التوأم الثامن قصة قصيرة لـ آمال رشاد (الجزء الأول)

١
سُقراط، يسوع، إبراهيم، عبدالله، فريد، ولسون، زيوس، وأنا؛ إيكاروس.. الثماني المميز..
فنادراً ما تجد عائلة من كبار العائلات المتدينة الحرة أو العلمانية كما يذكرنا البعض لديها ثمانِ أبناء متشابهون، ولولا إختلافاتهم الشخصية لكانوا متطابقين، وليس ذلك فقط. فالثمانية لا يدخل الكنيسة إلا ثُمنهم.. أجل. إبنٌ واحد متدين و سبعة متمردين ، أو بمعني أصح لا أحد يعلم لهم ملة، كما أن كلٌ منهم هو من سمى نفسه حتى، هو من خالق شخصيته، لا عوامل خارجية تمس أتربة جدران غرفهم..

لن أدعي أن حياتنا مستقرة، فهي بعيدة كل البعد عن لفظ الإستقرار، فشهرتنا الإجتماعية كانت ضريبتها أن لكل منا حياته المنفصلة في قصرٍ مكون من عشرة غرف، الأب والأم في الدور الأول، غرف ثمانيتُنا، وغرفة الخادم الذي قدم من زيمبابوي تحت إشراف الكنيسة، في كل غرفة كانت هناك حياةٌ كاملة قائمة، فما إن عبرت باب غرفة كنت كمن عبر حدود الزمان فوصل إلى حقبة ما

كنت أكثرهم فضولاً فاختلس السمع عليهم أحياناً وأتجسس على أسرار غرفهم أغلب الوقت أما في وقت لقائنا الوحيد وقت الغداء كل يوم كنت أهمل الغداء لأدقق في تعابير كل منهم، ألاحظ تغيراتهم النفسية وآخر ما طرأ عليها، كان الأب مرقص يمقت هذا فإذا انتبه لى يوبخنى ويطلب مني مغادرة الطاولة، لأني أزعج إخوتي ببصبصاتي، وكالعادة كانت الأم تريزا تتبعني، وترسل لي باقي الطعام مع الخادم.. يبدو هذا المختصر مفيد لتتعايش أجواء أسرتي، دعني إذاً أسرد لك كيف دار الحدث.. الذي دعاني لكتابة هذا..

‎في أمسية غامضة.. إمتد لقاؤنا لما بعد الغداء بأمر من الأب مرقص ، قال أن هناك حرائق إنتشرت في أنحاء المدينة، والكنيسة لا تجد حلاً لإبطالها، وأنه يظن أن -للجان- يدٌ في هذا، وبالطبع إستهان إخوتي بكلامه، لكنه كان مُصراً علي أنه يجب أن نجد حلاً حتى وإن كنا غير مؤمنين بالأسباب، وتابع كلامه قائلاً “في الحقيقة قد بحثت عن دجال ماهر وله تاريخ مع عالم الجن وقد وجدته بالفعل، وقال لي أن هناك لعنة حلت علي أرضنا لتفرقنا، وأن النيران لن تترك بيت فُرِق شمله إلا وأحرقته..”

‎ضحك ولسون بصوتٍ عال.. وقال..:
‎-إن كنت على صواب يا أبتاه لأُحرقت الأرض كلها.. لما بقت الفئران حتى ولا الحشرات.. فلتعقل ما تقول..
‎أخذ الأب مرقص نفساً عميقاً.. وقال بنفاذ صبر..:
‎-هناك شيء مشترك بين كل البيوت التي إحترقت..
‎عم الصمت لبضع ثوان.. فأزلف الأب مرقص قائلاً:
‎-يوجد كتاب ما.. وجدناه هو الأثر الوحيد الباقي من حريق البيت الأول فأخده أحد جيرانه، وكان بيته هو الثاني، فأخذه أحد رجال الكنيسة، فكان هو الثالث، والحرائق تستمر بهذا الشكل، وقد وضع الكتاب في الكنيسة الآن، ولكن مع مرور الوقت لابد أن تحترق الكنيسة..

إعلان

‎عم الصمت ثانية.. لكن هذه المرة كان يخوّم معه جو من القلق..
كسر سقراط هذا الصمت بسؤاله:
‎-وما قد يكون هذا الكتاب إذاً؟
‎-كتاب “الأنا العليا”.. لم أسمع به قط.. ولا بكاتبه، مكتوب على الكتاب أن الكاتب يلقب نفسه بشاهنشاه العرب، وأنه ولد في العصور الوسطى، لا نعرف حتى رجلاً كان أم إمرأة، لا شيء آخر نعرفه سوى أن الدجال أضاف معرفته بهذا الكتاب، وأنه كتاب كتبت عنه مئات الأساطير فهو سبعة فصول، يوجد لقراءته اداب، فكل فصل يجب أن يقرأ بروحٍ مختلفة، فالأسطورة تقول أن الكاتب كانت روحه منقسمة وكل قسم منها كتب جزءاً وكل نفسٍ ستجد ما يشبهها فيه، لكن يقال أن بعدما أنهى الكاتب الكتاب وجد أن لا أحد يتفهم السبع أرواح بصدق، فشعر بالغربة وحس بين الناس بالوحدة، فوضع عليه تعويذة ما تجعل الكتاب يحرق كل ما حوله إذا لم يصدق القراء الكتاب.. ويؤمنوا به..

‎قال فريد وكان قد ازداد وجهه بياضاً:
‎-كان من الممكن أن تقل أننا هلكنا كلغة أسهل من كل هذا الشرح الطويل..
‎كان حينها يقرأ يسوع الصلوات ويرسم الصليب علي جبينه، أما عبدالله فكان يستغفر من كل ذنبٍ قد آتاه إستعداداً للنهاية، وإبراهيم كان يرمقنا في انتظار أن يجد أحدنا أملاً في بين هذه السطور..
‎وكان لسان زيوس أول المتكلمين:
‎-حسناً.. الآن يوجد كتاب ما والكتاب يحتاج إلى قراء صادقين مختلفي الأرواح سبعة أرواح بالتحديد وفي نهاية قراءة الكتاب يجب التصديق به، وفي رأي هذا الجزء المفقود من الأسطورة. فسبعةٌ منا يملكون الجزء الأول. ودجالك يا أبانا هو من عليه بالجزء الثاني.

‎قال الأب مرقص :
‎-أحسنت قولاً يا زيوس.. لكن قولك يعيبه شيء فأنا لا أستطيع الإعتماد علي الدجال كثيراً، فإذا عُرف الأمر لساءت سمعة الكنيسة، سأحضر الكتاب غداً، وأنتم تبدأون وتوزعون الفصول بالتناوب، وأنا سأبعث بأحدهم ليسأل الدجال عما نفعله بعد..
‎انتهى المجلس.. وكنت أكثرهم صمتاً وخوفاً فاق خوفي خوف الأم تريزا، حاولت حفظ صمتي، إتجهت لغرفتي أفكر ماذا لو كانت هناك لعنة بحق؟ ماذا لو لم يكن معنا مفتاح هذه الأحجية؟ ماذا لو لم نختر السبعة المناسبين؟ حتى سرق النوم مني كل هذه الأفكار..

‎٢

‎بدأ اليوم التالي وكلٌ منا يفكر في نفس الأمر “أسيكون سبب تجمعنا -في موعدٍ غير موعد الغداء- هو مجموعة من الأساطير والخرافات حول كتاب ما؟” مابرحت أفكارنا هذه سوى لبضع دقائق، حتى بعث الأب مرقص الكتاب مع الخادم وسلمه للأم تريزا ومن ثم سلمته هي لزيوس..
‎نظر زيوس في أعيننا.. وقال:
‎سأقرأ عناوين الفصول بصوتٍ عالٍ.. من يرى في نفسه العنوان سيتقدم ناحيتي، لكن يجب كما قال الأب.. أن تؤمن أن هذا العنوان يناسبك..
‎لم يرد أحد إلا أن هززت رأسي بالموافقة.. فتابع..

‎- الفصل الأول.. الباحث.. وكُتب بين قوسين” صاحب الحكمة”..
‎عم الصمت لدقائق طويلة.. كنا كلنا الباحث حينها عمن منا قد يلائمه هذا الفصل.. ونحن لا نعلم منه سوى كلمة البحث.. تقدم سقراط بخطوات مترددة.. لكن زيوس سحب يده رداً منه بالموافقة عليه..
‎-الفصل الثاني.. الخلاص الأول.. وبين قوسين كُتب” المذنب”..
‎كانت هذه أحجية أخرى.. أضعنا فيها ربعاً من الساعة، تحديقاً في أعين بعضنا البعض وفي أعماقنا بحثاً عن هذه الكلمات، حتى قطع يسوع هذه التعمق بتقدمه في خشية.. فسحبه زيوس بالموافقة أيضاً..

‎-الفصل الثالث.. التائب.
‎كنا قد بدأنا نبصر أنفسنا بأعين صادقة بعد أول بحثاً في العناوين الأولى، ولكن هذه المرة تقدم إبراهيم وولسون في خطوات متساوية.. ونظرا لبعضها نمرات صامتة.. لكن ولسون قال:
‎-أخي إبراهيم، نعلم أن البشر كلهم مذنبون.. لكن ليس كلنا توابون، والمذنب التائب هو من يذنب كثيراً ثم يشعر بالذنب في كل مرة.. أما أنت فتقي.. لا تشرب الخمر ولا تغازل النساء حتى.. فكيف لك تكون تائباً إن لم تذنب قط؟..
‎قال إبراهيم في هدوء يجمعه بعض من القلق:
‎-أذنبنا يا أخي في سعينا إلى التقوى.. الشك ذنب والعشق ذنب.. وأنا أتوب كل ليلة عن ذنبٍ حتى إقترفته في منامي..
‎قطع زيوس حديث إبراهيم.. ودعاه.. وأخبر ولسون أنه لا يري فيه التوبة كمعناً دقيق.. ولم يعترض ولسون نهائياً هذه المرة..
‎-ااه.. هناك بعض الصفحات الفارغة هنا.. ما علينا.. سنتابع.

الفصل الرابع.. المؤمن.
‎كنا جميعاً نفكر في نفس الشيء.. ما الفرق بين المؤمن والتائب؟ وما أخذ الأمر سوي بضع دقائق.. حتي كنا نرمق عبدالله.. لم يكن يري في نفسه الإيمان وكان دائماً ما يرى أنه مقصر، لكنه لم يمانع وتقدم نحو زيوس فتابع..
‎-الفصل الخامس.. التائه.
‎كنت قد سمعت فريد سابقاً وهو يتلو مذكراته أمام مرآته وهو يتحدث عن شعوره بأنه تائه وسط أحزانه لا يعرف إلي سعادته طريق، وفي حين كنت أتذكر تلك الكلمات.. تقدم فريد بثقة.. وتابع زيوس دون تعليق.

-الفصل السادس.. المتيقن.. وبين قوسين مكتوب “صاحب الرؤيا”..
‎لم يكن يتبقي سوى ولسون.. أنا.. وزيوس نفسه.. وكنت أعرف أني لست بصاحب رؤيا أو يقين.. فكنت أترقب حسم أحدهما للأمر.. فحسمه وجود ولسون..
‎-حسناً.. لم يتبقى سوى أنا وإيكاروس.. والفصل السابع والأخير.. وهو بعنوان “الجبار”..
‎ضحكت في حين ذكره العنوان وقلت:
‎- مباركٌ لك أخي زيوس.. الكل يعلم من الجبار هنا..
‎ضحك الجميع في حين أن زيوس كان يرمق الكتاب بتعجب.. ثم قال:
‎-عجيب.. يوجد صفحات فارغة هنا أيضاً.. الكثير منها..!
‎رد ولسون وقال:
‎-لو كنت أكتب كتاباً عن نفسي العليا لجعلته كله فارغاً.. أضممهم لفصلي يا أخي..

‎وضحكنا.. لكن هذه المرة بحذر.. فكنا نهاب إنقلاب صدى الضحكات علينا بلعنة جديدة.. ماذا بعد إذًا؟  أسنظل عالقين في أحجية هذا الكتاب طويلاً؟ كان هذا ما يشغل بال الجميع.. أما أنا فكنت أتساءل عن ماهيتي إذًا؟ ذكر الكتاب كل شيء قد تحويه نفس بشرية.. ماذا عني؟.. لم أنصاع إلي تلك الأفكار كثيراً، وإنتظرت في صفوفهم ما قد يحمله الغد لنا ولهذه الجدران..

-يتبع-

في حالة أعجبتك القصة، ربما ستعجبك مقالات وقصص أخرى نرشح لك

رسائل من أهل الجحيم .

إعلان

اترك تعليقا