فيلم “Equilibrium”:عندما يصبح الشُعُور جَرِيمَةً!

إبان قيام حربٍ عالميَّةٍ ثالثة، في بداية القرن الواحد والعشرين، وفي بلدةٍ تُسمَّى ليبريا، بعد نجاة من تبقَّى من البشر، وخوفًا من حربٍ عالميَّةٍ رابعة؛ قام نظامٌ عالميٌّ جديدٌ يُحرِّم المشاعر البشريَّة وكلّ ما يمكنه أن يُثير فينا الشعور ويعطينا الإحساس، كالفَنِّ، والموسيقى والشعر، والعاطفة، والألوان، والحُبِّ، وامتلاك الحيوانات الأليفة. ويَد القانون في هذا النظام هو كاهن غراماتون، فمهمته الوحيدة هي السعي خلف المتمرِّدين على هذا النظام، مجرمي الشعور!
Equilibrium ( 2002)، فيلم الخيال العلمي والأكشن، من بطولة كريستيان بيل الذي قام بدور الكاهن (جون بريستون)، ومن تأليف وإخراج كيرت ويمر، وبالرغم من مرور عقدٍ على هذا الفيلم، ومن مشاهد الأكشن المبالغ فيها، إلا أنه يناقش فكرةً عظيمةً وفي غاية الحساسية، وهي المشاعر البشريَّة، فهل نستطيع أن نحيا دون الشعور؟ وكيف يمكن للعالَم أن يتخلَّص من معضلة الحروب والجرائم البشريَّة؟

يبدأ فيلم Equilibrium بعرض لقطاتٍ لا تخلو من البروباجاندا لرئيس الإتحاد السوفيتي الثاني جوزيف ستالين والرئيس العراقي الغنيّ عن التعريف صدام حسين الذي سار على خُطى ستالين، ومَشاهد إضافيَّة كانفجار قنبلة نوويَّة، نيرانٍ تلتهم البيوت والمساكن، وأسطولٍ بحريٍّ -إشارةً إلى الحروب الدامية التي عاصرتها البشريَّة، والديكتاتورية العنيفة التي تَمَّ انتهاجها، وأنّ سبب الدمار الذي حلّ على العالَم هو الشعور بالغضب والحقد والكراهية.

وقد قام هذا النظام بإيجاد العلاج وهو عقار البروزيام، كبسولة شفافة تحوي بداخلها سائلًا أصفر اللون، يتناولونه في أوقاتٍ معيَّنةٍ وكلّما دعتهم الحاجة إليه بحقنه في الرقبة عن طريق مسدسٍ مصمَّمٍ خصيصًا له، هذا البروزيام يمنع الشعور أيًّا كان، كانفعالات الغضب والكراهية، فيخدِّر حزنهم وأساهم، يبيد غيرتهم وحنقهم ورغبتهم في الانتقام، وينجيهم من ظلمات الاكتئاب، فهو بالنسبة لهم أفيون خَلاصهم ونبات سلوانهم العظيم، وكذلك المشاعر النبيلة كالحُبِّ والرضا والابتهاج بالنفس، فقد تَمَّ تقديمها كتضحيةٍ عادلةٍ للبروزيام، وقربانًا لهذا النظام، ليطمس شعورهم، فالشعور مرض!

الكاهن جون بريستون وهو من مؤسِّسي النظام والقائمين بتطبيقه من خلال البحث عن مجرمي الشعور وإعدامهم ميدانيًا بالرصاص أو تحويلهم للحرق بعد المحاكمة، يقوم بالانقلاب على هذا النظام بعد تلف جرعته عن طريق الخطأ، فيدرك أنه ارتكب جريمةً وخطأً فادحًا بالسماح لهم بحرق زوجته، وقتله لصديقه مجرم الشعور الكاهن إيرول بارتريدج (الممثل شون بين) الذي وجده جون بريستون متلبسًا يحمل بين يديه كتابًا للشاعر الأيرلندي ويليام بتلر ييتس، ويقرأ من قصيدته الخياليَّة الساحرة، “أثواب السماء”.

“لو أنّ لديّ ثياب السماء مطرّزة وشيّة

مشغولةً بالضياء الذهبيّة والفضيّة

ثياب الليل والنهار والغروب

الزرقة والظلام والخفوت

لفرشتها بين يديكِ

ولكنّي فقيرٌ معدمٌ لا أملك سوى أحلامي

أبسطُ أحلامي تحت قدميكِ

فاخطِ برفقٍ لأنك تخطين على أحلامي”.

الشاعر ويليام بتلر ييتس

أثواب السماء

ويبدأ جون بريستون التعلُّق بمجرمة شعور، وهي ماري أوبراين (إميلي واتسون)، التي تَمَّ إلقاء القبض عليها لإخفائها غرفةً مليئةً بالأشياء المُدانة التي تُصنَّف ك( إي سي 10) مثل أعمال رسمٍ ثُنائيَّة الأبعاد وأسطوانات تحوي الموسيقى، وكتبٍ ورواياتٍ أدبيَّة. أشياء تغوينا للشعور، إلهام للحياة، كالتنفس -كما دار بينهما من حوار- فبدون هذا الشعور وبدون الحُبّ يصبح التنفس كدقات الساعة.

إعلان

يسعى جون بريستون لقتل الأب، لأنّه هو القانون وإرادته أهمّ من إرادة المجلس، وعليهم التحلّي بالإيمان وطاعتهم العمياء لها لأنها إرادة الربّ كما أخبره دوبونت (الممثل أنجوس ماكفادين) نائب المجلس من استشارية “تيتراغراماتون” الثالثة وصوت الربّ كما يعرّف نفسه.

فيلم Equilibrium حقيقةً من أكثر الأفلام تأثيرًا بي، شاهدته قديمًا في ذات الفترة التي كنت أقرأ فيها رواية للكاتبة بثنية العيسى، وهي “كبرت ونسيت أن أَنسى”، التي تعاني بطلتها من سطوة أنظمة مُسْتَبِدّة تتجسَّد في سُّلْطَة أخيها عليها، فتكتب أوّل قصيدة لها أسفل علبة المناديل الورقيَّّة، وتطبع الصفحات الأولى من مناهجها الدراسيَّة لتلصقها بالروايات الأدبيَّة التي تقرأها كي لا يتمّ إدانتها كمجرمة فنٍّ وشعور! فشعرت بالامتنان للعاطفة والشعور، والأدب، وكلّ الأشياء الثمينة التي غمرتنا بالسعادة يومًا ما.

وبالتأكيد لسنا بحاجةٍ أن نتطرَّق للحديث عن أهميَّة المشاعر، وكيف تعطينا الرغبة في الحياة وتُنمّي ذكاء أطفالنا الإبداعي، وكيف تساعدنا على التواصُل وفهم بعضنا البعض بشكلٍ أكبر، وكيف للغة والكلمات ألّا تسعفنا على التعبير بشكلٍ أوضح كما تفعل مشاعرنا وعواطفنا! زد إلى هذا عدم مقدرتنا على كبح جماح هذه المشاعر حتى ونحن نتظاهر بالجمود، لذلك سقط الفيلم في هفوات الشعور مرَّات عديدة، فكان بإمكانك أن تلحظ مشاعر الخوف، الغيرة، الغضب، والفرح في تصرُّفات الممثلين، وكيف تعتصر على ملامحهم، بالرغم من تناولهم للبروزيام.

لك أن تتخيَّل ترابُط هذا الفيلم بواقعنا بالرغم من كونه خيالًا علميًّا، فالنظام الأبويّ والأنظمة الدينيَّة المتطرّفة أنظمةٌ قمعيةٌ مُسْتَبِدَّة، تُحرِّم التعبير والشعور والفَنّ، فعلى سبيل المثال، رأينا رجال حركة طالبان قبل فترة قصيرة يكسرون آلة موسيقيَّة لعازف أفغانستانيٍّ أمام عينيه وهو يبكي مرغمًا على المشاهدة. هذه الأنظمة تصنع من شعبها جيشًا من الروبوتات المنقادة لأوامر الفرد، مُخدَّرةً بأفيونٍ يشابه البروزيام تمامًا، ولكن الفارق الوحيد، أنه يحقن في الدماغ، فيُحرِّمون به عاطفتنا ومشاعرنا الطبيعيَّة التي خُلِقنا بها، وربما نحن ننسى لكن الشعور نعمةٌ عظيمة، وأعظم هبة قد يحظى بها الإنسان على الإطلاق.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: يقين عادل

تدقيق لغوي: أمل فاخر

اترك تعليقا