كيف أقامت ستاربكس شركتها فنجانًا فنجانًا: قراءة في كتاب “صُبها بعشق”
حتى لو لم تكن تعرف الفرق بين الفرابتشينو والماكياتو، والكابتشينو والڤانتي فسوف تجد هذه السيرة الذاتية لـ هاورد شولتز (Howard Schultltz) المدير التنفيذي لـ ستاربكس ممتعة، نُشرت هذه السيرة في 1997 في كتاب بعنوان: صُبَّها بعشق: كيف أقامت ستاربكس شركتها فنجانًا فنجانًا. (Pour your heart in It: How Starbucks built a company one cup at a time).
ويتكوَّن العمل من ثلاثِ أجزاءٍ موزَّعة على إثنيْ وعشرين فصلًا، وأعيد طبعه عدة طبعات، والنسخة التي نقوم بقراءتها الآن صدرت في 2014 وعدد صفحاتها 380 صفحة.
النشأة ستاربكس:
تأسست ستاربكس الأصلية في عام 1971، وافتتحت أوَّل محل لها في سوق “بايك بلاس” في سياتل، واستوحى مؤسِّسوها إسم ستاربكس من أحدِ شخصيات رواية موبي ديك.
وتختلف ستاربكس الأصلية كثيرًا عن السلسلة الحالية فلم تكن تبيع إلَّا حبوب البن الغامقة المحمَّصة، وآلات طحنها.
التحوِّل:
اشترى “هوارد شولتز” الشركة، وهو صاحب هذه السيرة في سنة 1973 وحوَّلها من مجرد محمصة لبيع البن إلى شركة عالمية ورمزًا ثقافيا في الولايات المتحدة على غرار ماكدونالد.
وفي سنة 2000 استقال منها ،ثم عاد إليها بـ 2008 لإنقاذها من الإفلاس ولكي يعيدها إلى سابق عهدها.
الحلم:
خطرت فكرة ستاربكس على عقل هوارد شولتز أثناء رحلته إلى إيطاليا حيث افتتتن برومانسية المقاهي هناك، وإبتسامة الذين يقدِّمونها (البريستا) وتلك الألفة العائلية في مكانها، وقرَّر نقل هذه التجربة إلى أمريكا، لكنَّ أصحاب ستاربكس القدامى رفضوا فكرة القيام ببيع القهوة كمشروب (اكسبرسوا).
التحدِّيات:
لم تكن القهوة جزءً أصيلًا من الثقافة الأمريكية الخالصة آنذاك، كما أنَّ استهلاكها في السبعينات والثمانينيّات قد إنخفض بشدَّة بعد إرتفاع أسعارها نتيجة موجةِ الجليد الشديدة التي ضربت محصول البن في البرازيل مرَّتين.
لم يكن الشباب يُقبل على القهوة حيث ارتبطت بكبار السن وعادات الآباء ولكنه كان يفضّل المشروبات الغازية والكحولية، كانت هناك بعض المحلَّات الصغيرة التي تقدِّم مشروب القهوة بأسعارٍ رخيصة ولكنَّها من نوعياتٍ رديئة، كما كانت البيوت والمكاتب تعتمد على ما يعرف بالـ coffee maker لقهوة رديئةٍ نسميها هنا النسكافيه.
كيف نجحت ستاربكس في تحقيق الحلم:
تم هذا النجاح عبر طموح شديد وعشق للعمل، والاستعانة بالكفاءات العالية، ومعاملة ماديَّة وصحيَّة ممتازة للموظفين حتى المؤقتين منهم، وهو أمر ليس معهودًا في هذا القطاع، هذا فضلًا عن سياسة توسُّعيُّة شديدة.
خلق الثقافة ومجتمع القهوة وهذا ما أحب التركيز عليه:
1- استهدفت ستاربكس مجتمعَ الطبقة الوسطى والشريحة العليا منها، حيث سعر الكوب القهوة بها ليس هو الأرخص بل يُعَدُّ مرتفعًا غير أنَّه يتمتَّع بجودةٍ عالية.
2- جعلت ستاربكس محلاتها تمثِّل مكانًا وسيطّا بين العمل والبيت أسموه “المكان الثالث the third place”، أيّ أنَّه ليس مكانًا للاسترخاء مثل المنزل ولكنَّه مريح للقاء الأصدقاء والزملاء وتبادل الأحاديث، فضلًا عن إختيار الفروع في أماكنٍ بقربِ العمل والمكتبات العامة والجامعات والمدارس.
3- استخدمت ستاربكس اللغةَ لخلقِ ثقافةٍ خاصة حيث شاع استخدام كلمات إيطالية لم يعتد الأمريكان عليها في هذا المجال مثل الفرابتشينو، والماكياتي وde caf، والكثير من العبارات الأخرى التي يجد المستخدمون لأوَّل مرَّة صعوبة في إستعمالها، ولكن بعد ألفتها يشعرون بالتميُّز وهم يطلبونها تباهيًا أمام أصحابهم الجدد، ذلك التميُّز الذي يشعر به من يرتدون الماركات مثل (نايكي وبوما وأبل).
3- قام الموظَّفون بكتابة أسماء الروَّاد المتكرِّرين على الأكواب مما ساعد على تقوية العلاقة مع المكان.
4- الإصغاء إلى كلام العميل (مرونة تلبية الطلب) حيث طالب بعض مرتادي ستاربكس ذات مرة بأن يكون الكابتشينو من لبنٍ خالي الدسم، وكان ستاربكس لا يقدِّم مشروباته إلَّا بلبن كامل الدسم كعادة المقاهي الأوروبية، لكنه قرَّر على الفور إستخدام اللبن خالي الدسم ثم أدخل لبن الصويا واللبن العضوي بعد ذلك، وأعدَّ هو وادارته كتيبًا يحدد فيه المقبول وغير المقبول من طلبات العميل.
5- إضافة الكتب والموسيقى وخدمات كثيرة مثل بيع cds خاصة بستارباكس.
6- بيع القهوة للسيارات، فيلاحظ الواحد باستمرار يأنَّ السيارات الأمريكية بها دائمًا ماسكٌ للأموال على عكس السيارات الأوروبية.
وفي الختام فهذه قصة نجاحٍ بالفعل، وإن كنت لا أنصح أصحاب المشاريع الصغيرة أن ينتهجوا مثل هذه السياسة التوسُّعية التي انتهجها شولتز، وذل لأنَّ بها مغامرة كبرى ، لكنِّي أنصح بقراءة الكتاب .
و لنتذكرَّ دوما أنَّ”النجاح يكون بلا معنى إذا وصلتَ إليه وحيدًا، النجاح أجمل عندما تصل إليه وأنت محاطٌ بالفائزين الآخرين”.