الطفل الانطوائي بداخلي يخبرني بالعودة لإخبار والديه بالكثير

كنت مراهقًا منكفئًا على ذاتي، كما كانت سنوات طفولتي متشابهةً بعض الشيء، يشير أبويّ إلي بسعةٍ “كطفلٍ خجول”، لقد كان وضعا محببًا حقا ولطيفًا، عادّين أنني سَأنضج وأتخلص من كل هذا. لكني لم أفعل!

بقيت سمات الخجل حتى حينما وصلت لمرحلة ما بعد البلوغ، لِتتلاشى كل هذه العبارات الإيجابية على نحو مفاجئ من قاموس والديّ، ويتم استبدالها بعبارات أخرى:
“يجب عليك الخروج أكثر.”
“لابد أن تمارس رياضة ما.”
أو ما هو أسوأ على الإطلاق: “لم لا تملك الأصدقاء؟”
وكانت النبرة دائما بهذه الأسئلة ما تشير إلى أنه يوجد عطب ما بطبيعتي.

وبسبب انطوائيتي، شعرت بالفشل اجتماعيا

لم أتعامل أبدًا مع الأمر على أنني شخص يعلم انطوائيته، وأنه لا يستدعي الخجل تجاه سلوكه، بل تلبست دومًا فيما لا يدعو لأي مجال للشك بأنني مصدر إحباط لِوالدي وأصدقائي كذلك، متسائلا عما يعتريني من نقص بداخلي.

لم أهوَ الحفلات والزحام أو الموسيقى الصاخبة، لا أستمتع بمقابلة أُناس جديدة، خاصة من هم في مثل عمري. اعتدت في المدرسة على مسايرة الأشخاص بشكل لا بأس به، وكان لدي الكثير من الأصدقاء، وعلى الرغم من ذلك كان لا يسعني الانتظار حتى يقرع الجرس وأخلو بنفسي بعيدًا عن الحمل الشاق الذي يجعلني محاطا بالبشر.

أبويّ منفتحان اجتماعيا بدرجة عالية؛ فهما يستسقيان تجربتهما في الحياة من التجمعات، ودعوات العشاء، والضيوف طوال الوقت والأصدقاء من أيام الجامعة، وأشخاص قابلوهم أثناء السفر لأجدهم وقد زرعوا أنفسهم في بيتنا لأسابيع، وكان من المتوقع أن أستمتع عندما يكون لدى هؤلاء الأصدقاء أو الزوار أطفال في مثل عمري، فكنت بالكاد أُظهر ابتسامة عريضة متكلفة محاولًا الهرب في أول فرصة متاحة.
نعم، أعرف.. لا أحمل أي عطب، لقد كُنت ببساطة… انطوائيا.
ما يعني أنني واحد من هؤلاء الذين يحتاجون متسعا من الوقت لمعالجة أحداث اليوم، فهم لا يطيقون التعاملات الاجتماعية المطردة، التي يتوقعها المجتمع.

إعلان

ونظرًا لانطوائيتي: ما الذي تمنيت أن يعرفه أبواي المنفتحان اجتماعيا؟

أتمنى العودة بعجلة الزمن لكي أُخبر أبي وأمي عن الكثير من الأشياء. لقد كانا على كل حال أشخاص حَقًّا رائعين، ومحبين، ومشجعين. منحاني حياة سأظل مُمْتَنًّا لهم ما حييت.

ولكن كانت لدي نزعة ملحة في سنوات المراهقة لوقتٍ من الصمت والانفراد، لم يروا هذا بطبيعة الحال ميل طبيعي لمن هم في طباعي، بل هو سبيل تعاستي، ولا يتعلق الأمر بخجلي الذي كانا يُشيران إليه في سنواتي الأولى فحسب، بل لأنني -مثل بقية الانطوائيين- كنت أغرق في كثير من الأحيان بالتأملات الداخلية القاتمة وأصبح متعلقا بها للدرجة التي تجعلني لا أتفاعل كثيرًا مع البشر.

وعلى النقيض تمامًا، فإن وَالِدَيَّ منفتحان لدرجة كبيرة، فهما ليس لديهما وقت للنظر بقرب إلى تفاصيل الحياة الدقيقة، لأنهم مشغولون بعيشها؛ فبالنسبة لهم يجب الانسجام في الوجود وتجاربِه وليس قراءته وملاحظته، ما يجعلهم يشعرون بأن سلوكي هذا غير طبيعي ويرجع بشكل أو بآخر إلى عجزهم عن التواصل معي بشكل سليم وجعلي أندمج بالحياة.

الآن يُمكنني النظر للوضع برمته بالمزيد من الفهم والخبرة؛ لِأقول بأمانة شديدة إنني لم يفتني شيءٌ ما، وبالتأكيد لم أكن حزينًا، فموقعي من العالم لا يكترث كثيرًا بالرغبة في المجازفة المجهولة، بل بالتعاطي مع التفاصيل الصغيرة، كما أن تعاملي مع الأشخاص لا يُبنى بالأساس على الكم بل الكيف، فاحتمالي للعلاقات الاجتماعية قليلا، ما يجعلني استغرق وقتًا أكثر في التعمق بعلاقة ما.
وهنا تحديدا يكمن الرضى بالنسبة لي، والذي لم أستطع يوما أن أوضحه لِوَالِدِي عندما كنت طفلا. انتقي بعناية من اقضي معهم أوقاتي، وأعتز بتلك اللحظات التي أكون محاطا فيها بهم، ومن ثم أَرْقُب العالم من حولي كي أجد لنفسي متسعا هادئا وسط هذا الصخب، وأتشافي في مساحتي الخاصة هذه وأعيد تذكر وترتيب الأحداث لِأتعافى من التجربة الاجتماعية التي خضتها.

عندما تعرفت أخيرًا على انطوائيتي، أصبحت قادرًا على إيجاد الأساليب للتعامل مع الشعور بالارتباك، ووجدت كذلك قبولا للذات والسلام في حالة من الإدراك بأنه ما من شيء غريب بي.
إذا كنت أبًا لطفل انطوائي، لا يستدعى هذا الأمر منك الخوف، فنحن أشخاص عاديون نتأمل وندرس تجاربنا بشيء من العناية، نسمح لأنفسنا بأن نسترخي لكي نُعيد التجربة الاجتماعية مجددا باليوم التالي. تذكر أن تعطي لصغيرك الانطوائي طاقة من اللطف، وسترى تقدما حقيقيا في قدرتهم على التواصل الاجتماعي وحب الذات.

أب انطوائي، وابن منفتح اجتماعيا:

لديّ اليوم عائلتي الصغيرة، والتي يُظهر واحد من أبنائي فيها -على الأقل- علامات الانفتاح الاجتماعي كأجداده. سعيد حَقًّا بأنني سأتمكن من تجربة الموقف من موضع معاكس، والذي آمل من خلاله توفير أكبر قدرٍ ممكنٍ من الاستيعاب لطفلي وهو ينطلق بمفرده، لكنني أعترف أنني لا أفهمه تماما في الكثير من الأحيان!

نرشح لك: التفسير العلمي وراء الاختلافات ما بين الانطوائي والانبساطي

مصدر الترجمة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

ترجمة: إسراء حامد عامر

اترك تعليقا