الاتحاد الأوروبي يفقد النطق مع فرض فيروس كورونا القيود على عمل المترجمين الفوريين
أدى فيروس كورونا إلى افتقاد الوضوح وزيادة الثرثرة في قوقعة بروكسل. فقد أدَّتِ الجائحة إلى خفضٍ حادٍّ في كمِّ خدمةِ الترجمة الفورية التي تُقدمها مؤسَّساتُ الاتحادِ الأوروبي، مما نَجَم عنه إلغاءُ عقودِ المترجمين الفوريين المستقلِّين؛ ليجد المسئولون أنفسهم يعافرون من أجل التعبير عن أنفسهم.
وقبل أسبوعين، توجهت ساندرا بريرا _وهي عضوٌ يساريٌّ في البرلمان الأوروبي_ لأعضاء اجتماع لجنةِ الصِّناعةِ بالبرلمان الأوروبي قائلةً أنها «تأسف» لعدم قدرتِها على الحديثِ بلغتها الأم «في الوقت الذي نفتقد فيه المترجمين والمترجمين الفوريِّين».
وفي اجتماعٍ للجنة الشئون الخارجية بالبرلمان، طالب رئيسُ الجلسة ديفيد ماكاليستر أعضاءَ البرلمان أن يتحدثوا بلغتهم الأم، إن كانت إحدى اللغات التي تتوفر لها الترجمة، والتمس لاحقًا من أحد الأعضاء أن يتحدث باللغة الإنجليزية حيث أن المترجمِين الفوريِّين لم يعودوا موجودين.
وعلى الرغم من التباعدِ الاجتماعي والحظرِ على السفر، إلا أن البرلمانَ الأوروبيَّ يُؤكِّد أنه قد نجح في توفيرِ الترجمة الفورية لكافَّةِ لغاتِ الاتحادِ الأوروبي، وعددُها أربعٌ وعشرون، وذلك لجلساتِ الجمعية مكتملة الحضور، ولم تتوفر في البداية ترجمةٌ للُّغة الغيلية والمالطية؛ نظرًا لعدم قدرة المترجمِين الفوريين لهاتين اللغتين على السفر إلى بروكسل.
إلا أن الأمر يختلف في حالة اجتماعات لجانِ البرلمان، حيث لا يتواجد سوى ثمانِ لغاتٍ في الغرفة الواحدة، ولا يوجد سوى مترجمٍ فوريٍّ واحدٍ في الكابينة، بدلًا من مترجمين أو ثلاثة.
كما يستخدم خبراء اللغة أيضًا تطبيقًا يسمى Interactio؛ وذلك لتوفير الترجمة الفورية في الاجتماعات الإلكترونية. وعلَّق أحدُ المترجمين الفوريِّين _الذي رفضَ ذِكرَ اسمِه في هذا المقال نظرًا لقواعد السرية الصارمة التي تحيط بعملهم_ قائلًا: «المشكلة أن المترجمَ الفوريَّ بحاجةٍ إلى رؤيةِ الشخص الذي يتحدث بشحمه ولحمه»، وأضاف: «في هذه الاجتماعات، نفتقد السياق، وكذلك فإن مستوى التركيزِ الضروريِّ يضاعف من الإرهاق الذي يصيبُنا».
وأضاف المترجم الفوري قائلًا: «ومما يُصعِّب الأمرَ عمليةُ تفسيرِ رسالةِ المتحدث».
أما اجتماعات بعضِ المؤسَّسات الأخرى، مثل المفوضية ومجلس أوروبا، فقد تمَّ تقليصُها بشكلٍ جذري، مما أدَّى إلى انخفاضِ العمل للمترجمين الفوريين.
وأمسى هذا الأمر وضعًا طاحنًا لفريق من 1200 مترجمٍ مستقل، ينفِّذون نصفَ عملياتِ الترجمةِ الفورية بمؤسسات الاتحاد الأوروبي. فالكثير منهم يسافر من بروكسل وإليها، ليجدوا أنفسهم الآن تحت الحظر في بلدانهم الأم، لا يعلمون متى قد يعودون إلى العمل.
ويُخشَى أنه إن لم تَعُدِ الاجتماعات إلى وضعها الطبيعيِّ عما قريب فإن كافةَ عقودِ المترجمين المستقلِّين سوف تُلغَى، كما أن الاتحادَ الأوروبيَّ لن يتمكن من أداء وظائفِه كما ينبغي باستخدام لغاتِه الأربعِ والعشرين الرسمية.
وأوضح مترجمٌ فوريٌّ آخر قائلًا: «لقد وجدنا أنفسنا محتجزين في أرجاء أوروبا، ودون عمل. ونتساءل، هل سيتم استئناف عقد الاجتماعات قبل بداية فصل الصيف؟».
إن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تستعين بثمانمائة مترجمٍ فوريٍّ بعقودٍ ثابتة، ومائتين وثلاثة آلاف مترجمٍ مستقل، لدى مائتان وألفٌ منهم عقودٌ منتظمة، وذلك طبقًا لبياناتِ الأرقام الرسمية وأحدِ المتحدثين الرسميِّين للبرلمان الأوروبي، كما يعمل الكثير من المترجمين الفوريين المستقلين في المؤسساتِ الثلاثِ الرئيسةِ للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى مثل محكمة العدل الدولية.
إلا أن الإجراءاتِ التي تمَّ فرضُها لكبح انتشار فيروس كورونا _من تقليص عدد الاجتماعات الفعلية، وفرض إجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة، واللجوء إلى الاجتماعات عبر شبكة الإنترنت مع وجود حدٍّ أدنى للترجمة الفورية_ قد أدت إلى انخفاضٍ هائلٍ في كمِّ العمل الذي لا يكفي للجميع.
فتوقفت المؤسسات عن الاستعانة بالمترجمين الفوريين المستقلين الذين يعملون بعقودٍ طويلة الأجل أو قصيرة الأجل على حدٍّ سواء.
كما ألغى البرلمانُ الأوروبي عقودَ المترجمين المستقلين مع آخر أسبوعٍ لشهر مايو وإلى أجلٍ غير مسمى، وإن حرصت على دفع رسوم الإلغاء عن شهري مارس وأبريل (فطبقًا لقواعد الاتحاد الأوروبي، تلتزم المؤسسات بإلغاء العقود قبل ستين يومًا من الموعد المحدد وذلك لتفادي دفع الرسوم كاملة).
أما تيري راينتكا _وهو عضو ألماني من أعضاء البرلمان الأوروبي من حزب الخضر_ فطالب البرلمان بإيجاد سبلٍ لمساعدة المترجمين الفوريين على تجاوز الأزمة.
وقال راينتكا في خطابٍ أرسله مع عددٍ من الزملاء إلى رئيس البرلمان ديفيد ساسولي لطرح القضية: «إن المترجمين الفوريين يضمنون التعددية اللغوية للاتحاد الأوروبي، كما أنهم ضروريُّون لاستمرارية عمل المؤسسات وأدائها. إن رعاية المترجمين الفوريين العاملين لديها _ولا شك_ مسئولية البرلمان الأوروبي، حيث أن الإجراءات الوطنية لا تُغَطِّي تأمينهم.».
وأضافت ألكسندرا جيس _وهي عضوٌ آخر من أعضاء البرلمان من حزب الخضر، وكانت قد عملت سابقًا مترجمةً فوريةً للاتحاد الأوروبي_ أن الكثير من زملائها السابقين من المترجمين المستقلين «ليس لديهم أيُّ نوعٍ من أنواع التغطية للتأمين الاجتماعي في أي دولة.».
وقالت: «إن البرلمان ينوي تقديم شكلٍ من أشكال الدفع مقدمًا، لكن ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خطواتٍ إضافية.».
وأضافت: «يجب على مؤسسات الاتحاد الأوروبي أن تخجل من نفسها؛ فهي تنادي بأننا بحاجة إلى التضامن الأوروبي، إلا أن هؤلاء المترجمين لا يَحظَوْن بأيِّ شكلٍ من أشكال التضامن.».
خارج المفوضية
إن المُفوَّضيَّةَ الأوروبية تُعَدُّ واحدةً من أكبر الجهات التي تستعين بالمترجمين الفوريين في الاتحاد الأوروبي؛ فهي توفر الترجمة الفورية لنحو أربعين إلى خمسين اجتماعًا يوميًا خلال الفترات العادية، وذلك طبقًا لمتحدِّثٍ رسمي.
وأضاف المتحدث الرسمي أن المفوضية توفر حاليًا الترجمةَ لحوالي خمسةِ اجتماعاتٍ فعليَّةٍ في اليوم، إضافةً إلى أن خبراءَ اللغة بالمفوضية يَعكُفُون على تقديم الترجمة الفورية للاجتماعات التي يتم عقدها من خلال video conferencing، ومنها اجتماع التعهد الدولي لمكافحة فيروس الكورونا الذي تم عقده في شهر مايو 2020.
أما في مجلس الاتحاد الأوروبي، فقد تم توفير الترجمة الفورية «توفيرًا جزئيًّا» في اجتماعات السفراء، وذلك طبقًا لمسئولٍ بالمجلس، بينما اضطرَّ الوزراء الذين اجتمعوا من خلال video conferencing أن يتدبَّروا اجتماعهم دون أيِّ ترجمةٍ فوريةٍ يوفرها المجلس.
بل حتى إن بعض قادة الاتحاد الأوروبي، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد عقدوا مؤخرًا اجتماعاتٍ باستخدام video-conferencing دون توفير المجلس للترجمة الفورية.
وفي مسعى لحل مشكلاتِهم التقى المترجمون الفوريون المستقلون أونلاين مع ثلاثٍ من مؤسسات الاتحاد الأوروبي في شهر أبريل، ومن المُقرَّر عَقدُ اجتماعٍ مشابِهٍ بحلول نهاية شهر مايو.
وإلى حينه، يرى المترجمون الفوريون بثقةٍ _بما يتسق مع مهنتهم_ أن التواصلَ الواضحَ هو المفتاحُ لإعادة الأمور إلى مسارها.
وجاء في بيانٍ وقَّعه الفريق المفاوض لهم في أعقاب اجتماعٍ عُقِدَ يوم الرابع والعشرين من أبريل: «إننا نتعامل مع المؤسسات من خلال الحوار المجتمعي، وما من شكٍّ أن هذه المشكلاتِ سوف تجد حلًّا، كما كان الوضعُ دائمًا في تاريخ الاتحاد الأوروبي.».