قراءة نقديَّة لرواية “حرب الفيمينست الأخيرة”

حرب الفيمينست الأخيرة، رواية للكاتب السوري منذر السليمان، صدرت مؤخرًا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، حيث تقع الرواية في 192 صفحة من الحجم المتوسط، ونجد فيها أنَّها تتحدَّث عن حربٍ أخيرة أحد أطرافها ناشطًا نِسْويًّا “فيمينست” مع عِدَّة نساءٍ.

حرب الفيمينست الأخيرة

إنَّ صورة الغلاف كما نرى تُظهِر النساء قويَّات، وبمختلف ألوان البشرة والشعر والعيون جميعهن متحدَّات، يرفعن قبضة اليد، والتي تَعُد أحد رموز هذه الحركة.
بداية يظهر لنا إبداع الكاتب في الجانب الفنيّ للرواية، إذ نرى أنَّ الحبكة كانت في تصاعدٍ مستمر حتى النهاية، وقد جمع الأحداث بطريقةٍ مترابطة على الرغم من تنقله بين أزمنةٍ وشخصياتٍ وأحداثٍ وأماكنٍ مختلفة، فقد استخدم هذا الأسلوب ليثير فضول القارئ ويضيف عامل التشويق لديه، فيبرز جماليَّة فريدة لأسلوب بناء الرواية وشكلها. هذا وقد جعل الكاتب المستقبل زمنًا لها وحاكها في بلدانٍ ومواقعٍ مختلفة، فزاد من شغف القارئ وانجذابه لها.
انعكست لنا حنكة الكاتب الفنيَّة وثقافته الفكريَّة عبر الشخصيات المثقَّفة التي برزت في الرواية، فنرى آدم بطل الرواية الشاب اليافع ذا العشرين ربيعًا ينغمس في حواراتٍ فلسفيَّة علميَّة عميقة مع نفسه، ونقاشات فكريَّة دقيقة مع من حوله؛ لتتكشَّف لنا شخصيته المستقِّلة الرافضة للإذعان والخضوع مع تتابع الأحداث، بالإضافة للصراع الداخليّ الذي كان يعيشه آدم بدءًا من يوم ميلاده، اختطافه وإجباره على ممارسة العلاقة الجنسيَّة، وانتهاءً تحت الضغط لتحديد مصير البشر جميعًا. من دون نسيان أنَّ آدم هنا يقوم بالدور الذي قام به النبي آدم كما ورد في الروايات الدينيَّة، لكن الفارق الوحيد هو أنّ آدم ولِدَ من أبوين بيولوجيّين.

ظهرت شخصية الآنسة أليسون أو كوبيلي كما أطلقت على نفسها مركَّبة، إذ تحوَّلت من الخير إلى الشر، فكانت طبيبة غادرت بلدها إلى بقعةٍ ساخنة تعاني من الحرب والويلات في الشرق الأوسط؛ لتقدِّم واجبها الإنسانيّ وتساعد المدنيِّين الأبرياء، فتحوَّلت إلى أكثر السفاحين إجرامًا على مرّ التاريخ، بِقضائها على جنس الذكور وإبادتهم بالكامل. ويجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الآنسة كوبيلي اتخذت قرار الإبادة وحدها دون الرجوع إلى أعضاء حركتها النِسْويَّة أو حركة (المرأة الأرض) كما أطلقن عليها، مع بعض المغيَّبات اللواتي اشترتهنّ بالرواتب الخياليَّة والمنتجعات السياحيَّة، ذلك يعني أنَّ هذه الحرب قامت بين طرفين وهما: الآنسة كوبيلي الراغبة بالانتقام، والطرف الخاسر الذكور، فكانت هذه هي حرب الفيمينست الأخيرة التي أظهرت لنا ترابُط العُنْوَان.

ولكنّ السؤال هنا: هل الآنسة كوبيلي نِسْويَّة؟ فقد يظنّ البعض أنَّ الرغبة في إنشاء مجتمع أموميّ مغاير للمجتمع الذكوريّ الذي تعيش فيه نساء الشرق والغرب على حدِّ سواء مُنًى وأمنيةً للنِسْويَّات، إن كان بإبادة جميع الذكور أو من خلال إنشاء نظام أموميّ مسيطر على كلا الجنسين، لذلك يجدر التنويه إلى أنّ الحركة النِسْويَّة التي نعرفها اليوم تتجّه نحو المساواة بين الجنسين متخذةً الحياد والعدل دون أن يسيطر نظامٌ على آخرٍ.

اتخذ الكاتب نوعين من السرد، فقد بدأ الرواية باستخدام ضمير الغائب، الراوي الذي يسرد أحداث رودريغو وأليساندرا بحيادٍ ولا يتدخل في الأحداث، ثُمَّ أكمل الرواية باستخدام ضمير المتكلِّم، فكان آدم هو السارد للأحداث من زاويته، وهذا ما ميَّز الرواية لاستخدام الكاتب تقنية سيل الوعي ، فكثيرًا ما شاهدناها في حوارات آدم الداخليَّة مع نفسه، وكذلك سيلفيا -التي لاحقًا بادلت آدم مشاعر
الحب- فأضفى توظيف هذا التنوُّع السرديّ بُعدًا جماليًّا على بِنْيَة النص اللغويَّة وأسهب في تمتِينها.

إعلان

رواية حرب الفيمينست الأخيرة رواية متكاملة من الجانبين الفنيّ والموضوعاتيّ، فقد خلع الكاتب ثوب الخجل والقداسة المألوف للرواية العربية، وتطرَّق إلى مواضيعٍ أثرت الرواية وعمَّقت مضامينها، فالحرب في الشرق الأوسط مثَّلت الجانب الإنسانيّ الحزين الذي يتحدَّث عن مآسِ الناس وآلامهم، وهو السبب والدافع خلف تطرُّف كوبيلي ورغبتها في الانتقام من جنسٍ بأكمله، ومواضيع أخرى والخوض فيها كالإنجابيَّة واستمرار النوع البشريّ، والمثليَّة الجنسيَّة التي رآها الكاتب نتيجة حتمية في مجتمعٍ خالٍ من الجنس الآخر، بالإضافة إلى الآلهة القديمة التي بقيت حتى انتشار المسيحيَّة، فكوبيلي إلهة الطبيعة والخصوبة التي عُبِدَت في آسيا الصغرى جسَّدت الفكر المتعلِّق بالحياة، مؤكدًا بذلك على دور المرأة في هذه المجتمعات ونظرتها لها.

نرشح لك: الحركة النسوية- رحلة في 5 كتب

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: يقين عادل

تدقيق لغوي: أمل فاخر

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا