الطب النفسي بحاجة للتصالح مع الله – ترجمات

في الأيام الأولى لوباء ڨيروس كورونا الجديد، قامت الخبيرة الاقتصادية جانيت بنتزن من جامعة كوبنهاغن بفحص عمليات البحث على (Google) عن كلمة ”صلاة“ في 95 دولة. وحدَّدت أنَّها وصلت إلى أعلى مستوى عالميّ على الإطلاق في مارس 2020 كما زادت الصلاة مع زيادة عدد حالات (COVID-19) التي تم تحديدها في كلِّ دولة. في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقًا لمركز بيو للأبحاث، صلَّى 55% من الأمريكيين لإنهاء انتشار فيروس كورونا الجديد في مارس 2020، وأفاد 25% منهم تقريبًا أنَّ إيمانهم زاد في الشهر التالي، على الرغم من تقييد الوصول إلى دور العبادة الدينيّة بسبب الإجراءات الاحترازية.

هذه ليست مجرد اتّجاهات اجتماعيّة مثيرة للاهتمام؛ إنّها مهمة من الناحية الإكلينيكيّة أيضًا. رفض الأطباء النفسيين الروحانيات تاريخيًّا، لكن نتائج برنامج تجريبي في مستشفى ماكلين في ماساتشوستس تشير إلى أن الاهتمام بها يعد جانبًا مهمًا من جوانب رعاية الصحة النفسيّة.

في عام 2017، ابتكر فريقٌ متعدّد التخصصات من أطباء الصحة النفسيّة والباحثين والقساوسة العلاج النفسي الروحي (SPIRIT)، وهو شكل مرن ومتكامل روحيًّا من العلاج السلوكيّ المعرفيّ. قمنا بعد ذلك بتدريب كادر من أكثر من عشرين طبيبًا، متمركزين في عشر وحدات سريرية مختلفة في جميع أنحاء مستشفى ماكلين، لتقديم هذا العلاج للمرضى من أجل تقييمه. منذ عام 2017، وصل العلاج النفسي الروحي إلى أكثر من 5000 شخص. تشيرُ نتائجنا إلى أن العلاج النفسيّ الروحيّ ليس فقط ممكنًا ولكنه مرغوب للغاية من قبل المرضى.

في العام الماضي، انخفضت الصحة النفسيّة الأمريكية إلى أدنى نقطة في التاريخ: زاد معدل حدوث الاضطرابات النفسية بنسبة 50%، مقارنة بما كان عليه قبل الوباء، وارتفعت معدلات تعاطي الكحول والمخدرات الأخرى، وكان الشباب أكثر عرضة بمرتين للتفكير بجدية في الانتحار مقارنة بما كانت عليه الأحوال في عام 2018. ومع ذلك، فإن المجموعة الوحيدة التي شهدت تحسنًا في الصحة النفسية خلال العام الماضي كانوا أولئك الذين مارسوا الشعائر الدينية على الأقل أسبوعيًا؛ أفاد 46% بأنهم يتمتعون بصحة نفسية ”ممتازة“ اليوم، في حين كانت النسبة 42% قبل عام. كما كتب الممثل السابق للكونغرس باتريك كينيدي والصحفي ستيفن فريد في كتابهما ”الكفاح المشترك“، فإن أكثر علاجين للاضطرابات النفسيّة لا يحظيان بالتقدير الكافي هما ”الحب والإيمان“.

فلا عجب أن ما يقرب من 60% من المرضى النفسيين يرغبون في مناقشة الروحانيات في سياق علاجهم. ومع ذلك، نادرًا ما نوفّر مثل هذه الفرصة. منذ وصف سيغموند فرويد للدين بأنه ”وهم جماعيّ“ منذ ما يقرب من 100 عام، تجنب المتخصصون في الصحة النفسية والعلماء العالم الروحاني. كانت الجهود الحاليّة للتغلُّب على المشاكل النفسية التي صاحبت تفشي وباء (COVID-19) علمانيّة بالكامل تقريبًا. لا تشير جمعيّة علم النفس الأمريكيّة إلى الروحانيات للتعامل مع الأزمات النفسية. والتوصية الروحانية الوحيدة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها هي ”التواصل مع المجتمع أو المنظمات الدينية“. من بين أكثر من 90.000 مشروع نشط تم تمويلها حاليًا من قبل جميع المؤسسات والمراكز الـ 27 التابعة للمعاهد الوطنية للصحة، تم ذكر كلمة ”روحانية“ في هذه المشاريع أقل من عشرين مرة، وهناك مشروع واحد فقط يحتوي على هذه الكلمة في عنوانه. وغنيٌّ عن القول إن نقص التمويل للبحوث المتعلقة بالروحانيّة يُعيق ابتكار ونشر طرق العلاج النفسيّ الروحيّ في المجلات العلمية.

إعلان

يتجاوز هذا الوضع الفصل بين الكنيسة والدولة. يقوم أخصائيو الرعاية الصحية بشكل خاطئ بفصل السلوكيات والتجارب الروحانية عن الطب النفسي. نتيجة لذلك، نتجاهل الحلول الروحانيّة المُحتملة لأزمة صحتنا العقلية، حتى عندما تكون صحتنا النفسية أسوأ من أي وقت مضى.

أظهر بحثي الخاص أن الإيمان بالله يرتبط بنتائج علاج أفضل بشكل ملحوظ لمرضى الأمراض النفسية الحادة. وأظهرت مختبرات أخرى وجود صلة بين المعتقد الديني وسماكة قشرة الدماغ، مما قد يساعد في الحماية من الاكتئاب. بالطبع، الإيمان بالله ليس وصفة طبية. لكن هذه النتائج المُقنعة تستدعي المزيد من الاستكشاف العلمي، وينبغي بالتأكيد أن يكون لدى المرضى الذين يعانون من مشكلة نفسية خيار تضمين الروحانية في علاجهم.

في الآونة الأخيرة، إحدى مرضاي – وهي امرأة علمانية تبلغ من العمر 22 عامًا – كانت مصابة بالاكتئاب والقلق. ذكرت أنها شعرت ”بالهزيمة“ وذكرت أنها كانت تفقد الأمل في التعافي. علّمتني أبحاثي أن العديد من العلمانيين يؤمنون بشيء ما، ولذلك أقوم بتقديم الروحانيّة لجميع المرضى بغض النظر عن انتماءاتهم الفكريّة. في هذا السياق، أطلعتني هذه المريضة بالذات على أنها تؤمن بالله واعتقدت أيضًا أنه قد تم إحضارها إلى هذه الأرض لغاية محددة. على مدار ثلاث جلسات فقط ركّزت فيها على هذه الأفكار، شعرت بأمل متزايد في أن تتمكن من التغلّب على تحدّيات حياتها، وبدأت أعراض الاكتئاب لديها في التراجع.

في حالة أخرى، جاء رجل مسيحيّ متدين في منتصف الستينيات من عمره إلى مستشفى ماكلين مصابًا بالاكتئاب الشديد ورغبات حادة في الانتحار. كان فريق العلاج الخاص به على دراية بإيمانه ولكنهم ما كانوا يعرفون كيفية معالجته بهذا الإيمان. طُلب مني التشاور مع المريض، الذي أبلغني أنه كان يصلي ويفكّر في الله أثناء معاناة من الاكتئاب. حدّدنا مواقيت الصلاة والدروس الدينية، وشجعته على التحدّث مع قس الكنسية التي يصلى فيها. في غضون شهر واحد، بدأ اكتئابه في التحسن لأول مرة منذ أكثر من عام.

من خلال تجربة سريرية حديثة استمرت لمدة عام للعلاج النفسيّ الروحيّ والتي أكملها فريقي البحثي بتمويل من مؤسسة (Bridges Consortium) وبدعم من مؤسسة (John Templeton). أفاد أكثر من 90% من المرضى أنهم حصلوا على نوع ما من الفوائد من هذا العلاج، بغض النظر عن الانتماء الدينيّ.

كشفت الدراسة أيضًا عن فرص رئيسيّة في رعاية المرضى، خاصةً المرضى العلمانيين الأصغر سنًا. لطالما اقترحت الاعتقادات النفسية الشائعة أن مرضى الذهان والهوس والوسواس القهري المُسنين ينجذبون أكثر نحو الروحانيات. ومع ذلك، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن المرضى قد استفادوا من الروحانيات بغض النظر عن أعمارهم. على ما يبدو، من المرجح أن يرغب جيل الألفية المُكتئب في العلاج النفسي الروحي ويستفيد منه مثل المرضى المُسنين.

تشير نتائجنا أيضًا إلى أن الرعاية الروحية ليست فقط للأفراد المتدينين. أكبر مجموعة من المرضى تلقوا العلاج النفسي الروحي بكامل إرادتهم (39% من العينة) كانوا أفرادًا ليس لديهم انتماء ديني على الإطلاق. من الواضح أن العديد من الأشخاص غير المتدينين ما زالوا يسعون إلى الروحانية، خاصة في أوقات الشدة. في الواقع، من المرجح أن يحصل هؤلاء الأفراد على العلاج النفسيّ الروحيّ بشكل أكبر من المتدينين. في هذا السياق، قد يؤدي الانخفاض الأخير في عضوية الكنائس إلى زيادة الحاجة إلى الرعاية الروحية.

ربما كان الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المرضى استجابوا بشكل أفضل للعلاج النفسيّ الروحيّ عندما تم تقديم العلاج من قبل أطباء لا دينيين. تشير هذه النتيجة المفاجئة إلى أن الأطباء العلمانيين قد يكونوا أكثر فعالية عند تقديم العلاج النفسي الروحي. هذه أخبار جيدة لأن الأطباء النفسيين هم الأقل احتمالًا من بين جميع الأطباء لأن يكونوا متدينين.

يبقى أن نرى ما إذا كان الله قادرًا على حل أزمة صحتنا النفسية. لكن الفوائد الإكلينيكية المحتملة للروحانية، ورغبة المرضى في العلاج النفسي الروحي، توفر سببًا للاعتقاد بأنه قادر.

مقال مترجم:

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: بيسان صلاح

اترك تعليقا