عبور الروح حدود الجسد – تناسخ الأرواح وأشياء أخري
هناك مسوخ ومسوخ تزأر في الغابات المظلمة..
ومسوخ تنتظر في أعماق المحيط.. ومسوخ تفتح أبواب المقابر ليلًا..
ومسوخ تفتح عيونها في ظلام معملٍ ما.. لكن أشنع مسخ يمكن للمرء أن يلقاه.. هو نفسه.
-دكتور/ أحمد خالد توفيق.
هل خُيّل إليك يومًا أنّك قد تكون أكثر رعبًا من مسخٍ ينتظرك في ردهة دارك ليلًا؟! تخيّل معي عودتك للمنزل في يومٍ عادي، مُثقل ومُحمَّل بأعباء الحياة، وعندما تعبر باب المنزل متوغِّلًا إلي غرفتك، تباغتك نفسك جالسة علي كرسيك المُفضَّل!!!
البداية
لكل شيء بداية وأنا بدايتي الأحلام، الأحلام هي بوابة النّفاد إلي عالم السِّحر، العلم أوجد العديد من الأسباب والأوجه للأحلام، بل فسّر بعضُهم هذه الأحلام تفسيرات تبدو أقرب للعقل والواقع، لكن ما علاقة المنطق والعقل بالسِّحر؟! لطالما كان العلم موضع اهتمامي ولا أعتمد أي نظرية أمارسها في الحياة إلّا من خلاله، لكن أضع أمام أعيني أيضًا أنّ العلم بذاته القائمة الحالية كان ضربًا من الدجل والشعوذة في العصور السابقة، فلماذا لا أترك العنان لمُخيّلتي وراء هذا العلم؟ أفكار كثيرة حاربها العلماء ومن ثمّ تبنوها وأثبتت صحتها، أؤمن أنّ لا شيء فوق المراجعة والنقد وأنّ لا شيء صواب بنسبة مائة بالمائة، لا أحد يملك مفاتيح المعرفة المطلقة للصواب والخطأ ولا شيء ثابت فكل الأشياء متغيّرة.
الوجه الآخر
أوّل مرّة واجهت نفسي في أحلامي كان منذ سنوات بعيدة، ها أنا هائمة علي وجهي، أرتدي فستان طويل للغاية قرمزي مثل فساتين القرن السابع عشر وأدخل بين أطلال قصر مهجور متهدم، أطلال أقرب من كونه بناء، أجول بناظري بين حوائطه التي انهار معظمها، لا أشعر بقدميّ فأنا لست سائرة عليها !! أجول وكأن لدي القدرة على الحراك بدون قدميّ! كم خفت من نفسي وأنا بداخلها أراها تهيم بدون قيود بمجرد رغبتي في الحركة أتحرك، ثم كيف لي أن أعرف هذا القصر بمنتهي السلاسة؟ أعرف هذا القصر فحدسي يخبرني أنني عشت هنا من قبل! استيقظت من نومي فزعة متسائلة عن كنه هذا الحلم وأعتقدته كابوسًا آخر لكن الغريب أنني كنت خائفة من نفسي!.
ديجافو!
أذكر مرور شهور قبل تكرار هذا الحلم مع إضافة قدرتي علي التحليق أثناء تفتيشي بين أغراض القصر المتهدم، اعتقدت أنني لم أحلم بهذا من قبل صباحًا وأن عقلي يختلق ذاكرة وهمية، أو ما حدث لي نهارًا عندما تذكرت حُلمي هو ظاهرة “شوهد من قبل” الشهيرة، لكن سرعان ما تراجعت فذاكرة حدسي بالأشياء أقوى من ذاكرة عقلي الممنطق، سأثق بحدسي الغريزي، فهو ميراثي الأصدق من أجدادي الأوائل وكثيرا ما أنقذني لماذا سيخذلني الآن؟! وتتكررت أحلامي التي أحلق فيها فوق الخرائب أبحث عن شيء لا أعلمه لكنني أوقن بداخلي أثناء الحلم أنني أعلم جيدا ما أبحث عنه وتطور الأمر مع الوقت وأصبحت أغادر جسدي في الأحلام وأنظر إليه ليباغتني هذا الشحوب وهذا الفم الذي يبدو وكأنه يطوي أنياب تحته! فهل كنت مصاصة دماء في عصر غابر؟! هل كنت أحد هذه المسوخ التي أعتدنا نقرأ عنها ونشاهدها في التلفاز ونعتقد أنها خيالية ولا يخشاها الإ الصغار؟!!
الغرق
أربع سنوات تقريبا وأنا أحلم يومياً أنني أسقط في نهر “النيل” ليلاً ، والطمي والأعشاب يملأون فمي فلا أستطيع الاستغاثة ، وأحاول العوم بإصرار وحولي أناس لم ألتقِ بهم من قبل ، والظلام يشوش رؤيتي للتفاصيل الدقيقة في ملامحهم ، لكن كنت متأكدة أنني لم أرهم من قبل ، حتى بت أخشى أن أسير في طريق يُتيح لي رؤية نهر “النيل” ليلاً أو حتى نهاراً !! ، فأنا أشعر بالفعل أنني أغرق هنا يومياً ، ولم أجد تفسير مقنع لحالتي ًعند الأطباء ، وأصبح هذا الحلم يؤرقني فأدخل إلى سريري وأعلم أنني على وشك بدء رحلة الغرق ، وهذا شعور مضنٍ كدّر صفو حياتي وجعل من النوم شيئاً مستحيلاً معظم الأوقات.
.
التناسخ في الأديان
عندما سطرت كلماتي في محرك البحث بوغت بنتائجها ، فها هو يطرح أمامي كل ما له علاقة بتناسخ الأرواح ، وكنت أعلم عن تناسخ الأرواح بضع من المعلومات، ورغم إندهاشي من النتائج لكن لم أشعر باستنكار من الفكرة المطروحة أمامي ، ففي العقيدة “البوذية” و”الهندوسية” نجد أنهما تؤمنان بأن الروح تعود في أشكال أخرى، أو كمجرد روح بذاتها غير ظاهرة في جسد مرئي ، وعدد المؤمنين بهذه العقيدة في الشرق الأقصي ملايين من البشر وليس بالإمكان تجاهل معتقداتهم ، وفي الدين” الإسلامي ” نجد أن آية ” كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” من سورة البقرة رقم”28″ فسرها بعض المفكرين المسلمين كالإمام “الغزالي” بأنها دلالة صريحة علي عودة روح المتوفي مرة أخري إليه في جسد أخر وحياة أخرى! وجسّد نفس الفكرة أيضا المفكر الدكتور “مصطفى محمود” في روايته “العنكبوت” ، فمن قرأها يعلم أنه افترض من خلالها خلود الروح ، كما ذُكر التناسخ أيضا في تفاسير لأهل العلم في الديانة “المسيحية ” لبعض آيات في “الإنجيل” ما يؤيد هذه الفكرة ، متمثلا في طقوس تعميد المولود في الكنائس، وهي المعمودية أو الولادة الثانية ، وهذا يطرح السؤال التالي: هل المعمودية هي إيمان بتناسخ الأرواح؟
التناسخ في التاريخ
عندما نفتش في الأعماق نجد أن “هيرودوت” في مؤلفات “أوفيد” قدم رحلة الأرواح هذه علي أنها ليست في البشر فحسب بل تشمل الحيوانات والنباتات ، قال شارح كتاب “جامكيتنوما”:
يرى القائلون بتناسخ الأرواح أنّ رحلة الأرواح تمتد إلى الموجودات كلها؛ فثمة موكب من الأرواح يتنقل من أبدان البشر إلى الحيوانات، فالنبات، فالجمادات والمعادن، ومن البر إلى البحر وعكسه. ويطلقون “النسخ” على انتقال الروح من جسم إنسان إلى آخر، و”المسخ” على انتقالها إلى جسد حيوان يناسبها، و”الرسخ” على انتقالها إلى النبات والأشجار، و”الفسخ” على انتقالها إلى الجماد.
كما سردت بعض كتب التاريخ أن الإنسان البدائي افترض وجود إنسان بداخل إنسان ، أي أن هناك قوة دافعة وهذا الشخص الخفي هو الذي يوجهنا نحو الخير أو الشر ، ونجد في تاريخ مصر القديم “الفراعنة” اعتقدوا أن الروح تعود إلى نفس الجسد ، لهذا قاموا بتحنيط الأجساد انتظارا لعودة حلول الروح “كا” في نفس الجسد مرة ثانية بعد مئات أو آلاف السنوات، وفي الحضارة اليونانية نجد من العلماء الذين نادوا بتناسخ الأرواح العالم “فيثاغورث” عالم الرياضيات والفيلسوف اليونانى الشهير ، إذ قال أن الروح تعود للأرض عدة مرات فى عدة ولادات أخرى لتتقمص أجساد أشخاص آخرين ، وبين ممات وميلاد فإن الروح يتم تطهيرها فى العالم السفلى ، ومن بعد موتات وميلادات تكون الروح قد تطهرت تماما لتترك هذه الدائرة المغلقة من موت وتقمص لتسبح فى السماء ، ولقد اتفق “بالتو” الفيلسوف اليوناني مع “فيثاغورث” فى عملية التقمص هذه ، ولكن كان إلى “بالتو” زعم أخر حيث قال إن الروح حينما تحل فى الجسد وتحدث عملية التقمص فإنها تتدنس ، ثم يموت الإنسان لتتطهر روحه فى العالم السفلى ثم تعود لتتقمص جسد م ا، ثم يموت وهكذا، وفى النهاية إن كانت الصفة السائدة على الروح هى الطهر فمكانها فى السماء.
فخ الحيرة
جاءت الحيرة إلىَّ راكضة عندما انتهيت من بحثي المحموم في الشبكة العنكبوتية حول مقابلة نفسي الأخرى التي لا أعلم عنها شيئًا ، فهل كنت ذات يوم أميرة في مملكة ظلامية ما بردائي الفاخر القرمزي وبحثي المحموم بين أطلال القصور؟! ، أم غرقت بنهر “النيل” قبل ذلك في عصر غابر ومت قبل أن أستطيع حتى الاستغاثة؟! ، ويتبقى في ذهني السؤال الأهم: لماذا أخاف من نفسي الأخرى؟ هل سأصمد إذا طالعتني نفسي ذات الفُستان القرمزي يوما في ردهة المنزل تنظر إليَّ بتلك النظرة القاتمة وهذه البشرة الشاحبة؟! لا أعلم.