حوار مع نوال السعداوي

كتابة: آنا لوي سيوسمان

الناشطة والكاتبة النسوية المصرية نوال السعداوي تتحدث عن تغطية الإعلام الأمريكي للأحداث في ميدان التحرير وعن مستقبل المرأة في ظل نظام بلدها السياسي ذي التطورات المتسارعة.

منذ عقود والنسوية المصرية المتمردة نوال السعداوي -ذات الشعر الأبيض والبالغة من العمر ثمانين عامًا- تتظاهر ضدّ الأنظمة المصرية المختلفة. وكطبيبة بالمهنة ومؤلفة غزيرة الإنتاج، فقد تناولت موضوعات شائكة كالدعارة وختان الإناث وقوانين الأسرة التمييزية في آخر خمسين عمل لها، سواء كانت أعمال أدبية أو غير أدبية. تحدثت مجلة «ذي نيشن» إلى «سيمون دي بوفوار مصر» عشية حديثها في جامعة نيويورك في 22 و24 من مارس (2011).

هل اشتركتِ في أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي والتخطيط لقيام الثورة؟

نوال السعداوي: كان هناك العديد من الشباب، وكنت على تواصل مع بعضهم. كان بعض الشباب يأتون إلى منزلي بانتظام كي نتناقش في الفلسفة والأدب والسياسة، فعرفت أن اندلاع الثورة قريب جدًا لكني لم أتابعها عن قُرب.

كانت هناك العديد من المظاهرات قبل 25 يناير لكنها كانت صغيرة. ما دفع الملايين للنزول إلى الشارع كان قتل الأبرياء. قتل مبارك للأبرياء في ميدان التحرير ساهم في نجاح الثورة، فقد دفع الجميع للنزول إلى الشارع، ربات البيوت والفلاحين والطبقات العاملة.

لقد خيمتِ في ميدان التحرير صباحًا ومساءً. هل رأيتِ أو سمعتِ شيئًا أدهشكِ؟

لم أتوقع نزول 20 مليونًا إلى الشارع. كان هذا حلمي منذ أن كنت طفلة، أنه يومًا ما سيفيق المصريون ويثورون ضد العبودية والاستعمار. لقد شاركت في العديد من المظاهرات حينما كنت طفلة. وعندما كنت في كلية الطب، ناضلت ضد الملك فاروق والاستعمار البريطاني وضد ناصر وضد السادات الذي اعتقلني ومبارك الذي نفاني. لم أتوقف أبدًا. بدا الأمر وكأنه حلم، لكنه كان تراكمات لثورات صغيرة.

إعلان

كثير من أعمالك وأفكارك تركز على نماذج متداخلة من القمع الطبقي والنظام الأبوي والاستعمار. فكيف لك أن تتغلبي على تلك القوى المُستبِدّة وكيف يمكنك أن تقنعي أحدهم بالتخلي عن السلطة أو الثروة؟

نوال السعداوي: [تقهقه] حسنًا، هذا صعب للغاية. لكل منّا نضاله سواء ضد الرجال في العائلة أو ضد الرأسمالية. إنها السلطة. لا أعتقد أن إقناع مَنْ هم في السلطة سيكون بالكلمات أو المقالات. فهم لن يتخلوا أبدًا عن السلطة باختيارهم. حتى مع الزوج في المنزل، كلا، السلطة لا تواجه إلا بالقوة. لقد تنحى مبارك لأن الناس أظهروا قوتهم. لو كان الأمر بضعة مئات من المحتجين، لم يكن مبارك ليتنحى عن الحكم أبدًا، ولكن لأنه كان هناك 20 مليونًا، أو البلد بأكمله، لم يكن لديه خيار. لا يمكنك إزالة السلطة بالضعف. المعرفة والاتحاد. هذه هي القوة التي كانت بأيدي الناس.

داخل الأسرة، يجب أن تمتلك كل امرأة سلطتها. هذا ليس سهلًا، فهو يعني حقوقًا سياسية واستقلالًا اقتصاديًا ومعرفة. كثير من النساء خائفات من الوحدة، لذلك حينما يرون امرأة تستطيع أن تعيش بمفردها سيفكرن «اممم، يمكنني فعل ذلك». لكنك تحتاجين إلى نموذج، ولهذا أنا فخورة بأن أقول أنني طلقت ثلاتة رجال.

كيف ستؤثر تلك الاحتجاجات والنظام السياسي الجديد على شكل العلاقات الجندرية في مصر؟

نوال السعداوي: حسنًا، هذه أيضًا عملية متدرجة. تحتاجين أولًا إلى استقلال اقتصادي لكي يمكنك خلع زوجك إذا كان يعاملك بشكل سيء. بعد ذلك، سينتشر الأمر سريعًا ويؤثر في النساء الأخريات فتبدأن في التنظيم والحديث عن ذلك. يحتاج الأمر إلى قوة جماعية، ولهذا السبب دائمًا ما ننظم أنفسنا ونتواصل. ولهذا منعتنا سوزان مبارك وجيهان السادات من تكوين اتحادنا، اتحاد النساء المصريات، لأن التنظيم قوة.

كيف رأيتِ تغطية وسائل الإعلام الدولية للاحتجاجات؟

حسنًا، وسائل الإعلام الكبيرة رأسمالية، فهي تخدم مصالح الشركات الكبري؛ ولهذا فهم يكذبون. هناك الكثير من الأكاذيب والشائعات حول الثورة في مصر ودور المرأة في مجتمعنا. الوضع في الولايات المتحدة كان سيئًا للغاية. لقد مُنعت من الحديث بحرية في أمريكا، ومر كلامي على كريستيان أمانبور التي حذفت منه ما لم يعجبها، وهو ما يوضح أنه لا توجد ديموقراطية حقيقية هنا.

كيف ظهر ذلك في تغطية الإعلام للاحتجاجات نفسها؟

كانت كلها أكاذيبًا أو شائعات مثيرة للضجة. إنهم يستطيعون فعل ما يريدون. بإمكانهم قول عكس ما حدث من خلال القطع والمونتاج. لكن هناك أيضًا وسائل إعلام بديلة، فقد تحدثت أمس إلى إيمي جودمان من برنامج «الديموقراطية الآن» (Democracy Now) ومجلة ميس Ms وإحدى الجماعات النسوية، ولم يحذفوا شيئًا من كلامي. لا يمكننا التعميم، لكن علينا أن ننظر إلى مصدر تمويل المؤسسة والمصالح التي تخدمها.

هل لديك قائمة أمنيات من أجل الثورة؟ وما أهم ثلاتة أشياء تتمنين أن تتحقق بفعل الثورة؟

نوال السعداوي: لدي كامل الثقة في الشباب. لقد عشت معهم في ميدان التحرير، ولا يزال نقاشنا مستمرًا في منزلي، ودائمًا ما أتعلم منهم. على كبار السن من أمثالي أن يكونوا على قدر من التواضع يجعلهم يعترفون بأنه ليس عليهم أن ينصحوا الشباب طوال الوقت، بل أن يتبادلوا الأفكار معًا كأنداد.

كيف هُمشت المرأة إِثْر تنحي مبارك؟

نحن غاضبات. لقد شاركنا في كل جوانب الثورة، وبمجرد انتهائها عُزلنا تمامًا. كل اللجان الدستورية مكونة من رجال مُسِنّين، لذا فالشباب أيضًا غاضبون. لكننا أعدنا تأسيس اتحاد النساء المصريات ونمارس العمل التنظيمي كل يوم.

نحن نطالب بمشاركة 35% على الأقل من النساء في كل اللجان التي ستُشكَلّ لتغيير الدستور، في كل المستويات، بالإضافة إلى دستور علماني وقانون أسرة علماني ومساواة تامة أمام القانون.

هل لديك نصيحة للنساء في الغرب عن كيفية الدفاع عن حقوق المرأة في مكان آخر دون السماح باستغلال القضية؟

دائمًا ما أقول إننا في حاجة إلى تَضامُن عالمي ومحلي ما نسميه «glocal» أو «عالمحلي». يمكن للنساء في الغرب دعمنا بنضالهم ضد حكوماتهم، لأن حكوماتكم هي التي تتدخل في شئون حياتنا بغزوهم واستعمارهم للبلاد الأخرى.

لا أحد يمكنه مساعدة أحد. لا أحد بإمكانه مساعدتنا في مصر، لقد قمنا بثورتنا وحدنا، وحرّرنا أنفسنا بأنفسنا. أنا لا أؤمن بالجمعيات الخيرية أو «المساعدة». أؤمن بالتواصل والتبادل الندي للآراء.

ألم تخافي عند إدانتك لممارسات معينة، كختان الإناث، بكونها «بربرية»، من أن تلك الإدانات ستُستَغلّ من قبل أصحاب الأجندات المعادية للعرب؟

نعم، بإمكانهم استخدام هذا ضدّن واتهامنا بالبربرية والقول بضرورة استعمارنا لكي نتحضر. لكنهم لا ينظرون إلى أنفسهم في أوروبا وأمريكا، فالنساء فيهما تنتهك نفسيًا. النسويّات الواعيات بتأثير النظام الأبوي تدركن أننا في مركب واحد يهدده خطر هذا النظام وأنّ قمع المرأة مسألة عالمية.


**آنا لوي سيوسمان: كاتبة من نيويورك، تركز أعمالها على حقوق الإنسان والجندر والقضايا الاجتماعية والثقافة. عاشت في الشرق الأوسط مدة الخمس سنوات السابقة. للإطلاع علي أعمالها، يرجى زيارة الرابط annalouiesussman.com

المصدر:
https://www.thenation.com/article/archive/interview-nawal-el-saadawi/

اقرأ أيضًا: امرأتان في امرأة: قراءة في رواية المناضلة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: سارة إبراهيم

ترجمة: ماجي فاخر

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا