التوأم الثامن والأب مرقص (الجزء الثاني)
في البداية يمكنك قراءة الجزء الأول من هنا
١
فرّ كل منا إلى غرفته، الكل يعلم الآن دوره ومكانه في الحكاية، الكل يتنظر ساعة القدر التى يمنحه فيها الكتاب جزءًا من نصوصه.
مع حلول ليل هذا اليوم كان سقراط قامعًا في غرفته يقرأ فصله الأول، لم يكن يعرف أهو هارب من الجو المخيم على المنزل أم أنه يهرب من المصيبة إلى بلوة أكبر يبتلي بها نفسه. لكنه لم يجد إلا متابعة قراءة ما طُلب منه وسيلةً للنجاة والخلاص. مر الليل بأكمله، كان زيوس يقول أن الفصل الأول ضخم، لكن سقراط سريع القراءة فربما قضى معه ليلتين..
ما انقضى نهار اليوم التالي إلا وكان سقراط ماثلًا أمامنا وقت الغداء ووجهه يخيم عليه القلق والصدمة ربما.. لكن ليس هذا ما لفت انتباهنا بقدر هدوئه الحاد. كانت المفاجأة الأكبر لنا قراءته الصلاة مع أبانا قبل الغداء، كان يضع الكتاب بجانب شوكته وبعدما بدأ ينهي طبقه مرر الكتاب بلطف ناحية يسوع وقال وهو يرحل:
- آه.. في بداية فصلي كان هناك تعليمات للقراءة لا أعلم إن وجدت في كل فصلٍ أم لا، لكن أهمها كان ألا تفزع أثناء القراءة وألا تترك الكتاب، فتبدأ القراءة بعهد مع النفس أنك عزمت على إنهاء ما قُدر لك منه. وكان معظم كلام الدجال صحيحًا ومذكورًا هنا أيضًا. لم ينتظر أي استفسارٍ آخر منا وهرول ناحية غرفته في تشتت واضح مما أربك يسوع. لكن ولسون حاول طمأنته بأن الليلة عدت بسلام وهذا هو المهم.
هذه المرة، مرت ثلاثة أيام ويسوع عاكفًا في غرفته مع الكتاب، أما سقراط فلم يغادر غرفته قط. وكان من الغريب سماع الصلوات وهو يتلوها من غرفته لكن لم يعلق أحد. وبعد ليل اليوم الثالث، خرج يسوع من غرفته وقت الفجر ينادي علينا بصوتٍ جهور كاسرًا صمت الفجر: “أتممت فصلي.. استيقظوا.. لمن الكتاب الآن؟ ولسون أم إبراهيم؟”
خرجنا من الغرف بسرعة، أما إبراهيم فكان يخرج بحذر، وكان من الواضح أنه لم ينل قسطًا من الراحة بعد. خرج كطيرٍ يعلم أنه يُدرج نفسه بداخل قفص، لم يقل يسوع شيئًا وسلمه الكتاب في انحناءٍ لطيف وابتسامة خفيفة. أخذه إبراهيم وهو يتلو بعض الأدعية والأذكار ثم عاد إلى غرفته وألاح لنا يسوع يده بأن نتفضل إلى غرفنا وكانت ما زالت الابتسامة تلازمه، فخلدنا في ثباتنا، لكني لا أظن إبراهيم قد فعل..
كانت المفاجئة في انتظارنا في النهار، استيقظنا وكان إبراهيم جالسًا في الردهة يحمل القرآن ويتلو منه آياتٍ بصوت جهور، تقدم فريد وقال بعصبية:
- آه! لم تقرأ فصلك إذًا! كنت تنتظرنا طيلة الليل وأضعت الوقت هباءً، حسناً.. رحبوا بالجحيم في بيتنا!
- مهلًا يا أخي! هوّن عليك، أنهيت فصلي، لم يكن بطويل ولا بقصير لكنني أتممته. لا تقلق فلست من مهملي واجباتهم..
كان عبدالله يقف وراءنا جميعًا في رهبةٍ وخوفٍ شديدين، لكن باله قد ارتاح عندما بدأ إبراهيم يبحث عن الكتاب ليسلمه إياه.. ولم يجده!
بحثنا في كل أرجاء القصر.. قلبناه قلبًا على قالب.. لم نجد شيئًا.. كانت كالصاعقة التي سقطت على رؤوسنا، فتدخلت الأم تريزا قائلة:
- بئساً.. سيطير عقل الأب مرقص لكن لا تخافوا فحتمًا هو موجود في مكان ما.. لا تطيلوا الوقت في البحث ابدأوا يومكم كما يقدر لكم وسيقع الكتاب في طريقكم بأي طريقة.. فالأشياء تعود إلى أصحابها عندما يحتاجون إليها..
كان كلام الأم علينا بمثابة مهدئ.. أو كصوتٍ يرن في ضميرنا بأنه لا داعي للقلق فما فينا مذنب.
جاء وقت الغداء وكانت الأم تريزا قد خلدت إلى النوم.. ليس من عادتها النوم في هذه الأوقات لكنها اليوم فعلت، فأمر الأب سقراط لأن يوقظها، وأنا ذهبت لأساعد الخادم.
وبينما كنت أمرر الطعام حدث ما تنبأت به الأم سابقًا فالكتاب وجد طريقه إلي، لكن.. ما هذا؟ ما أتى بالكتاب في غرفة الخادم! لم أقل شيئًا منعاً للمشاكل وأنهيت الغداء سريعًا وتوجهت نحو غرفة الخادم، أخذت الكتاب وحاولت التسلل إلى غرفتي قبل أن ينهي أحدهم طعامه.
لكن زيوس كان قد أنهى الغداء باكرًا.. اتجه نحوي وسحب الكتاب من يدي في حدة.
- ليس من الصواب يا أخي أن تختلس النظر في الكتاب لمجرد أننا لم نجد لك مكانًا بين فصوله، قد عرقلت علينا تقدمنا الذي بلغناه.
حاولت مقاطعته وقلت:
- زيوس، أنت لا تتفهم الأمر، وجدت الكتاب الآن وكان قد…
- صه! لن أخبر أحدًا.. سأسلمه لعبدالله وأخبره بأني وجدته مرميًا بجوار السلم..
لم أنطق بكلمة أخرى.. كنت أعرف أنه لا جدوى من إقناع زيوس.. لكن الخادم كان يراقب ما حدث وهو يرتعش، فتوجهت نحوه.. وقبل أن أحرك شفتاي قال بلغته الركيكة:
- آسف، سيدي.. صدقني.. لا أدري كيف أتى إلى غرفتي! كنت أبحث معكم أقسم، ثم دخلت فوجدته عندي! ولم أستطع منع فضولي من أن أقرأ في الفصل الرابع الذي توقفتم عنده.. أنا آسف.. إذا حل شيء فأنا السبب، سأكون سبب خراب مصدر رزقي.
لم أدرك لماذا صدقت كلماته.. ولم أكذبه في أي شيء.. ولم يصيبني الذعر حتي مما قد يحل.. لكن كان هناك سؤال يدور بذهني..
-لا عليك.. أخبرني.. ما عنوان الفصل الذي قرأت؟
قال وهو لازال يرتجف..
-اللامنتمي.. آسف.. لم أفهم حتى معنى الكلمة.. لكن شيئًا ما لامس قلبي في الفصل فلم أستطع تركه.. أرجوك ألا تخبر الأب مرقص بذلك.. قد يعيدني إلي زيمبابوي إذا علم بهذا.. وليس لي رزق هناك…
أشرت له بألا يبالي.. وأخذت أفكر كيف لزيوس لا يتلو علينا أسماء كل الفصول؟ كان الشك يحيطني.. لكني على النقيض كنت أفكر في الصفحات الفارغة.. ماذا لو كانت تمثل شيئًا حقًا؟
ذهبت إلى غرفة سقراط.. طرقت الباب فلم يمانع دخولي، قصصت عليه ما حدث فقال:
-ل ا تحزن يا إيكاروس.. لكني أجد في هذا تلاعبًا من زيوس.. هو لا يريدك أن تقرأ فصلك، هذا واضح.. فالفصل الذي قرأه الخادم كان غير مرقم ربما.. لذلك لم يذكره الأب أو الدجال.. لكن زيوس هو من رأى صفحات الكتاب كاملة. وأهمل ما حسبه لك..
- لكن يا سقراط.. هناك صفحات قال زيوس أنها فارغة في نفس الموضع؟ تتذكرها؟ عندها تعجب لها زيوس وضحكنا؟ ماذا إن كان صادقًا؟
أشار سقراط بوجهه بالنفي.. ونصحني أن أتلو بعض الصلوات ليبعد الله قلبي عن الضغينة.. لكن قلبي كان قد احتفظ بجزءٍ منها لزيوس.. بينما عقلي كان يحتفظ بالأوراق الفارغة…
٢
بينما كان قلبي وعقلي في صراع في الحكم.. طل نهار اليوم التالي.. وكان عبدالله قد أنهى فصله.. لكن كان الحزن يبدو لمن رآه كالكسر في مقلتيه.. أين نور وجهك يا مسلم الدار؟ لم يقف معنا ولو لدقيقة ليشرح ما حدث، سلم فريد الكتاب وسعى في طريقه نحو غرفته..
كنا بدأنا لا نفهم ما يحل بنا، لم يكن أحدنا يخاطب الآخر حتى.. خلق الكتاب حالة من الصمت بيننا.. تقطعها نظرات زيوس الثاقبة.. وأسي الخادم على فعلته التي أفسدت شمل الإخوة..
لكن الثانية لم تطل كثيرًا.. فعند الغداء.. انتظرنا على المائدة كثيرًا ولم تحضر الأم تريزا ولا الخادم.. لم يحضر فريد كذلك وكان منهمرًا في فصله.. لحظات وسمعنا صرخات الأم تريزا من ناحية غرفة الخادم.. شقت الصرخة رأسي نصفين.. كأن ذنبًا أُنزل عليّ من السماء وعقلي يحاول صده بتبرير أنه لم يكن بيدي حيلة.. كان المهد مروِّع.. فلم يتبقَّ شيء من جثة الخادم سوى الرماد.. ظل الأب والأم يتلوان الصلوات.. بينما حالة الذهول تسيطر على الجميع.. ويسيطر عليّ الشعور بالذنب..
قال الأب مرقص أن اللعنة قد بدأت تتخلل دارنا.. وأنه يجب إنهاء أمر الكتاب بأسرع وقت.. وكما توقعت فزيوس لن يطول صمته.. فصاح قائلا في وجهي:
- أنت السبب! كبرياؤك أفسد كل ما سعينا إليه.. فلتُلقى في جحيم نفسك.. لكن للأسف هذه المرة ستجرنا معك..
- زيوس! تفهم ما حدث.. لم تعطني فرصة لتفسير موقفي حتى!
عم الصمت وسأل الأب مرقص عما يدور من حوار بيننا.. فأخبره زيوس.. لم أنتظر منه أن يسألني للتبرير.. فكنت قد سئمت ضجيجهم.. لكني كنت أوقن كل اليقين أني سأتحمل مسؤولية أي شيء منذ الآن..
ذهبت إلى غرفتي.. وفي طريقي إليها سمعت صخبًا من غرفة فريد على غير العادة.. فهمت أن الكتاب بدأ يبحث عن طريقه لإفسادنا كما أفسد من سبقنا..
هذه المرة.. مر أسبوع كامل وفريد في غرفته.. لا يسمع عنه أحد سوى هذا الضجيج الذي يصدر من الغرفة.. لا يجيب أحدًا ولا يأكل ولا يشرب.. وحتى هذه التهمة كانت توجه لي.. كأني أُنزلت لهم من السماء ليحملوا على عاتقي أي خللٍ في حياتهم..
لم تحدث حوادث أخرى بعد فاجعة الخادم.. واضطر أبي إلى إعالة أسرته في زيمبابوي.. وكان الأمر بمثابة إعالة أسرتين في نفس الحين.. فكاد يعلن إفلاسه.. ولم تعد الكنيسة تستطيع إمداده كذلك..
قطع فريد أخيرًا هذا الصمت علينا.. وخرج من رهبانه.. كان سعيدًا.. سعيدًا بشكل مميز ليس كمفهوم السعادة المعتاد.. كان كمن وجد كنزًا واحتفظ به في خياله إلى الأبد.. نظر لي وعيناه يملؤها الأمل ثم قال:
- الصفحات الفارغة ليست عبثًا.. لا يوجد من عبث في الحياة.. والكتاب حياة.. كن حذرًا يا إيكاروس فدورك قادم..
رحل بخفة.. فلم يعطِ الفرصة لي لأبدي تعبيرًا حتى..
كان ولسون متوترًا على غير عادته.. وقبل أن يبدأ في فصله الأخير ناداني.. وقال لي:
- إيكاروس.. أنت ترى التغيرات التي تحل على إخوتنا بعد قراءتهم كل فصل.. أصبح سقراط مسيحيًا ويسوع بدأ يبحث عن إلهه بعدما كان مؤمنًا وإبراهيم قد أسلم لربه وعبدالله أصبح تعيسًا بلا ملة.. وإن كان الأمر كما يبدو.. ففريد قد صار حكيمًا فاهمًا لما يجري بحدٍ زائد.. لم يعد تعيسًا.. قد صار تعيسًا مرتقيًا فكريًا..
- نتشابه في نظرتنا للأمور.. ليس الكتاب بمجرد كتاب كما ظنناه في بادئ الأمر..
- أوه.. كدت أنسى.. أخبرني سقراط بما حكيته له.. عن حادثة الخادم وزيوس.. ورأيت ما حدث بعدها من زيوس بعد انتحار الخادم.. ورأيت في قلبك الغضب والضغينة لظلمك.. لكن دعنا نرى الرؤيا الصائبة.. فالخادم قرأ شيئًا وهذا الشيء غير في كينونته شيئًا.. فلم يستطع بعد تحمل ذنب إدخال الضغينة في قلبك.. فرأى أنه يستحق الموت..
كنت أفكر في نفس ما يفكر فيه ولسون.. لكن وضعي كمظلوم حقير في المسألة يعيق تفكيري.. فلم أكن أجد كلاماً مناسباً للرد..
- إيكاروس.. لعلك تكون الأمل الأخير لنا من بعدي.. لا أعلم ما سيحوره الكتاب في كائني.. لكن ما أؤمن به أن قلبك إن ظل طاهراً ناظراً للأمور بحكمة لنجينا جميعاً.. فلا تكن ما يظنون أنه أنت..
لم أزد على كلام ولسون شيئًا.. وغادرت الغرفة.. لا أعرف إن كان حديثه عن الضغينة والكراهية قد زادني بها أم ماذا؟.. أشعر أني كرهت سقراط على بوحه بالسر أيضاً.. بئس هذه الأيام وبئس شكوكها…
٣
مر شهر.. شهرٌ كامل.. لم يحترق في المدينة شيء.. ولم يصب أي منا بمكروه.. لكن ولسون لم يخرج من ضريحه بعد.. كان على أحد منا أن يفتح باب الغرفة ليرى ما حل بولسون في هذا الشهر الصامت.. حتى زيوس لم يمتلك شجاعة فعل هذا.. لكني فعلت..
كان المشهد نوعاً ما مرعباً.. كانت عينا ولسون بيضاء بالكامل.. كان كمن رأى الجحيم فشُل مكانه.. لوهلةٍ رأيت فيه التماثيل اليونانية.. كان الكتاب قد سقط من يده.. التقطه زيوس..
- الكتاب مفتوح على بداية الصفحات الفارغة.. أراد أن يقرأ ولسون ما بعد فصله..
رد فريد:
- فأصابته اللعنة.. فالقوانين تنص على ألا يقرأ أحد نصًّا ليس بنصه..
نظرت لي الأم تريزا.. وسألتني عما حل بالخادم.. كانت نظراتها المسكينة تشل نبض قلبي.. هي تريد أن تفهم ما حل بابنها.. تريد حلاً.. وترى الأمل في أن تفهم ما حل بالخادم.. لم أستطع الكتمان هذه المرة.. فشرحت الموقف:
- أنا آسف بحق يا إيكاروس.. لو شرحت لي ما حدث منذ البداية لما كان هذا ما حدث!
قالها زيوس في فزعٍ من سماع حقيقة ما حدث.. وكان يوقن في قرارة نفسه أن لا أحد سيكذب في هذه اللحظات..
تشاور الأب والأم بعيداً لبرهة.. ومن ثم أمرني الأب أن ألتقط الكتاب من زيوس.. وأن أذهب إلى خلوتي.. وأشرع في القراءة.. قال لي إقرأ الكتاب كله إن لم تجد ما يجدي نفعاً في هذا الفراغ..
كنت مرتعباً.. تجر ولسون وتفحم الخادم لا يفارقان خيالي.. كنت أشعر بالكون قد اتحد كي يقف على كتفي..
قرأت الكتاب كله.. وعند وصولي إلى الجزء الفارغ.. كان الكتاب يشع نوراً.. أقسم أني رأيت الأحرف تَنبت من بين الصفحات كالذهب المستخرج من كهفٍ مهجور.. كان هذا فصلي.. الفصل الأخير.. بعنوان “ما بعد اللامنتمي.. النفس العليا”.. كان واقعه على روحي كواقع النحل على تفتح الزهور.. كنت كمن ينتظر هذه اللحظة لسنين.. وها قد تحققت! لم أكن حتى أعرف ما الذي تحقق.. لكنني كنت سعيدًا.. كمن فاز بجنة الخلد في الدنيا..
أنهيته وعُدت سريعاً إلى صالة الغداء.. كان موعد الغداء بعد أسبوعين بالتمام من تسليمي الكتاب..
لم أجد أحدًا.. الساحة فارغة ولا أحد خارج الغرف.. طرقت أبواب غرف إخوتي فلم يرد أحد.. لم يكن هناك سوى الأم تريزا ترمقني من آخر الردهة..
- يا أماه! أين أبي والبقية؟ قد أنهيت الكتاب ولم أصب بشيء! نحن أحرارٌ الآن من قيد الكتاب!
لم تبادلني بالرد.. فعدت السؤال عن أبي وإخوتي.. فردت
- الأب مرقص انتقل للكنيسة.. وأنا كذلك سأرافقه إلى هناك.
لم أجد ما أستفسر عنه في رغبتهم الذهاب للكنيسة.. لكن.. أين البقية؟!
لم أنتظر منها إجابةً كذلك.. فتحت باب غرفة سقراط وكانت أقربهم لي.. كانت الغرفة متفحمة.. كل ما بها رماد.. كل الكتب والمجلدات التي كتبها والتي كان يقرأها طيلة حياته رماد.. كانت أنفاسي تتقطع.. وصدري ينقبض على قلبي.. كلما فتحت غرفةً وجدت حطاماً لا عالماً آخر كما عهدتهم.. ربتت الأم تريزا على كتفي وقالت:
- لعلك تأخرت قليلاً يا ولدي.. لا عليك.. ولعل في هذا الهلاك هنيئاً لأهل المدينة منذ الآن.. أدعُ لإخوتك فقد كانوا صالحين.. ويسعون إلى الكمال..
كنت كمن كتب عليه السجن في الجحيم مائة سنة حينها.. لم يعد شعوري بالذنب بقدر رغبتي في أن ينتهي كل هذا فوراً..
انتقلت للعيش في الأرياف.. واعتزلت كل شيء إلا الكتابة وبعضاً من الهوايات.. كنت أحسب أن الكمال هو أسمى الغايات.. لكني لم أمعن النظر أبداً في الوسيلة.. وها أنا هنا.. أنتظر أن ينقضي هذا العالم بكل ما يحمله من أسى.. ولعلى حيناً أحاول إيجاد الوسيلة.
قد يعجبك أيضًا