآيفون)، وهم المواليد بين عاميّ 1995و 2012.
حيث يكبر أبناء هذا الجيل على استخدام الهواتف الذكيّة. ويملكون حسابًا على انستغرام حتّى قبل أن يلتحقوا بالمدرسة الثانويّة، ولا يتذكّرون أي وقت قبل الإنترنت. وقد نشأ جيل الألفيّة على وجود الإنترنت في حياتهم أيضًا، ولكنّه لم يكن موجودًا في حياتهم، ولا في أيديهم طوال الوقت، ليلًا ونهارًا.
إنّ أبناء جيل الآيفون الأكبر سنًّا قد دخلوا مرحلة مراهقة مبكّرة عندما تمّ إصدار الأيفون عام 2007، وكذلك طلّاب المدرسة الثانويّة عندما دخل جهاز الآيباد في التعليم عام 2010. وبناءً على استطلاع أُقيم عام 2017 لأكثر من خمسة آلاف من المراهقين الأمريكيّين، وُجد أنّ ثلاثة من أصل أربعة أشخاص يملكون جهاز أيفون.
وبعد ظهور جهاز الآيفون والجهاز اللوحيّ (تابليت)، تَبِعهم مباشرة الشكُّ والقلق من الآثار الوخيمة لوقتِ الشاشة: وهو إمكانيّة ضبط الوقت الذي يقضيه الأطفال على الأجهزة الذكيّة. ولكنّ تأثير هذه الأجهزة لم يتم فهمه بشكل كامل، ويتخطّى المخاوف المعتادة حول مدى الانتباه والقيود المحدودة.
وقد أدّى ظهور الأجهزة الذكيّة إلى تغيّر كل جانب من حياة المراهقين. من طبيعة التفاعلات الاجتماعية وحتّى الصحة العقليّة. وقد أثّرت هذه التغييرات على الشباب الصِغار في كل زاوية من كل دولة وكل منزل. وتظهر هذه التوجّهات لدى المراهقين الفقراء والأغنياء، من كل خلفيّة عرقيّة في المدن والضواحي والقرى الصغيرة. فأينما وُجدت أبراج اتصالات، فهناك مراهقون يعيشون حياتهم على أجهزتهم الخلويّة الذكيّة.
وقد يبدو هذا الأمر غريبًا ومثيرًا للقلق لدى البعض منّا، الذين يتذكّرون بشغفٍ سن المراهقة التناظريّة. إلّا أنّ الهدف من دراسة الأجيال، ليس من أجل الحنين إلى ما كان عليه الأمر في الماضي، بل من أجل فهم حالهم اليوم.
وحيث أنّ بعض التغيّرات في الأجيال تعتبرُ إيجابيّةً وأُخرى سلبيّة، والعديد منها على حدٍّ سواء. هم يشعرون براحة أكبر في غرف نومهم، أكثر من وجودهم داخل سيّارة، أو في حفلةٍ ما، حيث أنّ المراهقين اليوم أكثر أمنًا من المراهقين في الأجيال السابقة. فَهم أقلُّ عرضة من أسلافهم لحوادث السيارات وأقلُّ عرضة للإدمان على الكحول وما ينتُج عنها من مساوئ.
أمّا من الناحية النفسية، فهم أكثر خطرًا من جيل الألفيّة. حيث ارتفعت نسب الاكتئاب والانتحار لدى جيل الأيفون ارتفاعًا كبيرًا منذ عام 2011. وهذا ليس أمرًا مبالغًا فيه لوصف جيل الأيفون بأنّهم على وشك الإصابة بأزمات الصحة النفسيّة الأسوأ منذ عقود. وأنّ هذا التدهور يُعزى سببه إلى هواتفهم.
إنّ أساليب التربية تستمر في التغيّر، كما المناهج الدراسيّة والثقافيّة. وهذه الأمور تعدُّ قضيَّة مُهمّة، ولكنّ التزايد الملازم للهواتف الذكيّة ووسائل التواصل الاجتماعي، سبَّبَّ هزة أرضيّة قويّة لم نشهد مثلها منذ زمن- أو لم نشهدها على الإطلاق إن صحّ القول. وهناك أدلّة قاطعة على أنّ الأجهزة التي وضعناها في أيادي الشباب الصغار لها تأثير عميق على حياتهم – وجعلهم تُعساء.
ففي أوائل السبعينات من القرن الماضي، التقطت كاميرا المصوِّر بيل ييتس سلسلة من الصور في حلبة التزلج على الجليد في تاميا بفلوريدا، يَظهر في إحدى الصور مراهقٌ عاري الصدر يقف واضعًا زجاجةً كبيرةً من مشروبٍ مسكرٍ بالنعناع في حزام بنطاله، ويظهر في أخرى، صبيٌّ يبدو أنّه لم يتجاوز الثانية عشر من عمره، وهو يضع سيجارة في فمه، حيث كانت الحلبة مكانًا يتيح للأطفال الابتعاد عن والديهم، ويعيشون فيه عالمًا خاصًّا بهم، حيث يمكنهم الشرب والتدخين وتبادل القبلات خلف سيّاراتهم. ودون أي تحفظ، ينظر المراهقين إلى كاميرا ييتس بكلّ ثقة وكأنّهم وُلِدوا ليتخذوا قراراتِهم بأنفسهم، حتى ولو كان الآباء لا يعتقدون أنّهم يتخذون القرارات الصائبة.
وبعد خمسين عامًا، وخلال سنين مراهقتي كوني من جيل اكس، فقد التدخين بعضًا من جاذبيّته، ولكنّ الاستقلاليّة كانت ماتزال قائمةً. حيث خطّطنا أنا وأصدقائي للحصول على رخصة القيادة في أسرع وقت، وفي اليوم الذي أتممنا فيه عامنا السادس عشر، قمنا بأخذ مواعيد في دائرة المركبات المتحرّكة واستخدمنا حرّيتنا الجديدة للهروب من نطاق الحيّ السكنيّ، وعندما سألنا آبائنا ” متى ستكونون بالمنزل؟ أجبنا ” متى يجب علينا العودة؟”.
ولكنّ جاذبيّة الاستقلال، والتي كانت قوية لدى الأجيال السابقة، تحظى بتأثيرٍ أقلّ على مراهقي الجيل الحاليّ، وهم أقلُّ قابليّة لمغادرة المنزل دون والديهم، وهذا التحوّل يُعدّ أمرًا مدهشًا. حيث يخرج طلاب الصف الثاني عشر وحدهم في عام 2012 بشكلٍ أقل من طلّاب الصف الثامن في عام 2009. كما أنّ المراهقين اليوم لديهم احتماليّة أقل للمواعدة. والمرحلة الأولى من المغازلة، والتي سمّاها جيل اكس بالإعجاب، مثل “اووه، والتي تعني أنّه معجب بك”. يطلق عليها الأطفال الآن اسم “التحدّث” – اختيارًا مثيرًا للسخرية من قبل جيل يفضّل المراسلة على المحادثة الحقيقيّة. فبعد أن يتحدث اثنان من المراهقين لفترة، قد يبدأون بالمواعدة. ولكن فقط ما يقارب 56% من طلاب المدراس الثانويّة لعام 2015 خرجوا في مواعيد، أمّا جيل الفطرة وجيل اكس فكانت النسبة 85%.
إنّ الانخفاض في الإقبال على المواعدة والنشاط الجنسي، يعد الأكثر حدّة لطلبة الصف التاسع، حيث انخفض عدد المراهقين النشطين جنسيًّا إلى 40% منذ عام 1991، وأن متوسّط معدّل المراهقين الذين مارسوا الجنس اليوم ولأوّل مرة كان بحلول ربيع الصفّ الحادي عشر، ويعدُّ متأخرًا بسنة مقارنة بجيل اكس.
وقد ساهم انخفاض عدد المراهقين الذين يمارسون الجنس بما يراه البعض أنّه أكثر الاتجاهات الشبابيّة الإيجابيّة في السنوات الأخيرة، فقد بلغ عدد المواليد من المراهقين أدنى مستوى له على الإطلاق عام 2016، وانخفض لنسبة 67% من بلوغه أعلى مستوى عام 1991.
وحتّى القيادة، والتي تعتبر رمزًا لحريّة المراهقين المُدرجة في الثقافة الشعبيّة الأمريكيّة، من فيلم (Rebel Without a Cause) وحتى فيلم (Ferris Bueller’s Day Off)، قد فقدت جاذبيّتها. ومن الواضح أنّ جميع المراهقين من طلاب المدرسة الثانويّة من جيل الطفرة حصلوا على رخصة القيادة بحلول ربيع عامهم الدراسيّ الأخير. بينما اليوم، واحد من أصل كل أربعة مراهقين، لا يزالون يفتقرون لرخصة القيادة حتى نهاية المدرسة الثانويّة. عند البعض، تكون الأم والأب سائقيّنِ جيديّن، مما يعني عدم وجود أي ضرورة لقيادة الابن للسيارة. وقد أخبرتني إحدى الطالبات والبالغة من العمر واحد وعشرين عامًا من سان دياغو: “يوصلني والدايّ إلى كل مكان ولا يتذمران، لذلك، دائمًا ما أجد من يوصلني، وأنا لم أحصل على رخصة القيادة إلّا عندما أخبرتني أمي أنّه يجب عليّ ذلك لأنّها لم يعد باستطاعتها إيصالي إلى المدرسة”، وقد حصَلت على رخصة القيادة بعد ستة أشهر من عامها الثامن عشر. وبعد محادثاتي مع المراهقين، وصفوا حصولهم على رخصة القيادة بأنّه أمرٌ من المزعج أن يتقبله آبائهم- المفهوم الذي لا يمكن تصوّره عند الأجيال السابقة.
إنّ الاستقلاليّة ليست أمرًا بالمجان – فأنت تحتاج إلى بعض المال في جيبك لتدفع ثمن الوقود أو ثمن الشراب المُسكِر. في العصور السابقة، كان الأطفال يعملون بأعداد كبيرة، يتوقون لتمويل أنفسهم وحريّتهم، أو كأن يحثّهم والديهم ليتعلموا قيمة الدولار.
ولكنّ مراهقي جيل الأيفون لا يعملون (أو حتى امتلاكهم لحسنِ التصرّف بأموالهم). في أواخر السبعينيّات، كانت نسبة العاملين بأجرٍ من طلاب الثانوية العامة خلال السنة الدراسية 77%، وبحلول منتصف عام 2010 انخفضت النسبة إلى 55%. وانخفضت نسبة العاملين بأجر من الصفِّ الثامن إلى النصف. ثم تسارعت هذه الانخفاضات في فترة الركود الاقتصاديّ، ورغم عودة الاقتصاد والأعمال، إلّا أنّ عمالة المراهقين لم تعد كما كانت عليه.
وبالتأكيد فإنّ تأجيل المسؤوليّات في سن الرشد لا يُعدّ من ابتكار جيل الايفون. حيث أنّ جيل اكس في تسعينيّات القرن الماضي، كان أول من قام بتأجيل العلامات التقليديّة للبلوغ، فكان مراهقو جيل اكس أكثر رغبة بالقيادة وشرب الكحول، والمواعدة، كما كان مراهقو جيل الطفرة. وكانت لديهم رغبةً أكبر لـممارسة الجنس والحمل وهم في فترة المراهقة، ولكن عندما يتخطى جيل اكس سنين المراهقة، ويحصلون على وظائف فإنّهم يتزوجون في وقت متأخرعن أسلافهم من جيل الطفرة.
وقد تمكّن جيل اكس من تحديد فترة المراهقة بشكلٍ يفوق كل السنين السابقة، حيث أن أبناء هذا الجيل تبدأُ أجسادهم بالبلوغ مبكّرًا، ولكنّهم يصلون إلى سنِّ الرشد في وقت متأخر. بدءًا من جيل الألفيّة وحتى جيل الأيفون. إنّ فترة المراهقة تتراجع من جديد، فقط بسبب تأخُّر ظهورها. وعلى صعيد مجموعةٍ من السلوكيّات مثل الشرب، والمواعدة، وقضاء الوقت دون أيّ رقابة – أصبح أبناء الثامنة عشر يتصرفون كما أبناء الخامسة عشر، وأبناء الخامسة عشر كما أبناء الثالثة عشر، حيث أصبحت الطفولة تمتدّ إلى الثانوية.
عن المراهقين: لماذا يستغرق مراهقو اليوم وقتًا أطول لتحمّل المسؤوليّات والشعور بالرشد؟
بالتأكيد فإنّ التغيّرات الاقتصادية والرعاية الأبويّة تلعب دورًا مهمًّا. وفي اقتصاد المعلومات الذي يقدم مكافئات للتعليم العالي بشكل أكثر من تاريخ العمل المبكّر، قد يميل الآباء إلى تشجيع أبنائهم على البقاء في المنزل والدراسة، أكثر من الحصول على عمل بدوامٍ جزئيّ، وبالمقابل- يكتفي المراهقون اليوم بملازمة المنزل، ليس لأنّهم مجتهدون بالدراسة، بل لأنّ حياتهم الاجتماعية أصبحت على هواتفهم، فهم ليسوا بحاجة إلى مغادرة المنزل وقضاء الوقت مع الأصدقاء.
فإن كان المراهقون اليوم يثيرون الغيظ، فبإمكاننا رؤية هذا في البيانات، ولكنّ طلاب الصف الثامن، والعاشر، والثاني عشر في عام 2010، قضوا وقتًا أقل في أداء الواجبات المدرسيّة مقارنةً مع مراهقي جيل اكس في أوائل التسعينيّات. بينما طلاب الثانويّة الذين يقضون أربعة سنوات في الكليّة، يقضون نفس مقدار الوقت الذي كان يقضيه أسلافهم في أداء الواجبات.
وإنّ الوقت الذي يقضيه المراهقون الأكبر سنًّا في أداء النشاطات، مثل نوادي الطلاب والرياضة والتمارين، قد تغيّر قليلًا في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى انخفاض الأعمال مدفوعة الأجر، وهذا يعني أنّ مراهقي جيل الأيفون لديهم وقت فراغ أكبر مما كان لدى مراهقي جيل اكس، وليس أقل. فما الذي يفعلونه بكلّ هذا الوقت الشاغر؟ هم بالتأكيد على هواتفهم، وفي غرفهم، ووحدهم، وغالبًا ما يشعرون بالأسى.
والمثير للسخرية، أنّه على الرغم من أنّ جيل الأيفون يقضي وقته تحت سقف واحد مع الأهل، فإنه من الصعب أن نقول أنّ مراهقي اليوم هم أقرب إلى أمهاتهم وآبائهم مما كان عليه أسلافهم. وقد أخبرتني أثينا:”لقد رأيت أصدقائي و عائلاتهم– هم لا يتحدّثون مع بعضهم” وأضافت:”هم فقط يقولون حسنًا… حسنًا… لا يهم …، بينما هم على هواتفهم، ولا يُبدون أي انتباه لعائلاتهم”. وأثينا كزملائها خبيرةٌ في تجاهل والديها، لينصبَّ تركيزها فقط على هاتفها.
وقد أمضت أثينا الصيف بأكمله مع أصدقائها، ولكن كل ذلك كان تقريبًا من خلال التراسل على سناب شات، فقد قالت” لقد كنت أُمضي الوقت على هاتفي أكثر مما أمضيه مع الناس الحقيقيين”، وأردفت” لقد أصبح سريري كبصمةٍ محفورةٍ على جسدي”.
وهي تعدّ طبيعيّة في هذا الأمر، فقد انخفض عدد المراهقين الذين يلتقون بأصدقائهم كل يوم تقريبًا إلى 40% منذ عام 2000 وحتّى عام 2015، وكان هذا الانخفاض شديدًا في الفترة الأخيرة. إنّها ليست فقط مسألة عدد قليل من الأطفال الذين يحتفلون ويتسكعون معًا، بل هو أمر يقوم به أغلب المراهقون من الأذكياء والرياضيّين، والأطفال والفقراء والأغنياء، والطّلاب المتوسطين والطلّاب المتميّزين. حيث تم استبدال حلبة التزلج، وملعب كرة السلة، والمسبح العام، وأساليب الملاطفة والمداعبة بمساحات افتراضيّة يتم الوصول إليها من خلال التطبيقات وشبكة الإنترنت.
قد تعتقد أنّ المراهقين يمضون أوقاتهم في هذه المساحات الافتراضية، والتي بدورها تجعلهم سعداء. بينما توحي البيانات بعكس ذلك. ولكن رقابة الدراسات الاستقصائيّة المستقبليّة المموّلة من قبل المؤسسة الوطنيّة لسوء استخدام العقاقير، والتي صممت لتُمثّل الوضع على الصعيد الوطنيّ، قامت باستجواب طلبة الصفّ الثاني عشر بأكثر من ألف سؤالٍ سنويًّا منذ عام 1975، واستجواب طلاب الصفّ التاسع والعاشر منذ عام 1991.
وقد استفسر الاستبيان عن مدى سعادة المراهقين، وكم يخصِّصُون من أوقات فراغهم لأداء النشاطات المتنوعة. بما في ذلك النشاطات التي لا تتضمن قضاء وقتهم أمام الشاشة، كأداء التمارين والتفاعل الاجتماعيّ الشخصيّ. والاستفسار عن النشاطات التي تتضمّن قضاء وقت أمام شاشة الهاتف في السنوات الأخيرة، مثل وسائل التواصل الاجتماعيّ والمراسلة وتصفّح الإنترنت.
وقد كانت النتائج واضحةً جدًا: حيث أنّ المراهقين الذين يقضون وقتًا أكثر من المتوسط في أداء نشاطات الشاشة هم على الأرجح غير سعداء. أمّا المراهقون الذين يقضون وقتًا أكثر من المتوسط في أداء النشاطات بعيدًا عن الشاشات الذكيّة، هم على الأرجح أكثر سعادةً.
وليس هناك أيّ استثناء، حيث أن جميع نشاطات الشاشة مرتبطة بعدم السعادة، وأنّ جميع النشاطات التي لا تتضمن الشاشات الذكيّة مرتبطة بالمزيد من السعادة . وأن طلاب الصف الثامن الذين يقضون عشر ساعات أو أكثر في الأسبوع على وسائل التواصل الاجتماعيّ، لديهم قابلية أكبر لقول أنهم غير سعداء بنسبة 56% من الذين يخصِّصُون وقتًا أقل لوسائل التواصل الاجتماعيّ.
وما لا يمكن إنكاره، هو أنّ عشر ساعات أسبوعيًّا تُعدّ كثيرةً نوعًا ما. ولكنّ الذين يقضون من ست إلى تسع ساعات أسبوعيّا، لديهم قابليّة للشعور بعدم السعادة بنسبة 47% من الذين يقضون وقتًا أقلّ من هذا أيضًا. وأنّ عكس هذا يُعدّ حقيقيًّا في التعاملات الشخصيّة، حيث أنّ الذين يقضون وقتًا أكثر من المتوسط مع أصدقائهم بصورةٍ شخصية، هم أقلّ عرضة لقول أنّهم غير سعداء بنسبة 20% من الذين يقضون وقتًا أقل من المتوسط.
كلّما أمضى المراهقون وقتًا أكثر أمام الشاشة، ازدادت أعراضُ الإصابة بالاكتئاب لديهم.
إن كنت ترغب بتقديم نصيحة من أجل مراهقة سعيدة، بناءً على هذا الاستطلاع، قد تكون مباشرةً بهذا الشكل: ضع الهاتف جانبًا، أغلق الحاسوب المحمول، وقم بفعل شيءٍ ما، أيّ شيءٍ لا يشمل الشاشات الافتراضيّة. ومما لا شكّ فيه – أنّ هذه التحليلات لا تُثبت بشكل قاطع أنّ قضاء الأوقات أمام الشاشات الافتراضية تسبب التعاسة. فمن الممكن أن يقضي المراهقون التعساء المزيد من الوقت على الانترنت. ولكن تشير الأبحاث الحديثة إلى أنّ قضاء الوقت أمام الشاشات الافتراضيّة، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعيّة على وجه التحديد، يسبِّبُّ التعاسة بالفعل. وقد طلبت إحدى الدراسات عبر صفحة على الفيس بوك من طلّاب الكليّات بملءِ استبيان قصير على هواتفهم على مدار أسبوعين. سيصلهم فيه رسالة نصيّة تحتوي على رابط، لخمس مرات باليوم، ويقدّمون تقريرًا عن حالتهم المزاجيّة ومقدار الوقت الذي يقضونه في استخدام الفيس بوك. وكلما زاد استخدامهم للفيس بوك، شعروا بالتعاسة. ولكنّ الشعور بالتعاسة لم يخفّف لاحقًا من استخدام الفيس بوك.
إنّ مواقع شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك، تَعِد بإبقائِنا على تواصل مع الأصدقاء، ولكنّ الصورة الناشئة من واقع البيانات لمراهقي جيل الأيفون، هي صورةُ جيل وحيدٍ ومشرّد، وأنّ المراهقين الذين لا يتصفّحون مواقع شبكات التواصل الاجتماعيّ يوميًّا، ولكنهم يلتقون بأصدقائهم شخصيًّا بصورةٍ أقل، كثيرًا ما يؤيّدون عبارات مثل:” كثيرًا ما أشعر بالوحدة”، “غالبًا ما أشعر أنّني أفتقد بعض الأمور”، “كثيرًا ما أتمنى لو أنني أملك أصدقاء جيّدين”. إنّ شعور المراهقين بالوحدة ارتفع في عام 2013 وبقي مرتفعًا منذ ذلك الحين.
وهذا لا يعني أنّ الاطفال الذين يقضون وقتًا أطول على الإنترنت، على المستوى الفرديّ، يشعرون بالوحدة أكثر من الأطفال الذين يقضون وقتا أقل على الإنترنت. كما أنّ المراهقين الذين يقضون وقتًا أطول على وسائل التواصل الاجتماعيّ، يقضون وقتًا أكثر مع أصدقائهم بصورة شخصية أيضًا. فبشكل معتدل- يعتبر المراهقون الأكثر ميلاً للتواصل الاجتماعيّ ، يكونون اجتماعيّين في كلا المكانيّن، والعكس صحيح. ولكن على مستوى الأجيال، فعندما يقضي المراهقون وقتًا أطول على الأجهزة الذكيّة، ولديهم تفاعل أقل في العلاقات الاجتماعيّة الشخصية، تكون الوحدة أكثر شيوعًا.
ويكون المراهقين أكثر عرضة للإقدام على الانتحار بنسبة 35%عندما يقضون ثلاث ساعات باليوم أو أكثر على الأجهزة الالكترونية، كوضع خطة انتحاريّة (وهذا أشد من الخطر المترتب على مشاهدة التلفاز)، حيث أنّ جزءًا واحدًا من البيانات قد يُجسّد بشكلٍ مدهش وغير مباشر عزلة متنامية عند الأطفال، سلبًا أو إيجابًا. وقد انخفضت معدلّات جرائم القتل بين المراهقين منذ عام 2007، ولكنّ معدلات الانتحار كانت في ازدياد، فعندما بدأ المراهقون بقضاء وقت أقل معًا، أصبحوا أقل عرضة لقتل بعضهم البعض، ولكن أكثر قابلية لقتل أنفسهم، وفي عام 2011 ولأوّل مرة منذ 24 عامًا، كان معدل انتحار المراهقين أكثر من معدل جرائم القتل بين المراهقين.
وللإحباط والانتحار أسبابٌ عديدة، وممّا يبدو أنّ كثرة انتشار التكنولوجيا ليست السبب الوحيد. حيث تظهر معدّلات الانتحار بشكل أكبر في التسعينات، وهي الفترة قبل وجود الهواتف الذكيّة. ومن الناحية الأخرى، حوالي أربعة أضعاف الأمريكيّين الذين يتناولون مضادّات الاكتئاب، والتي غالبًا ما تكون فعّالة في معالجة الاكتئاب المزمن، تعد النوع الأكثر ارتباطًا بالانتحار.
ما هو الرابط بين الهواتف الذكية والاضطّرابات النفسية الواضحة التي يعاني منها الجيل الحالي؟
رغم كل القوى التي تبذلها وسائل التواصل الاجتماعيّ لربط الأطفال ليلًا ونهارًا، هي أيضًا تزيد من القلق حول استبعاد المراهقين القدامى. فمراهقو اليوم يذهبون إلى عدد أقل من الحفلات، ويقضون القليل من الوقت معًا، ولكن عندما يجتمعون، فإنهم يوثّقون اجتماعاتهم باستمرار على سناب شات، وانستغرام، وفيس بوك. فيكون غير المدعوين للحضور على علم تام بها. وبناءً على ذلك، بلغ عدد المراهقين الذين يشعرون أنه قد تم استبعادهم، أعلى المستويات على الإطلاق ضمن جميع الفئات العمرية. وكما هو تزايد الوحدة، كان تزايد الشعور بالاستبعاد سريعًا وملموسًا.
وقد نجد هذا التوجّه بشكل خاص أكثر شدّة بين الفتيات. حيث أنّ 48% من الفتيات يقلن أنّهن غالبًا ما كنّ يشعرن بأنّه قد تم استبعادهن في عام 2015 أكثر من الفتيات عام 2010. مقارنة ب 27% من الصبيان. وتستخدم الفتيات وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل أكبر، ممّا يتيح فُرصًا إضافية لشعورهنّ بالاستبعاد والوحدة عندما يرينّ صديقاتهنّ أو زميلاتهن يخرجون معًا دونهنّ. وتفرض وسائل التواصل الاجتماعي ضريبة نفسية على المراهقين الذين يقومون بالنشر أيضًا. حيث ينتظرون بفارغ الصبر تأكيد التعليقات والإعجابات. أخبرتني أثينا عندما نشرت صورًا على انستغرام: “إنّني أشعر بالقلق مما سيفكر به الناس وماذا سيقولون، ويزعجني في بعض الأحيان عدم حصولي على عدد معيّن من الإعجابات على صورة ما”.
وقد تحمّلت الفتيات أيضًا العبء الأكبر من ارتفاع أعراض الاكتئاب بين المراهقين. حيث ازدادت أعراض الاكتئاب لدى الصبيان بنسبة 21% من عام 2012 وحتّى 2015، بينما الزيادة عند الفتيات كانت بنسبة 50%، أيّ أكثر من ضعفيّ المعدل عند الصبيان. كما أنّ الارتفاع في معدّلات الانتحار يعدّ أكثر وضوحًا بين الفتيات. ورغم ارتفاع المعدّل عند كلا الجنسين، إلّا أنّ ثلاثة أضعاف عدد الفتيات بعمر 12 و14 عامًا قُمنَ بقتل أنفسهن في عام 2015، كما حدث عام 2007، مقارنة بضعف هذا العدد عند الصبيان. إنّ معدّلات الانتحار ما زالت أكثر ارتفاعًا عند الصبيان. ويعزى ذلك جزئيًّا إلى استخدامهم المزيد من الأساليب المميتة، بينما تقدم الفتيات على الانتحار من أجل الوصول إلى الخلاص فقط.
وقد يعزى سبب هذه العواقب الوخيمة إلى حقيقة أنّ الفتيات المراهقات هم أكثر عرضة للتسلّط عبر الإنترنت. حيث يتسلّط الصبيان بعضهم على الآخر جسديًّا، أمّا الفتيات؛ فمن المحتمل أن يفعلن ذلك من خلال إضعاف العلاقات أو الحالة الاجتماعية للضحيّة.
تقدّم وسائل التواصل الاجتماعيّ للفتيات في المرحلة المتوسّطة والثانويّة برنامجًا للقيام بالأسلوب العدائيّ الذي يفضّلونه، بنبذ واستبعاد الفتيات الأخريات على مدار الساعة. إنّ شركات وسائل التواصل الاجتماعيّ يدركون هذه المشاكل بالتأكيد، وهم يسعون بدرجة أو بأخرى إلى منع هذا التسلّط الإلكترونيّ. ولكن تعد دوافعهم المختلفة، على أقل تقدير، معقدة. ولقد أشارت وثيقة على الفيس بوك تم تسريبها مؤخرًا، إلى أنّ الشركة كانت تروّج لشركات الإعلان عن قدرتها على تحديد الحالة العاطفيّة للمراهقين استنادًا إلى سلوكيّاتهم على الموقع. وحتى تحديد ” اللحظات التي يحتاج فيها الشباب الصغار إلى تعزيز الثقة”. وقد أقرّت شركة فيس بوك أنّ الوثيقة كانت حقيقية، ولكنّها أنكرت أنّها تقدّم ” وسائل لاستهداف الأشخاص بناءً على حالتهم العاطفية”.
وفي يوليو عام 2014، استيقظت فتاة في الثالثة عشر من عمرها في شمال تكساس على رائحة شيء ما يحترق. كانت قد ازدادت سخونة هاتفها وذاب على الأغطية. قامت الأخبار الوطنية بأخذ القصة وإثارة خوف القراء من أنّ هواتفهم قد تحترق بشكل تلقائي. أما بالنسبة لي، فلم يكن الهاتف المشتعل هو الأمر المفاجئ الوحيد في القصة، وتساءلت، لمَ قد ينام شخص ما واضعا هاتفه بجانبه على السرير؟! كما لو أنك تستطيع تصفح الانترنت أثناء النوم. ومن قد يغفو بعمق على بعد إنش من طنين الهاتف؟!
بكل فضول، سألت طلاب البكالوريوس في جامعة ولاية سان دياغو عمّا يفعلون بهواتفهم أثناء نومهم، وكانت إجاباتهم عبارة عن صورة للهوس. حيث ينام جميعهم تقريبًا وهواتفهم بجانبهم، ويضعونها تحت وساداتهم، على الفراش، أو على الأقل على بعد ذراع من أسرّتهم، وهم يتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم مباشرة، ويلتقطون هواتفهم بمجرّد استيقاظهم في الليل. وهم غالبًا ما ينتهي بهم الأمر بالنظر إلى الهاتف. وقد استعمل بعضهم لغة الادمان ، فقال أحدهم عن النظر الى الهاتف قبل النوم : “أعلم أنه لا يجب عليّ فعل ذلك، ولكن لا يمكنني أن أكبح نفسي”، ويرى البعض الآخر هواتفهم على أنها امتداد لأجسادهم، أو كالعشيق، فيقول أحدهم: “إنّ وضع هاتفي بالقرب مني يجعلني أنام بارتياح”.
قد يكون الأمر مريحًا، ولكن الهواتف الذكية اليوم تقطع من نوم المراهقين، فالعديد منهم ينام أقل من سبع ساعات في أغلب الليالي. وقد قال خبراء النوم أن المراهقين ينبغي عليهم النوم لمدة تسع ساعات في الليلة الواحدة، وأن المراهق الذي ينام أقل من سبعة ساعات يفتقر إلى النوم بشدة. وقد كان أكثر من 57% من المراهقين يعانون من فقر النوم في عام 2015 مقارنة بعام 1991، وخلال السنوات الأربع من عام 2012 وحتى عام 2015، فشل 22% من المراهقين في الحصول على سبع ساعات من النوم.
إنّ هذه الزيادة مثيرة للريبة، فمجددًا، عندما حصل معظم المراهقين على الهواتف الذكية. بيّنت دراستان استقصائيتان وطنيتان أنّ المراهقين الذين يقضون ثلاث ساعات أو أكثر في اليوم على الأجهزة الالكترونية، هم أكثر عرضة بنسبة 28% للحصول على أقلّ من سبع ساعات نوم من أولئك الذين يقضون أقلّ من ثلاثة ساعات. وأنّ المراهقين الذين يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي كلّ يوم، أكثر عرضة بنسبة 19% لإصابتهم بفقر النوم.
وقد كشفت تحاليل إحصائية لدراسات حول استخدام الأجهزة الإلكترونية بين الأطفال عن نتائج مشابهة، حيث أنه من المرجّح أنّ الأطفال الذين يستعملون أجهزة التواصل مباشرة قبل الذهاب إلى السرير، لا يحصلون على القدر الكافي من النوم، وهم أكثر عرضة لفقر النوم، وبالإضافة إلى ضعفي احتمال الشعور بالنعاس خلال النهار.
لقد لاحظت أنّ طفلتي، والتي لا تكاد تستطيع المشي، تسحب نفسها بكل ثقة باتجاه جهاز الآيباد.
يبدو أنّ الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعيّ لديها قدرة قوية على إعاقة النوم. فالمراهقين الذين يقرأون الكتب والمجلّات أكثر من المتوسط، هم أقلّ عرضة للإصابة بفقر النوم – إما لأنّ القراءة تدفعهم إلى النوم، أو لأنّ باستطاعتهم وضع الكتاب جانبًا عند حلول موعد النوم. ولا تعدّ مشاهدة التلفاز لعدة ساعات في اليوم سوى مصدرًا ضعيفًا لقلة النوم، أما جاذبية الهواتف الذكية فهي غالبًا ما تكون من الصعب مقاومتها.
يرتبط فقر النوم بعدة قضايا، بما في ذلك التفكير والأسس المنطقية، العرضة للإصابة بالأمراض، زيادة الوزن، وارتفاع ضغط الدم. كما تؤثر أيضًا على الحالة المزاجية: حيث أنّ الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم، معرّضين للإصابة بالاكتئاب والقلق. ومجددًا، من الصعب تتبع المسارات السببية الدقيقة.
قد تسبّب الهواتف الذكية نقصًا في النوم، مما يؤدي إلى الاكتئاب، أو قد تسبب الهواتف الإحباط مما يؤدي إلى نقص النوم. وقد تسبب عوامل أخرى الارتفاع في الاكتئاب وفقر النوم. ولكنّ من المرجح أنّ ضوء الهواتف الذكية الأزرق المتوهج في الظلام يلعب دورًا بغيضًا.
إنّ العلاقة المتبادلة بين الاكتئاب واستخدام الهواتف الذكية قوية بشكل كافٍ لتبين أنّ الآباء عليهم أن يخبروا أبناءهم بضرورة ترك هواتفهم. وكما صرّح الكاتب التكنولوجي نيك بلتون، أنها سياسة يتبعها بعض المسؤولين التنفيذيين في وادي السيليكون. حتى أنّ ستيف جوبز، حدّ من استخدام أبنائه للأجهزة التي جلبها إلى العالم.
وما نحن بصدده ليس فقط كيفية مواجهة الأطفال لفترة المراهقة، حيث أنّ التواجد المستمرّ للهواتف الذكية من المحتمل أن يؤثر على المراهقين حتى سنّ الرشد. ومن بين الأشخاص الذين يعانون من نوبة اكتئاب، يتعرّض نصفهم على الأقلّ للاكتئاب مجددًا في فترة لاحقة من الحياة. وتعدّ فترة المراهقة وقتًا حاسمًا لتطوير المهارات الاجتماعية، حيث أنّ المراهقين الذين يقضون وقتًا أقلّ مع أصدقائهم وجهًا لوجه، لديهم فرص أقلّ لممارسة هذه المهارات. وقد نشهد في العشر سنوات القادمة، أنّ المراهقين يعلمون الرمز التعبيري المناسب لموقف معين، وليس تعابير الوجه المناسبة.
لقد أدركت أنّ الحدّ من التكنولوجيا قد يكون مطلبًا غير واقعيّ لِيُفرض على جيل من الأطفال اعتادوا على الاتصال بالإنترنت طوال الوقت. لقد ولدت بناتي الثلاث في عام 2006، و 2009، و2012. ولم يبلغن بعد العمر المناسب لإظهار خصال مراهقي جيل الآيفون. ولكنني شاهدت بنفسي كيف أنّ وسائل التواصل الحديثة راسخة في حياتهم اليافعة. وقد لاحظت أنّ طفلتي التي لا تكاد تستطيع المشي، تسحب نفسها بكلّ ثقة باتجاه جهاز الآيباد. كما أنّ ابنتي البالغة ستة أعوام طلبت مني هاتفًا نقّالًا. بالإضافة إلى أنني سمعت بالصدفة ابنتي البالغة تسعة أعوام تناقش أحدث تطبيق عن كيفية اجتياز الصف الرابع.
إنّ نزع الهواتف من أيادي أبنائنا سيكون صعبًا، وربما أصعب من الجهود المبذولة في أجيال آبائنا في إجبار أطفالهم على إغلاق قناة إم تي في والحصول على بعض الهواء النقي. ولكن يبدو أنّ هناك العديد من المخاطر في حثّ المراهقين على استخدام هواتفهم بشكل مسؤول، وهناك فوائد يمكن تحقيقها حتى لو كان كلّ ما نحاول غرسه في أبنائنا هو أهمية ضبط النفس.
إنّ الآثار الملموسة على كلا الصحة العقلية ووقت النوم، يظهر بعد قضاء ساعتين أو أكثر من اليوم على الأجهزة الالكترونية. وأنّ متوسط قضاء المراهقين الوقت على الأجهزة الالكترونية يبلغ ساعتين ونصف من اليوم. وأنّ وضع الحدود الخفيفة قد تحفظ الأطفال من الوقوع بالعادات المؤذية.
وقد رأيت خلال محادثاتي مع المراهقين بَوادر أمل بأنّ الأطفال بدأوا يربطون بعض مشاكلهم بدوام استعمالهم للهاتف. وأخبرتني أثينا أنها عندما تقضي بعض الوقت مع أصدقائها فإنهم يستمرون بالنظر إلى أجهزتهم لا إليها. فتقول: “إنني أحاول أن أتحدث معهم عن أمر ما، ولكنهم في الواقع، لا ينظرون إلى وجهي؛ فهم ينظرون إلى هواتفهم أو إلى ساعة أبل الخاصة بهم”. فسألتها: “كيف هو شعور محاولة التحدّث إلى شخص ما وجهًا لوجه، ولكنه لا ينظر إليك في المقابل؟” فأجابت: “إنه مؤلم نوعًا ما، وأنا أعلم أنّ جيل آبائي لم يكن يفعل هكذا. فالآن، أحاول التحدث عن أمر مهمّ جدًا بالنسبة لي، وهم لا ينصتون حتى”.
وقد أخبرتني ذات مرة، أنها كانت مع صديقة لها، والتي بدورها كانت تراسل حبيبها.. فتقول: “لقد كنت أحاول أن أخبرها عن عائلتي وعمّا يحصل، وقد كانت تكتفي بقول اااه…. نعم …..أيا كان، فأخذت الهاتف من يدها ورميت به على حائطي”. لم أستطع التوقف عن الضحك..
تدقيق: فاطمة الملاح