لماذا يُعدُّ توقع الفائز في كأس العالم أمرًا صعبًا؟

الافتقار إلى الفرص الواضحة! ربّما تكون هذه إجابة واضحة لسؤال مثل هذا.. قد يضع المراهنون أسعارًا عشوائيّة يصعب على خبراء الإحصاء جمعُها في نماذجهم.

14 حزيران، 201 

لو أنّ بول مازال على قيد الحياة، لما شاهد مباراة كرة قدم قط، ولا تعلّم كيفيّة استخدام جداول البيانات، أو إصدار بيانٍ صحفيّ عن أحدث آلات التنبؤ. لقد كان بول ذو شهرة عالميّة بسبب قدرته الخارقة على توقع الفائز في المباريات الدوليّة الكبرى. وخلال المباريات الأوروبيّة عام 2008 وكأس العالم عام 2010، كان قد أخطأ مرتين فقط. إنّ إصدار بول لـ 14 تنبؤًا قبل وفاته المفاجئة في تشرين الأوّل عام 2010، لم تَنتَقص من مكانته الأسطوريّة، كما لم تُفعّل حقيقة ميوله لبلده ألمانيا 11 مرة. كان بول مجرّد أخطبوط، يستطيع تنبؤ مستقبل مباراة كرة القدم من خلال الاختيار بين اثنين من الصناديق التي تحمل أعلامًا وتحتوي على المحار.

إنّ السر وراء مذهب بول ذهب معه إلى قبره المائيّ، وقد بَطُلت محاولات عديدة لحدائق الحيوان من حول العالم في إِنتاج متنبّئ بنفس القدر من الموهبة. وبعد مرور ثمانية أعوام، قد يُغفر لمشجّعي كرة القدم تفويت موعد المراسيم الرسميّة بداخل حوض الأسماك في اوبيرهاوسن. وقبل نهائيّات كأس العالم لهذا الصيف، تم إغداق مشجعي كرة القدم بتنبؤات علماء الخوارزميّات، الذين تباهوا بأرقامهم المعقّدة وتحقيق نتائج مختلفة. حيث رشّحت المؤسّسة المصرفيّة غولدمان ساكس فوز البرازيل، واختار بنك اينغ إسبانيا كمرشحة للفوز، أمّا شركة يو بي سي فقد اختارت ألمانيا، ودعمت نومورا فرنسا.

إعلان

إنّ وجود مجموعتين متناقضتين من التنبؤات، لن يكون له فائدة تُذكر في إقناع مشجّعي كرة القدم بأنّ خبراء الإحصاء يعلمون الكثير حول هذه اللعبة الجميلة، أو أنّهم يستحقون التشكيك، إلى حدٍّ ما. ولا يُمكن لأيّ من هذه النماذج تفسير حقيقة طرد مدرِّب إسبانيا قبل يوم واحد من موعد المباراة، ولا حقيقة أنّ محمد صلاح اللاعب المصري اللامع قد لا يكون قادرًا على اللعب بشكل كامل، وأنّ مسعود أوزيل وايلكاي غوندوغان، اللاعبان الألمانيّان من أصول تركية، قد تعرّضا للسخرية من قبل مشجّعيهم بعد أن توقفا لالتقاط الصور مع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان.

إنّ هذه المفارقات العشوائيّة تعني أنّ علماء الرياضة يكافحون من أجل إصدار تنبؤات أدق من المراهنين أو من أسواق الرهان، التي تقوم بتسعيرهم. إنّ البيانات القادمة من أسواق المراهنة العادلة، والتي تسمح للمقامرين بالمراهنة ضدّ بعضهم البعض، تُظهر أنّهم في الواقع كانوا يستجيبون للأخبار المتعلّقة بصحة اللاعب محمد صلاح.

وقد انخفضت نسبة احتمالية تأهل مصر في المجموعة الأولى من 40% إلى 30% بعد إصابة محمد صلاح في كتفه في نهائي دوري أبطال أوروبا. ثم ارتفعت هذه النسبة مجدّدًا إلى 40% بعد ما عمّمته الأخبار من أنّه قد يستعيد عافيته في الوقت المحدّد للبطولة.

أما فرص إسبانيا فبالكاد تغيّرت منذ إقالة جوليين لوبيتيغي في الثالث عشر من حزيران، بعد إعلانه لاستلامه تدريب فريق ريال مدريد بعد البطولة. وربّما تقبل المراهنون أخيرًا البحوث الأكاديمية التي تشير إلى أنّ المدربين لديهم القدرة على إحداث فارق كبير في أداء اللاعبين. وفي غضون ذلك، توسّعت فرص ألمانيا في الأسابيع القليلة الماضية، وإن التفسيرات الأكثر منطقية لذلك، ليست الحالة النفسية لمسعود أوزيل وغوندوغان وإنما بعض الأداءات الضعيفة. بما في ذلك الهزيمة ضد أستراليا والفوز بشقّ الأنفس على المنتخب السعودي.

من باب الشكليّات

كان هذا النصر الأول لمنتخب ألمانيا لكرة القدم في ست مباريات، بعد التعادل مع بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، والهزيمة ضد البرازيل. إنّ مرور فريق ذو شعبيّة في حالة تدهور، يُعدّ الوضع الذي يثبت أنّ خبراء الإحصاء هم الأفضل في دراسة الأمور. وبدلًا من تقبّل الفكرة المبتذلة عن الرياضة، والتي تَقول:” الأداء مؤقت ولكن المكانة دائمة”- وهو مطلب غير مُوافق عليه من قبل هنغاريا التي وصلت مرتين إلى النهائيّات، ولكن لم تتأهل منذ عام 1986- عملوا على تقديرها.

هم يفعلون ذلك بصورة عامة باستخدام تعديلات نظام تصنيف ايلو، والذي وُضع في البداية للعبة الشطرنج. ولكنّه يطبق الآن على العديد من الفرق الرياضية، حيث يقوم النظام بتبديل نقاط التقييم بين الفرق المنافسة، وإعطاء نقاط أكثر لهزيمة الخصم الأقوى. وتأخذ الأفرقة درجات إضافية في حالة فوزهم بعيدًا عن الوطن، و في حالة حصوله على فارق كبير، أو في بطولة رئيسيّة، بشكلٍ حاسم. تتضمن معادلة ايلو مراعاة الترجيح، والتي تختلف باختلاف أنواع الرياضة، ولكنّها تفرض مقدار التقييمات التي ينبغي أن تستجيب لأحدث النتائج. وهذا الوزن يعدُّ الأمثل لإنتاج أفضل تناسب بين الأداء الرديء السابق و فترات التحسّن المستقبليّة.

في رياضة كرة القدم، يُعدّ الموقع الإلكترونيّ الأكثر شهرة في توفير هكذا تقييم، موقع (ايلو ريتنجز. نت ). ويجد الأكاديميون أنّه يتنبأ بالنتائج بشكل أفضل بكثير من الترتيب الرسمي الموجود لدى الاتحاد الدوليّ لكرة القدم – فيفا. إنّ الهيئات الإداريّة للرياضة، التي تعتمد على الترجيحات العشوائيّة لديها القدرة على التلاعب في رفع فريق ضعيف إلى أعلى القائمة. ( وقد أقرَّ الاتحاد الدوليّ لكرة القدم بهذا الأمر أخيرًا، من خلال إعلانه بأنّه سيعتمد نظام ايلو للتصنيف بعد البطولة ). حيث أنّ غالبية التنبؤات الصادرة من البنوك وخبراء الاقتصاد استخدمت منهجية ايلو نوعًا ما.

ومازال هناك بعض الاختلافات بين خبراء الإحصاء الذين يستخدمون هذه التقنية.  حيث يهدف موقع ايلو ريتنجز. نت إلى تقديم السجل التاريخي، بالعودة مباشرة إلى عام 1872. ومع ذلك، انخفض عدد الأهداف المسجّلة في كل مباراة بمقدار النصف منذ القرن التاسع عشر من 4.5 إلى ما يقارب 2.5، مما يجعل استخدام الترجيحات الثابتة أمرًا صعبًا. وقد وجد نادي الـ21 – نادي الاستشارات لكرة القدم، والذي يعمل على تتبع النتائج لكلّ الأفرقة الدوليّة والنوادي- إنّ الطريقة الأكثر دقة لتنبؤ نتائج المباريات الحديثة، تكون بالاستغناء عن الفائزين والخاسرين معًا، مقابل التركيز على الأهداف المسجّلة والمستقبَلة، بالإضافة إلى تأثير البطاقات الحمراء ومحاسن الموطن المميّز – فبوليفيا مثلا تملك أكبر ميّزة لأنّها تلعب على ارتفاعات شاهقة واستثنائيّة.

إنّ تقييم نادي الـ21 ركّز بشكل خاص على البرازيل، التي سجّلت 47 هدفًا، واستقبل مرماها خمسة أهداف فقط في السنتين الماضيتين. وهذا يُعدُّ كافيًا لاستحقاق 32% من احتمالية الفوز بكأس العالم. في المقابل، منحت التقييمات ألمانيا فرصة 5% فقط، بعد احتساب فارق الأهداف منذ تشرين الأول من العام الماضي .ويبدو أنّ المراهنين لديهم آراء أقل حدّة. حيث تقترح أسواقُ المراهنة العادلة بأنّ البرازيل لديها احتماليّة رفع كأس العالم بنسبة 19%، بينما احتمالية فوز ألمانيا هي 16%. فما الذي أحدث هذا الفرق؟

قوّة اللّاعب

إنّ التفسير الأكثر احتماليّة هو أنّ المراهنين يعتقدون أنّ أداء ألمانيا كان ضعيفًا مقارنة بفريقها الموهوب، في حين أنّ البرازيل كانت متفوّقة – وبالتالي، فإن نتائج كلا الفريقين تتّجه نحو تحقيق الجودة لقوائم مشجّعيهم– ومع الأسف، يعدّ قياس مدى مهارة اللاعب وحده أمرًا صعبًا. وقد حاول بعض خبراء الإحصاء، مثل أولئك في موقع هوسكور. كوم، القيام بذلك من خلال تخصيص قيمة معيّنة لكلّ حركة يقوم بها اللاعب بالكرة، من التمريرات البينيّة وحتّى إيقاف الخصم بعنف. إلّا أنّه بإمكان اللاعبين الأفضل إضافة قيمة كبيرة دون الحصول على الكرة، إمّا من خلال إبعاد المهاجمين عن الهدف، أو بسحب المدافعين من أماكنهم بالركض المستمر. وعلاوة على ذلك، فإنّ بيانات المباراة التفصيليّة المطلوبة لمعادلة كهذه، متاحة فقط لدى عدد قليل من البطولات المحليّة.

إنّ النهج البديل لقياس مدى مشاركة اللّاعب، هو من خلال النظر في كيفيّة أداء فريقه في حال وجوده أو عدمه في الملعب. وتُستخدم هذه الطريقة بشكل شائع في لعبة كرة المضرب وكرة السلّة. وكانت الرياضة قديمًا عبارة عن سلسلة من المواجهات شخصًا لآخر، بين الرماة وضاربي الكرة، بينما طرأ على الرياضة الحديثة تغيّرات متواترة. وتكرار هذه الحسابات في لعبة كرة القدم يعدُّ أكثر صعوبة، حيث أنّ الأندية تلعب عددًا أقل من المباريات الثابتة من الألعاب الرياضية الأمريكيّة، ويعدّ الاستبدال فيها أمرًا نادرًا. وبالرغم من ذلك، فإنّ الإصابات، وتبديل الأماكن بين الشوطين، والتنافس على كأس العالم، جميعها أدّى إلى عدم ثبات تشكيلة الفريق في كل مباراة خلال الموسم.

وبعد تشكيل هكذا نظام، وجد نادي الـ21 أنّ البرازيل وألمانيا هم بالفعل ضمن أكبر فريقين لصاحبي الإنجازات وصاحبي الأداء المتدنيّ، مقارنة بلاعبيهم المتوفّرين. وفي الحقيقة، إن كان التنبؤ بنتيجة البطولة مبنيًّا على أداء اللاعبين بدلًا من أداء الفريق الحالي، فإنّ احتماليّة ألمانيا قد تزداد لأكثر من ضعفيّ النسبة لتصل 14%، بينما قد تنخفض نسبة البرازيل إلى أقل من النصف لتصل لـ 13%.

وقد أوضح لويس اوسير، الذي صمّم هذه النماذج، أنّ التنبؤات المستنِدة على اللاعب في المباريات المحليّة، أكثر دقّة من تلك التي تستند على تقديرات الفريق. وهذان الإجراءان يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بموسم النّادي الطّويل. ولكن منظومة اللاعب تملِك الأفضليّة، لأنّ بإمكانها مراعاة التغيّرات في انتقاء اللاعبين. ولم يتم إدارة أي من النموذجين لمواكبة أسواق الرهان، عندما يتعلّق الأمر بتوقّع إن كانت المباراة ستنتهي بفوز أو انسحاب أو هزيمة. ولكن التوقعات المتعلّقة باللاعبين كانت موفقة بنسبة 99%، بينما تخلّف الفريق وحده عن تحقيق نسبة 98%.

وهناك بعض المتنبئين الذين يعتقدون بأنّ الحُكم على فريق عالميّ بناءً على لاعبيه بشكل أساسيّ، يعد المنهج الصحيح. وأن التوقعات النهائيّة لنادي الـ21 تستخدم نظام النصف بالنصف بين درجات تقييم الفريق واللّاعب، أمّا موقع الإحصاء الرياضيّ (فايف ثيرتي ايت)، فقد اختار ترجيح 75-25% (باستخدام نموذج تقييم مشابه لنادي الـ21)، وخصّصت مؤسسة غولدمان ساكس الربع من الطاقة التنبؤيّة لمنهجها لتقييم درجات اللاعب. ومع ذلك، لم تَكشِف عن طريقة حسابها لها.

وتستند عمليّات التحوّط الماليّ هذه بشكل واسع على الشكوك حول قدرة الفرق الوطنيّة على تحويل التألّق الفرديّ إلى نجاح جماعيّ. حيث أنّ اللاعبين اللامعين الذين يملكون الوقت الكافي للتأثيرعلى أنديتهم قد يقضون القليل من الأسابيع فقط في التدرّب مع أبناء وطنهم. وتنظّم بعض الدول أكثر من 15 مباراة في السنة، وأغلبها مع دول صديقة. وتبين بيانات نادي الـ 21 أنّ بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا، قد شاركوا بوصف ألمانيا بالأداء المتدني مقارنة بموهبتهم. وقد تكون هذه تقلّبات عشوائيّة، أو قد تكون بسبب عدد المنافسين الضعفاء الذين واجهوهم في مباريات التّأهل، والتي سلبت منهم فرصهم للتدرّب في بيئة تنافسيّة.

ولأنّ معظم خبراء الإحصاء قد أنشأوا نظامًا خاصًّا بهم لتقييم درجات اللاعب منذ بطولة كأس العالم الأخيرة، لم يَعد بإمكانهم تقدير إن كانوا أقل أو أكثر فعالية في تنبؤ البطولات العالميّة الكبرى من مباريات الأندية. ولكن يبدو أنّ شكوكهم تحظى بقبول المراهنين أيضًا. كما أنّ الاحتمالات الضمنية لسوق الرهان تُعدّ أقرب لتوقعات نادي   الـ 21 من التوقّعات المتعلّقة بفريق وحده أو لاعب وحده.

شجاعة الألمان

هناك حقيقة واحدة اتفق عليها كل من موقع فايف ثيرتي ايت، ومؤسسة غولدمان ساكس وجميع توقّعات نادي    الـ 21. وهي أنّ المراهنين  يبالغون في تقييم احتمالية ألمانيا لحمل اللّقب، من أي مكان من 3 إلى 11 نقطة مئوية. وأن أسواق الرهان، بالطبع، لديها حصيلة الإنجازات. حيث أنّ الرهان ضد الألمان يبدو أمرًا كارثيًّا. فقد وصل منتخب ألمانيا لكرة القدم لنصف النهائيات بما يقارب ثلاثة أرباع البطولات الكبرى التي حضرها. كما يتمتّع لاعبوها بالشهرة بسبب هدوئهم تحت الضغوطات. فقد سجلوا 17 ضربة جزاء من أصل 18 في مواجهات كأس العالم. وربّما يقوم المقامرون بالمساومة على عزيمتهم، لعلمهم أنّ خبراء الإحصاء سوف يعانون صعوبة في تقديرهم.

بالرغم من ذلك، يجب عليهم توخي الحذر في وضع الكثير من الثقة على كفاءة الألمان. حيث أنّ نتائج ضربات الجزاء تبدو عشوائية إلى حدٍّ كبير، رغم المهارة المحسوسة للاعب. فمثلًا سجّل ليونيل ميسي، أحد أفضل المبدعين في تاريخ الرياضة، 77% فقط من المحاولات خلال مسيرته الرياضية. وهذا هو معدّل جميع ضربات الجزاء في مباريات الدوري خلال العشرة سنوات الأخيرة. وكذلك قام توماس مولر، اللاعب الألماني الأكثر خبرة في الاستحواذ على الكرة، بتحويل 79% من ضرباته. بينما متوسط معدّل خيارات فريقه الهجوميّة الأخرى في تبادل الكرة – ماركو روييس، تيمو فيرنر، ماريو غوميز ومسعود أوزيل – لا تتجاوز 74%. وبالتأكيد، كان بول سيتوقع بول الأخطبوط  نصر أبناء وطنه، وكذلك سيفعل المراهنون. بينما سيأخذ خبراء الإحصاء موقف المتفرج.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: ايمان الحاج عيد

تدقيق لغوي: فاطمة الملّاح

اترك تعليقا