دانييل داي لويس.. مزيج من الجنون والمثالية يصل به إلى عبقرية التقمّص وأوج المجد
يرجع جزء كبير من جاذبيّة «دانييل داي لويس» وإبهاره المستمر لنا إلى قدرته الفائقة على تجسيد الشخصيات حتّى أصغر تفاصيلها؛ فهو يشتهر بطريقة (التمثيل المنهجي) المعروفة بصرامتها وقساوة أساليبها، بالإضافة إلى ذلك، فهو يُفضّل الخصوصية ونادرًا ما يُجري مقابلات صحفية ممّا يزيد فضول الناس بشأنه. وتُشكّل القصص التي تُروى عن أساليب تمثيله المتطرّفة جزءًا من جاذبيته حيث يتقمّص الشخصية طوال فترة التصوير وليس أمام عدسة الكاميرا فقط، كما يُمنَع أفراد طاقم العمل من التحدّث معه، وغيرها من القصص.
فيلم The Unbearable Lightness of Being – 1988
لقد تعلّم اللغة التشيكية ليقوم بدور جراح الدماغ «توماس» في فيلم (The Unbearable Lightness of Being) المُقتبَس عن رواية «ميلان كونديرا» الشهيرة بالاسم نفسه والتي تُرجمت تحت عنوان (كائن لا تُحتمل خفّته)، ولكن في مقابلة مع صحيفة «الغارديان» البريطانية عام 2008 ذَكَر: «إنّ التحدّث باللغة الإنجليزية بلكنة تشيكية يعني أن اللكنة لم يكُن لها مصدر، وعندها أدركت أنّ هناك جانبًا مفقودًا في الشخصية».
فيلم My Left Foot – 1989
وفقًا للمعلومات الموجودة على قرص الـDVD الخاص بالفيلم، فإن «دانييل داي لويس» كسر ضلعين أثناء التصوير جرّاء لزومه الكرسي المتحرك لأسابيع من التصوير، كما رفض أيضًا الخروج من تقمّصه للشخصية أثناء الاستراحات بين المشاهد حيث كان يتعيّن على الآخرين مساعدته في تناول الطعام. وفي إحدى زيارات وكيله له، رفض «داي لويس» مرةً أخرى أن يخرج عن تقمّصه، مما أثار غضب وكيله وجعله يرحل، وأكسبه هذا الأسلوب ترشيحه الأول لجائزة «الأوسكار» وفوزه بها.
قد يعجبك: طبقات المعنى ومتاهات الزمن في سينما كريستوفر نولان
فيلم The Last of The Mohicans – 1992
يَرِد في الملف الشخصي للممثل في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1992 أنّه تعلّم كيفية التعقّب وسلخ الحيوانات والقتال باستخدام فأس الحروب الهنديّ وإطلاق النار من بندقية (فينتلوك) التي تزن خمسة كيلو جرامات ونصف أثناء عَدْوِه وإعادة تلقيمها كذلك وكان يحملها معه أينما ذهب، لكن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو تعلّمه بناء الزوارق حيث صنع زورقًا بمفرده أثناء تجهيزه للدور.
فيلم The Age of Innocence – 1993
قد لا يكون الأمر مثيرًا للدهشة كغيره من محاولات التقمّص، لكنه يُظهر التفاني في إتقان الشخصية حيث مكث «دانييل داي لويس» في فندق (بلازا) إسبوعين تحت اسم «آرتشر» -اسم شخصيته في الفيلم- قبل بدء التصوير مرتديًا الملابس نفسها كاستعداد لتجسيد الشخصية أمام الكاميرا.
فيلم In The Name of The Father – 1993
وفقًا لموقع IMDB، فإن «دانييل داي لويس» قضى يومين في زنزانة سجن دون طعام أو ماء وطلب من أفراد طاقم التصوير أن يُلقوا عليه ماء بارد ويتحدثون معه بطريقة مهينة وفي نهاية حبسه جعل أفراد شرطة حقيقيين يستجوبوه لمدة تسع ساعات متواصلة. وأمّن له ذلك التفاني ترشيحه الثاني للـ«أوسكار»، لكنه لم يفُز بها.
قد يعجبك: فورست جامب: السّاذجُ الّذي ربح الرّهان!
فيلم The Crucible – 1996
تتكرّر هذه المعلومة في كل مقالة تقريبًا عن «داي لويس»، لكن من الصعب العثور على أي تصريح فعليّ من الممثل نفسه عليها. يبدو إنه، وفقًا لصحيفة «الغارديان»، قد مكث في قرية مطابقة للحقيقة في استوديو التصوير دون كهرباء أو مياه جارية وزرع الحقول بأدوات من القرن السابع عشر وبنى منزل شخصيته، دون مياه جارية، من المؤكد أنه لم يستحم، لكن هل امتنع بالفعل عن غسل نفسه كما تشير القصص؟
فيلم The Boxer – 1997
من البديهي لـ«داي لويس» أن يتدرب على الملاكمة عند تولي دور الملاكم «داني فلين» سيبدأ التدريب كملاكم. لكن لكم من الوقت تدرّب بالفعل؟ وفقًا للمقالة الصادرة عن صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1998، فقد كان ذلك لمدة ثلاث سنوات. وصرّح «باري ماكجيغان» الذي كان يدرب الممثل لإعداده لمشاهد الملاكمة في الفيلم ويعمل كمعلّق في مباريات الملاكمة في جميع أنحاء البلاد، أن الممثل وصل في تدريبه من البراعة والجديّة ما يؤهله بسهولة خوض مباريات الملاكمة الحقيقية ضد المقاتلين البارزين في فئة وزنه في ذلك الوقت.
فيلم Gangs of New York – 2002
تجهيزًا لدور «بيل الجزار» عمل الممثل كمتدرّب في محل جزارة، وتعلّم كيفية الطرق بالسكين على العدسة الزجاجية التي كان يرتديها دون إلحاق الأذى بنفسه، واستمع كثيرًا إلى أغاني «إيمينم» خصوصًا أغنية (The Way I am) لتعلّم اللكنة، وأُصيب بالالتهاب الرئوي أثناء التصوير بعد أن رفض تغيير مِعطفه بواحد أكثر دفئًا لأنه لم يكن موجودًا في القرن التاسع عشر، وكان يتجول الشوارع وهو متقمّص شخصيته ويقاتل الغرباء حيث يقول مبتسمًا:
«كان عليّ أن أُعدّ للدور. سأعترف بأنني جننت. أتذكّر أيام القتال التي كانت ملائمة لطبيعة الشخصية؛ فقد كان حثالة نوعًا ما وشخصية رائعة وممتعة في تقمّصها، ولكن ليست جيدة جدًا لصحتي الجسدية أو العقلية».
ققد يعجبك: Black Mirror: Bandersnatch اخلق مغامرتك الخاصة
فيلم The Ballad of Jack and Rose – 2005
رُبما هو أقل أفلامه شهرةً، لكن هذا لا يعني أنه لم يكن متفانيًا في تجهيزه للدور. على الرغم من أن الفيلم كتبته وأخرجته زوجته «ريبيكا ميلر»، ألا أن الممثل كان يعيش في كوخ بعيدًا عن عائلته، حيث صرّح:
«لقد سار الأمر على ما يُرام؛ لقد فعلت ذلك للوصول إلى الشعور بالعُزلة، والذي دائمًا ما يكون من الصعب الوصول إليه في موقع التصوير».
فيلم There Will Be Blood – 2007
استمرّ تحضيره للدور مدة ثلاث سنوات، وكان متقمصًا جدًا للشخصية لدرجة إخافة الممثل المساعد «كيل أونيل» في دور «إيلاي» واستُبدِل في نهاية المطاف بالممثل «بول دانو»، واقتبس نبرة صوت شخصيته من المخرج والممثل «جون هاستن» حيث أرسل إليه المخرج «بول توماس أندرسون» أفلام تسجيلية ليدرسها، ولم يتوقّف عند هذا الحد بل أيضًا ارتجل الخطاب الذي يُلقيه على أهل مدينة (بوسطن).
فيلم Lincoln – 2012
اضطّر إلى تغيير نبرة صوته لتُلائم الدور، وكان يرد على الآخرين فقط إذا نادوه بـ«سيدي الرئيس»، وفي رسائله قبل بدء التصوير إلى الممثلة «سالي فيلد» التي كانت تؤدي دور زوجته في الفيلم كان يُنهيها بتوقيع «لينكولن».
فيلم Phantom Thread – 2017
استعدادًا للفيلم، شاهد «دانييل داي لويس» لقطات أرشيفية لعروض الأزياء في الأربعينيات والخمسينات من القرن الماضي، ودرس المصممين المشهورين، واستشار مع أمينة الأزياء والمنسوجات في متحف «فيكتوريا وألبرت» في (لندن)، وتعلّم على يد «مارك هابل» رئيس قسم الأزياء في باليه مدينة نيويورك، وتعلّم أيضًا كيفية الخياطة حيث استخدم زوجته «ريبيكا ميلر» كموديل لإعادة تصميم إحدى فساتين دار أزياء «بالينسياغا» الفرنسية والتي ترجع إلى أصول إسبانية.
ويُعد هذا هو آخر أفلام «دانيال داي لويس» حيث أعلن في 20 يونيو 2017 أنه سيتقاعد من التمثيل، ولكن نأمل أن يُغيّر رأيه ويعود إلينا مجددًا.
المصادر: - صحيفة The Gurdian - صحيفة New York Times - صحيفة The Independent - صحيفة Vanity Fair - صحيفة The Telegraph - مجلة Prospect - موقع Thrillist - موقع Mental Floss - موقع RTE